و سنتناول في هذا الموضوع ظاهرة الاحتباس الحراري ودراستها من حيث تعريفها ومسمياتها والغازات المسببة لها والمشكلات الناجمة عنها وسنقترح بعض الحلول لهذه المشكلة في نهاية الموضوع .
مسميات الظاهرة :
شاعت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة وبمسميات مختلفة منها ظاهرة الاحتباس الحراري أو التغير المناخي العالمي Global Climate Change أو ظاهرة البيوت الزجاجية Green House Effect أو قد تسمى بمشكلة الدفيئات باعتبار أن كلمة الدفيئة هي التعريب لكلمة ( البيت الزجاجي ) وفق السياق المتبع في بعض الأقطار العربية .
ومهما تعددت التسميات لهذه الظاهرة فإن المشكلة واحدة وهي تتعلق بارتفاع نسبة الملوثات من الغازات المختلفة .
اكتشاف ظاهرة الاحتباس الحراري :
كان العالم الفيزيائي تندل أول من اكتشف هذه الظاهرة في عام 1863 , وفي عام 1896 تقدم الكيميائي السويدي سفانت أرهينيوس Arrhenius بنظرية مفادها(( إن الوقود الأحفوري المحترق سيزيد من كميات غاز ثنائي أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وأنه سيؤدي إلى زيادة درجة حرارة الأرض )) . ولم يستخدم مصطلح " الاحتباس الحراري " إلا في الستينيات من القرن العشرين .
كيف يحدث الاحتباس الحراري في جو الأرض ؟
لكي نستطيع تفهم وتصور هذه العملية يجب فهم طبيعة الإشعاع الشمسي من حيث علاقته بالحرارة, فالطاقة الشمسية هي عبارة عن أمواج كهرومغناطيسية Electromagnetic Waves , تتألف من العديد من الأطوال الموجية منها ما هو محصور في مدى ضيق جداً كالأشعة التي تستطيع العين البشرية رؤيتها والتي تعرف بالأشعة المرئية Visible Light. أما الموجات الأقصر من ذلك فتعرف بالأشعة فوق البنفسجية Ultra Violet Light وما دونها أشعة اكس وأشعة جاما .
أما الأطوال الأكبر من ذلك فتعرف بالأشعة تحت الحمراء Infra Red Radiation , تعقبها موجات الميكروويف Microwaves ثم الأمواج الراديوية . إن الأشعة المرئية تمثل جزءً ضئيلاً للغاية من مجموع الأطوال الموجية للإشعاع الكهرومغناطيسي ومن ضمن خصائصها المتميزة بأنها ذات قدرة على اختراق طبقات الغلاف الجوي دون مقاومة تذكر كما تستطيع بنفس الطريقة اختراق زجاج النوافذ للوصول إلى الداخل ,بعكس الأشعة تحت الحمراء التي ليس لها القدرة على ذلك .
و تستمد الأرض حرارتها من الشمس يومياً وتفقد كمية منها متدفقة إلى الفضاء الخارجي مجدداً بما يحفظ لها نوعاً من الاتزان الحراري الذي يعود إليه فضل استمرار الحياة بالصورة التي نعرفها.
فمثلا لو افترضنا أن كمية الأشعة التي تسقط على الأرض تساوي 100 وحدة فإن:-
•30% منها يرتد مرة أخرى للفضاء الخارجي.
•19% منها يمتص في جو الأرض.
•51% تمتصه الأرض ويؤدي هدا القدر إلى تسخين الأرض ثم تشع طاقة حرارية نحو الفضاء الخارجي على هيئة موجات إشعاعية طويلة الموجه( أشعة تحت الحمراء).
ولذلك فإن التوازن الحراري لكوكب الأرض يتحقق بواسطة العمليات التالية :
تصطدم الأشعة الداخلة من الشمس ( وخصوصاً الجزء المرئي منها ) بسطح الأرض فتتحول إلى أمواج أكثر طولاً هي الأشعة تحت الحمراء , وفي الوقت الذي يتبقى جزءاً منها على شكل حرارة تدفئ سطح التربة والمياه , ينعكس قسم آخر منها إلى الغلاف الجوي فيعمل بخار الماء في الغلاف الجوي وكذلك غاز ثنائي أكسيد الكربون وغازات أخرى على احتجاز كميات من هذه الأشعة الحرارية في جو الأرض وتتسرب كميات منها إلى الفضاء ,. وبناءً على ذلك , فإن غاز ثنائي أكسيد الكربون ( وبخار الماء وبعض الغازات الأخرى ) يمتلك خاصية حجز الأشعة تحت الحمراء فيعمل بذلك نفس عمل اللوح الزجاجي الذي يسمح بدخول الأشعة الضوئية إلى حيز مغلق , بينما يمنع تسرب الحرارة.
