تخطى إلى المحتوى

بحث العولمة : جذورها، وفروعها، وكيفية التعامل معها للصف الحادي عشر 2024.

· بحث للدكتور : عبد الخالق عبد الله
· جامعة الإمارات العربية المتحدة قسم العلوم السياسية
· المنشور في مجلة عالم الفكر
· الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – دولة
الكويت العدد 28 عام 1999 م

العولمة : جذورها، وفروعها، وكيفية التعامل معها
بقلم : صالح سليمان العامر

جذور العولمة والتعامل معها:
في القرن الحادي والعشرين أصبح من الواضح أن معظم التحولات الاقتصادية والسياسية والعلمية والثقافية المذهلة والمتسارعة التي يشهدها العالم هي إما سبب من أسباب العولمة أوانها مجرد نتيجة من نتائجها الضخمة والعميقة . لقد كانت حركة دمج العالم موجودة باستمرار وعبر كل العصور التاريخية، بيد أن هذه الحركة أخذت تتسارع خلال التسعينيات بشكل خاص مستمدة صورتها من الثورة العلمية والتكنولوجيا الراهنة والتطورات المدهشة في وسائل الاتصالات والمعلومات التي تقود الطريق إلى المستقبل .والعالم – الآن – يعيش لحظة بدايات العولمة ومازال يتعرف على مقدماتها ولكن العالم لا يعرف – على الإطلاق – إلى أين تتجه العولمة وما هي نهاياتها ؟وهناك محاولات فكرية عديدة لفهم طبيعة التحولات والتغيرات في جميع الاتجاهات والمجالات واستيعاب هذا العالم الجديد وفهم سماته الأساسية ومساراته المستقبلية منها على سبيل المثال و أبرزها :
1 –المؤلف "صموئيل هانتغتون" بعنوان صدام الحضارات : الذي أشار فيه إلى أن البشرية – وهي في طريقها نحو عالم جديد – كانت مقبلة على الحرب الدامية بين مناطق الحضارة الكبرى .

2 –المؤلف "فرانسيس فوكوياما" في كتابه "نهاية التاريخ" الذي شخص فيه المرحلة الراهنة من التاريخ وكأنها مرحلة انتصار نهائي للنموذج السياسي والفكري الليبرالي الذي يحظى بالقبول الواسع من أكبر قدر من الدول والمجتمعات في العالم.
3 –"بول كيندي" مؤلف كتاب "صعود وهبوط الامبراطوريات" والذي توقع فيه انهيار الاتحاد السوفيتي، وتنبأ باحتمال تراجع هيمنة الولايات المتحدة على الشأن العالمي في المستقبل إذا ظل الإنفاق العسكري الأمريكي على مستوياته العالية والتي لا تتناسب مع نصيبها من الإنتاج الإجمالي العالمي .
4 –"رونالد روبرتسون" مؤلف كتاب "العولمة" الذي يؤكد على أن العولمة هي تطور نوعي جديد في التاريخ الإنساني بعد أن أصبح العالم أكثر ترابطاً وأكثر تماسكاً والوعي بهذا الارتباط هو من أهم سمات هذه اللحظة .
5 –"جون بسبيت" مؤلف كتاب "ملة العولمة" وتحدث فيه عن القوى التكنولوجية والتكتلات الاقتصادية الجديدة التي ستلعب الدور الحاسم في تشكيل مستقبل البشرية خلال القرن المقبل .
6 –"والفين توفللر" مؤلف الكتب التالية : أ – ( الموجة الثالثة ب – صدمة المستقبل ج – تحولات القوة ) وهو الذي سبق الجميع من حيث التعمق في فهم طبيعة الفصل الجديد في التاريخ وتجديد سماته المميزة عن العصور السابقة . * اللحظة الحضارية الجديدة كغيرها من اللحظات التاريخية السابقة واللاحقة مليئة بالفرص والمخاطر

