هل تعتقد أن هذا كلام إنشاء وبلاغة جوفاء؟ حسنًا، ماذا لو جاءك الأب والأم، ثم بدأ ولي الأمر في اتهامك بأنك لا تعرف كيف تشرح الرياضيات، وأن ابنه أصبح ضعيفًا في هذه المادة، منذ استلامك هذا الصف، وأن علاماته مع المعلم السابق كانت ممتازة، وأنها أصبحت على يديك سيئة للغاية، وأنك تحابي طلابًا آخرين على حساب ابنه، وأنه سيرفع شكوى فيك. وبدلاً من أن تبدأ في الدفاع عن نفسك، وتبحث عن الحجج التي تبرر بها ما حدث لابنه، وتتهم ابنه بالكذب، وتصفه بقلة الأدب لأنه تعدى عليك، يجدك تقول له: «أشعر بأنك غاضب، ولكنني أرحب بهذه الصراحة، فالأفضل أن نتحدث وجهًا لوجه، بدلاً من الغيبة والنميمة، وأتفق معك على ضرورة السعي لتغيير الوضع الحالي، ومادمنا متفقين على الهدف، وهو مصلحة الابن، هيا نبحث عن الآلية المناسبة لتحقيق ذلك، والخطوات التي سنتفق عليها سويًا، من خلال المسؤولية المشتركة من البيت والمدرسة، فأنتم خير من يعرفه ابنكم، والأقدر على مد يد العون للمدرسة».
وإذا اتفقنا على أن هناك ألف سبب لحدوث ثقب في إطار الدراجة، وأن هناك وسيلة واحدة لإصلاح الثقب، فإن الحل السحري للموقف المتأزم مع الأب، هو التركيز على البحث عن الحل، وليس الانغماس في المشكلة، والسعي لامتصاص الانفعال، الذي يمكن النظر إليه من زاوية إيجابية، وهي أن الوالدين مهتمان بمستقبل ابنهما، وأنهما يتابعان أوضاعه الدراسية، وأنهما يشعران بالقلق على مستواه في مادة الرياضيات، وأنهما عاجزان عن التوصل إلى حل بمفردهما لهذه المشكلة، فيبحثان عمن يتحمل المسؤولية عن هذا الوضع، ونظرًا لعدم رغبتهما في الاعتراف بانشغال الأب عن الابن، وعدم متابعة دروسه، وعدم قدرة الأم على التفرغ له، وترك بقية المهام في البيت، وبقية الأبناء، وبناء على حبهما الكبير للطفل، فإن المعلم يصبح كبش الفداء.
من المهم أن نعرف أن علاقة أولياء الأمور بالمعلم، لا تبدأ من أول اجتماع أولياء أمور، بل من الاتصال الهاتفي الذي سبقه، أو من أول مرة التقى فيها الجميع في حفل استقبال الطلاب الجدد، أو غير ذلك من المناسبات، التي تترك انطباعًا أوليًا عن المعلم وعن أولياء الأمور لدى الطرف الآخر، ولذلك فإن المعلم لابد أن يعلم أن الأعين مسلطة عليه دومًا، وأنه يظل معلمًا في داخل الصف وخارجه، في داخل المدرسة وفي الطريق، قدره أن يكون قدوة، بشرط أن تكون قدوة حقيقية، وليست مصطنعة لأوقات محددة، وبدون مصداقية.
اجتماع أولياء الأمور مع المعلم، يمكن أن يأتي بناء على اتصال هاتفي من الأهل، لطلب اللقاء لبحث قضية متعلقة بالابن أو الابنة، أو يكون الاتصال بهدف الشكوى، فيعرض المعلم أن يجري بحث الأمر في إطار اجتماع في المدرسة، ويقبل الأهل ذلك العرض.
كما يمكن أن تأتي المبادرة للاجتماع من المعلم أو المعلمة، بسبب وجود حاجة لتناول المستوى الدراسي أو سلوك الطالب أو الطالبة مع أولياء الأمور، في إطار التعاون بين البيت والمدرسة.
والاحتمال الثالث هو حدوث أمر خطير، دفع مدير المدرسة لاستدعاء أولياء الأمور، بصورة عاجلة، وأن يطلب من المعلم أو المعلمة، بحث الأمر معهم.
والاحتمال الرابع أن يكون اللقاء في إطار الدعوة العامة للاجتماعات الدورية لأولياء الأمور، التي تقام كل فصل دراسي أو كل عام دراسي، لجميع الطلاب وبحضور أولياء الأمور كلهم.
وبناء على الدافع للاجتماع، وبناء على شخصية الأهل، يأتي بعضهم كزائر يريد التعرف على الهيئة التدريسية، ويعزز العلاقة معهم فحسب، ويأتي آخرون والخوف يتملكهم مما ينتظرهم في الاجتماع، وفريق ثالث يأتي وهو متحفز للهجوم، وفريق رابع يأتي وهو يبحث عمن يأخذ بيده، ويحمل عنه المسؤولية.
