الغربة .. أو الإغتراب عن الوطن وهو إقتلاع المرء من جذوره وتحولّه إلى بيئة أخرى، بعيدة أو قريبة.
والإغتراب .. إما إغتراباً قسرياً … أو إختيارياً، بعيداً عن مكان ولادته، وملعب طفولته .. وذكرياته .. وتفاصيل الحياة اليومية الجغرافية، والإجتماعية، والعاطفية وو… إنها عملية، وتجربة، وإمتحان صعب وقاس ينتج عنه أبعاد مباشرة وغير مباشرة، بما له من إنعكاسات وتأثيرات عميقة على الروح والجسد والفكر.
فالإنسان كتلة من لحم و دم .. مشاعر وأحساسيس وعواطف يتأثر سلباً وإيجابياً بمجريات حياته.
(طوبى للغرباء لأن لهم..).
موضوع الإغتراب موضوع كبير وهام وواسع، إنه مأساة العصر، وأزمة هذا الزمن الرديء، وظاهرة تتسع يوماً بعد الآخر. فمنذ خمسينيات القرن الماضي حتى هذه اللحظة آخذة بالإتساع وإرتفاع وتيرتها، نظراً للظروف والتطورات والتغييرات الداخلية المحلية الإقليمية والدولية.
الإغتراب أو الإرتحال والتهجير أو الغربة، قديمة قدم الإنسان الذي يجول على هذه الأرض، في صراعه ضد الطبيعة والوحوش الضاربة، أولاً ومن ثم أخيه الإنسان الذي ثبت الآن أن الصراع مع وحوش الغابة أسهل بكثير من صراعات البشر بين أنفسهم، حيث يسيطر القوي على الضعيف، والغني على الفقير و رجل السلطة على المواطن العادي، فعندما تتحول العواطف و المشاعر الإنسانية إلى إحتضان الأنانية وحب الذات والغرور وعدم الثقة بالنفس، والسطحية بالتفكير وقصر النظر حينها ينتصر الشر على عنصر الخير لدى المر والكره على الحب والحقد والطمع على الحق والعدالة والصفح والتعاون والتضامن والإعتراف بإلآخر ككائن بشري مثله، له نفس الحقوق والكرامة والإحترام.
إذا تصفحنا التاريخ فمعظم الأنبياء والرسل والدعاة وقادة الثورات والأحزاب والإصلاح والتغيير تاريخياً وحتى هذه اللحظة عاشوا تجربة الأبعاد والنفي والتهجير أو الإغتراب إبتداءاً من السيد المسيح والنبي محمد إلى لينين وماركس وهوشمين وشوان لاي …. من عبدالقادر الجزائري إلى سعد زغلول، إبراهيم هنانو ومطران كبوتشي وعبدالله أوجلان وقادة الأحزاب الكردية في سوريا والعراق وإيران، وقادة المنظمات الفلسطينية وأصحاب المواقف الوطنية والرأي هرباً من الطغاة والظلم والأنظمة الرجعية الشوفنية المستبدة الحاقدة( لاتنسوا إضافة الغرباء).
هناك أسباب عديدة وكثيرة للإغتراب كما نعلم، أهمها الأسباب الإقتصادية، السياسية، الدينية، الثقافية، والعلمية. ولا ننسى الحروب المستمرة والمجازر الفردية والجماعية في المدن والسجون والإنتفاضات والأنفال والإغتيالات. وأخطر وأقسى هذه الأسباب هي الأسباب السياسية تحت ظل أنظمة القمع والرعب والخوف واللصوصية في الدول الشمولية ذات الحزب الواحد والبعد الواحد، أو الأنظمة العنصرية قومياً ودينياً التي تلغي الآخر، وتلغي العقل وتنهي أبسط حقوق الإنسان، وتضع جميع الأحرار في بلدانها من حملة الرأي والفكر في الأحزاب والنقابات وغيرها أمام خيران، إما الإعتقال الكيفي والتعذيب والموت في السجون بدون محاكمة أو محاكمات صورية غير مستقلة.
ثانياً: بالنفي إلى الخارج لذلك يبقى المغترب واللاجئ السياسي صاحب القضية أكثر ألماً وعزاباً وعناءاً، من اللاجئين العاديين الذين لايحملون القضية حيث إغتربوا لتحسين ظروفهم المعيشية هرباً من الفقر والبطالة أو التسريح والجوع وإنعدام العدالة، وهم بإمكانهم زيارة الوطن والعائلة في أي وقت والإتصال بالجميع دون حرج أو خوف بعكس المغترب السياسي.
لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المغتربين السوريين حول العالم لكن الأرقام تتحدث عن 12-15 مليون مغترب ومتحدر من أصول سورية، والتوزع الرئيس لهم من حيث حجم الكتلة البشرية هو كالتالي بحسب المؤشرات المتوفرة:
• أمريكا اللاتينية: وبخاصة البرازيل – الأرجنتين – فنزويلا – تشيلي.