الغازات المسببة للأحتباس الحراري :
الغازات المسببة للأحتباس الحراري ذات شفافية معقولة بالنسبة للأشعاع الشمسي الداخل ولكنها معتمة نسبياً بالنسبة للأشعاع الحراري ذي الموجات الأطول من سطح الأرض وكلما زاد تركيز هذه الغازات في الهواء فإن الإشعاع الشمسي المستقبل عند مستوى الأرض لا ينخفض انخفاضاً ملحوظاً في حين ينخفض انخفاضاً كبيراً فقد الإشعاع الحراري من اليابسة وسطوح المياه إلى الفضاء وتكون النتيجة وجود فائض من الطاقة المتاحة عند مستوى الأرض ومن ثم ارتفاع حرارة هواء السطح . ومن أهم الغازات المسببة للأحتباس الحراري ما يلي :
) غاز ثنائي أكسيد الكربون CO2
ينتج هذا الغاز من إحتراق القمامة واحتراق المواد العضوية كالفحم أو البترول أو الغاز الطبيعي( الوقود الاحفوري).
C+O2→CO2
CH4+O2→CO2+H2O
وينتج أيضاً من تنفس النباتات والحيوانات وتحللها ومن تخمر المواد السكرية سواءً كان كيميائياً أو بيولوجياً .
وعليه فهو ينتشر في الفضاء بغزارة ولكنه عملية الاتزان البيئي تذيبه في مياه البحار والمحيطات مكونة حمضاً ضعيفاً يعرف باسم حمض الكربونيك H2CO3 ويتفاعل بدوره مع بعض الرواسب مكوناً بيكربونات و كربونات الكالسيوم . وتساهم النباتات أيضاً في استخدام جزء كبير من غاز ثنائي أكسيد الكربون في عملية التمثيل الضوئي . غير أن اجتثاث الغابات واستبدالها بغابات الأسمنت, كل ذلك أدى إلى فقدان التوازن الطبيعي وبالتالي إلى زيادة نسبة غاز ثنائي أكسيد الكربون في الهواء .
وهذا الغاز غير سام للأحياء وهو يوجد في نسبه حجميه تساوي 0.032% في الهواء الجاف غير الملوث وهذا الغاز هو أساس ديمومة الإنتاج الغذائي على سطح الارض إذ تقوم النباتات بعملية البناء الضوئي كالأتي:-
6CO2 + 6H2O C6H12O6 + 6O2 + ENERGY
إذاً ينتج الأكسجين وهو الأساس لحياة الكائنات وتنتج كذلك المواد العضوية وهي التي تمثل الإنتاج النباتي ولكن يعتقد العلماء أن تراكيز هذا الغاز هي في زيادة مستمرة وبنسب هي في غاية بالضآلة وهذه الزيادة لا تـأثير صحي لها على الإنسان ولا على الأحياء بل إن التجارب المختبرية قد أثبتت بأن زيادة نسب هذا الغاز في الهواء من شأنه أن يزيد من الإنتاج الزراعي ولكن الخطر المتوقع لهذه الزيادة فيكمن في أن وجوده في الهواء في عموم الغلاف الجوي سيؤدي إلى الإقلال من انتشار الحرارة من جو الكرة الأرضية إلى الفضاء الخارجي مما سيتسبب مستقبلاَ في ارتفاع معدلات درجات الحرارة على سطح الأرض.
( نسبة امتصاص ثنائي أكسيد الكربون للأشعة تحت الحمراء 55%) .
2) غاز الميثان CH4
ينتج عن عمليات الاحتراق وتحليل البكتريا للعناصر العضوية وخاصة في مواقع تجميع النفايات والذي تتزايد درجة تركيزه بمعدل سنوي مقداره 1 % تقريباً .(2) ونسبة امتصاصه للأشعة تحت الحمراء 15% . وقد أفادت تجربة علمية جديدة أن غاز الميثان المنبعث من قطعان الماشية والأغنام يفوق تأثيره على الاحتباس الحراري لغاز CO2 المنبعث من المصادر الحرارية , والماشية والأغنام تساهم في إنتاج الميثان عن طريق التجشؤ من الفم أو الغاز المنفلت من الأمعاء .
