ولأن حب الإنسان لوطنه فطرة مزروعة فيه فإنه ليس من الضروري أن يكون الوطن جنة مفعمة بالجمال الطبيعي, تتشابك فيها الأشجار وتمتد على أرضها المساحات الخضراء, وتتفجر في جنباتها ينابيع الماء, كي يحبه أبناؤه ويتشبثوا به.فقد يكون جافا, جرداء أرضه, قاسيا مناخه, وتزكم الأنوف بسبب هبات غباره المتصاعدة, وقد تكون أرضه عرضة للزلازل والبراكين, أو تكون ميدانا للأعاصير والفيضانات, أو غير ذلك من السمات الطبوغرافية والمناخية التي ينفرمنها الناس عادة. ولكن الوطن رغم كل هذا يظل في عيون أبناؤه حبيبا وعزيزا وغاليا, مهما قسا ومهما ساء.
ولكن هل الوطن يعرف حقيقية حب أبنائه له؟ هل الوطن يعرف حقا أنه حبيب وعزيز وغالي على أهله؟ إن الحب لأي أحد أو لأي شيء لا يكفي أن يكون مكنونا داخل الصدر, ولابد من الإفصاح عنه, ليس بالعبارات وحدها وإمنا بالفعل, وذلك كي يعرف المحبوب مكانته ومقدار الحب المكنون له. ولا
سيما أن الوطن يحتاج إلى سلوك عملي من أبنائه يبرهن له عن هبهم له وتشبثهم به.
وإذا كان حب الوطن فطرة, فإن التعبير عنه اكتساب وتعلم ومهارة, فهل قدمنا لأطفالنا من المعارف ما ينمي عندهم القدرة على الإفصاح عمليا عن حبهم لوطنهم؟ هل علمناهم أن حب الوطن يقتضي بأن يبادروا إلى تقديم مصلحته على مصالحم الخاصة؟ فلا يترددوا في التبرع بشيء من وقتهم أو جهدهم من أجل إنجاز مشروع ينتفع به الوطن. هل دربناهم على أن يكونوا دائما على وفاق فيما بينهم حتى إن لم يعجبهم ذلك من أجل حماية الوطن من أن يصيبه أذى؟ إنها تساؤلات, إجابتها الصادقة هي معيار أمين على مقدار ما نكنه من حب للوطن.
و نتريا المزيد منك