الاحتمالات وإن فرص العولمة كثيرة ومتنوعة وبالإمكان استغلالها لتحقيق أهداف محلية ووطنية وغايات إنسانية وعالمية مثل: الفرص العلمية المصاحبة للثورة العلمية والتكنولوجية والاتصالية وتقنية المعلومات .
أما مخاطر العولمة التي تحملها في طياتها من سياسية وثقافية واقتصادية والمرتبطة بحركة العالم عن طريق الولايات المتحدة ونتيجة تداخل هذه الفرص مع المخاطر كان من غير الممكن اختزال العولمة وتبسيطها فلا يمكن اختزالها في الفرص والمخاطر أو العكس، ولا يمكن تجاهل إيجابيات العولمة الواضحة كل الوضوح كما لا يمكن استبعاد سلبياتها البارزة كل البروز ولا يمكن التغافل عن المستجدات الحياتية والفكرية المعاصرة والاعتقاد بأن العالم يتغير والاستمرار بالقوالب الحياتية والفكرية السابقة نفسها والتي ربما لا تناسب الفصل الجديد من التاريخ وافتعال المواجهة والمعارك غير الضرورية مع العولمة . والمهم تشخيص العولمة تشخيصًا متوازنًا بكل مالها وما عليها .

ماهي العولمة ؟

يقول "بول هيرست" و"غراهام توميسون" : إن أوهام العولمة هي الأكثر بكثير من حقائقها، و مالا يـعرف عنها أكثر بكثير مما يـعرف، ومع ذلك فإن العولمة مازالت من أكثر الظواهر الاقتصادية والسياسة والثقافية غموضاً وإثارة للجدل .وبعض الناس اتخذ منها موقفا أيدلوجيًا وعقائدياً مسبقًا قبل أن يفهمها وأخذ يسابق الجميع لمعاداتها والبعض ركز تركيزًا أحاديًا على مخاطرها دون فرصها، وبالغ في تضخيم المخاطر، ويمثل هذا الموقف صاحب كتاب ( فخ العولمة ) والبعض الآخر تعرف على فرصها دون المخاطر، وجعل يبالغ في إفراز محاسنها الاستثمارية والمعرفية، وقام يبشر الجميع بنعيمها الموعود في ظل النظام الرأسمالي الليبرالي وأما البعض الآخر فإنه أساء كل الإساءة في فهم العولمة واعتقد واهمًا أن العالم قد تم عولمته عولمة كاملة وهو الأمر الذي لم يتم بعد .
وهناك قطاعات أخرى من المثقفين والعمال والجماعات الدينية تنظر إلى العولمة نظرة شك، وتعبر عن رفضها لها كل الرفض، وكل هذه التصورات والأحاسيس والمواقف تعبر عن سعة انتشار العولمة .
· ولمعرفة حقيقتها لابد من :
أولاً : معرفة أن العولمة ليست شعاراً من الشعارات السياسية أو
الفكرية الجديدة التي تبرز ثم سرعان ما تختفي بعد أن تؤدي غايتها
.
ثانياً : العولمة ليست موضة فكرية عابرة لا جذور لها في الواقع أو بدعة أنتجتها عقول المفكرين والمنظرين لإلهاء الشعوب .ثالثاً : العولمة ليست كلمة سحرية تفتح أبواب الثروة والمعرفة للشعوب المحتاجة وتفتح أبواب الحاضر والمستقبل التي مازالت موصدة أمام الكثير من المجتمعات في كل أنحاء العالم .رابعاً : إن العولمة ليست بالمسار المحتوم الذي يحدد مصير البشرية في جميع الاتجاهات المفرحة أو المحزنة .خامساً : العولمة لا تعد بعالم أكثر أمناً واستقرارا وعدالة وديمقراطية، فالعولمة لا تسعى بالضرورة إلى خلق عالم أكثر إنصافًا للمجتمعات والتي لا تشعر- حاليا-ً بالإنصاف فليس ذلك من اختصاصها؛ فإن سلبيات العالم الكثيرة من جميع النواحي موجودة قبل مجيء العولمة وربما تستمر حتى بعدها، فليست العولمة معجزة القرن القادم .