يذكر أن هذه التجربة جاءت في أعقاب الاحتجاجات الدولية العديدة على أمريكا لعدم توقيعها اتفاقية الكيوتو التي تنص على خفض حجم الغازات المنبعثة من المزارع الصناعية والتي تملك أمريكا وحدها مساحات شاسعة منها .
وعندما ينتقل غاز الميثان إلى طبقة الستراتوسفير فإنه يتحلل إلى كربون وهيدروجين حيث تتحد ذرات الكربون مع الأكسجين لتكون غاز CO2 . أما الهيدروجين فيتحد مع الأكسجين ليكون بخار الماء . لذا فإن غاز الميثان يتجاوز في قابليته كغاز طبيعي المنشأ قابلية غاز CO2 بثلاثين مرة لكنه لحسن الحظ أقل تركيزا في الغلاف الجوي. جداً.
ومن المهم الإشارة إلى أن هناك غازات أخرى في الغلاف الجوي لها مثل هذه القابلية أيضاً ومنها بخار الماء وأكسيد النتروز ومركبات الكلوروفلوروكربون كما أنه تم اكتشاف غاز جديد يعد من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري من قبل العالم النرويجي ويليام سترونج ولا يزال هذا الغاز غامضاً إذ لم يتعرف الكيميائيون على كل أحواله وقد عرفوا تركيبه الذي جاءت منه صيغته الكيميائية ( ثلاثي فلور الميثايل خامس فلوريد الكبريت.
التأثيرات البيئية السلبية الاحتباس الحراري
يتوقع الباحثون زيادة تراكيز غاز ثنائي أكسيد الكربون أو ما يعادله من الغازات المسببة للحبس الحراري في منتصف القرن الحادي و العشرين بما ينتج عنه زيادة في معدل درجات الحرارة يبلغ 4.5 درجة مئوية , وهناك من يقدرها بأكثر أو أقل من ذلك أيضاً . ويتوقع لهذه الزيادة تأثيرات بيئية قد تصل إلى حد التدمير الشامل ! , وأولها هي زيادة في تكرار حدوث الحالات المناخية المتطرفة ( أي أيام شديدة الحرارة أو شديدة الجفاف أو فيضانات مدمرة ) كما أن عدد الأيام التي ترتفع فيها درجات الحرارة عن الحد الطبيعي لها ستكون أكثر حدوثاً .
إن ارتفاع معدل درجات الحرارة المتوقع على سطح الأرض بمقدار1.5 -4.5 درجة مئوية خلال القرن الحادي والعشرين سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات بمقدار نصف متر إلى مترين أو أكثر و هذا الارتفاع متأتي بالدرجة الرئيسية من منشأين رئيسين هما :
الأول : تمدد المياه في المحيطات نتيجة ارتفاع درجة الحرارة .
الثاني: ذوبان كميات أكبر من الجليد والثلوج في الأنهار الجليدية والأغطية الجليدية على سطح الأرض .
إن أي ارتفاع في مستوى سطح البحر سيؤدي إلى العواقب المتوقعة التالية :
1 – تدمير المناطق الحضرية الساحلية : ويؤدي إلى خسائر اقتصادية فادحة ناجمة عن غرق المناطق الحضرية في أوروبا وأسيا وأفريقيا , وهجرة ملايين البشر , ومن الدول التي يهددها هذا الدمار المحتمل بالدرجة الرئيسية هي : مصر في أفريقيا والهند وبنغلاديش والصين في أسيا وإيطاليا وهولندا في أوروبا , على سبيل المثال فإن المناطق الساحلية في مصر يقطنها 25 مليون من البشر , وعلى ارتفاع سطح البحر واحد فقط سيهدد هؤلاء البشر في مساكنهم وأراضيهم الزراعية البالغة حوالي 12% من مجمل الأراضي الزراعية في مصر , أما في بنغلاديش فيسكن 112 مليون شخص من السكان في مناطق ساحلية صغيرة , ومن المتوقع أن يهدد ارتفاع سطح البحر لمتر واحد فقط سيهدد 15.7% من سكان تلك المناطق بالغرق الدائم ويهدد نسبة 28.3% من مساحات الغابات بالغرق 13.7% من مجموع الأراضي الزراعية .
