السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
المقدمة :
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى المبعوث رحمة للعالمين وهداية للثقلين فأدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة فأنار قلوبا بالإيمان وأحيا نفوسا بالإسلام والصلاة والسلام على أصحابه الكرام … أما بعد ..
فالحمد لله الذي وفقني لم يحبه تعالى ويرضى ، ولقد حاولت قدر المستطاع أن أجمع المصادر والمراجع التي تخدم هذا البحث المتواضع الذي يعتبر جزءاً لا ينفصل عن المنهج الدراسي والتعليمي، ومما دفعني للتحدث عن هذا الموضوع هو التعمق في تاريخ عمان من جانب دولة اليعاربة والبوسعيد ولكن الوقت محدود لذلك لم استطع إعطاء الموضوع حقه الذي يليق به وأسأل الله تعالى التوفيق والسداد .
ففي هذا البحث المتواضع تحدثنا عن قيام دولة اليعاربة ومن بعدها دولة البوسعيد وأحوال عمان في تلك الفترة ، حيث أن قيام دولة اليعاربة كانت بمثابة أول كيان سياسي مستقل قامت في الجزيرة العربية عملت على تقليص النفوذ البرتغالى في تلك المنطقة، وفعلا تم التخلص من النفوذ البرتغالي في الخليج ككل.
ومن بعد ذلك قامت دولة البوسعيد والذي قام مؤسسها أحمد بن سعيد بالتخلص من نفوذ الفرس من السواحل العمانية عقب الحروب الأهلية التي جاءت بعد انهيار دولة اليعاربة وقيام الحروب الأهلية وكانت المواضيع التي تحدثت عنها في هذا البحث المتواضع تتبلور في قيام دولة اليعاربة ثم امتداد الدولة اليعربية وتصفية الوجود البرتغالي ودور الإمام ناصر بن مرشد و دور الإمام سلطان بن سيف ثم تحدثت عن الحروب الأهلية القبلية وبعد ذلك انتقلت إلى قيام دولة البوسعيد ثم تطرقت إلى الدولة البوسعيدية وعلاقاتها الخارجية وختمت هذا البحث بانقسام عمان الداخل عن عمان الساحل.
هذا ما سوف نتحدث عنه ومهما بلغ الإنسان لابد من وجود نقصان فأسأل الله الذي لا اله إلا هو أن يسد الخلل والنقصان ..
قيام دولة اليعاربة :
خلال خمسة قرون تقريبا، منذ سقوط الإمامة الأولى في القرن الثالث للهجرة، وفي عهد الملوك النبهانيين، كان المجتمع العماني قد خرج من الإطار الذي رسمته له قيمه وثقافته وقوانينه ، وقد عرف هذا المجتمع حالة من التمزق والفوضى الكلية ومرحلة طويلة فاشلة على الصعيدين الوطني والمعنوي، ومن ذلك احتلال دولة هرمز للمدن الساحلية في منتصف القرن الثالث عشر، وتلا ذلك وصول البرتغاليين الذين احتلوا هذه المناطق، بما فيها هرمز عام 1508م .(1)
لتحقيق مصلحة الشعب والأرض، ومن اجل إعادة توحيد البلاد وتحريرها من الاحتلال الأجنبي، تم التوصل عام 1624م إلى اتفاق بين مدرستي نزوى والرستاق، أعقبه مبايعة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي، وقد دخلت عمان في تلك الفترة حقبة استثنائية من تاريخها الحديث، وهي حقبة استعادة فيها الإمامة بناء ذاتها وتحققت خلالها وحدة البلاد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بعد توحيد البلاد واستقرارها (2).
وقيام دولة اليعاربة في عمان مثلت أولى الوحدات السياسية العربية في منطقة الخليج العربي عند مطلع العصر الحديث , إذ برزت ككيان سياسي مستقل نجح في توحيد أجزاء البلاد , كما نجح في إخراج المستعمر الأوروبي الدخيل و مما مهد السبيل أمام ( عمان ) لبسط سيطرتها على أجزاء مترامية في منطقة الخليج العربي وعلى امتداد الساحل الشرقي لأفريقيا بفضل القوة البحرية الكبيرة التي امتلكتها , وقد اتفق كبار العلماء ورجال الدين في عمان على الخلاص من الفتن والمحن التي استشرت في بلادهم , فاتفقوا كلهم على أن ينصبوا لهم إماما يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر , فوقعت خيرتهم على ناصر بن مرشد (3).