سادسا : إن العولمة لا تعني اجتماع العالم على منهج اقتصادي واحد مهما بلغ التأكيد على صلاحيته العالمية أو الاجتماع تحت لواء مذهب سياسي واحد مهما اتضحت فوائد

هذا المذهب، أو اتباع نموذج ثقافي واحد مهما بدا هذا النموذج جذاباً ومغريًا وناجحًا؛ لأن العولمة لا تضمن اختفاء التنوع الحضاري أو القضاء على التعدد الثقافي أو نزع الذاتية الحضارية أو إلغاء الاختلافات بين الشعوب والمجتمعات والحضارات بل إن العالم سوف يزداد تنوعا في جميع الجوانب الثقافية الحضارية .
سابعا : العولمة ليست حركة استعمارية أو إمبريالية جديدة لأن ذلك موجود قبلها .
ثامنا : وأخيرًا ، العولمة ليست أمركة فإن ذلك أسوأ ما في العولمة، وهو الهدف الذي يسعى إليه الأمريكان ومع ذلك فلم تتمكن أمريكا من ذلك . إذاً المطلوب قبل حقيقة العولمة هو تحرير العولمة من الأوهام والمبالغات والتصورات المغلوطة وسوف نقترب بعدها إلى حقيقة العولمة.
حقيقة العولمة :
عدم وضوح حقيقة العولمة هو سبب تلك الأوهام السابقة وينبغي أن يعلم أن تعريف العولمة هو أمر شائك وتوجد صعوبات أمام الاتفاق على تعريف واحد.
ومن الطبيعي أن يتفاوت فهم الأفراد للعولمة ومضامينها المختلفة ولذلك فأن من الضروري التمييز بين العولمة الاقتصادية و العولمة الثقافية والعولمة السياسية والعولمة العلمية، والعولمة الاجتماعية إذ لا توجد عولمة واحدة . هذه أولى الحقائق المهمة .والحقيقة الثانية : إن مفهوم العولمة لم يكن موجودًا من قبل بل إن قاموس أكسفورد للكلمات الإنجليزية الجديدة أشار لمفهوم العولمة للمرة الأولى عام 1991 م وبأنه من المفاهيم الجديدة التي برزت خلال التسعينيات وهو اليوم من أكثر المصطلحات تداولا في الشرق والغرب ولقد تعددت معاني مفهوم العولمة وكثرت استخداماته وأصبح من الصعب حصر جميع استعمالاته المتفاوتة .ثالث الحقائق : إن الحديث عن العولمة تزامن مع بروز مجموعة من الظواهر الحياتية والمستجدات الفكرية والتطورات التكنولوجية والعلمية والتي تدفع في اتجاه زيادة ترابط العالم وزيادة تقاربه وانكماشه .
والأمر الذي يعني إلغاء الحدود والفواصل الراهنة القائمة بين الأفراد و المجتمعات والثقافات والدول وزامن ذلك زيادة الوعي بتكوين مجتمع أو عالم بلا حدود .
التعريفات :
أولاً أقدم التعاريف : تعريف "رونالد روبرتسون" الذي يؤكد على أن العولمة هي اتجاه تاريخي نحو انكماش العالم وزيادة وعي الأفراد و المجتمعات بهذا الانكماشولهذا التعريف شقان مهمان:
1 –تركيزه الشديد على فكرة انكماش العالم وتتضمن أموراً كثيرة، كتقارب المسافات والثقافات وترابط المجتمعات والدول.
2 –الوعي بهذا الانكماش وهذا ما حدث فعلاً ثانيا أنتوني جيدنز : عرف العولمة بأنها: مرحلة جديدة من مراحل وتطور الحداثة تتكاثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العلمي وحدوث تلاحم بين الداخل والخارج و الربط بين المحلي والعالمي بروابط اقتصادية وثقافية وسياسية وإنسانية، ولا يعني هذا إلغاء المحلي والداخلي ولكن أن يصبح العالم الخارجي له حضور نفس العالم الداخلي في تأثيره على سلوكيات وقناعات وأفكار الأفراد ، والنتيجة هي بروز وتقوية العامل الداخلي. فمن الخطأ الاعتقاد بأن العولمة هي إلغاء للمحلي .ثالثاً " مالكون و أنزز" في كتابه ( العولمة ) عرّفها بأنها: كل المستجدات والتطورات التي تسعى بقصد أو من دون قصد إلى دمج سكان العالم في مجتمع عالمي واحد .