2 – الهجرة العشوائية للسكان : بناء ً على التأثيرات المذكورة في النقطة السابقة أعلاه فإن غرق المناطق الحضرية سيؤدي بالتأكيد إلى هجرة عشوائية للسكان على مدى فترة زمنية قد تطول أو تقصر , ومثل هذه الهجرة يصاحبها بالتأكيد سكن الأفراد في مساكن رديئة وغير نظامية واستهلاكهم للغذاء الملوث والمياه غير الصالحة للشرب تحت وطأة الضرورة , مما ينجم عنه احتمال انتشار الأمراض الانتقالية بدرجة خطيرة , فضلاً عن انتشار الحالات السلبية الأخرى كالأمراض الاجتماعية والحوادث العرضية وارتفاع نسب الجريمة وغير ذلك .
3 – تدمير الكثير من المناطق الطبيعية والنظم البيئية: وكما سبق ذكر بعض الحقائق والأرقام في النقطة الأولى فإن غرق المناطق الزراعية الساحلية أو النظم البيئية سيؤدي إلى شحة الموارد الغذائية وإلى تأثيرات سلبية عديدة على البيئة .
4 – اختلال توزيع الثروات السمكية : يتوقع أن يتسبب التغير في درجات الحرارة وما يعقبه من تغير في مستوى سطح البحر خصوصاً في المناطق الساحلية والخلجان التي تخضع لتغيرات المد والجزر وفي الإخلال بتوزيع الثروات السمكية بسبب تغير أنماط الإيض في أجسامها أو بسبب تخليها عن فترات السبات الطبيعية المحكومة بالتفاوت الدقيق في درجات الحرارة أو بسبب ظهور الأطوار اليافعة في مواسم غير ملائمة لاسيما وأن تراكيز غاز الأكسجين الذائب في المياه يعتمد بدرجة كبيرة على درجة الحرارة وارتفاع الحرارة للمدى المذكور من شأنه تخفيض تراكيز الأكسجين الذائب في المياه بدرجة كبيرة .
5- تأثيرات بيئية أخرى مختلفة: إن العمليات الحيوية في البيئة هي سلسلة متداخلة من تفاعلات وتأثيرات مختلفة ومعتمدة على بعضها البعض وهناك العديد من التأثيرات البيئية المختلفة الأخرى الناتجة عن ارتفاع درجة الحرارة وقد يتعذر حصرها جميعاً , ومنها إن الارتفاع في درجات الحرارة سيؤدي تزايد معدل عملية التركيب الضوئي في النباتات وبالتالي عمليات امتصاص المغذيات من التربة بصورة أكثر من تعويضها من خلال عمل المحللات التي تعمل على إعادة المواد العضوية إلى التربة بصورة قابلة للامتصاص من قبل النباتات , مما سيؤدي تدهور إنتاجية التربة . كذلك هناك من يعتقد استمرار تدفق غاز ثنائي أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي إلى تزايد هطول الأمطار ذات التفاعل الحامضي ( بسبب حامض الكربونيك ) وهذا التحول سيؤدي إلى انخفاض تركيز الأس الهيدروجيني للمياه بحوالي 0.1 وهذا الانخفاض يعتبر كافياً للتأثير المباشر على العديد من الأحياء المائية .
آخر ما تم رصده من آثار الظاهرة
ومن آخر تلك الآثار التي تؤكد بدء ارتفاع درجة حرارة الأرض بشكل فعلي ما يلي:
• ارتفاع درجة حرارة مياه المحيطات خلال الخمسين سنة الأخيرة؛ حيث ارتفعت درجة حرارة الألف متر السطحية بنسبة 0.06 درجة سلزيوس، بينما ارتفعت درجة حرارة الثلاثمائة متر السطحية بنسبة 0.31 درجة سلزيوس، ورغم صغر تلك النسب في مظهرها فإنها عندما تقارن بكمية المياه الموجودة في تلك المحيطات يتضح كم الطاقة المهول الذي تم اختزانه في تلك المحيطات.