ونتيجة توجيه البرتغاليين نشاطهم إلى مسقط حيث شيدوا حاميات منيعة لكي تكون مركزا لنشاطهم في الخليج , توحد أهل عمان ونصبوا إماما لهم هو ( الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ) ,وقام بجهود موفقة للقضاء على السيطرة البرتغالية , حيث خاض صراعا مريرا ضد البرتغاليين حتى أرغمهم على التخلي عن مواقعهم على الساحل العماني , بحيث لم يبق لهم منها عند وفاته في سنة 1649 سوى التحصينات المشرفة على مدينتي مسقط ومطرح , وكان الصراع العماني يصطبغ بالصبغة الدينية والجهاد الديني من جانب العمانيين .
امتداد الدولة اليعربية :
بحكم موقع دولة اليعاربة الجغرافي فرض عليها الاتجاه إلى البحر فقد كان يحدها الخليج العربي شمالا وبحر العرب جنوبا وخليج عمان شرقا، وصحراء الربع الخالي غربا فهي بذلك تطل على البحر من جهة والصحراء من جهة أخرى وكنتيجة لموارد البلاد المحدودة من ناحية، ووقوف صحراء الربع الخالي الرهيبة من ناحية ثانية و احاطة البحر من سائر الجوانب من ناحية ثالثة، فقد ارتبطت حياتها ارتباطا وثيقا بحياة البحر والتجارة، وكان لهذا البحر اثر في امتداد نفوذها حتى وصلت إلى سواحل شرق أفريقيا غربا وغرب الهند شرقا (4).
ويمكن القول بأن البحرية العمانية صارت سيدة المحيط الهندي خلال الفترة التي واكبت نهاية القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، والدليل على ذلك تحكمها بطرق التجارة في المحيط الهندي في ذلك الوقت.
وهناك ركائز اعتمدت عليها دولة اليعاربة وهذه الركائز هي :
* نجاح الدولة في تكوين قوة بحرية كبيرة استطاعت من خلالها مد نفوذها عبر البحار من ناحية , كما استطاعت أن تحولها إلى جسر يربط بين سائر مناطق الدولة , في الخليج وشرق أفريقيا والمحيط الهندي من ناحية أخرى (5).
* التحدي الذي ترتب على الوجود البرتغالي، ولما كانت دولة اليعاربة نجحت في تحدي هذا الوجود في الخليج والقضاء عليه، فان هذا النجاح أغراها بمزيد من العمل على تعقبه خارج الخليج تدفعها إلى ذلك روح قوية للتخلص من السيطرة المسيحية على أراض كان يحكمها العرب المسلمون قبل ذلك (6).
* عرب الخليج والعمانيين بالذات كانوا موجودين في تلك المناطق منذ وقت طويل حتى الإسلام، وان جذورهم لم تكن تقطعت بعد، مما كان باعثا لهم على العودة إليها (7).
وعلى ضوء كل تلك الحقائق التي أدت في النهاية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى امتداد الدولة إلى شرق أفريقيا والمحيط الهندي.
تصفية الوجود البرتغالي :
تحت مضمون هذا العنوان نشير إلى أن العلاقات الإنجليزية – البرتغالية كانت , خلال كل هذه الفترة , علاقات تحالف . أما العلاقات الفارسية – البرتغالية فكانت تقوم على الاتفاق الحسن . وهكذا كان على العمانيين مواجهة المحتل البرتغالي ولا سند لهم إلا قواهم الذاتية بل إنه كان عليهم , في منطقة جلفا ر (رأس الخيمة حالياً) , محاربة القوات البرتغالية والفارسية معا .
وفي عام 1644 دخلت الإمامة حروبا متقطعة مع القوة البرتغالية , ولكنها لم تكن قادرة على اختراق السور المحيط بمسقط الذي كان البرتغاليون قد بنوه في الوقت الذي كانوا قد بنوا فيه قلعتي الميراني والجلالي .