ونأخذ من كل هذه التعاريف :

إن العولمة تتضمن بروز عالم بلا حدود: جغرافية، أو اقتصادية، أو ثقافية، أو سياسية وأن هناك عولمات كثيرة، أما العولمة الكاملة فإنها لم ولن تحدث إلى الآن، لأنها تحتاج إلى ثقافة عالمية واحدة وقيام حكومة موحدة . * من القضايا المهمة سؤال :

ـ هل للعولمة علاقة بالحداثة ؟ وهل هي امتداد لها ؟ و متى ولدت

وبرزت العولمة ؟ وهل هي مولودة أو بارزة فعلا ؟ فيقول البعض : إن العولمة حقيقة حياتية جديدة ولم تبرز خلال عقد التسعينيات ويقول آخرون : إن العولمة قديمة وموجودة ، فمثلاً : الديانات مثل الإسلام لها نظرة شاملة بلا حدود بين الشعوب والقبائل وهذا من أهم مضامين العولمة .
· اقترح " رونالد روبرتسون" جدولا يؤرخ لولادة العولمة يتضمن خمس مراحل :
1 –بداية القرن الخامس متزامنة مع التوسع الكنسي وبروز مجموعة من النظريات التي تتحدث عن وحدة العالم البشرية .
2 –في منتصف القرن الثامن عشر انتعش مفهوم العلاقات الدولية والذي يركز على الأبعاد القانونية .
3 –مرحلة الانطلاق من القرن التاسع عشر وحتى العقد الثاني من القرن العشرين وفيها برزت اتجاهات كونية واضحة تركز على المجتمع العالمي الواحد واندلعت فيها الحروب العالمية الأولى .
4 –إلى بداية التسعينيات وفيها برزت ( الأمم المتحدة ) وتفاقم الصراع من أجل الهيمنة العالمية و الكونية والدخول إلى القمر وتطوير شبكة المواصلات والاتصالات والاهتمام بحقوق الإنسان وحريته .
5 –من بداية السبعينيات إلى بداية التسعينيات تميزت بإدراك الأفراد بعالمية العالم بعد انتهاء الحرب الباردة وبروز المؤسسات الحكومية وغير الحكومية لإدارة القضايا العالمية المعاصرة .
· إذاً عالم العولمة يختلف عن عالم الحداثة الذي أصبحت فيه حركة الأفراد و السلع والمعلومات و رأس المال أسرع وأسهل من أي وقت آخر وقد تقلصت فيه المسافات وأصبح عالما بلا حدود بخلاف الحداثة القائمة على الحدود الجغرافية .
· أسئلة مهمة :

