تحرير الرابط..مشرفة القسم,,
بارك الله فيك
وفيه موضوع جميل زين تتطلع عليه بفيدك ان شاء الله
يعطيج العافية اختي..
بس مثل ما تفضل اخوي ريح يمنع وضع روابط لمنتديات اخرى..
ما قصر ويعطيه الف عافية..
بانتظار مشاركاتج المميزة,,
تمهيد:
نشأت الدولة العثمانية إمارة صغيرة عام (699هـ/1299م)، وتوسعت مع مرور الأيام توسعاً مضطرداً، شمل ثلاث قارات، وأصبحت من الدول القوية، صاحبة النفوذ الكبير والكلمة المسموعة في العالم. وهي أطول الدول الإسلامية حكماً في التاريخ. إذ استمر حكمها إلى عام (1342هـ1924/م)، عندما ألغيت الخلافة الإسلامية، وتقوَّضت الدولة العثمانية، وقامت على أنقاضها الجمهورية التركية. ومن ثم فإن حكم الدولة العثمانية استمر سبعة قرون، تعاقب على الحكم فيها ستة وثلاثون حاكماً من أسرة آل عثمان، بعضهم بلقب أمير، وبعضهم بلقب خليفة، ومعظمهم بلقب سلطان.
عثمان بن أرطغرل:
ولد الأمير عثمان بن أرطغرل عام(656هـ1258/م) في بلدة سوغود Sogud أو عثمانجق .Osmancik وهو رأس أسرة آل عثمان ومؤسس الدولة العثمانية.
خلف والده في قيادة عشيرته. ولبث مصاحباً للسلطان السلجوقي علاء الدين كيكوبات. وقد ساعده في فتح مدن منيعة وقلاع حصينة. فلما قُتل السلطان السلجوقي وسقطت الدولة السلجوقية على أيدي التتار، هرع الناس يلتفون حول المير عثمان غازي، وبايعوه حاكماً عليهم، وذلك (عام 699هـ/1299م)، فاتخذ مدينة قره حصار مركزاً لدولته. ثم حصَّن مدينة يني شهير وجعلها عاصمة إمارته. حكم بين الناس بالقسط والعدل، وأنصف المظلوم، وأعطي كل ذي حق حقه. حتى ذاع صيته، وعلا شأنها، ولا سيما بعدما تزوج بنت الشيخ أده بالي Edebali .
أُعجب به السلطان السلجوقي مسعود، لِما حقّقه من انتصارات متتالية على البيزنطيين في الحروب التي وقعت بينهم. فخاطبه السلطان بعثمان شاه، وأرسل إليه علماً أبيض وتاج الملك. ولما واصل جهاده في فتح القلاع والحصون البيزنطية الواحدة تلو الأخرى، واشتدت وطأته على البيزنطيين فعزموا على قتله، فدبروا له مكيدة، غير أن القائد البيزنطي كوسه ميخال "Kose Mihal"، أسر إليه بالأخبار، فاحتاط للأمر، واعد العدة الكافية، وبادر القوات البيزنطية بهجوم مباغت أحبط مكيدتهم، وحقق النصر عليهم.وبعد أن أصبحت الدولة العثمانية مستقلة استقلالاً تاماً، توسعت جبهات القتال مع البيزنطيين. وكان الهدف الأسمى، الذي يسعى الأمير عثمان لتحقيقه، هو فتح مدينة بورصا واتخاذها عاصمة للدولة العثمانية. وظل هذا هدفاً يطمح إليه الأمير عثمان حتى آخر حياته؛ فقد أمر، وهو على فراش الموت، ولده أورخان بفرض الحصار عليها، والاستماتة في فتحها. وقد نجح أورخان في ذلك، وطارت أنباء الفتح إلى الأمير عثمان وهو يجود بأنفاسه الأخيرة. ونُقل جثمانه إلى مدينة بورصا ودفن بها. في عام( 726هـ 1324/م)، بعد أن عاش سبعين عاماً، قضى منها 27 عاماً على عرش السلطنة.
كان ـ رحمه الله ـ شديد البأس، سديد الرأي، عالي الهمة، كريم الأخلاق، أبيّ النفس. له من الأولاد سبعة، هم: أورخان بك، وعلاء الدين بك، وجوبان بك، وحامد بك، وفاطمة خاتون، وبازارلي بك، وملك بك.
الدولة العثمانية: نشأتها وتطورها وانحطاطها
نشأة الدولة العثمانية
تعد الدولة العثمانية أطول الدول الإسلامية عهداً؛ فقد عاشت 661 سنة، وأطولها فترة في مراحل نشأتها وتكونها ثم انحدارها. وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمكنت من فتح القسطنطينية، والهيمنة على أجزاء شاسعة من أوروبا وآسيا وأفريقيا، في وقت واحد. وظلت لعدة قرون قائدة العالم الإسلامي، والممثلة له. توافقت نشأتها مع عصر تطور النهضة في أوروبا، واتجاه مؤسساتها الناشئة إلى حركة الاستعمار في زمن الانتقال من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة. وأخيراً، فقد ظلت دوماً تقوم على ثلاثة بحار هامة، هي البحر المتوسط والبحر الأسود والبحر الأحمر. وقد توالى على عرش السلطة فيها ستة وثلاثون سلطاناً، من سلالة واحدة، تكرر بعضهم مرتين وبعضهم ثلاث مرات.
تأسيس الدولة العثمانية
لم يبرز للعثمانيين وجود تاريخي قبل القرن السابع الهجري/12م؛ ولذلك نسجت حول أصلهم و أوائلهم الكثير من الأساطير حسب الأهواء والظنون.
تسبب الغزو المغولي في هجرة كثير من القبائل التركية من وسط آسيا إلى الأناضول، وتعاظمت هجراتهم بعد انتصار السلاجقة على البيزنطيين في معركة ملاذكرت) عام1071م).
وتُنسب الدولة العثمانية إلى مؤسسها عثمان بن أرطغرل، الذي ولد عام 656) هـ/1258م)، وتوفي عام 726)هـ/ 1326م). و هو إلى عشيرة قايي، من قبيلة الغزالأغوز التركية. هاجر جده سليمان شاه، أمير عشيرة قايي، مع عشيرته من موطنه الأصلي، في آسيا الوسطى، ليستقر في الأناضول، في كنف دولة سلاجقة الروم، حوالي عام (618 هـ/1123م)، وظل يتنقل بهم من منطقة أخلاط، ومنها إلى أرضروم، ثم إلى أماسية في الأناضول. ثم انحدر بهم إلي حوض الفرات، حتى شرقي حلب. ولكنه غرق أثناء عبور النهر، ودُفن في قلعة جعبر، داخل الحدود السورية، ولا يزال قبره هناك إلى اليوم.
تولى زعامة العشيرة بعده ابنه أرطغرلبن سبيمان؛ فتحرك بها، شمالاً مرة أخرى إلى الأناضول. وشارك السلطان السلجوقي، علاء الدين كيقباد الأول، في حروبه ضد المغول وأبلى هو رجاله بلاءً حسناً؛ فأقطعه السلطان علاء الدين السلجوقي منطقة قراجة طاغ القريبة من أنقرة عام(628هـ1133/م.(ويقال أنه أقطعه كذلك بلدتي سوغود ودومانيج، على الحدود مع البيزنطيين، في غربي الأناضول. ومنحه لقب "حارس الحدود".
توفي أرطغرل في بلدة سوغود، عام(680هـ/1281م)، فتولى بعده ولده عثمان، سيداً على عشيرته وحاكماً للمقاطعة. وأخذ يشن الغارات والحملات الهجومية على البيزنطيين، ويكسب منهم قلاعاً وقرى ويضمها، لحساب الدولة السلجوقية. ومنحه السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد الثالث جهات إسكي شهر وإينونو، عام (1289م).
حاصر عثمان مدينة بورصة، المعروفة في غرب الأناضول، في عام(1314م)، ولكنه لم يتمكن من فتحها.
وتوسعت منطقة نفوذ عثمان أو إمارته، فشملت مناطق سوغود، ودومانيج، وإينه كول، ويني شهر، وإن حصار، وقويون حصار، وكوبري حصار، ويوند حصار. وجعل في عام(1300م)، يني شهر مركزاً لتلك الإمارة.
وفد على عثمان بن أرطغرل كثير من علماء الدولة السلجوقية، التي كانت في طريقها إلى الاضمحلال، وأقبل عليه أمراؤها وأعيانها، فدخلوا تحت حمايته.
يُرجع كثيرٌ من الباحثين نشأة الدولة العثمانية إلى عام (699هـ1299/م)، عندما استقل الأمير عثمان بإمارته الصغيرة عن الدولة السلجوقية.
بينما يرجعها البعض الآخر إلى عام( 708هـ/1308م)، عندما توفي آخر سلاطين سلاجقة الروم السلطان غياث الدين مسعود الثالث، حيث كانت الإمارة العثمانية تابعة للدولة السلجوقية قبل ذلك.
ومع أنّ عثمان بن أرطغرل لم يلقّب بالسلطان أو الخان إلاّ بعد وفاته، إلا أنه يعد المؤسس الأول للأسرة. وقد حكم 45 عاماً، واستطاع توسيع مملكته من 4800 كم2، عند توليه الإمارة بعد والده أرطغرل، عام(681هـ/1281م)، إلى 16 ألف كم2، حين سلمها لولده أورخان، عام (726هـ/1326م).
اتخذ أورخان بن عثمان الذي ولد عام 1281م، مدينة بورصة، الواقعة في أقصى غرب الأناضول، عاصمة لملكه، وقاعدة لتحركاته، بعد أن تيسر له فتحها قبيل وفاة والده، عام(726هـ/1326م). ثم فتح إزمير عام(1327م)، وطاوشانلي في عام(1330م .(واستطاع بذلك أن يفرض على الإمارات السلجوقية المجاورة، الاعتراف الفعلي بحكمه، وبأنه وريث العرش السلجوقي.
ومما زاد من شهرته، تمكنه من هزيمة الامبراطور البيزنطي، الذي حاول استعادة مدينة إزنيق من العثمانيين، عام( 732هـ/1331م). وقد بدأ السلطان أورخان، بعد ذلك، باتباع سياسة متسمة بالحكمة، في التعامل مع البيزنطيين، وتحرص على عدم البدء بالاعتداء، مع محاولة الوصول إلى البحار المفتوحة والمضايق.
وقد توالت الفتوحات، طيلة حكم السلطان أورخان، الذي يعد أول أمير عثماني تسمى بلقب السلطان. وفي عام 736)هـ/1335م)، كوّن جيشاً منظماً، ومدرباً أحسن تدريب. وانضمت بعض الإمارات السلجوقية إلى الدولة العثمانية، التي وصلت حدودها إلى البحر، بعد أن استولت على أسكودار، وهي الضفة الآسيوية من مدينة إستانبول. وفي الوقت نفسه، توسعت الدولة في الجانب الشرقي من البلاد، ففتحت مدينة أنقرة، عام (756هـ/1354م).
سنّت الدولة، في فترة حكم السلطان أورخان، وبإشارة من الوزير قره خليل جاندارلي، قانوناً يقضي بتشكيل جيش سمي "الإنكشارية"، وبمقتضى هذا القانون يؤخذ بعض أولاد النصارى، ويُعنى بتربيتهم، وتهذيبهم تهذيباً إسلامياً، حتى إذا بلغوا سن التجنيد، أُرسلوا إلى الثكنات العسكرية في العاصمة؛ ليتولوا الدفاع عن أراضي الدولة دفاعاً مستميتاً.
كما وضعت تنظيمات إدارية ومالية، في عهد السلطان أورخان، أصبحت قاعدة، تركن إليها الدولة في السنوات التالية، مثل النظام الخاص بإقطاع الأراضي الأميرية، وكيفية تقسيمها على المشاركين في الحرب، وتشكيل الوزارة، وغيرها من الأنظمة، التي استقرت قواعد الدولة عليها.
ضم البلاد العربية
استفحل أمر الدولة الصفوية، بعد عهد السلطان بايزيد الثاني، الذي استخدم اللين مع الشاه إسماعيل الصفوي، على الرغم من نشاط الخير في نشر المذهب الشيعي بين القبائل التركية البدوية، وقتل الكثير من أهل السنة، بعد استيلائه على بغداد. وكان ذلك يحمل في طياته خطراً كبيراً على الدولة العثمانية، التي تزعمت أهل السنة في ذلك الوقت. إذ أن الشاه إسماعيل الصفوي، الذي جعل من التشيع سياسة لدولته ومذهباً لها، وجد له أعواناً كثيرين في الأناضول. وكان ذلك كفيلاً بأن يفتت وحدة الدولة العثمانية في الأناضول، على وجه الخصوص. فأجَّل السلطان سليم الأول فتوحاته، في أوروبا، ردحاً من الزمن، وتوجه بكل ما أوتي من قوة نحو الشرق، لوقف ذلك المد الشيعي، وتأديب المماليك، في مصر والشام، المتحالفين مع الصفويين، والعاجزين عن حماية الأماكن المقدسة. وكانت معركة جالديران، عام (920هـ/ 1514م)، انتصاراً باهراً للعثمانيين وهزيمة نكراء للصفويين، توغل الجيش العثماني بعدها في إيران حتى وصل إلى تبريز. وقد ثبّت ذلك الانتصار أقدام العثمانيين في الأناضول، وحسنت من صورتهم أمام العالم الإسلامي. غير أن ذلك النصر لم يكن ليكتمل ما لم تتم إزالة التهديدات البرتغالية للبحر الأحمر والأماكن المقدسة، في وقت استغاث فيه أهالي المنطقة بالعثمانيين، إزاء عجز المماليك عن الدفاع عنها، إضافة إلى إيواء المماليك للثائرين على السلاطين العثمانيين، وتحالفهم مع الصفويين ضد العثمانيين.