• تناقص التواجد الثلجي وسمك الثلوج في القطبين المتجمدين خلال العقود الأخيرة؛ فقد أوضحت البيانات التي رصدها القمر الصناعي تناقص الثلج، خاصة الذي يبقى طوال العام بنسبة 14% ما بين عامي 1978 و 1998، بينما أوضحت البيانات التي رصدتها الغواصات تناقص سمك الثلج بنسبة 40% خلال الأربعين سنة الأخيرة.
• ملاحظة ذوبان الغطاء الثلجي بجزيرة "جرين لاند" خلال الأعوام القليلة الماضية في الارتفاعات المنخفضة بينما الارتفاعات العليا لم تتأثر؛ أدى هذا الذوبان إلى انحلال أكثر من 50 بليون طن من الماء في المحيطات كل عام.
• أظهرت دراسة القياسات لدرجة حرارة سطح الأرض خلال الخمسمائة عام الأخيرة ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بمعدل درجة سلزيوس واحدة ، وقد حدث 80% من هذا الارتفاع منذ عام 1800، بينما حدث 50% من هذا الارتفاع منذ عام 1900.
• أظهرت الدراسات طول مدة موسم ذوبان الجليد وتناقص مدة موسم تجمده؛ حيث تقدم موعد موسم ذوبان الجليد بمعدل 6.5 أيام /قرن، بينما تقدم موعد موسم تجمده بمعدل 5.8 أيام/قرن في الفترة ما بين عامي 1846 و1996، مما يعني زيادة درجة حرارة الهواء بمعدل 1.2 درجة سلزيوس/قرن.
كل هذه التغيرات تعطي مؤشرًا واحدًا وهو بدء تفاقم المشكلة؛ لذا يجب أن يكون هناك تفعيل لقرارات خفض نسب التلوث على مستوى العالم واستخدام الطاقات النظيفة لمحاولة تقليل تلك الآثار، فرغم أن الظاهرة ستستمر نتيجة للكميات الهائلة التي تم إنتاجها من الغازات الملوثة على مدار القرنين الماضيين، فإن تخفيض تلك الانبعاثات قد يبطئ تأثير الظاهرة التي تعتبر كالقنبلة الموقوتة التي لا يستطيع أحد أن يتنبأ متى ستنفجر، وهل فعلًا ستنفجر!!
بروتوكول كيوتو
يعتبر بروتوكول كيوتو اتفاقا بالغ الأهمية ألزم الدول المتقدمة بتقليص ثنائي أكسيد الكربون، وغيره من الغازات بنسبة %5 مقارنة مع مستوياته عام 1990 وذلك بحلول العام 2024. إلا أنه مع انعقاد مؤتمر بيونيس آيرس عام 1998، بهدف المصادق على خطة عمل لتنفيذ بروتوكولات كيوتو، انقسمت الوفود المشاركة على أنفسها بشأن الشرخ الحاصل بين دول الشمال ودول الجنوب ونجحت الدول النامية في طرح خطة عمل لم تشر في ثناياها إلى مسألة إدماجها في العمليات الإجرائية لبروتوكولات كيوتو، وطغت الاعتبارات التجارية والاقتصادية على الاعتبارات العلمية. ودعا هذا التوجه أنصار البيئة لوصفها بأنها ”خطة للإحجام عن العمل” وقد تضمنت خطة العمل قائمة طويلة بالإجراءات التي ينبغي اتخاذها لخفض نسبة انبعاثات الغازات الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري، إلا أنها لم تضع جدولا زمنيا لتنفيذ هذه الإجراءات ولم تقترح سوى القليل جدا من التوصيات الملزمة.
المعالجات الممكنة للمشكلة :
إن المعالجات الممكنة لهذه المشكلة العالمية , تحتاج دون شك إلى تظافر الجهود الدولية في العالم, إلا أن من المهم الإشارة إلى أن العقبة الرئيسية في هذه المعالجات تكمن في النظرة المنحازة التي تتبعها الدول الصناعية الكبرى في هذا المجال ففي الوقت الذي تشير فيه الإحصائيات الدولية إلى أن الدول الصناعية هي المصدر الرئيسي للكميات الهائلة من غاز ثنائي أكسيد الكربون فإن هذه الدول تقترح معالجات ومقترحات مجحفة بحق دول العالم الثالث تتعلق بضرائب على الوقود أو العمل على تقليص استخداماته وهي في الحقيقة تعمل على تحجيم التقدم الحضاري في دول العالم الثالث بينما تحاول في نفس الوقت الإبقاء على استهلاكها على حاله من خلال التلاعب بالألفاظ والمسميات وتبعد نفسها عن أي تضحيات مقابل الالتزامات المطلوبة منها لتحقيق ذلك .