ـ ما هي القوى التي أدت إلى حدوث هذا التداخل بين العالمي

والمحلي ؟ وما هي العوامل التي تعمل على إلغاء الحدود بين الداخل والخارج ؟ وما هي التطورات التي جعلت من عالم التسعينيات عالماً بلا حدود ؟ وماهي المستجدات التي ساهمت في تقليص المسافات واختزال الزمان والمكان وانكماش العالم وزيادة الوعي بعالمية العالم ؟ أسئلة مهمة لابد من الإجابة عنها :
قوى العولمة :
الثروة العلمية والمعلوماتية والاتصالية الجديدة التي اكتسحت العالم منذ بداية التسعينيات وهي القوة الأساسية، ولكنها ليست الوحيدة، والذي يملك هذه القوة و الثروة هو الذي يملك مصير العالم ويعرف كيف يدير شؤونه ويتمكن من التأثير في الآخرين بما في ذلك القدرة على إدارة شؤون العالم سياسيًا واقتصاديًا .وهذه الحركة تكون بسرعة بمعدل اختراع أو اكتشاف جديد في كل دقيقتين من دقائق الساعة الواحدة على مدار السنة ومن دون توقف .ولها مراحل وتحولات سبق الحديث عنها أثناء الحديث عن حرب المعلومات أو الثروة المعلوماتية .

· العولمة الاقتصادية :

العولمة أساساً هي مفهوم اقتصادي قبل أن تكون مفهوماً علمياً و سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعيا،ً وأيضا مظاهر وكليات العولمة الاقتصادية هي الأكثر تكاملا وتحققًا على أرض الواقع من العولمات الأخرى .
وتعنى العولمة الاقتصادية أن الأسواق التجارية والمالية والعالمية أصبحت موحدة وخارجة عن نطاق كل دول العالم وتنتقل السلع والخدمات ورأس المال على النظام العالمي بلا حدود . ونعني انتقال الثقل الاقتصادي العالمي من الوطني إلى العالمي و من الدولة إلى الشركات والمؤسسات و التكتلات الاقتصادية مما أدى إلى بروز منظمة التجارة العالمية و الشركات ذات النشاط .
العولمة الاقتصادية هي الرأسمالية :
من وجه آخر يمكن أن يقال إن هدف العولمة الاقتصادية هو تحويل العالم إلى عالم مهتم بالاقتصاد أكثر من اهتمامه بأي أمر آخر في حياته بما في ذلك الأخلاق والقيم الإنسانية التي تتراجع تدريجياً وتستبدل بالعلاقات السليمة و الزكية والنقية .
وقد تركزت الشركات في ثلاث مناطق اقتصادية رئيسة هي :
1 –اليورو ( الوحدة النقدية الجديدة لدول الوحدة والسوق الأوروبية المشتركة )
2 –منطقة التجارة الحرة لدول أمريكا الشمالية والمعروفة بالنافتا ( تضم الولايات المتحدة ـ كندا ـ المكسيك ) .
3 –محيط ( الين ) ويضم اليابان والصين ودول جنوب شرق آسيا .
هذه الشركات هي وقود العولمة الاقتصادية وتحمل معها كل الفرص
والمخاطر المصاحبة للعولمة
· منظمة الجات :
تم توقيع منظمة الجات وقيام منظمة التجارة العالمية عام 1996 م وضمت هذه المنظمة في عضويتها أكثر من مائة وأربعين (140) دولة بالإضافة إلى ثلاثين (30) دولة في طريقها للانضمام .وهذه المنظمة هي اليوم أهم مؤسسة من مؤسسات العولمة الاقتصادية ويعتبر إنشاؤها منعطفا في التاريخ الاقتصادي العالمي .
· العولمة الثقافية :
العولمة الثقافية ليست واضحة بعكس العولمة الاقتصادية وليست مكتملة أيضا وإمكانية استبعاد قيام عولمة ثقافية ممكن.وهي تعتبر ظاهرة جديدة عكس الاقتصادية والتي تعتبر محصلة لتاريخ طويل من التطورات الاقتصادية والتجارية والمالية .
والمؤلف ذكر التخوف من الناس حول العولمة الثقافية ثم قال :
فإن الثقافة وعناصرها: كالفكر، والأدب، والفن ومن ثم الحياة الثقافية عمومًا تظهر ميلاً واستعداداً واضحاً للعولمة و لو تركت الثقافة لطبيعتها .
ولبروز العولمة الثقافية مقدمات وتطورات من أهمها :
· الانفتاح الثقافي العالمي إذ يتميز هذا العصر بالانفتاح .
وهذا الأمر سيسمح ببروز مفاهيم وقيم وقناعات ومواقف وسلوكيات إنسانية مشتركة وعابرة لكل المناطق الحضارية والثقافية والهدف النهائي للعولمة الثقافية هو ليس خلق ثقافة عالمية واحدة بل خلق عالم بلا حدود ثقافية وهذا لم يتحقق ولا يتوقع له أن يتحقق قريباً .

