جميع الكائنات الحية على الأرض لابد أن تكون منتمية، فالحيوان ومنذ ولادته نجد أنه ينتمي ويلتصق مع والدته، ثم يتبع أمَّه وأباه، ثم المكان والموطن الذي يعيش فيه، فالدب القطبي لا يمكن أن يعيش في أفريقيا وكذلك العكس، والفيل لا يمكن أن يعيش في القطب المتجمد. كذلك الإنسان هو كائن حي منتمٍ متطور عقلاني منفعل وفاعل؛ فمنذ ولادته ينتمي إلى صدرِ أمهِ، ثم أمهِ وأبيه، وهكذا تنشأ العائلة التي انتمى إليها وينتقل انتماؤه إلى المنزل والعائلة فالشارع والحي الذي هو فيه بعدها تأتي المدرسة، فينتمي إلى فصله وأصدقائه ومدرسته، ثم يتطور الأمر إلى أبعد من ذلك إلى طائفته ومحيطه فمدينته ثم موطنه وأمته.
الموضوع:مفهوم الانتماء :
الانتماء Belongingness بمفهومه البسيط يعني الارتباط والانسجام والإيمان مع المنتمي إليه وبه، وعندما يفتقد الانتماء لذلك فهذا يعني أن به خللاً ومع هذا الخلل تسقط صفة الانتماء. الانتماء كمفهوم ينتمي إلى المفاهيم النفسية الاجتماعية ويعني الاقتراب والاستمتاع بالتعاون أو التبادل مع آخر وفي الحقيقة أن دافع الانتماء (الجوع الاجتماعي) إذا توافر لدي الفرد وتحفز يبلغ من القوة أنه يستطيع أن يعدل كثيراً من سلوك الفرد حتى يصبح سلوكه مطابقاً لما يرتضيه مجتمعه. فعندما ينضم الفرد إلى الجماعة يجد نفسه، في كثير من الأحيان، مضطراً إلى التضحية بكثير من مطالبه الخاصة ورغباته قي سبيل الحصول على القبول الاجتماعي من أفراد الجماعة وتجده يساير معايير الجماعة وقوانينها وتقاليدها فيتوحد الفرد مع الجماعة فيرى الجماعة وكأنها امتداد لنفسه يسعى من أجل مصلحتها ويبذل كل جهد من أجل إعلاء مكانتها ويشعر بالفوز إذا فازت أو بالأمن كلما أصبحت آمنة. والانتماء الوطني يعتبر من أوضح نماذج التوحد مع المجتمع حيث يلاحظ تأثير شخصية الأمة National Character على شخصية الفرد وتطابق شخصيته مع النمط الثقافي السائد. أما إذا لم يتوفر دافع الانتماء يصبح الفرد في حالة حياد عاطفي بالنسبة للآخرين أو المجتمع ومعنى ذلك إما أن ينحصر اهتمامه في ذاته أو يصبح في حالة ركود وعدم نشاط لعدم توفر الدافع على أداء فعل معين والشخص غير المنتمي قد انفصل عن ماضيه وحاضره ولم يعد يهتم بمستقبله.
ويعرف الانتماء بأنه "النزعة التي تدفع الفرد للدخول في إطار اجتماعي فكري معين بما يقتضيه هذا من التزام بمعايير وقواعد هذا الإطار وبنصرته والدفاع عنه في مقابل غيره من الأطر الاجتماعية والفكرية الأخرى" . وورد في معجم العلوم الاجتماعية أن الانتماء هو ارتباط الفرد بجماعة؛ حيث يرغب الفرد في الانتماء إلى جماعة قوية يتقمص شخصيتها ويوحد نفسه بها مثل الأسرة أو النادي أو الشركة . ولعل أنقى حالات الانتماء وأرقاها، الانتماء الفكري والذي يتجاوز بمضمونه كل الحالات الأخرى، والتواصل على هذا الأساس له جذوره وقوته أكثر بكثير من الحالات الأخرى. الانتماء هو شعور بالترابط وشعور بالتكامل مع المحيط، الانتماء أساس الاستقرار .
