ومشكورين مقدماً
يتألف كل صبغي من عدد كبير من المورثات حيث تحتل كل مورثة منها مكاناً خاصاً في الصبغي ويؤدي عمل المورثة أو مجموعة منها إلى تكون صفة بشرية ما ونظراً لأن الصبغيات تعمل معاً كاشفاع فإن كل شفع متماثل من الصبغيات يعطي التعليمات عن كيفية تكون تلك الصفة ويطلق على أزواج المورثات أو مجموعاتها التي تعمل على تشكيل صفة ما والتي تتقابل على أزواج الصبغيات المتماثلة اسم المورثات المتقابلة ( alleles ) 0
ويحتاج تشكل صفة ما إلى مورثتين متقابلتين أو مجموعات متقابلة من المورثات يتقابل بعضها مع بعض على الصبغيين المتماثلين ويقال : إن الفرد متجانس اللواقح في صفة ما عندما تعطي كل مورثة من المورثتين المتقابلتين المعلومات الوراثية نفسها وتتشكل في الفرد الجديد عيون زرق إذا ورث عن أبويه كليهما صفة الزرقة ويكون الفرد متغاير اللواقح في الصفة نفسها عندما تعطي المورثتان المتقابلتان تعليمات وراثية متغايرة وتجدر الإشارة هنا إلى أن أكثر الصفات البشرية المعقدة تنجم عن عمل عدد كبير من المورثات المتقابلة وليس عن مجرد فعل شفع واحد منها الأمر الذي يزيد في تباين الأفراد فيما يتعلق بصفة ما ( Swanson. 1973 ) وتسمى الستة والأربعون صبغياً في فرد ما والتي تنشأ نتيجة الالقاح ( اتحاد النطفة بالبيضة ) بالنمط الوراثي لذلك الفرد 0
ويضم النمط الوراثي لفرد ما المجموع الكلي لما يحتمل أن يتحدر إليه من أصوله أما كيف يترجم الاحتمال فعلاً إلى خصائص وصفات محددة فيتوقف ذلك على ما إذا كان الفرد متماثل اللواقح أو متغايرها فيما يتعلق بصفة ما فقد يكون لدى الشخص الذي يكون متغاير اللواقح في لون العين مورثات متقابلة للعيون الزرق ومورثات متقابلة للعيون الشهل وسيمتلك عينين زرقاوين أو عينين شهلاوين وذلك وفقاً لرجحان إحدى الصفتين في النمط الوراثي لذلك الفرد 0
وهكذا يمتلك الفرد في مثالنا السابق عينين شهلاوين مثلاً لأنه ( خلال تحقق النمط الوراثي ) قد سيطرت المورثات المتقابلة للعيون الشهل على المورثات المتقابلة لصفة الزرقة والتي تعرف آنئذ بالمورثات المتنحية وتسود المورثات المتقابلة المسيطرة عادة في النمط المتحقق بينما تختفي وظيفياً أو سلوكياً صفة المورثات المتقابلة المتنحية وعلى الفرد ليمتلك عينين زرقاوين أن يكون متماثل اللواقح في زرقة العيون 0
وتزرق عيون الأولاد إذا كان والداهما زرقاوي العيون لكن إذا كان للأبوين عيون شهل وكان الأبوان متغايري اللواقح في لون العيون فيحتمل آنئذ أن يكون لبعض أبنائهم عيون زرق ويكون هذا الاحتمال لزرقة عيون الابن في تلك الحالة 25% 0
لقد بسطنا وراثة لون العيون كثيراً وذلك لإيضاح بعض المفاهيم الأساسية في علم الوراثة وفي الواقع فإن لون العيون يتحدد بأكثر من شفع من المورثات المتقابلة التي تتوضع في مواقع مختلفة على الصبغي وليست المورثات المتقابلة كلها مسيطرة أو متنحية بالنسبة لبعضها فهناك أحياناً انصهار تداخلي لصفة ما فوجود ظلال مختلفة من الزرقة تتراوح بين الرمادي والأخضر يدل على أن ظاهرة انصهار المورثات المتقابلة إنما هي نتاج آخر للنمط الراجح لاشفاع المورثات المتقابلة المتغايرة اللواقح ( Cavalli Sforza .1973 ) 0 وهنالك استثناء واحد لقاعدة الصبغيات المتماثلة يحدث فيما يتعلق بالشفع الصبغي المسؤول عن تحديد الجنس فللإناث شفع صبغي متوسط الحجم يعرف بالصبغي x 0