ـ ومن ناحية أخرى : تتضمن العولمة الثقافية بلوغ البشرية مرحلة

الحرية الكاملة لانتقال الأفكار و المعلومات والبيانات والاتجاهات والقيم والأذواق على الصعيد العالمي .ولقد أصبح ملايين من البشر موحدين تلفزيونيًا وتلفونيًا ومن خلال البريد الإلكتروني وشبكات الإنترنت فلم يحدث في التاريخ أن تمكن أكثر من ثلاثة مليارات فرد حوالي 50 % من عدد سكان الأرض أن يتابعوا معا بالصوت والصورة الحية وفي وقت واحد حدثًا عالميًا كمباريات كأس العالم أو توقيع اتفاقية للسَّلام في العاصمة الأمريكية أو مراسم دفن الأميرة ديانا .

ـ سماع ومعرفة عدد هائل من سكان الأرض عما يجري في باقي أنحاء

العالم كما هو الأمر اليوم الذي تم حاليًا من خلال حوالي ألف (1000) قمر صناعي سيزداد قريبًا إلى ألفي (2000) قمر صناعي تقوم بربط العالم ونقل الأخبار و الأحداث والأفكار والمعلومات والقيم إلى كل أرجاء المعمورة .

ـ السياحة أصبحت حركة السياحة أسرع وأرخص من أي وقت من الأوقات

ولم تعد حكرًا على طبقة معينة فأسقطت السياحة الحدود وقربت الأماكن البعيدة.
والنتيجة هي : بروز اهتمامات وعادات وأذواق وآمال وأهداف وربما لمعطيات مشتركة لا تعبر عن ثقافة محدودة بل عن ثقافات متنوعة .

ـ بعد أن تمكنت الثقافة الاستهلاكية من توصير شباب العالم كما لم

تتمكن أية قوة أو مؤسسة أخرى من توصيرهم في التاريخ فالشباب الذي أخذ يبرز كقوة شرائية مهمة وصاعدة بالأكل من الوجبات السريعة نفسها كالهامبرجر والبيتزا ودجاج الكنتاكي وماكدونالدز و البيبسي والكاكولا .والأغاني الشبابية الراقصة والملابس العالمية و الأفلام المثيرة هكذا حققت الثقافة الاستهلاكية انتصارًا كبيراً خلال هذا العقد وهذا يؤرق المجتمعات، ويقلق الدول التي فقدت السيطرة على الوضع الاقتصادي، وهاهي – الآن – تفقد السيطرة على الوضع الثقافي .
· العولمة السياسية :
السياسة دائماً محصورة ضمن النطاق المحلي ومعزولة عن التطورات والتأثيرات الخارجية، لأن ذلك من أبرز اختصاصات الدولة القومية ومرتبط جداً بمفهوم السيادة ،وممارسة صلاحيتها وسلطاتها على أرضها و شعبها وبرز هذا منذ حوالي ثلاثمائة ( 300) سنة .وهذا الوضع مضاد للعولمة وسوف يعمل على مقاومة العولمة ومع ذلك كأن بروز عالم بلا حدود اقتصادية قد قطع شوطا مهما في الإنجاز على أرض الواقع. ومثله عالماً بلا حدود ثقافياً وكلها ستخلق عالم بلا حدود سياسياً وهو جوهر العولمة السياسية وإن كانت سرعة العولمة السياسية أبطأ سرعة من الثقافية والاقتصادية .ونهاية السيادة والدولة وبروز الحكومة العالمية ممكنة أكثر من أي وقت آخر في ظل العولمة ولكنه لن يحدث بصيغة قريبة، والعولمة السياسية لا تعني بالضرورة القضاء على الدولة إنما تعني دخول البشرية إلى مرحلة سياسية جديدة يتم خلالها الانتقال الحر للقرارات والتشريعات والسياسات والقناعات والخيارات عبر المجتمعات والقارات وبأقل قدر من القيود و الضوابط متجاوزة بذلك الدول والحدود الجغرافية .