ربما تؤدي طيبة قلب المعلمة، وقدرتها على حسن الاستماع والتفاعل مع من أمامها، إلى أن تبكي أم التلميذ أمامها، وتشكو لها ثقل الحمل، بعد غياب الأب، وكثرة الأطفال، ومصاعب الحياة. ربما تأتي ولية أمر وهي تشعر أن المعلمة دون مستواها، وأنها تتفوق عليها في المرتبة الاجتماعية، وأن من حقها أن تتعامل مع هذه المعلمة بتعالٍ، ما دامت المدرسة خاصة، والرسوم المدرسية باهظة. وفي المقابل قد تأتي ولية أمر متواضعة ماديًا، لا تجيد القراءة أو الكتابة، وتعتبر المعلمة، كائنًا راقيًا يفوقها اجتماعيًا وثقافيًا وفكريًا، فتشعر هذه السيدة بالتضاؤل أمام المعلمة، وتتحدث معها من هذا المنطلق.
وكما أشرنا إلى أن الرد على الأب الذي يتطاول على المعلم، لا يكون إلا بالحسنى، فإن المعلمة لا ينبغي لها ألا تقبل هذه المعاملة (المستكينة) من السيدة البسيطة، بل يجب عليها أن تتحدث إليها كإنسانة لا تقل عنها، ولا ينبغي اعتبار أن مهمة المعلمة أصبحت ممارسة العلاج النفسي لأولياء الأمور، بل هي الأخذ بيد هذه السيدة لتتحمل المسؤولية مع المعلمة، وتشارك معها في التوصل إلى الخطوات اللازمة لعلاج مشكلة الطفل، وبالتالي تكون مساندتها لهذه الخطوات أقوى بكثير، طالما أنها شاركت في إقرارها.
ولابد من الإشارة هنا إلى وهم كبير لدى الكثيرين في المجتمع، وهم أولئك الذين يعتقدون أن مشاكل التعليم في الدولة، هي مسألة تقع على عاتق المعلم، وأنه وحده المطالب بحل هذه المعضلة، ولا يدركون أن المدرسة انعكاس للمجتمع ككل، وأن المناخ السائد في الصف، هو أولاً محصلة نظامين منفصلين، نظام البيت والعلاقة بين أفراده، ونظام المدرسة والعلاقة بين أفرادها، وبالتالي تتداخل في العملية التعليمية عناصر كثيرة مثل: علاقة الأب والأم التي تؤثر على الطفل، والوضع الاجتماعي والمالي داخل الأسرة، وكذلك الوسط الذي يعيش فيه، المسكن، والجيران، والأقارب، وفي المقابل فإن النهج التربوي الذي تتبعه المدرسة، والعلاقة بين أعضاء الهيئة التدريسية بعضهم ببعض، ومع إدارة المدرسة، والمبنى والتجهيزات، والشارع الذي تقع فيه المدرسة، والمواصلات التي تنقل التلاميذ من المدرسة وإليها.
وإضافة إلى نظام البيت، ونظام المدرسة، فإن الأوضاع السائدة في الدولة وفي العالم ككل، سواء تعلقت بالأوضاع الاقتصادية أو السياسية أو حتى الكوارث الطبيعية، من فيضانات، أو زلازل، أو اندلاع براكين، كلها تصل إلى الأطفال والشباب، وتؤثر بطريقة أو بأخرى في الأوضاع داخل المدرسة، ولذلك فإنه من المستحيل أن يقدر المعلم وحده على حل تلك المعضلات، ومواجهة تلك التأثيرات أجمعها، ولابد أن يمد له المجتمع بأسره يده، للإسهام في التعامل الإيجابي مع كل تلك المؤثرات، وهو الأمر الذي لا يتم إلا من خلال التواصل، الذي توفر له اجتماعات أولياء الأمور الإطار الأمثل.
بعد انصرافهم يقوم بإعداد تقرير عن الجلسة، ويكتب نص الاتفاق بينهم، ليرسله إليهم لتوقيعه، ولا يضع منه نسخة في ملف التلميذ، ولا يبلغ زملاءه من المعلمين بمجريات الاجتماع، إلا بعد الحصول على موافقة الوالدين.
ومن المهم أن يقوم المعلم بتقييم الاجتماع، ويقارن الخطة التي وضعها، بما جرى في الاجتماع فعليًا، ليتعرف على الاختلاف ومصدره، حتى يساعده ذلك في الإعداد للاجتماعات التالية، ويكون صادقًا مع نفسه في أي أخطاء وقعت، مثل دخول أحد الزملاء أثناء الاجتماع، وإزعاجهم، لأنه نسي أن يكتب ورقة على الباب من الخارج، يطلب عدم الإزعاج، أو لأن هاتفه الجوال رن أثناء الاجتماع، وتسبب في استياء أولياء الأمور، أو سوء الإضاءة في الغرفة، أو استخدامه لأسلوب الهجوم أو النقد المباشر في أثناء الحديث، أو مقاطعة الوالدين قبل الانتهاء من الكلام، أو التحدث كحكيم الزمان، وبصيغة متعالية، أو السماح لنفسه بتقييم تصرفاتهم، أو تسفيه الرأي الآخر، أو السخرية منه، أو التحذير أو التهديد بالعواقب الوخيمة.
شٌكُرأ لجٌ
اللُـه يـٌعُطــًيًـكٌمُ الصٌــحًه و العُــآآفًيــٌه
و كُــل عًـآآآم و انـُتـًمٌ بٌخُـيًر
رائع..بوركت جهودج
تسسلمين ع الطرح