توجّه السلطان سليم الثاني إلى سوريا، ووقعت بينه وبين الغوري المملوكي معركة، بالقرب من حلب، عند مرج دابق، عام( 922هـ/1516م)، ومني الغوري بالهزيمة، وسقوط قتيلاً، ودخل السلطان سليم الأول مدينة دمشق، وضُمت الأراضي السورية إلى الدولة العثمانية. ثم توجه السلطان سليم إلى القاهرة، وانتصر في معركة الريدانية، بالقرب منها، في عام 923هـ (بدايات عام 1517م). وبذلك بدأ عهد جديد في تاريخ العثمانيين، اكتملت فيه سيطرتهم على العالم العربي، والتي استمرت أربعة قرون. وأعلن بذلك العثمانيون حمايتهم للأماكن المقدسة، وجعل البحر الأحمر بحيرة إسلامية.
تأخَّر الدولة العثمانية وتدهورها
يعزو كثير من الباحثين بداية انحدار الدولة العثمانية إلى (عام 1110هـ1699/م)، عندما اندحرت أمام الأعداء، واضطرت، لأول مرة، إلى توقيع معاهدة كارلوفجا، التي فرض شروطها عدوُّها المنتصر. وخرجت الدولة العثمانية بتلك الهزيمة من عزلتها، وتيقنت يقيناً جازماً من تخلف أجهزتها العسكرية. فبدأت توجُّهاً قوياً إلى الاستفادة من التقدم الأوروبي، فيما عُرف، في تاريخ الدولة العثمانية بحركات التجديد.
أرجع بعض الباحثين مقدمات ضعف الدولة العثمانية إلى عهد السلطان سليمان القانوني، بسبب وقوعه تحت تأثير زوجته روكسلانا، التي تآمرت ضد الأمير مصطفى ابن سليمان، ليتولى ابنها سليم الثاني الخلافة بعد أبيه. وكان مصطفى قائداً عظيماً ومحبوباً لدى الضباط، مما أدى إلى حركة تزمر بين الإنكشارية ضد السلطان، فأخمدها السلطان سليمان. وبذلك قضى على الأمير مصطفى. وأعقب ذلك تخلي السلطان عن ممارسة سلطاته، وتسليم مقاليد الأمور إلى زوجته، مما أدى إلى بروز سطوة الحريم، والعجز عن مواجهة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي أدت إلى نشوب القلاقل الشعبية في الروملي والأناضول.
عوامل الضعف في الدولة العثمانية
أصيبت الدولة العثمانية بعدة عوامل ضعف أثرت على مسيرتها وتقدمها. وعلى الرغم من وجود عوامل خارجية ساهمت في ضعف الدولة حتى في عهد القوة والتوسع، إلاّ أنها لم تكن مؤثرة في الدولة بقدر المؤثرات الداخلية. يمكن إيجاز تلك العوامل الداخلية على النحو الآتي:
أ: البعد عن منهج الإسلام الأصيل وجوهر الإيمان. الذي كان يميز الدولة العثمانية منذ قيامه، عندما كانت العاطفة الإسلامية جياشة وقوية. فلما تبعتها التربية الإسلامية، والتدريب السليم للنظام العسكري الجديد، كانت القوة وكان الفتح وكان التوسع. فلما ضعفت التربية الإسلامية زادت أعمال السلب، والنهب، والفسق، والفجور. واستمر الانحراف، وظهرت حركات العصيان والتمرد، وفقدت الدولة هيبتها.
وقد تمثل ذلك في:
1) الإهمال في العدالة والضبط وحسن السياسة، وسببه عدم تفويض إسناد الأمور إلى أهلها الكفاء.
2) المسامحة في المشاورة والرأي والتدبير، وسببه العجب والكِبر في أهل الحكم، واستنكافهم عن مصاحبة العلماء والحكماء.
3) التساهل في التدريب، والضبط والربط، وسوء استعمال آلات الحرب عند محاربة الأعداء، وسببه عدم خوف العسكر من الأمراء.
4) ثم رأس جميع الأسباب، وغاية ما في الباب، وهو طمع الارتشاء ورغبة النساء.
ب: الترف الذي أدى إلى الانغماس في حياة الفسق، بحيث أصبح السلاطين يقضون أوقاتهم في الملذات بين الحريم. وانعكس ذلك على ضعف السلاطين وعدم قدرتهم على تسيير أمور الدولة وقيادة الجيش، مما أثر بدوره على أوضاع الدولة.
ج: سيطرة العقلية العسكرية، التي أدت إلى انتزاع الأمور بالسيف بدلاً من الدراسة، والتخطيط، والمناقشة.
د: فساد الإدارة: حيث ترك السلاطين أمور الدولة لكبار موظفيهم، الذين انغمسوا في الفساد، فانتشرت الرشوة، والمحسوبية، والاختلاس، وبيع الوظائف، وقام الولاة في الولايات بحركات انفصالية عن كيان الدولة العثمانية.
هـ: الفساد، الذي استشرى في صفوف الإنكشارية، التي كانت العمود الفقري للدولة في عهد القوة والتوسع.
و: الامتيازات الأجنبية: التي مُنحت للأجانب في زمن قوة الدولة وازدهارها، ثم أصبحت حجر عثرة أمام الدولة العثمانية في التقدم والارتقاء، وأصبح الأجانب، بتلك الامتيازات، يتدخلون في شؤون الدولة الداخلية، ونجم عن ذلك خروج الرعايا عن أوامر الدولة. إضافة إلى ذلك، هناك الأسباب الخارجية، التي تمثلت في تكالب الدول الصليبية على الدولة العثمانية وتوحدها، في كثير من الأحيان، للقضاء عليها.
ز: تأخر الدولة عن ركب الحضارة، بسبب عدم تمسكها بأسباب القوة، والتي تمثلت في تخلف أجهزتها العلمية والعسكرية على وجه الخصوص. في الوقت، الذي كانت فيه الدول الغربية تكتشف كل يوم جديداً في حقول المعرفة، والتي عرفت بالثورة الصناعية.
بداية الاضمحلال في الدولة العثمانية
يتفق المؤرخون على أن عظمة الدولة العثمانية قد انتهت بوفاة السلطان سليمان القانوني عام (974هـ/ 1566م.( حيث فتح الطريق، من بعده، لاستلام السلاطين الضعاف زمام أمور الدولة، وذلك حين خلف لولاية عهده ابنه سليم الثاني، بدلاً من الأمير مصطفى، المتسم بقوة الشخصية، والتدريب الإداري، والعسكري الفائق. يضاف إلى ذلك أن العديد من السلاطين، الذين تولوا الحكم في الدولة في فترة التقهقر تلك، كانوا في سن الطفولة، فأصبحت أقوى دولة بيد الحريم أو آغاوات القصر. وعجَّل ذلك بالدولة إلى الهاوية. ولولا وجود بعض الصدور العظام الأقوياء، في تلك الفترة، لما بقيت الدولة إلى العصور التي تليها.
وكانت معاهدة كارلوفجا، التي امتدت ستة عشر عاماً، أولى الهزائم العسكرية الكبرى، التي هزت كيان الدولة، وأدت إلى اهتزاز البنية الإدارية، والمالية، والاجتماعية للدولة العثمانية. فقد عقدت تلك المعاهدة بين كل من الدولة العثمانية، والنمسا، وروسيا، والبندقية، وبولونيا، في(24 رجب 1110هـ 26/ يناير1699م)، وتنازلت الدولة العثمانية بموجبها عن 000ر356 كم2 من أراضيها لتلك الدول. وقد وصف المؤرخ الفرنسي "فرنارد جرينارد" هذه المعاهدة بقوله: "إن عام(1699م) من أهم الأعوام التاريخية، حيث انتقلت الهيمنة الشرقية إلى أوروبا".
ثم توالت بعد ذلك الإحن على الدولة، وإن كانت على فترات متباعدة. حيث اضطرت للتنازل لأعدائها، بموجب المعاهدات التي أبرمتها معها، مثل معاهدة كوجوك قاينارجه، التي وقعتها الدولة مع روسيا، في (1188هـ / 1774م)، عن القرم، وبسارابيا، وقوبان، وغيرها من الأراضي، إضافة إلى حرية الملاحة للسفن الروسية في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وأن تبنى روسيا كنيسة لها في إستانبول، ويكون لها حق حماية جميع المسيحيين الأرثوذوكس القاطنين في البلاد العثمانية، وأن تدفع الدولة العثمانية خمسة عشر ألف كيسة غرامة حربية لروسيا. وكانت تلك أول خطوة لروسيا في إلحاق القرم بأراضيها. كما أنه، من خلال حق حماية الأرثوذوكس، كانت روسيا قد حفظت لنفسها حق التدخل في شؤون الدولة العثمانية الداخلية.
وعلى الرغم من قيام الدولة، بعد ذلك بمحاولات إصلاح، بعدما تأكدت أنها لا تستطيع مواجهة القوات الدولية، إلاّ أن تلك المحاولات كانت محدودة مؤقتة، ولم تستمر طويلاً. وخاصة المحاولات، التي أجريت في عهد السلطان عبدالحميد الأول. ومما لا شك فيه أن الحروب، التي كانت تنشب بين فترة وأخرى بين العثمانيين من جهة، وبين روسيا من جهة أخرى، كانت تعرقل
الحرب العالمية الأولى وانقراض الدولة العثمانية
أمسكت جمعية الاتحاد والترقي بزمام الأمور في الدولة العثمانية، وأطاحت بحكم السلطان عبدالحميد الثاني، الذي كان يتحاشى الحروب بقدر الإمكان، محاولاً تحويل صراع الدول الغربية وروسيا على الدولة إلى صراع فيما بينها. وكان برنامج الاتحاد والترقي في الحكم يتركز على التغريب، وإحلال المؤسسات الغربية محل المؤسسات الإسلامية في الدولة، والتركيز على تتريك الحكم والنظام، متأثرة في كل ذلك بالشعارات الغربية، مما أدى بها إلى التشجيع على القومية التركية. فحصل النفور بين الشعوب الإسلامية المنضوية تحت لواء الخلافة الإسلامية وبين برنامج الحكومة، ولا سيما بعد نشر الأفكار القومية لدى العرب أيضاً.
وفي خضم ذلك، نشبت الحرب العالمية الأولى، عام(1333هـ/1914م)، التي تحالفت فيها الدولة العثمانية مع ألمانيا والنمسا، ضد بريطانيا وفرنسا وروسيا. على أنه لم يكن لديها أي استعداد لخوض غمار الحرب. وكان النصر، في السنتين الأوليين من الحرب، من نصيب الدولة العثمانية وحليفاتها، غير أن قيام الثورة العربية الكبرى، بزعامة الشريف حسين عام 1335)هـ/1916م)، كان أكبر ضربة وجهت للدولة العثمانية والجامعة الإسلامية بوجه خاص. حيث فقدت الدولة مع نهايات الحرب عام( 1338هـ/ 1918م(، كل أملاكها في الجزيرة العربية، بل في معظم البلاد العربية. ووقعت عدة معاهدات، استهدفت تقسيم أملاك الدولة العثمانية. مثل معاهدة الآستانة عام(1334هـ 1915/م(، ومعاهدة لندن عام (1334هـ/1915م)، ومعاهدة سايكس بيكو عام 1335)هـ/ 1916م)، ومعاهدة سان جان دي مورين عام (1336هـ/1917م)، ثم معاهدة سيفر عام( 1339هـ/ 1920م (التي عقدت في مدينة سيفر الفرنسية، وتخلت الدولة العثمانية بموجبها عما تبقى من أراضيها في تراقيا بما في ذلك مدينة أدرنة، وتخلت عن حقوقها في جزيرتي إمروز وتندوس.وقلصت تلك المعاهدة سيادة الدولة العثمانية، فقد حُدد عدد الجيش العثماني بخمسين ألف جندي، يخضعون لإشراف الضباط الأجانب، وحُدد سلاح الجيش والأسطول، وأعيدت الامتيازات الأجنبية، كما شُكِّلت لجنة جديدة للبت في الإشراف على الديون العثمانية، وعلى ميزانية الدولة، وعلى الضرائب، والرسوم الجمركية، وغيرها من الأمور المالية.