لقد كان الصراع بين العمانيين والبرتغاليين , صراعا بين قوة وطنية صاعدة ومستعمرين مكروهين من كل الشرق .
دور الإمام ناصر بن مرشد في تصفية الوجود البرتغالي .
خلال الأعوام الثمانية الأولى من عهده , طبق الإمام ناصر بن مرشد , وبصورة شبه منظمة , سياسة ثابتة وحازمة وقوية حيال القبائل المتمردة , وقد أخضعها إخضاعا صارما , كما أخضع الممالك الصغيرة الشكلية القائمة في المقاطعات والمناطق .
هيأ الإمام جيشا عهد به إلى ( علي بن أحمد ) , مدعوما بأحد أقربائه من اليعاربة (8) وبعد يومين من المعارك , أحرزت قوات الإمامة نصرا واقتلعت البرتغاليين والفرس من منطقة جلفار في 1633 , وكان ذلك أول انتصار عسكري على القوات الأجنبية, وفي عام 1648, جردت القوات العمانية حملة بقيادة مسعود بن رمضان, وخميس بن سعيد لفرض الحصار على مسقط وتحريرها. وفي 16 آب ضرب حصار دام حتى 11 أيلول أرغم العمانيون البرتغاليين في نهايته على قبول الشروط التي حددها الإمام. وفي 31 تشرين وقع اتفاق من خمسة بنود, ينص واحد منها على إلغاء القانون المتعلق بالضريبة المفروضة على العمانيين من قبل البرتغاليين,كان هذا أول اتفاق فرضته قوة وطنية على مستعمرين كان نصرا سياسيا للعمانيين بقدر ما كان نصرا معنويا (9).
نجح الإمام ناصر بن مرشد في تخليص جلفار من الفرس والبرتغاليين , وأمر ببناء قلعة على الساحل بالقرب من ( صحار ) , كما هاجم صحار عام 1643 وانتزعها من أيدي البرتغاليين (10).
كانت إنجازات الإمام ناصر بن مرشد ملحمية وتاريخية , فقد حقق توحيد عمان ومحا آثار خمسة قرون من المرارة الوطنية وقد أعاد الإعتبار للكرامة العمانية واستعاد تقاليد الإمامة وأرجع تراثها , كما أعاد مكانتها إلى أذهان العمانيين , وبفضله استطاعت عمان دخول التاريخ الحديث موحدة ومزودة برسالة روحية وهوية وطنية وثقافية واضحة (11).
دور الإمام سلطان بن سيف اليعربي :
يوم وفاة الإمام ناصر بن مرشد , عقد العلماء مجلسا عاما لانتخاب إمام جديد طبقا للإجراءات التقليدية , ووقع الإجماع على شخص سلطان بن سيف قريب الإمام المتوفى وأحد قادته العسكريين , كان الإمام الجديد واعيا للمهمات الملقاة على عاتقه ولقدرات العمانيين على إنجازها وكان قادرا على رسم مستقبل الدولة العمانية .
انتهز البرتغاليون مناسبة وفاة الإمام ناصر بن مرشد لينقضوا الاتفاق المعقود مع الإمامة ويخرقوا بنوده , وعلى الأخص فيما يتعلق بالضرائب , وقد أعلن سلطان بن سيف الحرب عليهم واشرف بنفسه على العمليات العسكرية حتى النصر , في أجل لم يتجاوز ستة أشهر . وفي أقل من سنة حقق الإمام سلطان بن سيف الانتصار وحرر عمان وأنهى بناء الدولة العمانية , وبفضل هذه المرحلة استعادت عمان موقعها كأقوى دولة بحرية في المحيط الهندي , باسطة سلطتها ونفوذها من الخليج إلى شرق أفريقيا , ولم يكتف الإمام بهذا النصر , بل أخذ أيضا في مطاردة البرتغاليين خارج الحدود العمانية (12).