من جهة ثانية يلاحظ بأن التركيز على تحجيم المواد المسببة للإحتباس الحراري تتركز على تخفيض استهلاك الوقود الأحفوري ( الفحم والنفط والغاز الطبيعي ) الذي يعمل على إطلاق غاز ثنائي أكسيد الكربون إلى الجو وهناك إجراءات أخرى للحد من انبعاث الغازات الأخرى البشرية المنشأ مثل مركبات الكلوروفلوركربون ضمن المعالجات الخاصة بمشكلة طبقة الأوزون ولكن ليس ثمة إجراءات محددة يمكن القيام بها وفق المعلومات المتاحة حالياً للحد من انبعاث غاز الميثان مثلاً باعتباره ثاني أكفأ غازات المسببة للحبس الحراري لكنه ذو منشأ طبيعي .
لذلك فإنني أقترح الاقتراحات التالية التالية التي أعتقد أن من شأنها أن تقلل من أنبعاث الغازات المسببة للأحتباس الحراري وهي :
•المحافظة على الطاقة والإقلال والترشيد في استعمال الوقود والمحروقات .
•العمل بكافة الوسائل الممكنة على خفض درجة تركيز غاز ثنائي أكسيد الكربون في الهواء عن طريق الحد من مصادر الطاقة العضوية قدر الإمكان , والتحول إلى استخدام مصادر بديلة غير تقليدية مثل الطاقة النووية والطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى جانب الغاز الطبيعي ورصد الميزانيات اللازمة لتمويل المشاريع التي تحقق هذه الغاية.
• استخدام الوسائل التكنولوجية للتحكم في الملوثات التي يحتوي عليها عادم السيارات ولا سيما غاز أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات كإدخال تعديلات على المحرك لتحقيق الاحتراق الكامل للوقود عن طريق التحكم في خليط الهواء و الوقود ومن أمثلة هذه التعديلات ضبط تركيب مزيج الوقود والهواء الكترونياً بحيث يؤدي ذلك إلى احتراق كامل للوقود وإلى انبعاث أقل قدر ممكن من الملوثات أو تركيب جهاز قبل نهاية ماسورة العادم تكتمل فيه عملية الاحتراق ويتحول بذلك غاز أول أكسيد الكربون إلى غاز ثنائي أكسيد الكربون .
• يجب أن تبدأ الدول الصناعية وهي الأكثر اضراراً بالبيئة والأكثر تسبباً في ظاهرة الاحتباس الحراري واجبها ان تبدأ بانقاص استخدام المحروقات واتباع اسس الزراعة والصناعة النظيفة .
• الحد من عملية قطع الغابات في العالم وتنظيمها عن طريق اتباع سياسة التشجير التي حققت نجاحات ملحوظة في بعض دول العالم التي ظهرت فيها مساحات واسعة من الغابات الاصطناعية .
• إلغاء الدعم الحكومي في الدول الصناعية للوقود الأحفوري.
• تحويل المواد العضوية التي تشكل 75% من القمامة إلى غاز الميثان وهو العنصر الأساسي للغاز الطبيعي وذلك بطريقة التقطير الحراري .
• اصدار التشريعات اللازمة لمنع أنشطة الإنسان التي تؤدي إلى هذه الظاهرة .
• عقد مؤتمرات وحلقات وندوات لبحث هذه المشكلة على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي .
• ينبغي أن يشتمل التعليم على معلومات عن هذه الظاهرة كما ينبغي أن تعمل وسائل الإعلام الجماهيري بتوعية الناس بالتأثيرات البيئية الضارة هذه الظاهرة .
• ينبغي أن تعمل منظمة الأمم المتحدة بالاشتراك مع الهيئات الحكومية الأخرى على تحسين الوصول إلى المعلومات عن مصادر الطاقة المتجددة وعن الاستعمال الكفء للطاقة .
• تدعيم انشاء مراكز علمية متخصصة للقيام بالبحوث والدراسات والمشروعات الخاصة بهذه المشكلة مثل تطوير البحث العلمي فيما يتعلق بصناعة سيارات تسير بالكهرباء يمكن أن يكون مصدرها غير الوقود الأحفوري كالطاقة الشمسية والوقود النووي بتكلفة اقتصادية معقولة تسهم في استخدامها على نطاق واسع .