وفي تلك الأثناء، شُكِّلت حكومة في أنقره، بزعامة مصطفى كمال آتاتورك، كانت منفصلة عن حكومة إستانبول. وبدأ النظام الجديد في أنقره، معلناً التمرد على حكومة إستانبول، وجعل من المجلس الوطني الكبير حكومة فعلية، حيث أقر المجلس، عام( 1340هـ/1921م)، الدستور الجديد، ورفض كل المعاهدات التي أبرمتها حكومة إستانبول، وفي الوقت نفسه، عقد مصطفى كمال اتفاقاً مع روسيا، اعترفت روسيا بموجبه بالميثاق الوطني الذي أعلنته حكومة أنقره. كما عقد مؤتمر في لندن عام( 1340هـ/1921م)، للتخفيف من شروط الصلح، مما أضفى طابعاً شرعياً على حكومة أنقره، في إرجاع القرار الخاص بوضع الأناضول إليها. وقد جرت عدة اتفاقات مع الدول المعنية في الانسحاب من بعض الأراضي التركية، فتنازلت روسيا عن باطوم، وفرنسا عن كيلكيا، وإيطاليا عن أنطاكيا، ونشب القتال مع اليونانيين، وانتصرت القوى الوطنية في معركة سقاريا على اليونانيين عام (1340هـ/1922 م). ورغم أن حكومة إستانبول دعت إلى مؤتمر لوزان إلى جانب حكومة أنقره، إلا أن الأخيرة قامت بإلغاء السلطنة من نظام الدولة العثمانية في( 12 صفر 1341هـ/ 4 نوفمبر 1922م)، حتى لا تلقى القبول لدى المؤتمر، فاستقال الصدر الأعظم توفيق باشا، ولم يعين السلطان محمد السادس غيره مكانه، مما أشار إلى خضوع السلطان لحكومة أنقره. وسافر السلطان إلى بريطانيا لاجئاً، فعينت حكومة أنقرة عبدالمجيد أفندي خليفة في (26 ربيع الأول 1341هـ/ 16 نوفمبر 1922م)، متجرداً من صفة السلطان. وانتهت حرب الخلاص الوطني، وأُعلنت الجمهورية في (30 ربيع الأول 1341هـ 20/ نوفمبر 1922م)، ثم ألغيت مؤسسة الخلافة من حياة تركيا في (28 رمضان 1342هـ/3 مايو 1924م)، وأُجبر أفراد أسرة آل عثمان على مغادرة تركيا نهائياً.
وبذلك انطوت أخر صفحة من صفحات تاريخ الدولة العثمانية، ونشأت على أنقاضها الجمهورية التركية، التي اتخذت من العلمانية مبدأ لها في الحياة. وأُلغيت المؤسسات الدينية، وأُقيمت مكانها مؤسسات أخرى، مبنية على مبدأ فصل الدين عن الدولة
في العقد الثاني من القرن العشرين اندلعت حرب لم يشهد تاريخ البشرية من قبل مثيلا لها ، لا من حيث مساحة رقعة عملياتها، ولا من حيث نوع الأسلحة المستخدمة فيها ، ولا من حيث عدد القتلى والجرحى الذين سقطوا فيها 0 لذلك أطلق عليها بحق أسم الحرب الكبرى ، أو الحرب العالمية الأولى (1914-1918)
1-الأسباب
I-التنافس الاستعماري: عرف القرن التاسع عشر بقرن الاستعمار 0فقد سعت الدول الصناعية الكبرى خلاله إلى مزيد من المستعمرات للحصول على المواد الأولية ، والأيدي العاملة ، والأسواق الاستهلاكية لمنتجاتها 0فنشأ بينها سباق محموم الى التسلح 0
Ii-الصراع الفرنسي –الألماني:بدأ هذا الصراع عندما احتلت ألمانيا مقاطعتي الألزاس واللورين الفرنسيتين سنة 1870م 0وفي بداية القرن العشرين أرادت فرنسا ضم المغرب إلى مستعمراتها في شمال أفريقيا ، فتصدت لها ألمانيا خوفا على مستعمراتها في أفريقيا الوسطى 0 وكادت الحرب أن تنشب بين الدولتين لولا تدخل بريطانيا والولايات الأمريكية المتحدة ، ومنح ألمانيا قسما من الكونغو مقابل حصول فرنسا على المغرب0
ج- صراع القوميات:في أواخر القرن التاسع عشر تحررت معظم أراضي البلقان من السيطرة العثمانية 0 غير أن الدول المستقلة التي قامت فيها على أساس قومي ، لم تستطيع منع الإمبراطوريات الكبرى المحيطة بها من التدخل في شؤونها 0 وعندما قامت النمسا بضم منطقة البوسنة –الهرسك إلى أراضيها (1908م) ،برغم أعتراض الصرب ،أنقسمت أوروبا إلى معسكرين :التحالف الثلاثي (النمسا وألمانيا وإيطاليا ) والوفاق الودي (فرنسا وبريطانيا وروسيا )0
د-السبب المباشر: في 28 يونيو 1914م إغتال طالب صربي ولي عهد النمسا فرانسوا فرديناند وزوجته في ساراييفو عاصمة البوسنة، فاندلعت الحرب0
2-مراحل الحرب:
أ-المرحلة الأولى :اقتصرت العمليات العسكرية خلالها على الجبهة الأوروبية 0فبعدما أجتاح الألمان بلجيكا وشمال فرنسا ،تمكن الإنكليز والفرنسيون من إيقاف زحفهم في معركة المارن (1914)0
ب-المرحلة الثانية :تميزت بالثبات في المواقع (حرب الخنادق)، وكان من أبرز الأحداث فيها دخول تركيا وبلغاريا الحرب إلى جانب ألمانيا والنمسا ، وانتصار الإنكليز والفرنسيين على الألمان في معركة فردان (1916م)، والمحاولة الفاشلة التي قام بها الأتراك لتحرير قناة السويس ومصر من قبضة الإنكليز 0
وقد برزت في هذه المرحلة أيضا ثورة الشريف حسين في الحجاز بدعم من الإنكليز0
ج- المرحلة الثالثة : شهدت هذه المرحلة انسحابا روسيا من الحرب بعد قيام الثورة الشيوعية فيها (1917م) ، ودخول الولايات المتحدة في القتال إلى جانب الحلفاء ، مما أدى إلى هزيمة ألمانيا في معركة المارن الثانية (1918م) وانتهاء الحرب0
3-النتائج :
أسفرت الحرب العالمية الأولى عن وقوع ملايين القتلى والجرحى ،عدا الدمار الهائل الذي حل بالأراضي الزراعية والتجمعات السكنية 0 فشلت الحركة الاقتصادية في العالم كله 0 وعلى الصعيد السياسي أدت هذه الحرب إلى تغيير جذري في خريطة أوروبا السياسية 0إذ قامت فيها دول جديدة على حساب إمبراطوريات ألمانيا والنمسا وروسيا الشيوعية 0 أما الوطن العربي فتخلص من السيطرة التركية ليقع في قبضة الاستعمار الأوروبي ، أو الانتداب 0 وقد أملت الشعوب المستضعفة خيرا بإعلان مبادئ الرئيس الأميركي ولسون وبتأسيس عصبة الأمم 0 غير أن مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس (1919م) أعطى الدول المنتصرة ، مكاسب استعمارية جديدة
ربي يحفظكم,,
الدولة العباسية
تنسب الدولة العباسية إلى العباس بن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليه و آله و سلم). وبنو العباس هم الفرع الثاني من بني هاشم، أما الفرع الأول فهم العلويون أبناء الإمام على بن أبى طالب كرم الله وجهه. وكان لتأسيس الدولة العباسية قصة طويلة، بدأت بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) عندما طالب بنو هاشم بإسناد الخلافة إلى أهل الرسول (صلى الله عليه و آله و سلم) وذويه، ولم يكتب لهم النجاح بإجماع المسلمين على خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه والخلفاء الراشدين من بعده. ومع هذا لم ينس بنو هاشم مطلبهم خاصة بعد أن آلت الخلافة إلى بني أمية. ومن مدينة «الكوفة» بالعراق بدأ العباسيون يخططون لدولتهم في سرية تامة وأخذوا يرسلون الدعاة إلى بلاد فارس وخراسان، وحتى لا يثيروا العلويين ضدهم نادوا في البداية بالدعوة للرضا من آل محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) وهكذا اشترك جميع بني هاشم في بناء الدولة عباسيين وعلويين، إلا أن بني العباس استطاعوا بدهائهم أن يستأثروا وحدهم بالسلطة. والحق يقال أن هناك عدة عوامل ساعدت على قيام الدولة العباسية، فإلى جانب التخطيط الجيد والسرية، أحسن العباسيون اختيار الدعاة والرجال الذين أقاموا الدولة وأذكر من هؤلاء أبا مسلم الخراساني أبرز الدعاة في خراسان، و أبا سلمة الخلال كبير الدعاة بالكوفة. وكان ازدهار الدعوة العباسية وانتشارها في خلافة عمر بن عبد العزيز فقد استقرت الأمور في عهده، ولم يكن يميل إلى القسوة على بني هاشم. وظل العمل الدءوب المستمر من قبل الدعاة العباسيين حتى كانت ليلة الخميس الخامس والعشرين من رمضان سنة 129 هـ إذ ظهر العباسيون براياتهم السوداء وأعلنوا الثورة على الدولة الأموية. وانطلقت الجيوش العباسية بقيادة أبى مسلم الخراساني وقحطبة بن شبيب تزحف على ولايات الدولة الأموية وتستولى عليها، فقد دانت خراسان كلها لأبى مسلم الخراساني، ودانت الكوفة لقحطبة بن شبيب. وبمرور الوقت دانت كل المدن الأموية للعباسيين من أقصى الشرق حيث كابل لأقصى الغرب حيث قرطبة و أشبيلية مرورا بالقدس و الخليل و الرها وغيرهم.
وشهد عام 132 هـ بالتحديد حدثًا تاريخيًا كبيراً وهو سقوط دولة بني أمية لتنمو وتزدهر على أرضها شجرة الدولة العباسية. وبدأ ذلك بانتقال مؤسس الدولة أبى العباس عبد الله بن محمد -المعروف بالسفاح – ومعه الأسرة العباسية إلى «الكوفة» وهناك بايعه النقباء والأمراء بالخلافة في قصر الإمارة. ثم خرج إلى الناس فخطب فيهم وأخذ البيعة. وتم الأمر لبني العباس بمقتل مروان بن محمد أخر خلفاء بني أمية في جمادى الأخرة سنة 132 هـ. والآن أريد أن أحدثكم عن أمر حيرنى، فقد اختلف إخواني المؤرخون في كيفية تقسيم الدولة العباسية، فبعضهم قسمها إلى عصور قوة وضعف حسب قوة الدولة ووضعها في كل مرحلة من مراحل تاريخها، وبعضهم الأخر قسمها حسب العوامل المختلفة التي أثرت في سيرة الدولة كسيطرة الجند والقادة على مركز الخلافة أو تأثير الدول القوية على الخلفاء. ولكنى سآخذ بالتقسيم الذي استقر عليه غالبية المؤرخين وهو تقسيم الدولة العباسية إلى ثلاثة عصور رئيسية هي:
1- العصر العباسي الأول: ويمتد في الفترة من 132 هـ – 232 هـ ، وكان أقوى عصور الدولة العباسية.
2- والعصر العباسي الثاني: ويمتد في الفترة 232 هـ – 590هـ وفي هذا العصر بدأت تضيع السلطة من أيدي الخلفاء، وسيطر العسكريون على الحكم.
3- وأما العصر العباسي الثالث والأخير: فيقع في الفترة من (590 – 656هـ) وفيه انحصرت دولة الخلافة في بغداد وما حولها بينما سيطرت الدول المستقلة على باقي عواصم الخلافة. ومن خلال هذا التقسيم يسرني أن أحدثكم عن كل عصر على حدة، كأنه دولة مستقلة في فترة عمر الدولة العباسية التي استمرت من 132 هـ – 656هـ. ونبدأ من العصر العباسي الأول الذي يمتد قرنًا من الزمان منذ بداية تأسيس الدولة في عام 132 هـ إلى عام 232هـ.
وحكم في هذه الفترة تسعة فروع من الشجرة العباسية هم على الترتيب :
• أبو العباس السفاح ولى في الفترة من 132 – 136 هـ
• أبو جعفر المنصور ولى في الفترة من 136 – 158 هـ
• أبو عبد الله المهدي ولى في الفترة من 158 – 169 هـ
• أبو محمد موسى الهادي ولى في الفترة من 169 – 170 هـ
• هارون الرشيد ولى في الفترة من 170 – 193 هـ
• أبو موسى محمد الأمين ولى في الفترة من 193 – 198 هـ
• أبو جعفر عبد الله المأمون ولى في الفترة من 198 – 218 هـ
• أبو إسحاق المعتصم ولى في الفترة من 218 – 227 هـ
• أبو جعفر هارون الواثق ولى في الفترة من 227 – 232 هـ
وهو أخر خلفاء الدولة في العصر الأول وامتدت الشجرة العباسية بعده في العصرين الثاني والثالث. ويعد العصر العباسي الأول العصر الذهبي لبني العباس، فقد سيطر الخلفاء العباسيون خلاله على مقاليد السلطة، ورغم ظهور بعض الدول المستقلة وأهمها الدولة الأموية بالأندلس ودولة الأدارسة بالمغرب والدولة الرستمية في الجزائر ودولة الأغالبة في تونس، إلا أن الدولة ظلت متماسكة حتى نهاية هذا العصر. وكانت تجمع هذه الدول جميعًا راية الإسلام وتربطهم حضارة واحدة هي الحضارة الإسلامية التي قامت على الوحدانية المطلقة لله، والاستقامة على منهجه، وآمنت بالمبادئ الإنسانية مثل التسامح الديني والمساواة العنصرية والقيم الرفيعة مثل الأخلاق الحربية والرفق بالحيوان والوعي بالزمن، وقد أثبت التاريخ أنها حضارة إنسانية عالمية.