الحروب الأهلية
على الرغم من النجاح الكبير الذي حققته دولة اليعاربة، وقفت عاجزة أمام المشاكل الداخلية التي واجهتها، ومن أبرز هذه المشاكل هي النزاع الأسري والصراع القبل التي أخذت تفت في عضد الدولة اليعربية منذ قيامها، والنزاع الأسري سرعان ما قام بعد وفاة الإمام سلطان بن سيف بين ولديه بلعرب وسيف، وانتهى النزاع بعد ما اجتمعت كلمة خاصة عمان على سيف وذلك بعدما حكم بلعرب ثلاثة عشر سنة، ثم بعد ذلك خلف سيف ولده الإمام سلطان بن سيف الثاني الذي حارب الفرس وقام بملاحقة البرتغاليين في الهند والخليج العربي.(13)
ترك سيف بن سلطان الثاني عدة أبناء أكبرهم سيف في الثانية عشر من عمره، وعلى الرغم من كونه قاصرا إلا أن مجموعة من القبائل المرتبطة باسرة اليعاربة اقترحت ترشيحه للإمامة خلفا لأبيه، وكانت هذه الطريقة من التصرف تعود إلى آلية وراثية لا علاقة لها بنظام الإمامة المذهبي والروحي.(14)
ولكن أهل الحل والعقد اعترضوا على هذا الترشيح، وحيال هذه الأزمة الدستورية والسياسية حيث لم يكن أمامهم إلا محاولة حسم الأمر، وتم اختيار مهنا بن سلطان قريب سيف ليكون إماما جديدا، وتم انتخابه في قلعة نزوى في سنة 1718م (15) غير ان عامة المواطنين لم يرضوا بذلك فلجأوا إلى يعرب بن بلعرب بن سلطان أحد المناوئين لمهنا لكي ينزع من الإمامة ونجح في ذلك عام 1720م.(16)
نصب بعد ذلك يعرب نفسه وصيا على سيف بن سلطان حتى يبلغ سن الرشد، وهذه سابقة فريدة في التاريخ العماني وهي مسألة مرفوضة عقائديا ودستوريا، إلا أن الوصي يعرب بن بلعرب الذي أغرته السلطة عدل عن الوصاية واستطاع أن يقنع بعض العلماء بتوليه الإمامة.(17)
ولكن سكان الرستاق لم يقبلوا إمامة يعرب وطالبوا بالإبقاء على سيف ومن أجل ذلك تقدموا إلى أحد اكثر الشخصيات القبلية نفوذا وهو بلعرب بن ناصر خال سيف، من اجل أن يتدخل لاستعادة الإمامة، قام بلعرب بن ناصر بدوره في إعداد العدة وتحالف مع قبيلة بني هناه ورفع الحجز الذي كان قد فرض عليهم من قبل الإمام ناصر بن مرشد، كما سمح لهم باللجوء إلى السلاح.(18)
وتبين من خلال المعارك التي قامت ان الإمام يعرب رجل كفء استطاع مجابهة القبائل الثائرة وفرض نفسه عليها.
تابعت قبيلة بني غافر إعادة انتخاب سيف بن سلطان وقادة إلى نزوى العاصمة وطلبت إعلان بيعته، إلا أن إمامة سيف لم تدم طويلا، وذلك انه عزل من جانب العلماء بسبب حياته الخاصة، وأنيطت الإمامة إلى يعرب بن بلعرب عام 1721م.(19)
قيام دولة البوسعيد
إن المؤسس الأول لدولة البوسعيد هو الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي , حيث تم اختياره إماما على عمان عام 1744م بعد أن كان واليا على صحار من قبل اليعاربة , وهو رجل قوي شديد الانضباط قام بتحرير البلاد من الغزو الأجنبي الفارسي ووحد العمانيين تحت راية واحدة نحو القوة والمجد .(20)
قام الإمام أحمد بن سعيد بإنشاء جيشا قويا واهتم بتدعيم الأسطول العماني وتطويره لذا فقد حقق انتصارات حاسمة استعاد فيها لعمان مركزها وقوتها. .