وللانتماء أشكال وألوان ومشارب متعددة وقد تأخذ صوراً مختلفة، في الدين يأخذ الانتماء إلى المذهب والطائفة الشكل الأبرز وهنا قد يكون الانتماء، ولاسيما في وقتنا الحاضر لقباً، صفة تطلق وهي ليست تعبيراً دقيقاً عن الموصوف وقد لا يعرف هذا الموصوف من نعته إلا الاسم وعندما يزداد التخلف تصبح هذه الصفة لازمة ومرافقة شاء صاحبها أم أبى. كذلك في المسارب الأخرى تتحدد الانتماءات وتصنف الاتجاهات وتأخذ شكلها الموضوعي. في الأدب هذا ينتمي إلى المذهب الفلاني وذاك إلى آخر وهذا الشاعر ينتمي إلى مدرسة الشعر التقليدي الكلاسيكي وذاك إلى الحديث وفي الحديث والقديم مدارس منها الاجتماعي والديني والقومي ..الخ. وفي السياسة يأخذ الانتماء إلى التنظيمات السياسية بتجلياتها (الأحزاب) الشكل الأوضح وفي حالة أرقى إلى القيادات الأوسع منها القومي ومنها الديني ومنها الرأسمالي والاشتراكي وتتعدد أيضاً المسميات والتقسيمات بتفرعاتها. في مجرى الحياة يعبّر عن الانتماءات الإنسانية بالسلوك وبالممارسة ، الحب انتماء، وممارسة السلوك والأخلاق العامة انتماء وخرق المألوف الاجتماعي انتماء ..الخ . الانتماء هو شعور لدى كل فرد يشعر من خلاله أنه جزء من المجتمع الذي يعيش فيه ويفتخر بارتباطه بمجتمعه ، وحيث تربطه بأهله أواصر كثيرة.
الانتماء والمواطنة :
يذهب الباحثون في علم الاجتماع إلى تعريف المواطنة في المجتمع الحديث على أنها علاقة اجتماعية تقوم بين الأفراد والمجتمع السياسي (الدولة)، حيث تقدم الدولة الحماية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للأفراد، عن طريق القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد ككيانات بشرية طبيعية، ويقدم الأفراد الولاء للدولة ويلجأون إلى قانونها للحصول على حقوقهم. ومن مميزات هذا التعريف انه بالإضافة إلى كونه نمطياً من الناحية النظرية فهو في الوقت نفسه إجرائي منهجي يتيح دراسة المواطنة وقياسها وتحديد مستوياتها والتنبؤ بأبعادها وآفاقها وتقييم وتقويم أدائها في أي مجتمع.
فمن الواضح في هذا التعريف أنه يتضمن آلية التعاقد (العقد الاجتماعي) فحين يفترض أن تكون الحكومة التي تسير الدولة هي المسئولة عن ترسيخ الشعور بالمواطنة، فإنها إذا أخلت بشروط العقد، أي إذا لم تؤمن الحماية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأفراد ولم تساو بينهم عمليا أمام القانون، كان من الطبيعي أن يخف إحساس الأفراد بشعور المواطنة والولاء لقانون المجتمع ـ الدولة التي يعيشون في ظهرانيها، وأن يبحثوا عن مرجعية أخرى تحميهم، أو تقدم لهم شعورا ولو كان وهميا بهذه الحماية، كالعودة إلى الارتباط بالجذور الدينية أو الطائفية والعائلية والقبلية والعرقية والإقليمية. ولتوضيح ما هو واضح فيما نرمي إليه، دعونا نقوم بتمرين بسيط بواسطة طرح الأسئلة التالية :
– ماذا يفعل المواطن الذي يتقدم لمسابقة انتقاء عمال أو موظفين حين يجد أن المواطن الآخر الأقل كفاءة أو الأقل تمتعا بشروط المسابقة قد قبل وهو غير مقبول؟ بأي جهة انتماء يستنجد وبماذا سيشعر؟