ونعود إلى العصر العباسي الأول وقد قلنا انه أزهى عصور الدولة العباسية ورغم ذلك فقد توقفت فيه الفتوحات الإسلامية الكبيرة ويرجع هذا إلى عدة أسباب منها انشغال العباسيين بالصراعات الداخلية مع العلويين في العراق والحجاز ومع الأمويين في الأندلس بالإضافة إلى الصراع المستمر مع الخوارج. ولا يكاد يوجد غزو أو فتوحات مهمة سوى فتح عمورية في بلاد الروم بقيادة المعتصم، وفتح صقلية بقيادة الفقيه القائد أسد بن الفرات، بالإضافة إلى فتح بعض الثغور والقرى الصغيرة في العمليات العسكرية التي كانت تسمى بـ "الصوائف و الشواتى".
والحق يقال أن عهد هارون الرشيد الذي ولى الخلافة من عام 170 هـ وحتى عام 193 هـ يعد أقوى وأزهى فترات الدولة العباسية في جميع عصورها، فقد استطاع بشخصيته القوية أن يقضى على حركات النزاع على الحكم التي تضعف الدولة، وكان الرشيد كثير الغزو لبلاد الروم مما أدى إلى تأمين الحدود الخارجية للدولة وبذلك استتب الأمن واستقرت الأحوال، ونظم العباسيون شئون الحكم وطوروا في مؤسسات الدولة التي كانت موجودة قبل ذلك فاهتموا بتنظيم الجيش وتحديد رتبه وقياداته، وكذلك الشرطة لحفظ الأمن الداخلي، وتطورت مؤسسة القضاء وأضيف إليها منصب قاضى القضاة وهو الذي كان يباشر بنفسه مع الخليفة أحكام ديوان النظر في المظالم، ونتيجة للاستقرار الاقتصادي اهتم العباسيون بتطوير دواوين الخراج والسكة.. وجعلوا الوزارة منصبا رسميا لأول مرة.
ومع استقرار الدولة بدأت تظهر نتائج الحضارة الإسلامية في العلوم والمعارف والفنون. ولكي أحدثكم عنها فسوف آخذكم في جولة سريعة لزيارة آثار العباسيين في العمارة وخاصة في مدينة «بغداد» التي بناها المنصور سنة 146 هـ والتي نشاهد فيها روائع العمارة الإسلامية في العصر العباسي الأول وخاصة «قصر الأخيضر» الذي يعد أجمل وأروع القصور العباسية ولا يضاهيه في الجمال سوى «قصر المعتصم» في «سامراء» وهى العاصمة الثانية للخلافة العباسية، وأما عن «عمارة المساجد» فنلاحظ التطور الذي حدث فيها في «المسجد الجامع» في «سامراء» والذي يتميز بتصميم فريد لم يظهر من قبل وخاصة في مئذنته الحلزونية الشهيرة، والزائر للمسجد يلاحظ تقنية الصوتيات المعمارية المتقدمة. وفي الآثار المعمارية للعباسيين نشاهد روائع الفن الإسلامي في ذلك العصر فنرى ونشاهد «التصوير الجدارى» في القصور العباسية بالإضافة إلى الزخارف الجصية من خلال فن «النحت على الحجر» برسم تفريعات نباتية ذات أوراق كبيرة كما ظهر فن «النحت على الخشب» في قطعة خشبية عثر عليها علماء الآثار في سامراء. وينسب إلى أوائل العصر العباسي مجموعة من الأواني الخزفية التي ظهرت فيها ابتكارات المسلمين في «فن الخزف».
ومن جماليات العمارة والفن إلى ثراء العلم والفكر، فمن مفاخر العصر العباسي الأول أنه ظهر فيه حشد كبير من العلماء في مختلف العلوم والفنون والآداب، ويكفي هذا العصر فخراً أنه اجتمع فيه أئمة «الفقه» الأربعة أصحاب المذاهب الفقهية المعروفة وعلى رأسهم الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان وفقيه «المدينة» الإمام مالك بن أنس والإمام الشافعي والإمام الممتحن أحمد بن حنبل وظهرت في الفقه الإسلامي مدرستان علميتان كبيرتان هما مدرسة أهل الرأي في العراق، ومدرسة أهل الحديث في المدينة المنورة. وحفل هذا العصر أيضًا بأئمة علوم القرآن وعلوم اللغة العربية فظهر منهم سيبويه والخليل بن أحمد وأبو عمرو بن العلاء والإمام الفراء والكسائي وظهرت في علوم اللغة أيضًا مدرستان علميتان هما: مدرسة «البصرة»، ومدرسة «الكوفة». وفي التاريخ ظهر أول تاريخ كامل للسيرة النبوية الشريفة في كتابي «سيرة ابن هشام» وكتاب «الطبقات الكبرى» لمحمد بن سعد. وأما عن تطور العلوم في العصر العباسي الأول، فقد انتقلت العلوم من مرحلة التلقين الشفوي إلى مرحلة التدوين والتوثيق في كتب وموسوعات، وظهرت أول مؤسسة علمية من نوعها وهى «دار الحكمة» التي تأسست في عهد الرشيد ووصلت إلى أوج نشاطها العلمي في التصنيف والترجمة في عهد المأمون، ومن الجدير بالذكر أن المسلمين لم يكتفوا بمجرد الترجمة بل كانوا يبدعون ويضيفون إلى كل علم يترجمونه وكانت «المجالس والندوات العلمية» منتدىً خصبًا للحوار بين العلماء. ومن الإنجازات العلمية المهمة في هذا العصر المرصد الفلكي الذي شيده الخليفة المأمون في بغداد،وكان أكبر المراصد الفلكية في هذا العصر، وقد عمل فيه أكبر علماء «الفلك» المسلمين وقد تمكنوا -من خلاله- من تفسير ظاهرة الجاذبية، وتعيين خط العرض وقياس طول محيط الأرض وقد ساعدهم في هذا علماء الجغرافيا و الهندسة، ولا أنسى جهود العلماء المسلمين في العلوم الطبية وخاصة علم التخدير وطب العيون.
وقد كان للعديد والعديد من العواصم والمدن الكبرى إشعاع حضاري وعلمي ذو بريق، ومنها مكة والمدينة بالحجاز، والفسطاط والإسكندرية في مصر، وفاس والقيروان بالمغرب، وحلب ودمشق في الشام، ومدن ما وراء النهر كبخارى وطشقند وخوارزم وسمرقند، ونيسابور في خراسان، وأشبيلية وقرطبة في الأندلس، بالإضافة إلى بغداد عاصمة الخلافة. وأخيراً أحب أن أشير إلى عشرات الشخصيات البارزة في العصر العباسي الأول الذين بنوا هذه الدولة وكانوا صناع حضارتها وتركوا لنا أمثلة رائدة وقدوة حقيقية في الإيمان والجهاد والعمل، ولأن الحديث عنها قد يطول ويطول. داعيًا الله عز وجل أن تستمتعوا معي بالرحلة وتأخذوا منها العبرة والفكرة والذكرى الطيبة العطرة
الدولة الأموية:
تنسب الدولة الأموية إلى أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وكان سيداً من سادات قريش في الجاهلية.. وكان بنو أمية من المتأخرين في دخول الإسلام إذ أسلم أبو سفيان بن حرب عند فتح مكة.
ولكن بعد إسلامهم أبلوا في خدمة الإسلام بلاءً حسناً وكان لهم دور كبير في عدد من الأحداث الجسام أذكر منها دورهم البطولي في حروب الردة، كما ساهم بنو أمية في نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية.
وقد كانت نشأة الدولة الأموية قصة تاريخية مشهورة إذ كان التمهيد لبدايتها فتنة شديدة قامت بين رابع الخلفاء الراشدين سيدنا على بن أبى طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما حين عارض معاوية خلافة على بن أبى طالب بحجة أن علياً تهاون في الدفاع عن عثمان بن عفان رضي الله عنه .
وأسفرت هذه الفتنة عن معارك عنيفة بين الجانبين استمرت حتى يوم 17 رمضان سنة 40 هجرية حين قتل أحد الخوارج الخليفة الراشد سيدنا على بن أبى طالب ..
وكان من الممكن أن تستمر هذه المحنة طويلاً لولا أن الحسن بن على الذي بويع بالخلافة بعد أبيه رضي الله عنهما تنازل عنها لمعاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما حقناً لدماء المسلمين وتوحيداً لكلمتهم .. وقد كان ذلك في عام 41 هـ الذي سمى بعام الجماعة.. وهو يعد البدء الحقيقي للدولة الأموية التي بدأت بالتحديد حين أخذت البيعة لمعاوية بن أبى سفيان بالكوفة في حضور الحسن والحسين رضي الله عنهما يوم 25 ربيع الأول عام 41 هجرياً.
معاوية بن أبي سفيان:
هو معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومؤسس الدولة الأموية في الشام..
أسلم يوم فتح مكة سنة 8هـ…
وتعلم الكتابة والحساب وكان من كُتَّاب النبي صلى الله عليه وآله و سلم وروى عنه 130 حديثًا.. وروى عنه بعض الصحابة منهم: ابن عباس، وابن عمر، وعبد الله بن الزبير وأبو الدرداء رضي الله عنهم..
وحينما ولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعثه مع أخيه يزيد بن أبى سفيان إلى الشام، ولما مات يزيد استخلفه على دمشق، وأقرَّه عمر رضي الله عنه على دمشق، وفى خلافة عثمان رضي الله عنه جَمع له الديار الشَّامية كلها، وجعل ولاة أمصارها تابعين له..
ولمَّا قُتل عثمان بن عفان وولى الخلافة على بن أبى طالب خرج عليه معاوية، ونشبت الحروب بينهما انتهت بقتل على رضي الله عنه ثم تنازل له الحسن بن على رضي الله عنه منعًا لوقوع الاختلاف بين المسلمين وكان ذلك سنة 41 هـ.
ودامت لمعاوية الخلافة إلى أن بلغ سن الشيخوخة فعهد بالخلافة إلى ابنه يزيد..
وقد بلغت فتوحات معاوية بن أبى سفيان المحيط الأطلنطي، وافتتح عامله بمصر بلاد السودان سنة 43هـ، وهو أول مسلم ركب بحر الروم للغزو..
وفى أيامه فُتح كثر من جزائر يونان، و الدردنيل ، وحاصر القسطنطينية برًا وبحرًا سنة 48هـ، وهو أول من جعل دمشق مقرًا لخلافته، وهو أول من اتخذ الحجاب في الإسلام، وأول من نصب المحراب في المسجد..
كذلك يعتبر معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنه أول من خالف قاعدة الشورى في الخلافة،حيث عهد بالخلافة لابنه من بعده، وتوفى معاوية بن أبى سفيان في دمشق سنة 60 هـ
المقدمة
فإني أضع هذا البحث المؤجز أرت الدراسه حول موضوع الفلسفة عند الرومان ، ولقد دفعني للقيام بهذا البحث سببان.
1) معرفة الفلسفة أو المعني؟
2) مدى انتشار الفلسفة لدى الرومان ؟ .
لقد اعتمدت على ثلاثة مصادر وهي كتاب تاريخ الحضارات العام المؤلف أندريه إيمار وكتاب الموسوعة العربية الميسرة للدكتور / غربال، وحمد شفيق. وكتاب المعرفة للشبطي ، وسوف أتحدث عن نبذه مختصرة عن تعريف الفلسفة ومن ثم الدخول في الفلسفة عند الرومان ، وعسى أن ينال البحث على رضاكم .
نبذه مختصرة عن تعريف الفلسفة.
الفلسفة معناها هي المبادئ الأولى للوجود والفكر دراسة موضوعيه تنشد الحق وتهتدي بمنطق العقل ، ولذلك لا تبدأ الفلسفة بمسلمات مهما كان مصدرها ، فإذا كان الدين يرتكز على الإيمان ، فالفلسفة لا تجعل الإيمان سندا لما يوصف بأنه حق ، وللفلسفة فروع مثل ، الميتافيزيقا – تبحث في مطلق الوجود أي مجرد عن كل صفه فيما خلال الوجود نفسه.
2) المنطق ،و يبحث في حدود الفكر مجردة عن حادثه وفي مبادئ الاستدلال .( )
وهناك تعريف أكثر للفلسفة وهي المعارف العامة وبأتساع نطاق التجارب والمشاهدات والتقدم البحث العقلي.
أخذ كل لون من ألوان المعرفة يستغل بذاته كلما واضح المعالم بين المنهاج ، فالإنسان شغوف بالمعرفة متطلع إلى البحث والتنقيب والتأهل الفلسفي يتخطى بنا حدود الإمكانيات التجريبية ويبحث القيم ذاتها ومن هنا يتضح المنهج الفلسفي منهج عقلي في جوهره بمعنى أن الفلسفة لا تقرأ شيئا على أنه الصواب إلا ما يراه العقل أنه كذلك والفلسفة انتشرت في الحضارات القديمة من الإغريق مثل الإغريق والصينيين والمصريين القدماء وعند المسلمين أيضا ، لكن سوف نتحدث في هذا التقريب عن الرومان والفلسفة ( )
الفلسفة عند الرومان:-
أعتنق الرومان الفلسفة كانا يكرهوها ، أو يضفوا الشعب الإغريقي بالثرثرة ، لم يكن للرومان فلسفة أصيلة ولكنهم كانوا عاله على اليونان تذهبوا بالرواقية والأبيقوريه ، وإقبسوا بعض الآراء من المدارس الأخرى ( الإغريقية ) أو أعجبوا بها.
