من المشكلات التي يعاني منها شبابنا العربي مشكلة العزوف عن الاشتغال بالأعمال اليدوية . وتبدو هذه الظاهرة في تحاشي كثير من الشباب الالتحاق بالأعمال والمهن والحرف الفنية كالنجارة والسباكة والحدادة والبرادة وغير ذلك
ويشعر الشاب بالخجل والعار من ممارسة مثل هذه الأعمال ، ويفضل عليها الأعمال الكتابية والمكتبية ، وإن كانت لا تدر عليه إلا ربحاً قليلاً جداً . فعلى الرغم من ارتفاع أجور المهن والحرف الفنية ارتفاعاً كبيراً إلا أن الشباب مازال يمتنع عن الالتحاق بهذه الأعمال وينظر إليها نظرة إحتقار وامتهان
ولقد أدى هذا العزوف إلى حدوث نقص كبير في العمالة الفنية في عالمنا العربي ، وأصبحنا في حاجة ماسة إلى وجود أعداد متزايدة من العمالة الماهرة ونصف الماهرة وذلك لسد احتياجات مشاريع التنمية والمشاريع العمرانية والإنتاجية الخاصة والعامة . وأدى ارتفاع مثل هذه العمالة في أجورها وندرتها إلى عرقلة حركة الإنتاج وارتفاع تكلفة السلع والوحدات المنتجة بصورة خيالية . وجذبت أسواق العمالة القادرة على دفع الأجور الباهظة أرباب الكفاءات الفنية إليها ، بينما بقي الصبية وقليلو الخبرة ليقوموا بعبء العمالة الفنية في مجتمعاتهم الأصلية ، مما أدى إلى إنخفاض جودة الأعمال التي يمارسونها وينعكس ذلك بطبيعة الحال على مستوى الدخل الوطني والفردي ، فضلاً عن حدوث فجوة عميقة في مستويات المعيشة بين أرباب الأعمال اليدوية التي ارتفعت أجورها ارتفاعاً خيالياً وبين أرباب الأعمال العقلية والذهنية أو الكتابية والمكتبية . كما أدى ارتفاع أجور العمالة الماهرة إلى ارتفاع الأسعار وعجز رواتب أصحاب الدخول المحدودة عن الوفاء بمتطلبات الحياة . ومؤدى ذلك أن مشكلة احتقار الأعمال اليدوية وإن كانت مشكلة تخص الشباب إلا أن لها انعكاسها على الحياة الاجتماعية والاقتصادية برمتها ، الأمر الذي يجعل التفكير في أسبابها وفي علاجها أمراً حيوياً
الأسباب
يكشف تحليل هذه الظاهرة عن وجود كثير من العوامل التي تكمن وراءها ، من ذلك الميراث الثقافي نفسه ، الذي ينحدر إلينا من عصر اليونان . حين قسم أفلاطون – الفيلسوف اليوناني الشهير – الناس إلى فئات حسب طبائعهم . فهناك طبقة الحكام وهم من الفرسان والشجعان ، ثم هناك طبقة التجار وهم من أصحاب الشهوة في كسب المال ، وأخيراً هناك العبيد والأعاجم والاجانب ، ولقد جعل أفلاطون من نصيبهم الأعمال اليدوية
ومازال المجتمع ينظر مع الأسف الشديد لهذه الأعمال نظرة أقل من نظرته للأعمال الذهنية . ومن الأسباب المسئولة كذلك عن هذه الظاهرة قلة التوعية الاجتماعية والاعلامية بهذه المهن وبأهميتها ، وببيان أنها لا تقل قدراً ولا شرفاً عن الأعمال الذهنية ، وكذلك فإن اتجاه الأسرة العربية وطموحها يجعلها تدفع بأبنائها جميعاً ، سواء كانت قدراتهم الطبيعية تؤهلهم للدراسة أو لا تؤهلهم ، تدفع بهم إلى مجالات الدراسة حتى وإن كانت تعلم أن مثل هذه الدراسة أو غيرها لن تدر على الأبناء إلا إيراداً قليلاً بالقياس إلى ما تدره الأعمال اليدوية . فالأسرة تشعر بشيء من الاعتزاز عندما ترى ابنها جليس أحد المكاتب أو من أرباب أحد الدواوين الحكومية
ولعل من بين الأسباب التي تؤدي إلى النفور من الالتحاق بمثل هذه المهن ، مما يسيء إلى سمعة المهنة وأهلها . فكثير من أرباب المهن هم من يتعاطون الخمور والمخدرات أو لا يتمسكون بالقيم الخلقية في أعمالهم لخلل في تربيتهم الفكرية والثقافية وعزوفهم عن مجالس العلم والوعظ والإرشاد
كذلك من العوامل السببية لهذه الظاهرة انخفاض مستوى التعليم الأساسي بين المشتغلين بهذه المهن . والمعروف أن التعليم يرفع من مستوى كفاءة الفرد ، ويؤدي إلى استنارة عقله ، واحترام الناس له واحترامه لنفسه ، ولذلك فليس غريباً أن الفتاة المتعلمة قد ترفض شاباً حرفياً بينما تقبل الزواج من شاب آخر متعلم ، حتى وإن كان دخله يقل عن دخل زميله الحرفي