ـ ماذا يفعل أبناء المنطقة الإقليمية من الوطن عندما يشعرون بالغبن من الخدمات التنموية للدولة في منطقتهم مقارنة بمناطق أخرى من البلاد؟
ـ ما نوع الانتماء الذي يشعر الناس به أو الذي سينمو لديهم، والى أين يتوجهون باختياراتهم، عندما يجدون القوائم الانتخابية مهيأة على أساس الطائفة أو العشيرة أو القبيلة، ولو كانت باسم أحزاب ومنظمات وقنوات حديثة، أو عندما يصر المرشح على الإيحاء بعشيرته أو قبيلته في إعلانه الانتخابي؟
ـ ما نوع الانتماء والشعور الذي سيستمر لدى الناس المهاجرين إلى ضواحي المدن الكبرى وأطواق الفقر عندما لا يجدون العمل ولا يتمتعون بالخدمات التي يتمتع بها مواطنوهم في المدينة نفسها؟ وما دلالة تجمعهم على أسس طائفية أو مناطقية أو عرقية؟
الدراسات السابقة :
وربما تتضح لنا القيمة التربوية للانتماء لدى الأطفال، من خلال دراسة ميدانية عن "الانتماء الوطني وتقدير الذات لدى أطفال الأسرى والشهداء في مرحلة الروضة"، أثبت أن هناك علاقة موجبة بين الانتماء الوطني وتقدير الذات عند أطفال الروضة من الذكور والإناث، وأوصى الباحث بمساعدة زوجات الأسرى في رعايتهم لأبنائهم، وخصوصًا الذكور منهم، فقد يغيب عن ذهن كثير من الأسر معرفة أي أساليب التنشئة يُعتبر مناسبًا لتحقيق النمو المتكامل لأطفالهم؛ إذ يمكن أن تختار هذه الأسر بعض الأساليب التي تأتي بنتيجة عكسية تمامًا، وأكثر من هذا فقد لا تدرك هذه الأسر أهمية معاملاتها واهتماماتها التربوية في تشكيل شخصية الأطفال، وهذا يتطلب زيادة وعي الأسر باتجاهات المجتمع وحضارته وتاريخه، أي بكل مكونات ثقافته؛ لأن بعض الأسر قد لا تعرف المحتوى الذي يمكن أن يقدَّم للأطفال لغرس حاجة الانتماء الوطني، كما أوصى الباحث بالعمل على التعاون بين المؤسسات التربوية الأخرى، مثل الروضة أو المدرسة والبيت في عملية التنشئة الاجتماعية السياسية وبناء اجتماعي قوي يمكن أن يساعد على بناء تقدير ذات إيجابي لدى الأبناء، وأن تعمل وسائل الإعلام على التعاون بين هذه الوسائل والبيت؛ نظرًا لاختلاف محتوى البرامج التي قد تتعارض مع أسلوب الأسر في تنشئة أطفالها، فقد تؤكد الأسرة على قيمة معينة، ثم تأتي برامج التلفزيون مثلاً وتهدمها لما لها من تأثير على المشاهد. وأخيرًا أوصى الباحث بالإكثار من الأنشطة الترفيهية، والرياضية، والاجتماعية الهادفة والموجهة والجامعة لكل الأسر، وعلى وجه الخصوص أسر الشهداء أو الأسرى في تكامل مع علاقات الأسوياء، أو العائدين من الحرب.
ويخلص "محمد عيد عبد العزيز" في دراسته عن "الولاء وسيكولوجية الشخصية" إلى وجود علاقة إيجابية بين الولاء للوطن والصحة النفسية للفرد، حيث إن الشخص الذي يتصف بالاضطراب النفسي غالبًا ما يكون ولاؤه ضعيفًا نحو وطنه.
وفي دراسة عن :"تعزيز الانتماء للجماعة وعلاقته بزيادة قدرة ذوي الاحتياجات الخاصة على تحدي الإعاقة" أدى زيادة الانتماء للجماعة (تعزيزه) إلى زيادة قدرة الأعضاء على تحدي الإعاقة، متمثلاً في : تأكيد الذات، وزيادة القدرة على العمل واكتساب مهاراته، وزيادة القدرة على الاندماج في المجتمع، وزيادة الإيمان بالقضاء والقدر .