تعريفا للرواقيه وهي مدرسه فلسفيه أسسها زينون 200 ق.م. ثم هذا بها أتباعه . ومن ثم انتقلت إلى روما فاجتذبت إعلاما مثل نسكا وأبكتاتوس وغيرهم ويرى الروابون إن الحقيقة مادية تسودها قوه توجهها وهي الله . وما دامت الطبيعة تسير وفق العقل فمن الحكمة أن يسير الإنسان وفق الطبيعة منصرفا عن ميل العواطف والأفكار التي تجيد حادة القانون الطبيعي وحرية الإنسان مرهونة بأدائه لواجبه في إفتعاء الطبيع وقوانينا ، علم زينو في رواف وإليه نسبت الروافيه.
إن " كاتون " وأصدقائه ألقوا مزيدا من المقاومة في النصف الأول من القرن الثاني من قبل الحكومة ، ولكنها تغلبت على هذه المقاومة : إذ كيف يمكن العزوف عن الأفكار أعتبرها الإغريق أثمن زينه عقليه للإنسان ؟ وكان لتعليم الفلسفة في رودوس وأثينا الشهره نفسها. كانت لتعليم البلاغة ، وقد استهوى ، على غراره ، الشبيبة الرومانيه ، وألقيت محاضرات يده في روما نفسها . وتجدر الإشارة هنا إلي افتقار روما إلى مدارس فلسفه يوزع التعليم فيها اللاتينية على غرار مدارس البيان : فليس من موجب عملي يرغم على ذلك ، وليس أيضا – وهذا يفسر طموح شيشرون – من مذهب متميز نشأ في الغرب يفرض مفرداته الخاصة المقدمة
أن الرواقيه ، بين المذاهب المنتشرة في العالم اليوناني فد أحرزت في روما أعلى درجة من النجاح ، وقد خدمها في ذلك أقامت أهم ممثليها في روما الذين كان لهم من قوه الفكر ما جعلهم يطبعون آراء أسلافهم بطابعهم الشخصي : باناييتيوس ، صديق شيبيون أميليانوس في القرن الثاني، وبزاييدونيوس الذي برع في أكثر من حقل من الحقول الفكرية ، في القرن الأول ، ومنذ البداية أيضا ، أقله في ما يعود للنزعات الأدبية ، تجمعت ظروف عديدة وقدّرت ( للرواق ) الانتشار : فهو يوصي بالعمل الذي يتوجب على الروماني ألا يحيد عنه، ويدعو باسم العقل إلى الحلي بالفضائل العابسة، العدل والشجاعة والقناعة ، التي تطابق المثل القومي التقليدي ، لا بل أن الخضوع نفسه للنظام الإلهي في العالم قد أنطوي على بعض ما يأخذ بمجامع القلب في مدينه تنهض بواجب تنظيم الأمبراطوريه التي سلطها عليها القدر . أجل لن يتم الفوز العظيم إلا في عهد لا حق ، أي في العهد الإمبراطوري. ولا يمكننا الاستشهاد إلا بأسم كاتون الأوتيكي حتى نحاول آنذاك ، ولول ببعض التكلف العقائدي وبعض الخور الذي تمحوه عظمة موته ، التوفيق بين سلوكه والمعتقد الذي اتعز بالمناداة به ، ولكن وجود الرواقيه أمر راهن منذ الآن ، وهي على أتم استعداد للتسرب إلى النفوس التي سيثيرها الاستعباد.
على نقيض ذلك، وقبل إعصار الحرب الأهلية الطويلة ، يبدو أن الأبقورية ، في ظاهر أنانيتها اللأمبالية ، وفي حقيقة نبل تجردها على السواء ، لم تستمل سوى عدد قليل من المشايمين في روما: فهي أبعد من أن تثير إعجاب نخبة متعطشة إلى العمل . ولكن فخرها ، الفريد من نوعه آنذاك بين كافة المذاهب ، أنها قد ألهمت شاعراً كبيراً هو لوكريس.
أن لهذه الملازمة وزنها ، ولكن ليس ، لسوء الطالع ، ما يوضحها : فالرجل غير معروف إلا بقصيدته التي لا تتضمن أي دلالة على حياته . لا ريب في أنه تألم أقله من المشهد لاذي وفره له معاصروه. ولكنه تباهي بأنه أكتشف تهدئه لآلامه في حكمة أبقور، فأخذ على نفسه تعليمها . فتميزه من ثم ليس في المعنى، بل هو ، كفريا، وفي الدرجة الأولى ، في شغف علمي متأجج يحمله ، بعد عرض نظرية ديموكريت المادية والذرية التي سبق لابيقور وتبناها ، على درس عدد كبير من الظواهر بغية تقديم الدليل على أنها كلها قد تقبل تفسيراً ، أو تفسيرات أحيانا ، لا تمت إلى ما فوق الطبيعة بصله . فلم يتراجع في هذا الصدد أمام أية جسارة وحذا أكثر من إغريقي. وإذا نحن لم نستطع اليومتقدير أهمية إسهامه الشخصي حق قدرها، فالاحترام الذي يوجبه مدى تونشاط هذه المحاولات لا يقبل أي تحفظ . أن تميزه، وهو يبدو بذلك ذا طابع روماني أعظم – يقوم أيضا في تصميمة على الأنشاء التعليمي وفي طابع البرهان العقلي الذي يطبع به أسلوبه . فهو يريد أقناع القاري بأن العلم ليس سوى مادة ، وأن كل شيء فيه ، حتى النفوس ، مركب من ذرات يتنوع جمعها وفاقا لمصادفة التقائها ويحررها الموت حتى تجمع بعده جمعا أتفاقيا جديدا . أن هذا اليقين وحده سيخلص الإنسان من رعبه حيال الموت ، الذي لا تعقبه أية مكافأة أو اية عقوبة ، حيال الآلهة الذين لا أثر لهم في العالم والذين " يقضون في هدوء دائم أياما دون اضطراب وحياة دون غمام" وأن تميزه أخيرا وخصوصا تميز أدبي قوامه الجمع العجيب بين قوة هذا المنطق وانفعال الشاعر الحاد ، فمن حيث أنه يفيض شفقة على البشر بسبب ألمهم المادي وآلامهم الأدبية الناجمة عن مخاوفهم ، يشعر بوغبة جنونية في إشراكهم في حقيقته وفي إحلالهم معه في " المناطق الصافية" : غير أن هذه اللهجة الحادة في كافة أجزاء قصيدته تناقض ، بهذا الصدد ، الهدوء الذي يدعى تلقين سره، أضف إلى ذلك أنهيهتز إعجابا ببهاء الطبيعة العظيم ويعبر عن أعجابة بنبرات يغذي حرارتها شعور زاخر . فهل ينم مؤلفة " طبيعة الأشياء" عن " فن كثير " كما كتب شيشرون الذي يعتقد بأرجحية نشره بعد وفاة لوكريس ؟ اجل قد ينم قدم اللغة والنظم عن تقليد مقصود للملاحم القديمة . ولكن لا يمكننا والحالة هذه أن نتصور اتفاقا أكمل بين المقاصد الجمالية وقوة مزاج الفنان.
ومن هنا فأكبر فيلسوف روماني لمع أسمه في هذه الحقبة ، هو الأول أيضا بينكبار الأدباء اللأتين الذين لم أسمهم بعد عهد أغسطس هو الفيلسوف { سنيكا } قليلون جداً بين أصحاب العقول من أوتوا ما أوتي سنيكا من المواهب العقلية ، كما أنهم قليلون جداً ،من تم لهم ما تم له من خصب الانتاج الفكري، وسهولة العمل ويسرهن مكنه من وضع ، ما وضع من آثار فكرية .
وهذه المثالية ، التي وضعها نصب عينية هي، مثالية الرواقيين التي لم تكن بعد أطلّت على روما والتي لم يكن تأثيرها قارب الزوال بعد ، وهذه المثالية، تبرز أكثر تشددا وقسوة عند بيرس Perse ، كما تبرز عند لوقين ، أشرق بيانا وأكثر وضوحا . فالفلسفة بمعناها الصحيح ، لا يستأثر بأحد من مفكري اللأتين في هذه الحقبة، والوحيد من يخصص لها، بين هؤلاء المفكرين ، ثلاثة أو أربعة كراريس ، هو أبوليه، تناول فيها بالبحث ، بعض تعاليم الفيثاغوريين أو الفلسفة الأرسطوطالية . وهكذا نرى أخلاقية المدرسة الرواقية، تتفاعل على أقدار تختلف دقة ، في نفوس الكثيرين ، كما توحي في القرن الثاني ، ليس فقط الموقف العام الذي يقفه أباطرة هذا العهد ، بل أيضا بعض القرارات لأتى أخذوها . فأن كان أسلوب سنيكا البياني ما لبث أن تناساه الناس، فأفكاره بقيت رائجة بعد موته بكثير.
ورأيي أن الروايات عرفوا الفلسفة أسمى معارفها ومدى ازديادهم إليه لتطابق الحياة التي عاشوها وذلك من خلال المذهب الرواقي المثالي للروماني.
الخاتمة.
ومن هنا تبين لنا إن الفلسفة هي عباده عن دائرة المعارف العامة وإدخال التفكير في حل الظواهر والمشاكل التي تصيب المجتمع ، ويتضح لنا ظهور العديد من المفكرين الرومان الذين وقفوا ف وجه الدولة لأبراز أفكارهم للشعب الروماني واهتمت هذه الدراسة في تغيير وجه نظر الرومان الفلسفة بعد ما اعتبروها مجرد ثرثرة وعدم انصياع لقانون من قبل الإغريق ، ورأينا تعريف الروواحه ودوي انتشارها في العالم الروماني القديم .
المراجع
1) إيمار ، أندريه ، أوبوايه ، جابينن ، تر ، فريد م . دانر فؤاد ج أبو ريمان / تاريخ الحضارات العام ، بيروت عويدات للنشر والطباعة :1998م . ط 4 ، ج 2 .
2) عزبال ، محمد شفيق ، الموسوعة العربية الميسرة ، القاهرة ، دار الشعب : 1965م ج 1.
3) الشنبطي ، محمد فتحي ، المعرفة ، القاهرة دار الثقافة للطباعة والنشر: 1981م.
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .
أما بعد :
فإن أمتنا الإسلامية اليوم تمر بقترة من أسوأ فترات حياتها ، فهي الآن ضعيفة مستذلة ، قد تسلط عليها أشرار الناس من اليهود والنصارى ، وعبدة الأوثان ، وما لذلك من سبب إلا البُعد عن الالتزام بالدين الذي أنزله الله لنا ، هداية ورشادًا ، وإخراجًا لنا من الظلمات إلى النور .
وقد كان هذا البُعد عن الدين في أول أمره مقصورًا على طائفة من المسلمين ، لكنه بدأ الآن ينساح حتى تغلغل في طائفة كبيرة من الأمة ، وقد كان لانتشار العلمانية على المستوى الرسمي والمستوى الفكري والإعلامي الأثر الأكبر ، في ترسيخ هذا البُعد وتثبيته ، والحيلولة دون الرجوع مرة أخرى إلى نبع الهداية ومعدن التقوى .
1
ما هي العلمانية ؟!
سؤال قصير ، لكنه في حاجة إلى جواب طويل ، واضح وصريح ، ومن الأهمية بمكان أن يعرف المسلمون جوابًا صحيحًا لهذا السؤال ، وقد كُتِبَتْ – بحمد الله – عدة كتب في هذا المجال ، وما علينا إلا أن نعلم فتعمل .
نعود إلى جوانب سؤالنا ، ولن نتعب في العثور على الجواب الصحيح ، فقد كفتنا القواميس المؤلفة في البلاد الغربية ، التي نشأت فيها العلمانية مؤنة البحث والتنقيب ، فقد جاء في القاموس الإنجليزي ، أن كلمة ( علماني ) تعني :
1- دنيوي أو مادي .
2- ليس بديني أو ليس بروحاني .
3- ليس بمترهب (1) ، ليس برهباني .
وجاء أيضًا في نفس القاموس ، بيان معنى كلمة العلمانية ، حيث يقول : العلمانية : هي النظرية التي تقول : إن الأخلاق والتعليم يجب أن لا يكونا مبنيين على أسس دينية .
وفي دائر المعارف البريطانية ، نجدها تذكر عن العلمانية : أنها حركة اجتماعية ، تهدف إلى نقل الناس من العناية بالآخرة إلى العناية بالدار الدنيا فحسب .
ودائرة المعارف البريطانية حينما تحدثت عن العلمانية ، تحدثت عنها ضمن حديثها عن الإلحاد ، وقد قسمت دائرة المعارف الإلحاد إلى قسمين :
* إلحاد نظري .
* إلحاد عملي ، وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي (2) .
وما تقدم ذكره يعني أمرين :
أولهما : أن العلمانية مذهب من المذاهب الكفرية ، التي ترمي إلى عزل الدين عن التأثير في الدنيا ، فهو مذهب يعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية
2
والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها ، بعيدًا عن أوامر الدين ونواهيه
ثانيهما : أنه لا علاقة للعلمانية بالعلم ، كما يحاول بعض المراوغين أن يلبس على الناس ، بأن المراد بالعلمانية : هو الحرص على العلم التجريبي والاهتمام به ، فقد تبين كذب هذا الزعم وتلبيسه بما ذكر من معاني هذه الكلمة في البيئة التي نشأت فيها .
ولهـذا ، لو قيـل عن هذه الكلمة ( العلمانية ) إنها : ( اللادينية ، لكان ذلك أدق تعبيرًا وأصدق ) ، وكان في الوقت نفسه أبعد عن التلبيس وأوضح في المدلول .