لقد نمت وتعاظمت مساهمة وقوة الدولة البوسعيدية منذ بدايتها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي واستمرت متطورة رغم العثرات . وكأي دولة واجهة الدولة البوسعيدية الكثير من التحديات الداخلية والهجوم الخارجي من القوى ا لأجنبية الأوروبية , إلا أنها استطاعت دوما الصمود والانتصار بفضل الوحدة الوطنية والتواصل مع القوى الأجنبية المحبة للسلام.(21)
وتجمع المصادر العربية والأوروبية على أن الثمانين عاما من حكم البوسعيديين تتميز بالازدهار الشديد وهناك عوامل عديدة ساعدت العمانيين على الانفراد بدور رائد تأتي في مقدمتها المهارة والخبرة الملاحية والتجارية , حيث اكتسب العمانيون رصيدا ضخما من التجربة ,تعد محصلة للأحداث التاريخية والموقع الجغرافي والتراث العماني.(22)
الدولة البوسعيدية وعلاقاتها الخارجية
أولا : علاقتها بشرق أفريقيا :
لقد واجه الإمام أحمد بن سعيد صعوبات كثيرة , بسبب الاضطرابات وعدم الاستقرار التي شهدتها عمان نتيجة للصراعات الداخلية , ووجد الإمام أحمد بن سعيد نفسه إمام تحديات خارجية لا يمكن تجاهلها , ومن ذلك رغبة بعض الولاة التابعين لدولة اليعاربة في استغلال سقوط الدولة والإعلان عن انفصالهم التام وتكوين دولة تابعة لهم , وهذا هو حال محمد بن عثمان المزروعي الذي أعلن استقلاله عن الدولة العمانية , متعللا في ذلك بأن ممباسة التي كانت تخضع لنفوذه بقيت على ولائها لدولة اليعاربة حتى سقطت , ولايعني ذلك إن تستمر تبعيتها لعمان حتى بعد سقوط أسرتها الحاكمة . لم يكن أحمد بن سعيد في وضع يسمح له بتجاهل هذا الوضع الخطير , خصوصا وأن الإمام أحمد بن سعيد الذي كان ينحدر من أسرة تقدر قيمة العمل التجاري , كان يدرك بأن استمرار سيطرته على شرق أفريقيا من شأنه إن يعطي لعمان مكانة تجارية مميزة ,هو أحوج ما يكون لها من اجل توطيد حكمه على البلاد.ولحل هذا الخلاف الذي دار بين الإمام والمزروعي , لجأ الإمام إلى العقل والكياسة كي يضع نهاية لهذا التمرد ويمنع انفصال ممباسة عن دائرة نفوذه , فقام الإمام بإرسال ستة من أتباعه برئاسة سيف بن خلف إلى ممباسة ,وقدموا أنفسهم إلى المزروعي بكل ما أوتوا من دهاء وثقة في النفس على أنهم خارجون على الإمام , إلا أخيه علي بن عثمان المزروعي نجح في اغتيال والي الإمام سيف بن خلف , واستعاد حكم المزروعيين على ممباسة , أما عن بقية المدن في زنجبار فقد بقية بعيدة عن سيطرة الإمام فيما عدا زنجبار التي عين عبدالله بن حمد البوسعيدي واليا عليها.(23)
ثانيا : العلاقات مع فارس:
اتسمت العلاقات الفارسية بالدولة البوسعيدية بالتنافس من أجل الحصول على السيادة البحرية , فمن المعروف إن فارس قد سعت ومن خلال فترات مختلفة من تاريخها نحو تحجيم القوة البحرية العمانية . لقد واجه الأسطول الفارسي في عهد نادر شاه مشاكل عديدة منها اعتماده بالدرجة الأولى على المساعدات الأجنبية في بنائه , وكذلك افتقاره إلى وجود الخبرات المحلية المتمرسة في فنون الملاحة مما دفع بقيادة الفرس إلى الاستعانة بالبحارة العرب لقيادة هذا الأسطول ,وبعد وفاة نادر شاه خلفه في الحكم كريم خان زند الذي حاول السير على نهج سلفه نادر شاه التوسعي في منطقة الخليج العربي , ومن هذا المنطلق بعث كريم خان برسالة على الإمام أحمد طالبا منه دفع الجزية السنوية ,متعللا بما يدعيه بتبعية عمان إلى فارس , ولكن الإمام أحمد بن سعيد رفض المطالب الفارسية باسلوب رجال السياسة المتمرسين الذين يعرفون كيفية مخاطبة التطلعات الاستعمارية, وذلك برفض المطالب الفارسية جملا وتفصيلا.(24)
وبدء الإمام في التخطيط لاستخدام القوة التي قد يلجأ إليها عدوه وقام بالتحاف مع خصوم الفرس وخاصة الأتراك ,وبسبب ضعف منافسي الإمام وموت كريم خان , استطاع الإمام أحمد بن سعيد استعادة مركز عمان القوي في منطقة الخليج العربي , لذلك نفهم من السطور السابقة أن العلاقة ما بين الدولة البوسعيدية وفارس , علاقة عدائية من قبل الفرس الذين كانوا يطمعون في خيرات عمان , خصوصا وأن عمان أصبحت لها في ذلك الوقت قوة بحرية كبيرة.(25)
ثالثا : العلاقات مع القوى الأوروبية :
إضافة إلى العلاقات العمانية مع شرق أفريقيا ومع الدولة الفارسية، كونت عمان في زمن البوسعيديين مجموعة من العلاقات مع دول أوربا وبالأخص مع فرنسا وبريطانيا في زمن الإمام أحمد بن سعيد.