والعولمة السياسية تتضمن حدوث زيادة غير مسبوقة في الروابط السياسية بين دول العالم مثل : الثقافية والاقتصادية .
ومن المؤشرات :
1 –إن القرارات التي تتخذ في عاصمة من العواصم العالمية سرعان ما تنتشر انتشارًا سريعًا إلى كل العواصم و الاهتمامات بها مترابطة ومتبادلة بكل الدول والعواصم .
2 –المؤسسات المالية والتجارية والاقتصادية العالمية وفي مقدمتها منظمة التجارة العالمية التي تأسست عام 1996 م لتشرف إشرافاً كاملاً على النشاط التجاري العالمي .
3 –الشركات العابرة للقارات والتي تسمى متعددة أو متعدية الجنسيات .
4 –بروز المنظمات الأهلية غير الحكومية على الساحة السياسية العالمية في الآونة الأخيرة كقوة فاعلة ومؤثرة كمؤتمر قمة الأرض، ومؤتمر قمة المرأة في بكين، ومؤتمر السكان في القاهرة ، وحقوق الإنسان في فيينا وغيرها كثير . ويقول المؤلف : أن الهدف العام الذي تسعى المنظمات غير الحكومية إلى تحقيقه هو خلق المجتمع المدني العالمي الذي يراقب نشاطات وسياسات الدول في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والقضايا الاجتماعية والإنسانية .
5 –بروز مشاكل وقضايا عالمية جديدة تتطلب استجابات دولية وجماعية وليست استجابات فردية مثل : التلوث البيئي ، والمشاكل البيئية كالنفايات النووية والسامة وغيرها كثير .
6 –الاهتمام الكبير المتزايد بقضية حقوق الإنسان من قبل كثير من الشعوب بسبب عمليات القمع للحريات والاضطهاد والظلم التي يتعرضون لها .
· التعامل مع العولمة :
إن العولمة هي لحظة تاريخية فاصلة وشبيهة في بداياتها وتداعياتها النهائية بحركة الحداثة التي برزت قبل حوالي ثلثمائة 300 سنة وانتشرت في أوروبا.
وانكماش العالم أصبح ممكناً بسبب الثورة العلمية والتكنولوجية الراهنة وقد سبق أن العولمة في بعدها الاقتصادي أسرع وأكثر وجوداً من العولمات الأخرى ، العولمة ، لها اتجاهات إيجابية والتي منها الآفاق المعرفية المرتبطة في الثورة العلمية والمعلوماتية والتدفق الحر للسلع والخدمات عبر الاتصالات المفتوحة والتي يمكن الاستفادة منها، وكذلك الاهتمام الكبير في القضايا البيئية وحقوق الإنسان وقضايا الانفجار السكاني وتزايد الفقر في العالم وإيجاد الحلول للاختلالات الاجتماعية وانتهاء صراع الشرق والغرب واختفاء التوتر النووي بين الدول العظمى. فإذا كانت العولمة هي تجسيد لمثل هذه الإيجابيات فإنها ستجد الترحيب من قبل الدول والجماعات أما بالنسبة للاحتمالات المقلقة مثل : المزيد من التطورات في الهندسة الوراثية، وهندسة الجينات، وتوظيف ذلك توظيفاً تجارياً وعنصرياً وعسكريا فإنه يستفز القيم الإنسانية العميقة .
وكذلك توظيف الشركات الاحتكارية لقدراتها المالية والتنظيمية من أجل استغلال ثروات الشعوب وكذلك تكون مقلقة إذا كانت تتضمّن هيمنةً ثقافية واحدة وإذا كانت تتضمن احتمال صدام الحضارات، وصدام المناطق الحضارية ودخولها في حروب دامية عنيفة .أو كانت تعني الأمركة للعالم واستفراد الولايات المتحدة بالشأن العالمي . باختصار العولمة تتضمن الكثير من الفرص والمخاطر المتداخلة وهذا التداخل أدى إلى تفاوت المشاعر والأحاسيس والمواقف تجاه العولمة على ثلاثة مواقف:
1-موافق