• الخليج العربي: وبخاصة المملكة العربية السعودية – الإمارات العربية المتحدة – الكويت.
• الولايات المتحدة وكندا: تشير أرقام غير رسمية إلى حوالي 500 ألف أمريكي من أصل سوري وكذلك 500 ألف كندي من أصل سوري.
• أوروبا: التواجد الأكبر هو في ألمانيا – السويد – فرنسا – إسبانيا – إيطاليا – بريطانيا.
• أستراليا.
• روسيا والدول المستقلة.
الأعداد التقريبية والإحصاءات تتفاوت بحسب تعريف المغترب/المهاجر وكيفية إحصائه بحسب البلدان والمعيار الذي تتخذه في تحديد المهاجرين الموجودين على أراضيها، والوضع التاريخي والقانوني لهم وقوانين الجنسية والمواطنة التي يخضعون لها، ففي دول أمريكا اللاتينية يوجد جيل رابع من المتحدرين من أصول سورية، وهؤلاء مواطنون كاملو المواطنة في بلدانهم منذ عدة أجيال لذلك لا يتم إحصاؤهم في كثير من المسوح والإحصاءات التي تجري للمغتربين، كما لا توجد إحصاءات دقيقة لعدد السوريين الموجودين في دول الخليج العربي الذين يشكلون ثاني كتلة بشرية اغترابية سورية بعد أمريكا اللاتينية.
فيما يلي بعض المؤشرات عن أعداد وتوزع المغتربين السوريين وهي إحصاءات ومؤشرات تقريبية معدة من قبل بعض مراكز الأبحاث. فعلى سبيل المثال:
• يقدر تقرير صادر عن European Survey of Information Society Projects and Actions عدد المغتربين السوريين حول العالم بـ 981000 مغترب لعام 2000.
ومن الواضح أن التقرير لا يحصي المتحدرين من أصول سورية في أمريكا اللاتينية حيث توجد الكتلة الأكبر للمغتربين السوريين الذين يقدر عددهم بعدة ملايين… وهي غير دقيقة حول المغتربين في دول الخليج العربي – وهي خاضعة للعوامل الموضحة أعلاه).
• دراسة لبنك الاستثمار الأوروبي بعنوان: " تفعيل حوالات العمال المغتربين في دول حوض البحر الأبيض المتوسط". تقدر عدد المغتربين السورين في أوروبا بـ 66000 مغترب لعام 2024 نصفهم موجودين في ألمانيا والسويد. (الإحصائية مبنية على الشريحة التي استهدفتها الدراسة وهي الأشخاص الذين يقومون بحوالات مالية عبر المصارف و المؤسسات المالية)
وتقدر هذه الدراسة توزعهم كما يلي:
– منهم 28 ألف في ألمانيا.
– 16 ألف في السويد.
– 6 آلاف في هولندة.
– ألفان في بلجيكا.
– إضافة إلى أعداد أخرى غير محصاة في فرنسا وبريطانيا وإيطاليا ودول أوروبية أخرى.
وتبين الدراسة أن السوريون في أوروبا يشكلون 5% من السوريين في العالم، في حين يشكل السوريون في ألمانيا 45% من السوريين في أوروبا.
ومن الجدير الإشارة إلى أن بعض الأرقام تتحدث عن أعداد أكبر للمغتربين السوريين في الدول الأوروبية ففي حين تقدر الدراسة عددهم في السويد مثلاً بـ 16 ألف، يقدر بعض المغتربين في السويد عدد الجالية في السويد بما يزيد عن 80 ألف سوري.
بعض الأرقام المتداولة تشير إلى حوالي 500 ألف أمريكي سوري في الولايات المتحدة الأمريكية ومثلهم في كندا، في حين أن هناك 300 ألف سوري في أستراليا، ولا تتوفر أية أرقام عن المناطق والدول الأخرى.
كل الأرقام السابقة يمكن أن تكون مؤشرات وشرائح إحصائية لأعداد وتوزع المغتربين السوريين، لكنها لا تعكس الواقع الفعلي لأعدادهم بالنظر إلى العوامل التي أشير إليها أعلاه وعدم توفر إحصاءات دقيقة وشاملة، فعلى سبيل المثال لا يتجاوز الرقم المسجل للمغتربين السوريين في قطر بضع مئات في حين تقدر السلطات القطرية عدد السوريين على أراضيها بأكثر من /20000/.
المخططان البيانيان المرفقان هما تجربة عمل الوزارة في إعداد شريحة إحصائية عن المغتربين السوريين، فالمخططان يبينان نسبة المشاركة بحسب البلدان في مؤتمري المغتربين السوريين الأول عام 2024 والثاني عام 2024 وهما لا يعكسان توزعهم الفعلي وأعدادهم لكنهما يمكن أن يكونا مؤشرين لمدى فعالية الجاليات وارتباطها بالوطن.
عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة والهجرة تشير إلي أن أعداد المصريين في الخارج تتراوح بين6 إلي7 ملايين نصفهم تقريبا في الدول العربية والباقي في الدول الأجنبية