كيف ظهرت العلمانية
كان الغرب النصراني في ظروفه الدينية المتردية هو البيئة الصالحة ، والتربة الخصبة ، التي نبتت فيها شجرة العلمانية وترعرعت ، وقد كانت فرنسا بعد ثورتها المشهورة هي أول دولة تُقيم نظامها على أسس الفكر العلماني ، ولم يكن هذا الذي حدث من ظهور الفكر العلماني والتقيد به – بما يتضمنه من إلحاد ، وإبعاد للدين عن كافة مجالات الحياة ، بالإضافة إلى بغض الدين ومعاداته ، ومعاداة أهله – أقول لم يكن هذا حدثًا غريبًا في بابه ، ذلك لأن الدين عندهم حينئذ لم يكن يمثل وحي الله الخالص الذي أوحاه إلى عبده ورسوله المسيح عيسى ابن مريم – عليه السلام – ، وإنما تدخلت فيه أيدي التحريف والتزييف ، فبدلت وغيرت وأضافت وحذفت ، فكان من نتيجة ذلك أن تعارض الدين المُبدَّل مع مصالح الناس في دنياهم ومعاملاتهم ، في الوقت نفسه الذي تعارض مع حقائق العلم الثابتة ، ولم تكتفِ الكنيسة – الممثلة للدين عندهم – بما عملته أيدي قسيسيها ورهبانها من التحريف والتبديل ، حتى جعلت ذلك دينًا يجب الالتزام والتقيد به ، وحاكمت إليه العلماء المكتشفين ، والمخترعين ، وعاقبتهم على اكتشافاتهم العلمية المناقضة للدين المبدل ، فاتهمت بالزندقة والإلحاد ، فقتلت من قتلت ، وحرَّقت من حرَّقت ، وسجنت من سجنت . 3
ومن جانب آخر فإن الكنيسة – الممثلة للدين عند النصارى – أقامت تحالفًا غير شريف مع الحكام الظالمين ، وأسبغت عليهم هالاتٍ من التقديس ، والعصمة ، وسوَّغت لهم كل ما يأتون به من جرائـم وفظائع في حـق شعوبهم ، زاعمـة أن هذا هو الدين الذي ينبغي على الجميع الرضوخ له والرضا به .
من هنا بدأ الناس هناك يبحثون عن مهرب لهم من سجن الكنيسة ومن طغيانها ، ولم يكن مخرجهم الذي اختاروه إذ ذاك ، إلا الخروج على ذلك الدين – الذي يحارب العلم ويناصر المجرمين – والتمر عليه ، وإبعاده وطرده ، من كافـة جوانب الحياة السياسية ، والاقتصادية ، والعلمية ، والأخلاقية ، وغيرها .
ويا ليتهم إذ خرجوا على هذا الدين المبدل اهتدوا إلى دين الإسلام ، ولكنهم أعلنوها حربًا على الدين عامة .
وإذا كان هذا الذي حدث في بلاد الغرب النصراني ليس بغريب ، فإنه غير ممكن في الإسلام ، بل ولا متصور الوقوع ، فوحي الله في الإسلام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلا هو ممكن التحريف والتبديل ، ولا هو ممكن أن يُزاد فيه أو يُنقص منه ، وهو في الوقت نفسه لا يحابي أحدًا ، سواء كان حاكمًا أو محكومًا ، فالكل أمام شريعته سواء ، وهو أيضًا يحافظ على مصالح الناس الحقيقية ، فليس فيه تشريع واحد يُعارض مصلحة البشرية ، وهو أيضًا يحرص على العلم ويحض عليه ، وليس فيه نص شرعي صحيح يُعارض حقيقة علمية ، فالإسلام حق كله ، خير كله ، عدل كله ، ومن هنا فإن كل الأفكار والمناهج التي ظهرت في الغرب بعد التنكر للدين والنفور منه ، ما كان لها أن تظهر ، بل ما كان لها أن تجد آذانًا تسمع في بلاد المسلمين ، لولا عمليات الغزو الفكري المنظمة ، والتي صادفت في الوقت نفسه قلوبًا من حقائق الإيمان خاوية ، وعقولاً عن التفكير الصحيح عاطلة ، ودينًا في مجال التمدن ضائعة متخلفة0
4
ولقد كان للنصارى العرب المقيمين في بلاد المسلمين دورٌ كبيرٌ ، وأثرٌ خطيرٌ ، في نقل الفكر العلماني إلى ديار المسلمين ، والترويج له ، والمساهمة في نشره عن طريق وسائل الإعلام المختلفة ، كما كان أيضًا للبعثات التعليمية التي ذهب بموجبها طلاب مسلمون إلى بلاد الغرب لتلقي أنواع العلوم الحديثة أثرٌ كبيرٌ في نقل الفكر العلماني ومظاهره إلى بلاد المسلمين ، حيث افتتن الطلاب هناك بما رأوا من مظاهر التقدم العلمي وآثاره ، فرجعوا إلى بلادهم محملين بكل ما رأوا من عادات وتقاليد ، ونظم اجتماعية ، وسياسية ، واقتصادية ، عاملين على نشرها والدعوة إليها ، في الوقت نفسه الذي تلقاهم الناس فيه بالقبول الحسن ، توهمًا منهم أن هؤلاء المبعوثين هم حملة العلم النافع ، وأصحاب المعرفة الصحيحة ، ولم تكن تلك العادات والنظم والتقاليد التي تشبع بها هؤلاء المبعوثون وعظموا شأنها عند رجوعهم إلى بلادهم إلا عادات ، وتقاليد ونظم مجتمع رافض لكل ما له علاقة ، أو صلة بالدين .
ومثل هذا السرد الموجز وإن كان يدلنا على كيفية دخول العلمانية إلى بلاد المسلمين ،
( فإنه أيضًا ينبهنا إلى أمرين هامين ) :
أحدهما : خطورة أصحاب العقائد الأخرى ، من النصارى وغيرهم الذين يعيشون في بلاد المسلمين ، وكيف أنهم يكيدون للإسلام وأهله ؟ مما يوجب علينا الحذر كل الحذر من هؤلاء الناس ، وأن ننزلهم المنزلة التي أنزلهم الله إليها ، فلا نجعل لهم في بلاد المسلمين أدنى نوع من أنواع القيادة والتوجيه ، كما ينبغي أن تكون كل وسائل الإعلام والاتصال بالجماهير موصودة الأبواب في وجوههم ، حتى لا يبثوا سمومهم بين المسلمين .. لكن من يفعل ذلك ! وكثير من الأنظمة تجعل لهم مكانة سامية من أجل نشر هذه السموم .. حسبنا الله ونعم الوكيل .
5
ثانيهما : خطورة الابتعاث الشديدة على أبناء المسلمين ، فكم من مسلم ذهب إلى هناك ثم رجع بوجه غير الوجه الذي ذهب به ، وقلب غير القلب الذي ذهب به ، وإذا كانت هناك دواعي لذهاب المسلمين للحصول على المعرفة في مجال العلوم التجريبية ، فكيف يمكننا القبول بذهاب بعض المسلمين للحصول على درجة علمية في علوم الشريعة بعامة ، واللغة العربية بخاصة ؟!!
فهل اللغة العربية لغتهم أم لغتنا ؟! وهل القرآن الكريم أنزل بلغتهم أم بلغتنا ؟!
وهل يُعقل أن المسلم يمكنه الحصول على المعرفة الصحيحة بعلوم الإسلام وشريعته من أناس هم أشدُّ الناس كفرًا وحقدًا على الإسلام وأهله ؟!
صور العلمانية
للعلمانية صورتان ، كل صورة منهما أقبح من الأخرى :
الصورة الأولى :
العلمانية الملحدة : وهي التي تنكر الدين كلية : وتنكر وجود الله الخالق البارئ المصور ، ولا تعترف بشيء من ذلك ، بل وتحارب وتعادي من يدعو إلى مجرد الإيمان بوجود الله ، وهذه العلمانية على فجورها ووقاحتها في التبجح بكفرها ، إلا أن الحكم بكفرها أمر ظاهر ميسور لكافة المسلمين ، فلا ينطلي – بحمد الله – أمرها على المسلمين ، ولا يُقبل عليها من المسلمين إلا رجل يريد أن يفـارق دينه ، ( وخطر هذه الصورة من العلمانية من حيث التلبيس على عوام المسلمين خطر ضعيف ) ، وإن كان لها خطر عظيم من حيث محاربة الدين ، ومعاداة المؤمنين وحربهم وإيذائهم بالتعذيب ، أو السجن أو القتل .
6
الصورة الثانية :
العلمانية غير الملحدة (3) وهي علمانية لا تنكر وجود الله ، وتؤمن به إيمانًا نظريًا : لكنها تنكر تدخل الدين في شؤون الدنيا ، وتنادي بعزل الدين عن الدنيا ، ( وهذه الصورة أشد خطرًا من الصورة السابقة ) من حيث الإضلال والتلبيس على عوام المسلمين ، فعدم إنكارها لوجود الله ، وعدم ظهور محاربتها للتدين (4) يغطي على أكثر عوام المسلمين حقيقة هذه الدعوة الكفرية ، فلا يتبينون ما فيها من الكفر لقلة علمهم ومعرفتهم الصحيحة بالدين ، ولذلك تجد أكثر الأنظمة الحاكمة اليوم في بلاد المسلمين أنظمة علمانية ، والكثرة الكاثرة والجمهور الأعظم من المسلمين لا يعرفون حقيقة ذلك .
ومثل هذه الأنظمة العلمانية اليوم ، تحارب الدين حقيقة ، وتحارب الدعاة إلى الله ، وهي آمنة مطمئنة أن يصفها أحد بالكفر والمروق من الدين ؛ لأنها لم تظهر بالصورة الأولى ، وما ذلك إلا لجهل كثير من المسلمين ، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا وسائر المسلمين ، وأن يفقه الأمة في دينها حتى تعرف حقيقة هذه الأنظمة المعادية للدين .
ولهذا فليس من المستبعد أو الغريب عند المسلم الفاهم لدينه أن يجد في كلمات أو كتابات كثير من العلمانيين المعروفين بعلمانيتهم ذكر الله سبحانه وتعالى ، أو ذكر رسوله – – أو ذكر الإسلام ، وإنما تظهر الغرابة وتبدو الدهشة عند أولئك الذين لا يفهمون حقائق الأمور .
والخلاصة :
أن العلمانية بصورتيها السابقتين كفر بواح لاشك فيها ولا ارتياب ، وأن من آمن بأي صورة منها وقبلها فقد خرج من دين الإسلام والعياذ بالله ، وذلك أن الإسلام دين شامل كامل ، له في كل جانب من جوانب الإنسان الروحية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والأخلاقية ، والاجتماعية ، منهج واضح وكامل ، ولا يقبل ولا يُجيز أن يشاركه فيه منهج آخر ، قال الله تعالى مبينًا وجوب الدخول في كل مناهج الإسلام وتشريعاته : { يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة } . وقال تعالى مبينًا كفر من أخذ بعضًا من مناهج الإسلام ، ورفض البعض الآخر ، { أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون } .
والأدلة الشرعية كثيرة جدًا في بيان كفر وضلال من رفض شيئًا محققًا معلومًا أنه من دين الإسلام ، ولو كان هذا الشيء يسيرًا جدًا ، فكيف بمن رفض الأخذ بكل الأحكام الشرعية المتعلقة بسياسة الدنيا – مثل العلمانيين – من فعل ذلك فلاشك في كفره .
والعلمانييون قد ارتكبوا ناقضًا من نواقض الإسلام ، يوم أن اعتقدوا أن هدي غير النبي – صلى الله عليه وسلم – أكمل من هديه ، وأن حكم غيره أفضل من حكمه (5) .
* قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله – : ( ويدخل في القسم الرابع – أي من نواقض الإسلام – من اعتقد أن الأنظمة القوانين التي يسنها الناس أفضل من شريعة الإسلام ، أو أن نظام الإسلام لا يصلح تطبيقه في القرن العشرين ، أو أنه كان سببًا في تخلف المسلمين ، أو أنه يُحصر في علاقة المرء بربه ، دون أن يتدخل في شؤون الحياة الأخرى ) (6) .
طبقات العلمانيين
والعلمانيون في العالم العربي والإسلامي كثيرون – لا أكثر الله من أمثالهم – منهم كثير من الكتاب والأدباء والصحفيين ، ومنهم كثير ممن يسمونهم بالمفكرين ، ومنهم أساتذة في الجامعات ، ومنهم جمهرة غفيرة منشرة في وسائل الإعلام المختلفة ، وتسيطر عليها ، ومنهم غير ذلك .
وكل هذه الطبقات تتعاون فيما بينها ، وتستغل أقصى ما لديها من إمكانات لنشر العلمانية بين الناس ، حتى غدت العلمانية متفشية في جل جوانب حياة المسلمين ، نسأل الله السلامة والعافية .
نتائج العلمانية في العالم العربي والإسلامي
وقد كان لتسرب العلمانية إلى المجتمع الإسلامي أسوأ الأثر على المسلمين في دينهم ودنياهم .