هذه بعض العوامل السببية في نشأة هذه المشكلة ، ولكن لا بد من التفكير في وسائل جادة لعلاجها
وسائل العلاج
يحتاج علاج هذه المشكلة إلى تظافر قوى الفرد والجماعة ، فلا يمكن أن نلقي المسئولية كلها على شبابنا ، ولكن لا بد من تظافر الجهود لتغيير الاتجاه الاجتماعي نحو هذه المهن وتحرير عقول الناس من الرواسب والشوائب المتعلقة بها
ويتطلب ذلك القيام بحركة توعية واسعة وشاملة ، توجه بصفة خاصة نحو الشباب لبيان أهمية الأعمال اليدوية والحرف الماهرة وغيرالماهرة ، وأنها لا تقل قدراً ولا شرفاً عن الأعمال الذهنية ومن حسن الحظ أن إسلامنا الحنيف يحث على العمل والجد والاجتهاد والأكل من كد اليد ، حيث يقول الله تعالى
{ فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله }
الجمعة : 10
ويستطيع رجال الوعظ والإرشاد أن يقوموا بدور إيجابي وفعال في حركة التوعية بأهية هذه الأعمال وبقيمتها في حياة الفرد والجماعة
وكذلك فإن أجهزة الإعلام ومؤسسات الثقافة الجماهيرية مدعوة لتقوم بدور إيجابي وفعال في توعية الشباب وترغيبهم بهذه المهن . كذلك فإن الكتاب والمفكرين ودعاة الإصلاح ورجال التعليم تقع عليهم مسئولية الترغيب بهذه الأعمال
ولا شك أنه من بين وسائل رفع مستوى العاملين بهذه المهن نشر التعليم الأساسي بينهم ، بحيث يحصل الشاب على قدر مقبول من التعليم الأساسي الذي يؤدي إلى استنارة ذهنه قبل أن يلتحق بمهنة معينة
كذلك من العوامل التي تؤدي إلى احترام المجتمع لأرباب المهن اليدوية وضع ضوابط لأخلاقيات هذه المهن ، ومنع تفشي الانحراف أو الاستغلال بين العاملين فيها . ولتوفير الأعداد اللازمة من أصحاب هذه المهن يتعين على مجتمعاتنا العربية التوسع في إنشاء مراكز التدريب المهني والتلمذة الصناعية ، وكذلك عقد الدورات التدريبية في هذه المهن
وللنهوض بأرباب هذه المهن ولجذب العناصر الصالحة إليها ينبغي توفير الرعاية الصحية والنفسية والاجتماعية لهؤلاء العمال … وكذلك توفير الضمانات الوظيفية كالتأمينات ضد الوفاة والحوادث وكالمعاشات وما إلى ذلك .. وكذلك يمكن توفير هؤلاء العمال عن طريق تشجيع تعليم الهوايات المهنية بين الشباب ، وتستطيع المدارس والمعاهد والجامعات وكذلك النقابات والاتحادات والجمعيات الخيرية أن تسهم في تعليم هذه الهوايات المهنية . كذلك فإن القوات المسلحة – بحكم امتلاكها لأعداد كبيرة من الشباب – تستطيع أن تعكف على تدريبهم تدريباً مهنياً ، إلى جانب ما تقدمه لهم من التدريبات العسكرية ، وذلك ليسدوا الحاجة المتزايدة لأرباب هذه المهن بعد تسريحهم من الخدمة العسكرية
كذلك يمكن تكليف الشركات والمؤسسات الإنتاجية بفتح فصول دراسية ووحدات تدريبية لتدريب العمال الجدد ، ولرفع كفاءة العمال القدامى . كذلك يمكن قيام المجتمع نفسه بإنشاء الورش الصناعية التابعة للدولة التي تقدم الخدمات المهنية بأسعار مخفضة لأبناء المجتمع . كذلك ينبغي النهوض بمؤسسات التعليم الفني والمهني القائمة حالياً ورفع مستوى معلميها وخريجيها علمياً ومهنياً ومالياً ومادياً كما يتعين تزويدها بأحدث المعدات والآلات . كذلك يتعين إدخال المهن والحرف الحديثة كالحاسب الآلي والأجهزة الألكترونية والصناعات الدقيقة التي استحدثت في عالم الصناعة والتكنولوجيا . ومعنى ذلك نقل تكنولوجيا العصر إلى هذه المؤسسات التعليمية وتحريرها من التخلف . كذلك يتعين إتاحة الفرص أمام هؤلاء في الأبتعاث إلى الخارج
منقووول
.
.
ما شاء الله عليح مشرفتنا الصغيرونة
ربي يوفقج ويحفظج لاهلج
.
.
دمتِ بود
شكرا لمرورج