وفي دراسة عن : "مشاركة الشباب وسيلة للحد من التطرف والعنف : دراسة استطلاعية فى مدينة الطور – محافظة جنوب سيناء" لوحظ ضعف الانتماء عند بعض البدو للمجتمع المصري. وأن البدو لا يعرفون أن هناك ملكية خاصة للأفراد وأخري عامة للدولة، وأن الجبال والأودية والبحار ملكية عامة وليست خاصة، وأن الوحدات السكنية تحتاج منشات داعمة لها كالمدارس والمستشفيات والطرق وغير ذلك، وأنه لو سمح لكل بدوي أن يضع يده علي ما يريد من الأرض، فلن توجد أرض لإقامة المدارس والمستشفيات والطرق والخدمات عليها وهذا هو السبب الذي من أجله يتم تنظيم البناء علي الأرض، أو أن يكون في باطن هذه الأرض معادن أو بترول أو سوف تنشأ عليها صناعات أو مشروعات عامة لتخدم البدو خصوصاً والدولة عموماً، وهكذا الحال في الهدف من تقنين الصيد في البحر وحظره أحياناً من أجل التوازن البيئي والحفاظ علي الثروة السمكية من الانقراض بسبب الصيد الجائر وهكذا .
وأكَّدت "نجلاء عبد الحميد" في دراستها للانتماء الاجتماعي للشخصية المصرية أن الولاء للموطن مرهون بالإشباعات المادية والمعنوية لأفراده، وأنها الأطر التي يستقي منها في التنشئة الاجتماعية بما فيها من لغة، وفكرة، وفن (الثقافة) .
وفي دراسة عن الهوية والانتماء، أجريت في أواخر القرن الماضي، اتضح أن أكثر دوائر الانتماء أهمية في حياة الشباب الأسرة والأصدقاء، ثم الدين والمؤسسات الدينية (دور العبادة)، ثم الانتماء لزملاء العمل والدراسة. كما اتضح أن الانتماء لمنطقة السكن، والانتماء للمجتمع المحلي (المدينة التي يعيش فيها الشخص)، والمجتمع القومي يحتل درجة أقل من سابقاتها. فمن الواضح أن مشكلة الانتماء تكمن في أن الدوائر الأولية الصغيرة كالأسرة وجماعة الأصدقاء والزملاء تحتل أهمية تفوق الدوائر المتسعة كالانتماء الوطني والقومي .
الانتماء الاجتماعي :
الشعور بالانتماء للمجتمع من أهم دعائم المجتمع، والتي تحافظ عل استقراره ونموه وهو يشير إلى مدى شعور أفراد المجتمع بالانتماء إلى مجتمعهم ويمكن أن نستدل على ذلك من خلال (المشاركة الإيجابية في أنشطة المجتمع ، الدفاع عن مصالح المجتمع ، الشعور بالفخر والاعتزاز بالانتماء للمجتمع ، المحافظة على ممتلكات المجتمع ، وكل هذه المؤشرات يمكن أن تقاس ويستدل عليها بالمجتمع . فأساس الانتماء هو مشاركة سكان المجتمع وحث الآخرين على التعاون معهم لمواجهة المشكلات ووضع البرامج المناسبة لمواجهتها.
يعد مفهوم الانتماء الاجتماعي واحداً من أهم المفاهيم المركزية التي تحدد طبيعة علاقة الفرد بالجماعة في كل زمان ومكان يقابله على الضد تماماً مفهوم الاغتراب الذي يعني الابتعاد النفسي للفرد عن ذاته وعن جماعته. وسواء ابتعد الفرد عن جماعته أو غادرها إلى جماعة أخرى، فهو في كلتا الحالتين إنما يفقد انتماءه لجماعته من جانب ويواجه برفض الجماعة الأخرى له من جانب آخر لاختلاف عاداته وقيمه ونمط شخصيته وخبراته مما يسبب غربته من ناحية وعدم انتمائه لمجتمعه من ناحية أخرى، وهناك حقيقة أن البشر كائنات اجتماعية، مخلوقات تتجمع سوياً ويعتمد كل منها على الآخر جسمياً أو نفسياً عبر الحياة. فالعلاقات الوثيقة مع الآخرين تبدو من الضروريات وهي أمور تتكامل مع بقاء الإنسان ورفاهيته فالبشر قادرون على تقديم كل منهم للآخر أعظم مسرات الحياة وأفراحها وكذلك أحزانها العميقة كما يمكنهم إعطاء نوع من التعاطف والتأكيد والحماية من الأخطار وبالتالي فان حاجة الفرد للآخرين تكمن في مساعدته على حل مشاكله وإرضاء حاجاته التي لا يستطيع حلها وإرضاءها بمجهوده الخاص فيشعره بالأمن ويزيدوا من احترامه لنفسه.