كان الصراع الدولي في تلك الفترة صراعا من أجل الحصول على مناطق النفوذ والامتيازات، وبذلك نجد الصراع الذي قام بين بريطانيا وفرنسا حول عمان ذات الموقع الاستراتيجي المميز، ومحاولة كلا منها ضمها إلى مناطق نفوذها، ولقد فطن الإمام احمد بن سعيد إلى التطلعات الاستعمارية الأوروبية ورسم سياسة خارجية لعمان ارتكزت على مبدأ الحياد وتميزت العلاقة الفرنسية البريطانية بالاستقرار، إلا أن هذا الاستقرار تعرض لبعض الهزات وخاصة عندما نشبت حرب السنوات السبع (1756-1763م) بين البلدين، في هذه الفترة حدث نوع من الاضطراب في المياه العمانية.(26)
والجدير بالذكر أن الإمام احمد بن سعيد كان أول من بدأ بالتعامل التجاري مع فرنسا في جزيرة مورشيوس التابعة للسلطة الفرنسية وبعض المستعمرات الفرنسية الأخرى حيث كانت السفن العمانية تذهب محملة بالسكر وتعود محملة بالسمك المملح والبن، ونتيجة للتطورات التجارية بين عمان والمستعمرات الفرنسية في المحيط الهندي في تلك الفترة، أبدى الإمام أحمد بن سعيد رغبته في أن ينشئ الفرنسيون وكالة تجارية في ميناء مسقط دون مقابل.(27)
أما على الصعيد البريطاني، فعندما نزلت حملة نابليون بونابرت على مصر وكانت تستهدف الإنجليز في الهند، رأت شركة الهند الشرقية البريطانية أن تبرم اتفاقية مع سلطان بن أحمد نصت على ان يسمح سلطان مسقط للإنجليز بإنشاء قاعدة في بندر عباس وتواجد حامية عسكرية بها.(28)
وفي سبيل تدعيم بريطانيا لنفوذها في مسقط وتحت حجة منع تجارة الرقيق أبرمت بريطانيا مع السيد سعيد معاهدة في 1802م تعهد فيها بإيقاف تجارة الرقيق، ثم معاهدة تجارية في عام 1839م، وترتب على تلك المعاهدتين مع بريطانيا إن قررت فرنسا الحصول على امتيازات مماثلة.(29)
انقسام عمان الداخل وعمان الساحل
كانت الفترة التي تلت وفاة الإمام احمد بن سعيد عام 1783م فترة حاسمة في التاريخ العماني الحديث، اذ ظهر خلالها خريطة سياسية وطنية جديدة، وثقافة سياسية متباينة بين نظام الإمامة ونظام السادة، وسوف يعرف هذا النظام الأخير لاحقا باسم السلطنة.