للثورة العلمية والتكنولوجية والاتصالية وتقنية المعلومات .
أما مخاطر العولمة التي تحملها في طياتها من سياسية وثقافية واقتصادية والمرتبطة بحركة العالم عن طريق الولايات المتحدة ونتيجة تداخل هذه الفرص مع المخاطر كان من غير الممكن اختزال العولمة وتبسيطها فلا يمكن اختزالها في الفرص والمخاطر أو العكس، ولا يمكن تجاهل إيجابيات العولمة الواضحة كل الوضوح كما لا يمكن استبعاد سلبياتها البارزة كل البروز ولا يمكن التغافل عن المستجدات الحياتية والفكرية المعاصرة والاعتقاد بأن العالم يتغير والاستمرار بالقوالب الحياتية والفكرية السابقة نفسها والتي ربما لا تناسب الفصل الجديد من التاريخ وافتعال المواجهة والمعارك غير الضرورية مع العولمة . والمهم تشخيص العولمة تشخيصًا متوازنًا بكل مالها وما عليها . ماهي العولمة ؟

يقول "بول هيرست" و"غراهام توميسون" : إن أوهام العولمة هي الأكثر بكثير من حقائقها، و مالا يعرف عنها أكثر بكثير مما يعرف، ومع ذلك فإن العولمة مازالت من أكثر الظواهر الاقتصادية والسياسة والثقافية غموضاً وإثارة للجدل .وبعض الناس اتخذ منها موقفا أيدلوجيًا وعقائدياً مسبقًا قبل أن يفهمها وأخذ يسابق الجميع لمعاداتها والبعض ركز تركيزًا أحاديًا على مخاطرها دون فرصها، وبالغ في تضخيم المخاطر، ويمثل هذا الموقف صاحب كتاب ( فخ العولمة ) والبعض الآخر تعرف على فرصها دون المخاطر، وجعل يبالغ في إفراز محاسنها الاستثمارية والمعرفية، وقام يبشر الجميع بنعيمها الموعود في ظل النظام الرأسمالي الليبرالي وأما البعض الآخر فإنه أساء كل الإساءة في فهم العولمة واعتقد واهمًا أن العالم قد تم عولمته عولمة كاملة وهو الأمر الذي لم يتم بعد .
وهناك قطاعات أخرى من المثقفين والعمال والجماعات الدينية تنظر إلى العولمة نظرة شك، وتعبر عن رفضها لها كل الرفض، وكل هذه التصورات والأحاسيس والمواقف تعبر عن سعة انتشار العولمة .
· ولمعرفة حقيقتها لابد من :
أولاً : معرفة أن العولمة ليست شعاراً من الشعارات السياسية أو
الفكرية الجديدة التي تبرز ثم سرعان ما تختفي بعد أن تؤدي غايتها
.
ثانياً : العولمة ليست موضة فكرية عابرة لا جذور لها في الواقع أو بدعة أنتجتها عقول

! منقول ,

وفقكم آلله ..

بارك الله فيج

مجهود رائع ..

ربي يحفظج

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,,

ما شاء الله عليج..

يعطيج الف عافية..

تم+++

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.