وتبرز أهمية الانتماء على المستوى الاجتماعي؛ فهو العماد الفقري للجماعة وبدونه تفقد الجماعة تماسكها وتماسك الجماعة هو انجذاب الأعضاء لها والذي يتوقف على مدى تحقيق الجماعة لحاجات أفرادها فطالما أن الجماعة تحقق حاجات الفرد فيمكنها أن تؤثر على أفكاره وسلوكه عن طريق تلك الفوائد التي يحصل عليها من وراء انتمائه لها والمتمثلة فيما يلي :
-تحقيق الرغبات الشخصية والاجتماعية التي يعجز الفرد عادة عن تحقيقها بمفرده.
– الشعور بالانتماء إلى جماعة تتقبله ويتقبلها فيشعر بالأمن والطمأنينة.
– يمكن تغيير سلوك الفرد عن طريق الجماعة، فكل جماعة لها معاييرها وقيمها التي يتحتم على الفرد المنتمي إليها اكتسابها.
– يتمكن الفرد عن طريق انتمائه للجماعة من اكتساب الميراث الثقافي الذي يمكنه من التفاعل ايجابياً مع أفراد مجتمعه.
– تساعد الجماعة الفرد على ممارسة أنواع من النشاط، يستغل فيه قدراته ويكتشف قدرات أخرى.
الانتماء والأسرة :
هناك الكثير من الأشخاص يشعرون بعدم الانتماء إلى أسرهم يرون أنهم مجبرون على هذه العائلة ولو عاد الأمر إليهم لما اختاروا أن يكونوا في أسرهم من الأساس. عدم الانتماء شعور صعب لأي شخص لأنه سيشعر بالغربة داخل أسرته فما الأسباب؟ وما الانتماء؟ وما معناه؟ وكيف نحقق شعور الألفة والانتماء تجاه أسرنا؟
مما لا شك فيه أن مرحلة الطفولة تُعَدُّ من أهم المراحل وأكثرها تأثيرًا في حياة الفرد المستقبلية؛ إذ يتوقف عليها تحديد المعالم الرئيسية لشخصيته من خلال ما يكتسبه من خبرات وقيم واتجاهات.
ومن المتفق عليه بين المشتغلين بعلم النفس أن الأسرة تلعب دورًا بالغ الأهمية في إعداد الفرد وتأهيله للقيام بأدواره ووظائفه داخل النسق الاجتماعي، حيث تمثِّل الأسرة أولى المؤسسات الاجتماعية التي تحتضن الطفل منذ اللحظات الأولى لخروجه إلى الحياة وخلال كافة مراحله العمرية التالية. يرى علماء النفس أن الأسرة تقوم بمجموعة من الوظائف الأساسية، مثل الوظيفة النفسية كالحب والشعور والانتماء، والوظيفة الاقتصادية، ثم وظيفة التطبيع الاجتماعي، إلا أن وظيفة الأسرة التربوية، وخاصة فيما يتعلق بعمليات التطبيع الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية، ومنح الشعور بالحب والانتماء لا تزال هي الوظيفة الأساسية التي لا يمكن لأي مؤسسة أخرى للقيام بها، خاصة بالنسبة للسنوات الأولى في عمر الطفولة، والتي لا تتجاوز فيها دنيا الطفل حدود أسرته، والتي هي من وجهة نظر المتخصصين تُعَدُّ الفترة الخصبة الأساسية في نقل قيم المجتمع إلى الطفل، وتأصيل العمليات الخاصة بالتطبيع الاجتماعي والتي يصبح الفرد عن طريقها مستدمجًا للأدوار والاتجاهات والقيم والمهارات التي تشكل شخصيته. ومن أهم عمليات التطبيع الاجتماعي والتي تقوم بها الأسرة تأصيل الانتماء، والتي تعني أن الفرد من طفولته المبكرة يحيا في ظلِّ مجموعة من القيم والأفكار والمبادئ التي تترسَّب في وجدانه، حتى تتحول لديه إلى وجود غير محسوس، ومن خلال ذلك يصبح الفرد منتميًا إلى المكان، وإلى الأسرة، وإلى الجماعة، وإلى المجتمع والوطن.