بعد وفاة الإمام احمد بن سعيد، انتخب ابنه الرابع سعيد إماما، وعلى كل حال لم يكن القائد الجديد رجل دولة إضافة إلى انه لم يكن منذ عهد أبيه مقبولا لدى العمانيين خاصة وذلك منذ أن عهد إليه والده بعض المهمات الرسمية، وكان احد المآخذ عليه انه أعطى سلطات كبيرة لابنه حمد ممثلة في المنطقة الساحلية حيث كان يمارس سلطة حاكم بمجرد كونه ينتمي إلى أسرة البوسعيد.(30)
وفي عام 1792م وبعد تسع سنوات من عهده، ثار عليه أخواه قيس وسلطان أرغم سعيد على التنازل عن الحكم لصالح ابنه حمد حيث كان يتمتع بشخصية قوية، ولكن الإمام سعيد لم يتخل عن لقبه كإمام، بل تنازل عن السلطة السياسية لابنه السيد حمد، حيث قام باتخاذ قراره التاريخي بنقل عاصمته السياسية إلى مسقط بدلا من الرستاق.(31)
وقد اثر هذا القرار التاريخي والإستراتيجي على التطور اللاحق للتاريخ العماني، فهو انفصال بنيوي بين النظام السياسي والنظام الديني، وعرض أيضا العاصمة الجديدة مسقط والبلاد كلها للنفوذ السياسي والعسكري والثقافي الأجنبي، وخاصة البريطاني، فكان لعمان في ذلك الوقت عاصمتان، نزوى وهي العاصمة التقليدية والمركز الديني والروحي للداخل، ومسقط العاصمة التجارية والسياسية للساحل.(32)
وكان ذلك عبارة عن عصر انعطاف، حيث أن عهد حمد بن سعيد لم يطل إذ توفي في السنة نفسها التي تولى فيها السلطة رسميا، ونتيجة لذلك تجدد الصراع على السلطة بين الإمام الرسمي سعيد أخويه قيس وسلطان، ولم يوفق سعيد في استعادة السيطرة على البلاد في حين بدأ أخوه سلطان بشخصيته القوية في البروز كبديل وكرجل الدولة الكفء.(33)
حدث لقاء بين ورثة السلطة المتمثلة في سعيد وسلطان وقيس في أحد موانئ بركا، هذا الاتفاق تعلق بتقسيم عمان إلى ثلاث مراكز رئيسية، فسعيد الإمام الرسمي بقى في الرستاق في حين استولى سلطان على السلطة في مسقط، واتخذ قيس منطقة صحار القريبة من مضيق هرمز مركزا لسلطته، وهكذا وبالمساعدة الفعلية للبريطانيين خرجت دولة عمان الإسلامية التي كانت موجودة منذ اكثر من 1500 سنة من المسرح السياسي.(34)
لم يمثل هذا الاتفاق بداية تاريخ سياسي وثقافي جديد، بل عنى نفيا تدريجيا لتقاليد الإمامة، وقد عاشت عمان فترة اضطرابات وتحولات سياسية وثقافية، وخرجت مسقط من ذلك بصيغة سياسية وثقافية واستراتيجية جديدة.
ولا شك أن هناك علاقة حاسمة بين المحيط الجغرافي وطبيعة النظام السياسي فقد تبلور هذا التقسيم تدريجيا إذ مضى الساحل في الانفتاح وبدأ جليا انه مقبل على مزيد من الانفتاح بقدر ما يلتزم بالشروط الخارجية ويوفق بين مصالحه ومصالح شركائه الجدد، في حين كان على الداخل أن يعاني العزلة موطدا في الوقت نفسه قيمة المحافظة.(35)
الخاتمة
وفي نهاية هذا البحث المتواضع يمكننا أن نقول أن عمان مرت بفترات تاريخية مهمة وحاسمة في تطورها في العصر الحديث، وقيام دولة اليعاربة على يد الإمام ناصر بن مرشد وتوحيده للبلاد وطرد البرتغاليين ، ولكن حدثت هناك بعض المشكلات وغالبا ما كانت داخلية بسبب اختيار الإمامة وانتخاب الأئمة.
وبعد انهيار دولة اليعاربة وقيام دولة البوسعيد على يد الإمام أحمد بن سعيد بعدها، حولت مجرى التاريخ العماني حيث توسعت العلاقات الخارجية وخاصة مع القوى الأوروبية (فرنسا وبريطانيا)، ولكن بقى النزاع على السلطة مختلف فيه، وتلاشت في تلك الفترة القوانين والتشريعات الإباضية في اختيار الإمام.
ولا يسعني إلا أن اشكر كل من ساهم لخراج هذا العمل وأخص بالشكر للمكتبة التي وفرت لنا جميع المراجع التي تخص الموضوع . وهذا هو دأب المكتبات الناجحة في خدمة المستفيدين .