أما في الذكور فيوجد الصبغي x وصبغي آخر أصغر منه هو الصبغي y وأثناء تشكل النطاف وحدوث الانقسام المنصف تتشكل أعراس ذكرية تحوي الصبغي x وأعراس ذكرية أخرى تساوي الأولى في العدد تحوي الصبغي y أما الأعراس الأنثوية ( البيوض ) فجميعها يحوي الصبغي x وهكذا وبينما يوجد نوعان من النطاف فإن هنالك نوعاً واحداً من البيوض وذلك فيما يتعلق بالصبغيات الجنسية ( أي x و y ) 0
وطبقاً لهذا فإن عروس الرجل هو الذي يحدد جنس الجنين الذي يتشكل نتيجة الالقاح 0
إننا نعرف الكثير عن الصبغيات الجنسية لأنها كانت موضع الدراسة من جانب العلماء أكثر من الصبغيات الأخرى كلها ومن المعروف أن للصبغي x عدداً من المواقع التي يعتقد بعدم تأثيرها في ظاهرة تحديد الجنس ولكنها لوجودها في الصبغي x تسمى بالمورثات المرتبطة بالجنس 0
ولدينا مثال يوضح عمل المورثات المرتبطة بالجنس يتمثل في مرض عمى الألوان الذي يصيب الذكور أكثر مما يصيب الإناث إن عمى الألوان صفة لمورثة متنحية على الصبغي x ليس لها مورثة تقابلها في الصبغي y وهكذا فإن تلقي الابن مورثة مرض عمى الألوان أن يكون لكل من أبويها مورثتان متنحيتان لتلك الصفة ولأن الاحتمال ضئيل في أن يحمل كلا الأبوين مثل هاتين المورثتين فإن الذكور يكونون أكثر عرضة لعمى الألوان من الإناث ولأن الصبغيين x و y غير متماثلين فإن آليتي السيطرة والتنحي تعملان بطرق غير عادية 0
يمكن اعتبار الصبغيات نفسها حوامل الوقائع أو الرموز التي تعمل على توجيه فعالية الخلية وفي الواقع فإن المورثات لا تمثل الخلايا بل هي رموز لجزئيات أصغر كثيراً من الخلايا وتعرف هذه الجزئيات باسم البروتينات وتشكل الجزئيات البروتينية اللبنات الأساسية التي تبنى منها الخلايا 0
والبروتينات هي جزيئات كيميائية ضخمة تتألف من سلاسل من الحموض الآمينية صحيح أن عدد الحموض الآمينية في الطبيعة لا يزيد على العشرين بيد أن تباين تتاليها في جزيئات البروتين يجعل عدد البروتينات يربو على الألوف أما المورثات نفسها فتتألف من وحدات تعرف باسم النوكليوتيدات ويؤدي ارتباط بعضها ببعض إلى تشكل الحمض النووي الريبي المنقوص الأوكسجين (DNA ) الذي يشكل مادة المورثة فكما أن جزيء البروتين يتألف إذاً من تتالي الحموض الآمينية فإن جزيء DNA يتألف من تتالي النوكليوتيدات وعلى الرغم من وجود عشرين حمضاً آمينياً فإن أنواع النوكليوتيدات هي أربعة فقط 0 ويتقابل نوكليوتيدان بعينهما في شريط DNA ويأخذ الجزيء شكل حلزون مضاعف الشريط وتقوم المورثات بتركيب أنواع ثلاثة من الحموض النووية الريبية ( RNA ) التي تقوم بدورها بتركيب البروتين الذي يميز خلية من أخرى فيركب الهيموكلوبين مثلاً في الكريات الحمر وبروتيني الأكتين والميوزين في الخلية العضلية وهكذا ويمكننا القول أن المورثة تنسخ نفسها على شكل RNA وهذا يترجم إلى مادة بروتينية تشكل أو تعمل على تشكيل الصفة الظاهرة فالمورثات إذا هي رموز الصفات والخصائص التي تشكل جسم الكائن