وتعتبر الحاجة للانتماء من الحاجات المهمة التي تُشعِر الفرد بأنه جزء من جماعة معينة، سواء كانت هذه الجماعة (الأسرة – الرفاق – جماعة مهنية)، وأنه جزء من وطن معين، ويُولَد هذا الشعور الاعتزاز والفخر بانتماء الفرد لهذه الجماعة، ويُعَدُّ إشباع حاجات طفل ما قبل المدرسة وتقبله لذاته وشعوره بالرضا والارتياح أولى مؤشرات انتمائه للجماعة.
فالحاجة للانتماء من أهم الحاجات التي يجب أن تحرص الأسرة على إشباعها لدى الطفل لما يترتب عليها من سلوكيات مرغوبة يجب أن يسلكها الطفل منذ صغره وحتى بقية مراحل عمره، أما فقدان الانتماء فيعتبر من أخطر ما يهدِّد حياة أي مجتمع، وينشر الأنانية والسلبية، وفي المقابل يؤدي الانتماء إلى التعاون مع الغير، والوفاء للوطن والولاء له. ويرتبط بالانتماء بعض القيم، مثل: العطاء، والتضحية، والتعاون مع الآخرين، وهذا يلقي على الأسرة مسؤولية كبرى نحو التركيز على إظهار مواقف تاريخية تبيِّن بطولة قادة والزعماء في الدفاع عنه. وفي تقدير هؤلاء الأطفال لأنفسهم، وبشكل عام فإن للعلاقات الأسرية أثرًا إيجابيًّا في تكوين الشعور بالأمن وتطور مفهوم الذات الإيجابي عند الطفل. وحيث إن نسق الأسرة – مثله في ذلك – مثل سائر الأنساق الأخرى يكون رهنًا للظروف والمتغيرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فإنه بالتالي يكون عرضة للتأثر بعمليات التغير والأحداث التي تطرأ على المجتمع، مثل الحروب، وقد أشارت الكثير من الدراسات إلى أن الحرمان ومعايشة خبرات الحرب تترك آثارًا نفسية على الأطفال لا تزول بانتهاء الحرب، بل تظلُّ كامنة وتتراكم لتفرز كثيرًا ردود الأطفال غير السوية. حيث إن مفهوم الطفل عن ذاته يكتسبه في مراحل النمو الأولى، حيث تلعب الانفعالات مع الأشخاص المهمين في حياته خصوصًا والديه، دورًا كبيرًا في ذلك ويتأثر مفهوم الذات إلى حدٍّ كبير بالعلاقات الأسرية القائمة بين الطفل ووالديه، فالفروق في الأجواء الأسرية وطرق التنشئة تحدث فروقًا بين الأطفال في مكونات الشخصية، وفي تقدير هؤلاء الأطفال لأنفسهم، وبشكل عام فإن للعلاقات الأسرية أثرًا إيجابيًّا في تكوين الشعور بالأمن، وتطور مفهوم الذات الإيجابي عند الطفل .
شعورنا بالانتماء إلى أسرنا هو أن نعتبر أنفسنا غصناً من شجرة كبيرة، نشعر بأهلنا ومتاعبهم، نشاركهم أحزانهم وأفراحهم، لا نشعر كأننا غرباء وان أسرنا مفروضة علينا فرضاً. كم من شخص في كل أسرة يشعر بالنقمة والسخط من عائلته ومن وضعه ويتمنى لو انه ولد عند أناس آخرين ضاربا عرض الحائط كل التضحيات التي تقوم بها أسرته تجاهه فما سبب شعوره هذا ؟ وكيف يتحقق الانتماء داخل الأسرة؟
الانتماء الأسري يبدأ من الطفولة. فهذا الشعور يتولد من إشباع حاجة الطفل إلى القبول داخل بيئته، فالمطلوب من الأسرة قبول الابن دون ربط هذا القبول بإنجازات معينة يقوم بها الطفل.. فلو تعلم الطفل أن يقبل إذا أحسن، و يرفض إذا أخطأ سينشأ مذبذباً ضعيف الشخصية، ضعيف التقدير الذاتي..