ونتقبل كل نقد مثمر الذي بموجبه يساعد في تحسين الأداء ويخرج البحث في أفضل صورة .
وأخيرا وليس آخرا نسأل الله أن يوفقنا إلى ما فيه لخير والصلاح، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
المراجع
1- حسن ، عبيد غانم ، عمان الديمقراطية الإسلامية.- دار الجديد، 1997م.
2- الخصوصي، بدر الدين عباس ، دراسات في تاريخ الخليج العربي الحديث والمعاصر.- ط2، الكويت، ذات السلاسل، 1984م.
3- رزيق ، حميد بن محمد ، الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين.- د.ن 1984م
4- السيار، عائشة ، دولة اليعاربة، دار القدس، 1975م.
5- عبيدلي، أحمد ، كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة، قبرص، دار والطون للنشر، 1985م.
6- منسي، محمود حسن صالح ، تاريخ الشرق العربي الحديث، دار الوزان، 1990م.
7- وزارة الإعلام، سلطنة عمان، عمان في التاريخ، لندن، دار أميل للنشر، 1995م.
8- البوسعيدي ، حميد بن سيف بن محمد، كتاب الموجز المفيد نبذة من تاريخ البوسعيد . د.ن.1407هـ
الحواشــي الخاصة بالمراجع
1- وزارة الاعلام، عمان في التاريخ،1995م، ص452.
2- حسين عبيد غانم غباش، عمان الديمقراطية الإسلامية،1997م،ص.105
3- بدر الدين عباس الخصوصي , دراسلت في تاريخ الخليج العربي ,1984م.ص.65
4- عائشة السيار، دولة اليعاربة، 1975م،ص65.
5- احمد عبيدلي، كشف الغمة الجامع لأخبار الأمة،1985م، ص64.
6- احمد عبيدلي،المصدر السابق،ص64-65.
7- احمد عبيدلي، المصدر السابق، ص65.
8- كشف الغمة الجامع لأخبار ألأمة , أحمد عبيدلي , 1985
9- حسين عبيد غانم , نفس المصدر السابق , 110
10- بدر الدين الخصوصي, دراسات في تاريخ الخليج العربي , 1984
11- حسين عبيد غانم , , عمان الديموقراطية الإسلامية , 1997
12- أحمد عبيدلي , كشف الغمة الجامع لأخبار ألأمة , 1985
13- بدر الدين عباس الخصوصي، مصدر سابق/ص69.
14- حسين عبيد غانم غباش، مصدر سابق، ص117.
15- عائشة السيار، دولة اليعاربة، 1975م، ص96.
16- بدر الدين عباس الخصوصي، مصدر سابق، ص70.
17- حسين عبيد غانم غباش، مصدر سابق، ص121.
18- المصدر السابق، ص122.
19- عائشة السيار، مصدر سابق، ص98.
20- حميد بن محمد بن رز يق , الفتح المبين في سيرة السادة البوسعيديين,1984م، ص152
21- حميد بن محمد بن رز يق , نفس المصدر السابق, ص154
22- وزارة الإعلام , سلطنة عمان , عمان في التاريخ , 1995 ,ص228
23- وزارة الإعلام , سلطنة عمان , عمان في التاريخ , 1995 , ص229
24- أحمد عبيدلي، مصدر سابق، ص 153 .
25- وزارة الإعلام , سلطنة عمان , عمان في التاريخ, 1995 , ص229.
26- عمان في التاريخ، مصدر سابق، ص431.
27- حميد بن محمد بن رز يق، مصدر سابق، ص186.
28- محمود حسن صالح منسي، تاريخ الشرق العربي الحديث، 1990م، ص268.
29- عمان في التاريخ، مصدر سابق، ص432.
30- حسين عبيد غانم غباش، مصدر سابق، ص136-137.
31- عمان في التاريخ، مصدر سابق، ص421.
32- حميد بن محمد بن رزيق، مصدر سلبق، ص165.
33- حسين عبيد غانم غباش، مصدر سابق، ص137.
34- المصدر السابق، ص138.
35- محمود حسن صالح منسي، مصدر سابق، ص269.
م/ن
الف شكر يالغلا عالموضوع,,
عساج عالقوة