وهاهي بعض الثمار الخبيثة للعلمانية :
1- رفض الحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى ، وإقصاء الشريعة عن كافة مجالات الحياة ، والاستعاضة عن الوحي الإلهي – ، بالقوانين الوضعية التي اقتبسوهاالمُنزَّل على سيد البشر محمد بن عبدالله – عن الكفار المحاربين لله ورسوله ، واعتبار الدعوة إلى العودة إلى الحكم بما أنزل الله وهجر القوانين الوضعية ، اعتبار ذلك تخلفًا ورجعية وردة عن التقدم والحضارة ، وسببًا في السخرية من أصحاب هذه الدعوة واحتقارهم ، وإبعادهم عن تولي الوظائف التي تستلزم الاحتكاك بالشعب والشباب ، حتى لا يؤثروا فيهم .
2- تحريف التاريخ الإسلامي وتزييفه ، وتصوير العصور الذهبية لحركة الفتوح الإسلامية ، على أنها عصور همجية تسودها الفوضى ، والمطامع الشخصية .
3- إفساد التعليم وجعله خادمًا لنشر الفكر العلماني وذلك عن طريق :
أ- بث الأفكار العلمانية في ثنايا المواد الدراسية بالنسبة للتلاميذ ، والطلاب في مختلف مراحل التعليم .
ب – تقليص الفترة الزمنية المتاحة للمادة الدينية إلى أقصى حد ممكن .
جـ – منع تدريس نصوص معينة لأنها واضحة صريحة في كشف باطلهم .
د – تحريف النصوص الشرعية عن طريق تقديم شروح مقتضبة ومبتورة لها ، بحيث تبدو وكأنها تؤيد الفكر العلماني ، أو على الأقل أنها لا تعارضه .
هـ – إبعاد الأساتذة المتمسكين بدينهم عن التدريس ، ومنعهم من الاختلاط بالطلاب ، وذلك عن طريق تحويلهم إلى وظائف إدارية أو عن طريق إحالتهم إلى المعاش .
و – جعل مادة الدين مادة هامشية ، حيث يكون موضعها في آخر اليوم الدراسي ، وهي في الوقت نفسه لا تؤثر في تقديرات الطلاب .
4- إذابة الفوارق بين حملة الرسالة الصحيحة ، وهم المسلمون ، وبين أهل التحريف والتبديل والإلحاد ، وصهر الجميع في إطار واحد ، وجعلهم جميعًا بمنزلة واحدة من حيث الظاهر ، وإن كان في الحقيقة يتم تفضيل أهل الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان على أهل التوحيد والطاعة والإيمان .
فالمسلم والنصراني واليهودي والشيوعي والمجوسي والبرهمي كل هؤلاء وغيرهم ، في ظل هذا الفكر بمنزلة واحدة يتساوون أمام القانون ، لا فضل لأحد على الآخر إلا بمقدار الاستجابة لهذا الفكر العلماني .
وفي ظل هذا الفكر يكون زاج النصراني أو اليهودي أو البوذي أو الشيوعي بالمسلمة أمرًا لا غبار عليه ، ولا حرج فيه ، كذلك لا حرج عندهم أن يكون اليهودي أو النصراني أو غير ذلك من النحل الكافرة حاكمًا على بلاد المسلمين .
وهم يحاولون ترويج ذلك في بلاد المسلمين تحت ما سموه بـ ( الوحدة الوطنية ) .
بل جعلوا ( الوحدة الوطنية ) هي الأصل والعصام ، وكل ما خالفوها من كتاب الله أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – طرحوه ورفضوه ، وقالوا : ( هذا يعرض الوحدة الوطنية للخطر !! ) .
5- نشر الإباحية والفوضى الأخلاقية ، وتهديم بنيان الأسرة باعتبارها النواة الأولى في البنية الاجتماعية ، وتشجيع ذلك والحض عليه : وذلك عن طريق :
أ – القوانين التي تبيح الرذيلة ولا تعاقب عليها ، وتعتبر ممارسة الزنا والشذوذ من باب الحرية الشخصية التي يجب أن تكون مكفولة ومصونة .
ب – وسائل الإعلام المختلفة من صحف ومجلات وإذاعة وتلفاز التي لا تكل ولا تمل من محاربة الفضيلة ، ونشر الرذيلة بالتلميح مرة ، وبالتصريح مرة أخرى ليلاً ونهارًا .
جـ – محاربة الحجاب وفرض السفور والاختلاط في المدارس والجامعات والمصالح والهيئات .
6- محاربة الدعوة الإسلامية عن طريق :
أ – تضييق الخناق على نشر الكتاب الإسلامي ، مع إفساح المجال للكتب الضالة المنحرفة التي تشكك في العقيدة الإسلامية ، والشريعة الإسلامية .
ب – إفساح المجال في وسائل الإعلام المختلفة للعلمانيين المنحرفين لمخاطبة أكبر عدد من الناس لنشر الفكر الضال المنحرف ، ولتحريف معاني النصوص الشرعية ، مع إغلاق وسائل الإعلام في وجه علماء المسلمين الذين يُبصِّرون الناس بحقيقة الدين .
7- مطاردة الدعاة إلى الله ، ومحاربتهم ، وإلصاق التهم الباطلة بهم ، ونعتهم بالأوصاف الذميمة ، وتصويرهم على أنهم جماعة متخلفة فكريًا ، ومتحجرة عقليًا ، وأنهم رجعيون ، يُحارون كل مخترعات العلم الحديث النافع ، وأنهم متطرفون متعصبون لا يفقهون حقيقة الأمور ، بل يتمسكون بالقشور ويَدعون الأصول .
8- التخلص من المسلمين الذين لا يهادنون العلمانية ، وذلك عن طريق النفي أو السجن أو القتل .
9- إنكار فريضة الجهاد في سبيل الله ، ومهاجمتها واعتبارها نوعًا من أنواع الهمجية وقطع الطريق .
وذلك أن الجهاد في سبيل الله معناه القتال لتكون كلمة الله هي العليا ، وحتى لا يكون في الأرض سلطان له القوة والغلبة والحكم إلا سلطان الإسلام ، والقوم – أي العلمانيين – قد عزلوا الدين عن التدخل في شؤون الدنيا ، وجعلوا الدين – في أحسن أقوالهم – علاقة خاصة بين الإنسان وما يعبد ، بحيث لا يكون لهذه العبادة تأثير في أقواله وأفعاله وسلوكه خارج مكان العبادة .
فكيف يكون عندهم إذن جهاد في سبيل إعلاء كلمة الدين ؟!!
والقتال المشروع عند العلمانيين وأذنابهم إنما هو القتال للدفاع عن المال أو الأرض ، أما الدفاع عن الدين والعمل على نشره والقتال في سبيله ، فهذا عندهم عمل من أعمال العدوان والهمجية التي تأباها الإنسانية المتمدنة !!
10- الدعوة إلى القومية أو الوطنية ، وهي دعوة تعمل على تجميع الناس تحت جامع وهمي من الجنس أو اللغة أو المكان أو المصالح ، على ألا يكون الدين عاملاً من عوامل التجميع ، بل الدين من منظار هذه الدعوة يُعد عاملاً من أكبر عوامل التفرق والشقاق ، حتى قال قائل منهم : ( والتجربة الإنسانية عبر القرون الدامية ، دلَّت على أن الدين – وهو سبيل الناس لتأمين ما بعد الحياة – ذهب بأمن الحياة ذاتها ) .
هذه هي بعض الثمار الخبيثة التي أنتجتها العلمانية في بلاد المسلمين ، وإلا فثمارها الخبيثة أكثر من ذلك بكثير .
والمسلم يستطيع أن يلمس أو يدرك كل هذه الثمار أو جُلها في غالب بلاد المسلمين ، وهو في الوقت ذاته يستطيع أن يُدرك إلى أي مدى تغلغلت العلمانية في بلدٍ ما اعتمادًا على ما يجده من هذه الثمار الخبيثة فيها .
والمسلم أينما تلفت يمينًا أو يسارًا في أي بلد من بلاد المسلمين يستطيع أن يدرك بسهولة ويسر ثمرة أو عدة ثمار من هذه الثمار الخبيثة ، بينما لا يستطيع أن يجد بالسهولة نفسها بلدًا خاليًا من جميع هذه الثمار الخبيثة .
وسائل العلمانية في تحريف الدين في نفوس المسلمين وتزييفه
للعلمانية وسائل متعددة في تحريف الدين في نفوس المسلمين منها :
1- إغراء بعض ذوي النفوس الضعيفة والإيمان المزعزع بمغريات الدنيا من المال والمناصب ، أو النساء لكي يرددوا دعاوى العلمانية على مسامع الناس ، لكنه قبل ذلك يُقام لهؤلاء الأشخاص دعاية مكثفة في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها العلمانيون لكي يظهروهم في ثوب العلماء والمفكرين وأصحاب الخبرات الواسعة ، حتى يكون كلامهم مقبولاً لدى قطاع كبير من الناس ، وبذلك يتمكنون من التلبيس على كثير من الناس .
2- القيام بتربية بعض الناس في محاضن العلمانية في البلاد الغربية ، وإعطائهم ألقابًا علمية مثل درجة ( الدكتوراه ) أو درجة ( الأستاذية ) ، ثم رجوعهم بعد ذلك ليكونوا أساتذة في الجامعات ، ليمارسوا تحريف الدين وتزييفه في نفوس الطبقة المثقفة على أوسع نطاق ، وإذا علمنا أن الطبقة المثقفة من خريجي الجامعات والمعاهد العلمية ، هم في الغالبية الذين بيدهم أزِمَّة الأمور في بلادهم ، علمنا مدى الفساد الذي يحدث من جراء وجود هؤلاء العلمانيين في المعاهد العلمية والجامعات .
3- تجزئ الدين والإكثار من الكلام والحديث والكتابة عن بعض القضايا الفرعية ، وإشغال الناس بذلك ، والدخول في معارك وهمية حول هذه القضايا مع العلماء وطلاب العلم والدعاة لإشغالهم وصرفهم عن القيام بدورهم في التوجيه ، والتصدي لما هو أهم وأخطر من ذلك بكثير .
4- تصوير العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله – في كثير من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية – على أنهم طبقة منحرفة خلقيًا ، وأنهم طلاب دنيا من مال ومناصب ونساء حتى لا يستمع الناس إليهم ، ولا يثقوا في كلامهم ، وبذلك تخلو الساحة للعلمانيين في بث دعواهم .
5- الحديث بكثرة عن المسائل الخلافية ، واختلاف العلماء وتضخيم ذلك الأمر ، حتى يخيل للناس أن الدين كله اختلافات وأنه لا اتفاق على شيء حتى بين العلماء بالدين ، مما يوقع في النفس أن الدين لا شيء فيه يقيني مجزوم به ، وإلا لما وقع هذا الخلاف ، والعلمانيون كثيرًا ما يركزون على هذا الجانب ، ويضخمونه لإحداث ذلك الأثر في نفوس المسلمين ، مما يعني انصراف الناس عن الدين .
6- إنشاء المدارس والجامعات والمراكز الثقافية الأجنبية ، والتي تكون خاضعة – في حقيقة الأمر – لإشراف الدول العلمانية التي أنشأت هذه المؤسسات في ديار المسلمين ، حيث تعمل جاهدة على توهـين صلة المسلم بدينه إلى أقصى حدٍّ ممكن ، في نفس الوقت الذي تقوم فيه بنشر الفكر العلماني على أوسع نطاق ، وخاصة في الدراسات الاجتماعية ، والفلسفية ، والنفسية .
7- الاتكاء على بعض القواعد الشرعية والمنضبطة بقواعد وضوابط الشريعة ، الاتكاء عليها بقوة في غير محلها وبغير مراعاة هذه الضوابط ، ومن خلال هذا الاتكاء الضال والمنحرف يحاولون تروج كل قضايا الفكر العلماني أو جُلها .
فمـن ذلك مثلاً قاعدة ( المصالح المرسلة ) يفهمونها على غير حقيقتها ويطبقونها في غير موضعها ، ويجعلونها حجة في رفض كل ما لا يحبون من شرائع الإسلام ، وإثبات كل ما يرغبون من الأمور التي تقوي العلمانية وترسخ دعائمها في بلاد المسلمين .
وكذلك قاعدة ( ارتكاب أخف الضررين واحتمال أدنى المفسدتين ) وقاعدة ( الضرورات تبيح المحظورات ) ، ( ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) ، ( وصلاحية الإسلام لكل زمان ) ، ( واختلاف الفتوى باختلاف الأحوال ) ، يتخذون من هذه القواعد وأشباهها تُكأة في تذويب الإسلام في النحل والملل الأخرى ، وتمييعه في نفوس المسلمين .
كما يتخذون هذه القواعد أيضًا منطلقًا لنقل كل النظم الاقتصادية ، والسياسية السائدة في عالم الكفار إلى بلاد المسلمين ، من غير أن يتفطن أكثر الناس إلى حقيقة هذه الأمور .
وفي تصوري أن هذا المسلك من أخطر المسالك وأشدها ضررًا لما فيه من شبهة وتلبيس على الناس أن هذه الأمور إنما هي مرتكزة على قواعد شرعية معترف بها ، وكشف هذا المسلك على وجه التفصيل ومناقشة كثير من هذه الأمور على وجه البسط والتوضيح في حاجة إلى كتابة مستقلة لكشف كل هذه الأمور وتوضيحها وإزالة ما فيها من لبس أو غموض .
ونحن نحب أن نؤكد هنا أن اعتمادهم على هذه القواعد أو غيرها ليس لإيمانهم بها ، وليس لإيمانهم بعموم وشمول وكمال الدين الذي انبثقت منه هذه القواعد ، وإنما هي عندهم أداة يتوصلون بها إلى تحقيق غاياتهم الضالة المنحرفة .