إن قبول الطفل يعني انتماءه لأسرة يشكل أحد أعضائها.. مما يسهل على الطفل فيما بعد الانخراط في مجموعات اجتماعية أخرى. وبالمقابل يكون الطفل الذي يشعر بعدم قبول الأسرة له، أقرب إلى الارتياح و الرفض و الشعور بالوحدة..
العمل المشترك والعمل الجماعي داخل الأسرة الواحدة يبني الشعور بالتقارب الحميم لدى أفراد و أعضاء الأسرة، وهذا يعزز بالمقابل شعورهم بالانتماء، ومما يزيد هذا التماسك الأسري والشعور بالانتماء لدى الأبناء كون الأسرة مجالاً و فضاءً للعديد من الأنشطة مثل :
– التخطيط المستمر لأنشطة جماعية داخل الأسرة بعيداً عن روتين الحياة اليومية.
– قضاء فترات خارج البيت من مثل النزهات الأسبوعية أو الأجازات السنوية من صلة رحم أو استجمام في البر أو الجبل أو على البحر..
– المشاركة الجماعية في الأنشطة الهادفة مثل المخيمات وغيرها.
– ممارسة الرياضة و الألعاب.
– القراءة المشتركة الهادفة.
– الجلوس ولو 20 دقيقة يومياً لمناقشة أحوال الأسرة وخططها المستقبلية ومشاكلها.
– التعاون بين أعضاء الأسرة في أداء احتياجات البيت والواجبات المدرسية.
– تعليم الابن كيف يكون عضواً في مجموعة : القيادة، الأهداف المشتركة، التخطيط الجماعي، المنافسة، الطموح، حب التميز، الرغبة في الانتصار و التميز، المثابرة والصبر، التعاون مع الآخر من أجل هدف مشترك، العمل الجماعي.
خاتمة :
أدت الثورة الاتصالية إلى تشارك المواطنين في أنحاء العالم ذات الهموم وذات الصور، مما يؤدي تدريجياً إلى ظهور مفهوم المواطن العالمي…هذا المواطن المنتمي إلى الإنسانية في عمومها هو الذي أصبح يدرك ضرورة التشارك الإنساني لمواجهة المشكلات التي تشكل خطراً على الكوكب بأسره، بدايةً من مشكلات البيئة وانتهاءً بأسلحة الدمار الشامل. وفي المقابل تنتشر ظواهر العزلة والاغتراب وعدم الانتماء بسبب تأثير نفس الوسائل الاتصالية.
وفي ظل الظروف المتردية السائدة على مستوى العالم والمنطقة العربية والتراجع الحاصل على الصعيد الذاتي والعام، كم نحن بحاجة إلى مراجعة ذاتية وموضوعية لكل المتغيرات التي تحدث، كم نحن بحاجة أن نجسد الانتماء للوطن بكل قيمه المقدسة، ونعود لمثل هذا الانتماء، نلغي كل ما يتناقض مع ذلك، نقف مع الذات وبمراجعة جدية، نوقف حالة التدمير التي تحدث على الصعيد الذاتي والعام، نعود للقيم التي رضعناها مع حليب الطفولة، حب الوطن، التضحية، الاستعداد للعطاء، للمقاومة، ونحن في زمن المقاومة، السلوك المنسجم مع الأخلاق والقيم الوطنية، الكفاح بكل صوره، النضال وبما يترتب عليه من التزام إلى آخر ما هنالك من القيم النبيلة.
هي دعوة للانتماء الحقيقي، ويبقى الوطن، هو القدسية التي يجب أن تبقى وفي محرابه يجب أن تنتهي وتسقط كل الانتماءات الأخرى.
والثموووووووووووووووووووحه ومنكم
بارك الله فيج اختي ^_______^
+++
تسلميـ ن الشخيه ع الطرحْ..