• تبني معايير عالمية جديدة أكثر حزما تركز على تفعيل الأستفادة من الطاقة وزيادة استخدام الطاقة المتجددة , وذلك كعامل مكمل لجهود الحد من الانبعاثات الضارة , وهي الجهود التي تبلورت في بروتوكولات كيوتو , ويمكن لمثل هذه الاستراتيجية أن تكون ذات نفع لجميع البلدان.
• إزالة الحواجز التنظيمية التي تعيق التنافس وتدعم تقنيات الهدر في الطاقة والاستخدام غير الفعال للوقود الذي ينتج عنه انبعاثات عالية من الكربون , وذلك من أجل قيام منافسة حرة في قطاع الطاقة وفقا لمعايير التكلفة والكفاءة وانخفاض المكونات الكربونية .
• إقامة صندوق عالمي لتحديث الطاقة باستخدام إيرادات الضرائب على المعاملات النقدية العالمية , أو غيرها من الموارد الموازيه لتمويل عملية التطوير والانتقال إلى مرحلة تراعي سلامة البيئة وعدم الإضرار بالمناخ ونقل تقنيات غير ضارة بالبيئة ( والتي تركز على الطاقة المتجددة والفعالة في الاستخدام, وتقلص المكونات الكربونية ) إلى الدول النامية .
• إنشاء وكالة جديدة أو اعطاء صلاحيات لوكالة قائمة تحت مظلة بروتوكول كيوتو لتسهيل الانتقال السريع إلى مرحلة مرافق الطاقة غير الضارة بالبيئة ( المتجددة والفعالة والقليلة الكربون ) في جميع أنحاء العالم وذلك عن طريق نقل التكنولوجيا والخبرة على مبدأ المساواة والأستمرارية في الحفاظ على تدفق الطاقة إلى الأسواق العالمية وحرية المنافسة .
ظاهرة الاحتباس الحراري بين الحقيقة والوهم
رأي المؤيدين للظاهرة
ويرى المؤيدون لفكرة أن زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري هي المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض أن زيادة نسب غازات الاحتباس في الغلاف الجوي تؤدي إلى احتباس كمية أكبر من الأشعة الشمسية، وبالتالي يجب أن تؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض بصورة أعلى من معدلها الطبيعي؛ لذلك قاموا بتصميم برامج كمبيوتر تقوم بمضاهاة نظام المناخ على سطح الأرض، وأهم المؤثرات التي تؤثر فيه، ثم يقومون دوريًّا بتغذيتها بالبيانات الخاصة بالزيادة في نسب انبعاث غازات الاحتباس الحراري، وبآخر ما تم رصده من آثار نتجت عن ارتفاع درجة حرارة الأرض عن معدلها الطبيعي؛ لتقوم تلك البرامج بحساب احتمالات الزيادة المتوقعة في درجة حرارة سطح الأرض نتيجة لزيادة نسب الانبعاثات في المستقبل.
رأي المعارضين لهذه الظاهرة
أما المعارضون وهم قلة؛ فيرون أن هناك العديد من الأسباب التي تدعو إلى عدم التأكد من تسبب زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري في ارتفاع درجة الحرارة على سطح الأرض، بل إن منهم من ينفي وجود ارتفاع يدعو إلى البحث؛ حيث يرون أن هناك دورات لارتفاع وانخفاض درجة حرارة سطح الأرض، ويعضدون هذا الرأي ببداية الترويج لفكرة وجود ارتفاع في درجة حرارة الأرض، والتي بدأت من عام 1900 واستمرت حتى منتصف الأربعينيات، ثم بدأت درجة حرارة سطح الأرض في الانخفاض في الفترة بين منتصف الأربعينيات ومنتصف السبعينيات، حتى إن البعض بدأ في ترويج فكرة قرب حدوث عصر جليدي آخر، ثم بدأت درجة حرارة الأرض في الارتفاع مرة أخرى، وبدأ مع الثمانينيات فكرة تسبب زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري في ارتفاع درجة حرارة الأرض.