13
واجب المسلمين
في ظل هذه الأوضاع بالغة السوء التي يعيشها المسلمون ، فإن على المسلمين واجبًا كبيرًا وعظيمًا ألا وهو العمل على تغيير هذا الواقع الأليم الذي يكاد يُحرِّف الأمة كلها بعيدًا عن الإسلام
والمسلمون جميعهم اليوم مطالبون ببذل كل الجهد : من الوقت والمال والنفس والولد لتحقيق ذلك ، وإن كان العلماء وطلاب العلم والدعاة إلى الله وأصحاب القوة والشوكة عليهم من الوجوب ما ليس على غيرهم ، لأنهم في الحقيقة هم القادة وغيرهم من الناس تبع لهم .
ولا خروج للمسلمين من هذا الواقع الأليم إلا بالعلم والعمل ، فالعلم الذي لا يتبعه عمل لا يغير من الواقع شيئًا ، والعمل على غير علم وبصيرة يُفسد أكثر مما يُصلح .
ولا أقصد بالعلم العلم ببعض القضايا الفقهية الفرعية ولا ببعض الآداب ومحاسن العادات ، كما يحرص كثير من الناس على مثل هذه الأمور ، ويضعونها في مرتبة أكبر من مرتبتها في ميزان الإسلام ، ولكني أقصد بالعلم ، العلم الذي يورث إيمانًا صحيحًا صادقًا في القلب ، مؤثرًا حب الله ورسوله ودينه على كل ما سوى ذلك ، وباعثًا على العمل لدين الله والتمكين له في الأرض وإن كلفه ذلك ما كلفه من بذل النفس والنفيس ، ولن يتأتى ذلك إلا بالعلم الصحيح بحقيقة دين الإسلام ، واليقين الكامل التام الشامل بحقيقة التوحيد أساس البنيان في دين الإسلام ، ثم لابد مع ذلك من العلم بالمخاطر التي تتهدد الأمة الإسلامية ، والأعداء الذين يتربصون بها والدعوات الباطلة والهدامة التي يُروَّج لها ، وما يتبع ذلك من تحقيق البراءة من أعداء الدين ، وتحقيق الولاية للمؤمنين الصادقين .
وإذا كان من الواجب على المسلمين طلب العلم والدأب في تحصيله وسؤال أهل الذكر ، ليكون المرء على بصيرة كاملة ووعي صحيح ، فإن من الواجب على أصحاب القلم – من الكُتَّاب والناشرين – العمل على الإكثار من نشر الكتاب الإسلامي الذي يربط المسلمين بالإسلام كله ، والذي يُعطي كل شرعة من شرائع الإسلام وكل حكم من أحكامه قدره ومنزلته في ميزان الإسلام ، بحيث لا يزيد به عن قدره ولا ينزل به عن مرتبته ، ولا يضخم جانبًا على حساب جوانب أخرى متعددة ، وفي هذا الصدد فإن الكُتَّاب والناشرين مدعُوُّون بقوة إلى الالتزام بذلك ، وخاصة في تلك الظروف العصيبة الحرجة التي تمر بها الأمة الإسلامية ، فلا يليق بهم ولا ينبغي لهم أن يُجَاروا رغبات العوام وغيرهم في الإكثار والتركيز على جانب معين من جوانب الدين مع إهمال جوانب أخرى هي في ميزان الإسلام أجلّ قدرًا وأخطر شأنًا .
ونحن في هذا الصدد لا نريد أن نقع فيما وقع فيه غيرنا فندعو إلى إهمال الجانب الأقل في ميزان الإسلام لحساب الجانب الأكبر ، ولكنا ندعو إلى التوازن بحيث تكون الكتابات في الجوانب المختلفة متوازنة مع مرتبتها وثقلها في ميزان الإسلام ، فلا يُقبل أن تكون المكتبة الإسلامية مملوءة بالكتابات المختلفة المتنوعة عن الجن ، والسحر ، والشعوذة ، والورع ، والزهد ، والأذكار ، وفضائل الأعمال ، وفروع الفروع الفقهية ، وأشباه ذلك (7) ، بينما نجد المكتبة تكاد تكون خاوية من الكتاب الميسر الصالح للتناول لتناول العام في مجالات بالغة الأهمية .
مثل : أحكام الفقه السياسي في الإسلام : أو بالتعبير القديم ( الأحكام السلطانية ) .
ومثل : مناقشة النحل الكثيرة التي بدأت تنتشر في عالم المسلمين ( كالعلمانية ، والديمقراطية ، والقومية ، والاشتراكية ، والأحزاب ذات العقائد الكفرية كحزب البعث ، والأحزاب القومية ، وغير ذلك ) .
ومثل : الكتابات التي تتحدث عن الجهاد ، لا أقصد الجهاد بمعنى فرضيته ودوامه إلى قيام الساعة ، ولكن أقصد إلى جانب ذلك الكلام عن جهاد المرتدين اليوم في عالم الحكام ، وأصحاب السلطان الذين تبنوا المذاهب الاشتراكية ، والعلمانية ، والقومية ، والديمقراطية ، وغير ذلك ودعوا إليها وألزموا الناس بها .
ومثل : الحديث عن كيفية العمل لإعادة الخلافة الضائعة ، إلى غير ذلك من المواضيع ذات الأهمية البالغة في حياة المسلمين ، وإذا نظر الإنسان إلى ما كُتب في هذه المواضيع ، وما كُتب في المواضيع الأخرى لهاله التباين الشديد في هذا الأمر ، وإذا نظر أيضًا إلى كمية المباع من ذاك ومن هذا لهاله الأمر أكثر وأكثر .
قد يقول الكتاب والناشرون :
إن الناس لديهم عزوف عن قراءة هذه المواضيع ، لكن منذ متى كان لصاحب الرسالة التي يريد لها الذيوع والانتشار أن يطاوع الأهواء والرغبات ، وإذا كان حقًّا ما يُقال عن هذا العزوف ، فأنتم مشتركون بنصيب وافر في ذلك ؛ لأنكم طاوعتموهم على ذلك ، ولم تبصروهم بأهمية 0التوازن وعدم تضخيم جانب وإهمال جوانب أخرى ؛ لأن هذا الأمر سيؤدي بالناس في النهاية إلى حصر الإسلام وتضييق نطاقه في إطار عبادة من العبادات أو أدب من الآداب أو عادة من العادات ، بل قد انحصر الإسلام فعلاً عند كثير من الناس في أداء الصلاة ، وصيام رمضان ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في مجموعة من الأذكار ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في حسن الخلق ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في هيئة أو زي أو لباس ، وبعضهم انحصر الإسلام عنده في العلم ببعض فروع الفقه ، أو العلم ببعض قضايا مصطلح الحديث ، وهكذا .
فإذا خاطبت الكثير منهم عن عموم الإسلام وشموله وحدثتهم عن بعض القضايا الهامة والملحة والمنبثقة من توحيد الله والإيمان باليوم الآخر مثل الحديث عن الحكم بما أنزل الله ، والالتزام بشرعه ووجوب السعي لإقامة دولة الإسلام وإعادة الخلافة ، وبيان بطلان المذاهب الكفرية كالعلمانية ، والديمقراطية ، وغير ذلك ، ظنوك تتحدث عن دين غير دين الإسلام ، وقالوا : هذا اشتغال بالسياسة ، ولا يجوز إدخال الدين في السياسة .
ومثل هؤلاء لو تأكد عليهم الكلام في مثل هذه القضايا في خطب الجمعة ، وفي دروس وحلقات العلم في المساجد ، وفي الكتابات الميسرة التي يمكنهم قراءتها وفهمها بيسر ، لم يصدر عنهم مثل هذا الكلام الضال المنحرف .
ونحن يجب علينا كتابًا وناشرين ألا نشارك في تزييف الدين وتجزئته عن طريق عرضه عرضًا ناقصًا مقصورًا على جانب من جوانبه استجابة لرغبة القراء ، ولحركة البيع والشراء ، فنكون بذلك محققين لهدف كبير من أهداف العلمانية في تضييق نطاق الدين وعزله عن الحياة .
وقد يقول الكتاب والناشرون : نحن لا نكتب في هذه الأمور لأنها مسائل كبيرة والخطأ فيها ليس بالهين ، وهي تحتاج إلى علم كثير هو ليس في وسعنا ، وأنا معهم في هذا القول في أن كثيرين ممن يكتب هذه الأيام لا يصلح للكتابة في هذه الأمور .. إما لعدم فقههم لهذه الأمور ، وإما لأن فقههم لها قاصر ومبتور ، وإذا كان ذلك صحيحًا – وهو صحيح – في حق كثيرين ، فأين العلماء الكبار ، وأين الشيوخ الأجلاء ، وإذا لم يكن هذا هو دورهم ومهمتهم ، فما هو دورهم إذن في العمل على تغيير هذا الواقع الأليم ؟!
16
وفي إطار الحديث عن العلم ونشره فإن فئة المعلمين من المدرسين والأساتذة من أدنى مراحل التعليم إلى أعلاها عليهم واجب من أهم الواجبات العامة في حقهم وآكدها وهذا الواجب يتمثل في 1- العمل على أسلمة المناهج بحيث تصب كل المناهج العلمية في إطار خدمة الإسلام ، وبحيث لا يكون الهدف العلمي البحت ، هو الهدف الوحيد من تدريس هذا العلم ، ونظرًا لأن ديننا من عند الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأن المكتشفات العلمية هي من خلق الله فلا تعارض إذن ولا تناقض بين العلم والدين ، وبالتالي فإن كثيرًا من الحقائق العلمية يمكن استخدامها كأدلة في مجال الإيمان ، وكثير من القوانين العلمية يمكن استخدامها كردود أو إبطال لنظريات إلحادية من وجهة نظر العلم التجريبي الذي يؤمن به الملحدون ولا يعولون على غيره ، وعلى ذلك فإن المناهج العلمية الموضوعة للتلاميذ والطلاب لابد أن يراعى فيها ذلك ، ولابد من توضيح ذلك الأمر بأوضح بيان ، ولا يكفي فيه الإشارة والتلميح ، وهذا الأمر واجب أكيد في حق أولئك الذين يضعون هذه المناهج ويقررون تدريسها .
2- تنقية المواد العلمية من الكفريات والضلالات المدسوسة بها ، فقد يحدث أن يضع هذه المواد ومناهجها أناس غرباء على الدين ، فالواجب على المدرس المسلم ألا يقوم بتدريس المادة العلمية كما هي ، بل لا يحق له ذلك ، وينبغي عليه كشف هذه الضلالات للطلاب وتحذيرهم منها ، وبيان الصواب فيها ، فلا يكتفي المعلم بدوره كمعلم للمادة فقط ، بل يربط هذه العلوم بالإسلام وينقيها مما فيها من الشوائب ويكون في الوقت نفسه داعية وواعظًا ومرشدًا إلى جانب كونه معلمًا ومثقفًا .
3- أن ينتهز المعلم الفرصة كلما سنحت له لتوضيح مفهوم من مفاهيم الإسلام ، أو لتثبيت عقيدة من العقائد أو لبيان قضية من قضايا المسلمين أو لتعليم أدب من آداب الإسلام ، وهكذا .
وكل هذه الأمور يستتبع بالضرورة تحقيقها أن يرتفع المعلمون بمستواهم العلمي والشرعي في كثير من الأمور حتى يكونوا أكفاء لهذه المهمة النبيلة التي شرفهم الله بحملها .
17
الخاتمة
وفي ختام هذا البحث نأتي إلى العمل بعد العلم ، ولست أقصد بالعمل ذلك العمل الذي يعود نفعه وخيره على شخص العامل وحده ، فهذا مطلوب ، ولكن أين العمل الذي يعود نفعه وخيره على الأمة الإسلامية بالإضافة إلى شخص العامل ؟
إنه مما يجب علينا أن نعتقد الحق ونعمل به في خاصة أنفسنا ، ومن نعول ، ثم لا نكتفي بذلك حتى ندعو الناس غيرنا ونبصرهم بحقيقة هذا الدين ، وبتكالب الأعداء علينا من داخلنا وخارجنا ، وبحجم المأساة التي تعيشها الأمة الإسلامية ، ولا يصدنا عن القيام بهذا الدور ما نلقى من عنت ومشقة ومن صدود من جانب الناس ، ومن تضييق وحرب من جانب الحكام أذناب العلمانية وعملائها .
لابد إذن من العمل بهذا الدين ولهذا الدين ، ولابد من جمع الناس على ما يحبه الله ورسوله من الاعتقادات ، والأقوال ، والأفعال ، ولابد من تحمل التبعات في سبيل ذلك ، ولابد أيضًا من الجهاد في سبيل الله ، وإعلان الحرب على كل محارب لله ورسوله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله .
ولا أحسب أني بذلك قد تحدثت عن واجب المسلمين كما ينبغي ، ولكن يكفي أن تكون تذكرة لنا جميعًا ، لعل الله ينفعنا بها .. اللهم آمين .
18
المراجع
1 ـ عبد الوهاب المسيري ــ مقال العلمانية مفلهيم ومصطلحات ــ موقع اسلام اون لاين ــ انترنت
2 ـ كمال حبيب نركيا 77 عاما من العلمانية
3ـ من كتاب : الموجود في الاديان والمذاهب لفضيلة الشيخين /
ناصر القفاري وناصر العقل