أما مَن يرون عدم التأكد مِن تسبب زيادة الاحتباس الحراري في ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ فيجدون أن أهم أسباب عدم تأكدهم التقصير الواضح في قدرات برامج الكمبيوتر التي تُستخدَم للتنبؤ باحتمالات التغيرات المناخية المستقبلية في مضاهاة نظام المناخ للكرة الأرضية؛ وذلك لشدة تعقيد المؤثرات التي يخضع لها هذا النظام، حتى إنها تفوق قدرات أسرع وأفضل أجهزة الكمبيوتر، كما أن المعرفة العلمية بتداخل تأثير تلك المؤثرات ما زالت ضئيلة مما يصعب معه أو قد يستحيل التنبؤ بالتغيرات المناخية طويلة الأمد.
بداية فكرة جديدة
كما يوجد الآن حركة جديدة تنادي بأن السبب الرئيسي في زيادة درجة حرارة الأرض هو الرياح الشمسية؛ حيث تؤدي تلك الرياح الشمسية بمساعدة المجال المغناطيسي للشمس إلى الحد من كمية الأشعة الكونية التي تخترق الغلاف الجوي للأرض، والتي تحتوي على جزيئات عالية الطاقة تقوم بالاصطدام بجزيئات الهواء؛ لتنتج جزيئات جديدة تعد النواة لأنواع معينة من السحب التي تساعد على تبريد سطح الأرض، وبالتالي فإن وجود هذا النشاط الشمسي يعني نقص كمية الأشعة الكونية، أي نقص السحب التي تساعد على تبريد سطح الأرض وبالتالي ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض.
ويرى أصحاب هذا الفكر أنه أكثر منطقية وأبسط تبريرًا لارتفاع درجة حرارة الأرض، وأنه عند انخفاض هذا النشاط الشمسي المؤقت ستعود درجة حرارة الأرض إلى طبيعتها، بالتالي يرون ضرورة توفير المبالغ الطائلة التي تُنفق على البحث عن وسائل لتخفيض نسب انبعاث ثاني أكسيد الكربون؛ حيث إنهم مهما قاموا بتخفيض نسبه فلن يغير هذا من الأمر شيئا طالما استمر النشاط الشمسي؛ حيث إن الإنسان مهما زاد نشاطه على سطح هذا الكوكب فلن يكون ذا تأثير على النظام الكوني الضخم الذي يتضمن النظام المناخي للأرض؛ لذلك من الأفضل استخدام تلك الأموال في تنقية هواء المدن المزدحمة من الغازات السامة، أو تنقية مياه الشرب لشعوب العالم الثالث.
وفي النهاية ما زال العلماء بين مؤيد ومعارض، ولم يجد السؤال عن سبب ارتفاع درجة حرارة الأرض في العقد الأخير إجابة حاسمة، فهل هو الاحتباس الحراري؟ أم هي الرياح الشمسية؟ أم لا يوجد ارتفاع غير طبيعي في درجة حرارة الأرض؟ لم يعرف أحد بشكل قاطع بعد، إلا أن الواضح أن العالم في حاجة ماسة إلى تخفيض ملوثاته بجميع أشكالها، سواء في الماء أو الهواء أو التربة؛ للحفاظ على صحة وقدرة ساكني هذا الكوكب.
المراجع
الأعوج , طلعت إبراهيم (1999) , التلوث الهوائي والبيئة ,الجزء الثاني– القاهرة , مصر
الحفار , سعيد محمد (1990) , بيئة من أجل البقاء , الطبعة الأولى , دار الثقافة للنشر والتوزيع , الدوحة , قطر
خالد محمد القاسمي ، وجيه جميل البعنيني (1999) , حماية البيئة الخليجية , المكتب الجامعي الحديث, الإسكندرية , مصر.
الروكة , محمد خميس ( 1996) , البيئة ومحاور تدهورها و آثارها على صحة الإنسان , دار المعرفة الجامعية , الاسكندرية , مصر
سامح غرايبة , يحيى الفرحان (1998) , المدخل إلى العلوم البيئية , الطبعة الثانية , دار الشروق للنشر والتوزيع – عمان – الأردن
العمر, مثنى عبد الرزاق (2000) , التلوث البيئي , , الطبعة الأولى ,دار وائل للنشر , عمان , الأردن
بارك الله فيك اخوي,,
بالتوفيق,,
في ميزان حسناتك
بارك الله فيك
يزاك الله خير
تسسلم يمناك
موفق