يرد لأن عليه 40 علامة عندنا .
و شكرا جزيلا على الردود مقدما
لمحات تاريخية من حياة ابن تيمية
بقلم :صالح بن سعيد بن هلابي
هذه لمحات خاطفة ونظرات عابرة عن حياة إمام جليل وعبقري حكيم أقام الدنيا وأقعدها في عهده بالعلم والفكر والجهاد طول حياته, وأحيا تراثا عظيما للأمة الإسلامية كاد أن يذهب وينطمس بين الفلسفة وحذلقة علم الكلام, وبين الشعوذة والفرق الباطنية القتالة.
في هذه اللمحات العابرة نحاول أن نضع أيدينا على مفتاح هذه الشخصية العظيمة وكنه حقيقتها وبعض خصائصها وجهادها العظيم المتواصل ضد أعداء الإسلام بكل أصنافهم وأشكالهم ..
نشأته وطلبه للعلم:
ولد ابن تيمية بحران من أعمال أورفه في تركيا سنة 661 هـ وهاجر أبواه به وبإخوانه إلى دمشق تخلصا وفرارا من ظلم التتار, وقد لاقوا في هجرتهم متاعب ومصاعب كثيرة لولا عناية الله عز وجل أن وصّلهم بالسلامة. وصل بن تيمية إلى دمشق وهو طفل صغير وكان والده من كبار علماء الحنابلة, فسارع إلى حفظ القرآن الكريم وطلب العلوم الشرعية على اختلاف أنواعها من كبار الشيوخ والمحدثين الذين أدهشهم بقوة ذهنه وفرط ذكائه, ولم يكد يبلغ من العمر بضعة عشر عاما حتى أتقن معظم فنون الشريعة, وحاز قصب السبق فيها, قرأ مسند الإمام أحمد بن حنبل مرات عديدة, وسمع الكتب الستة الكبار, ومن مسموعاته: (معجم الطبراني الكبير). وأفتى وله من العمر بضعة عشر عاما. ولم يكتف بالفنون الإسلامية بل تعدى إلى غيرها من الفنون التي كانت سائدة في ذلك العصر, فدرس الفلسفة وعلم الكلام وتعمق فيهما وردّ على أصحابها, والديانات المسيحية واليهودية وكتب فيها كتبا عظيمة, ومن أروع كتبه في المسيحية كتابه العظيم: (الجواب الصحيح على من بدل دين المسيح) في أربع مجلدات الذي نقض فيه عقائد المسيحية من أساسها, هذه العقلية الجبارة التي أوتيت هذا الذكاء الخارق كان ورائها سر عظيم وهي مراقبة الله في السر والعلانية, والوقوف عند حدوده مع الجد والنشاط والرغبة المخلصة في طلب العلم وإظهاره للأمة على حقيقته.
وهذا ما يعبر عنه ابن تيمية عن بنفسه بقوله: "إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تشكل عليّ فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر, وينحل إشكال ما أشكل, وقد أكون إذ ذاك في السوق أو المسجد أو المدرسة لا يمنعني ذلك من الذكر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي".
وهكذا أمضى ابن تيمية حياته في طلبه للعلم حتى أصبح من كبار العلماء يشار إليه بالبنان.
ثناء العلماء عليه :
كان موضع الإعجاب والإجلال من المنصفين وبمن اجتمع بهم, ويشهد له كبار علماء عصره بالعلم والفضل والجهاد.
قال المحدث ابن دقيق العيد – حين رآه واجتمع به وقد كان حجة عصره في الحديث – قال: "رأيت رجلا جميع العلوم كلها بين عينيه يأخذ منها ما يريد ويدع مما يريد".
وقال الحافظ أبوالحجاج يوسف المزي المتوفى سنة 742 هـ: "ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه, وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أتبع لهما منه".
وقال الحافظ كمال الدين الزملكاني – قاضي قضاة الشافعية المتوفى بالقاهرة سنة 727هـ-: "كان ابن تيمية إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لايعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحدا لا يعرف مثله, وكان من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا من مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك, ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه, ولا تكلم في علم من العلوم سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه, وكانت له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتبيين, وقد ألان الله له العلوم كما ألان لداود الحديد" إلى أن قال فيه:
وصفاته جلت عن الحصر
ماذا يقول الواصفون لــــه
هو بيننا أعجوبة الدهر
هو حجة الله قاهرة
أنوارها أَرْبَتْ على الفجر
هو آية في الخلق ظاهرة
وقال فيه شيخ النحاة أبوحيان حين اجتمع به :
داع إلى الله فرد ماله وزر
كم ذا تحدث عن حبر يجيء فها
خــير البرية نور دونه القمر
على محياه من سيما الآل صحبوا
بحر تقاذف من أمواجه الدرر
حبر تسربل منه دهرنا جسرا
مقام سيد تيم إذ عصت مضر
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا
وأخمد الشر إذ طارت له شرر
وأظهر إذ أثاره درست
أنت الإمام الذي قد كان ينتظر
كم ذا تحدث عن حبر يجيء فها
وقد أثنى عليه معظم أهل عصره أعظم الثناء والذين ظهر لهم الحق على يديه وحسبنا ما ذكرنا, ولولا ضيق المجال لطال بنا الكلام, ومن أراد التوسع والوقوف على ترجمة هذا الإمام الجليل المجدد العظيم فعليه أن يقف على بعض من ترجم له من معاصريه مثل ابن الوردي في تاريخه, وابن كثير في تاريخه (البداية والنهاية), وابن الألوسي في (جلاء العينين), وابن رجب في (طبقاته), ومحمد بن شاكر الكتبي في (فوات الوافيات), وابن العماد الحنبلي في (شذرات الذهب), والحافظ الذهبي في كتبه العديدة التي أفاض فيها عن حياته وجهاده والذي وصف مصنفاته بأنها بلغت إلى خمسمائة مجلد.
دراسات عن ابن تيمية :
وفي القرن الأخير ظهرت دراسات مستقلة وكتب مستفيضة عن هذا الإمام الجليل, بعضها تتناول نواحي معينة من حياته, وبعضها تلم جميع حياته وسيرته وآرائه الفقهية وفتاويه, وممن كتب على سبيل المثال لا الحصر :
– العلامة الشيخ رشيد رضا.
– الشيخ طاهر الجزائري.
– الشيخ منير الدمشقي.
– الشيخ حامد الفقي.
– الشيخ محب الدين الخطيب.
– الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة.
– الشيخ محمد نصيف.
– الشيخ عبد الصمد شرف الدين.
– الشيخ سليمان الصنيع.
– الشيخ محمد أبوزهرة.
– الشيخ عبد العزيز الراعي.
– الشيخ محمد خليل هراس.
– الشيخ محمد بهجة البيطار.
– الشيخ عبد المالك بن إبراهيم.
– الأستاذ الدكتور علي سامي النشار.
– الدكتور محمد يوسف موسى.
– الأستاذ محمود مهدي الإستانبول .
وحتى المستشرفين قد اعتنوا به عناية كبيرة وفي مقدمتهم المستشرق الفرنسي (هنري لاوست) الذي خصه بعناية كبيرة, والذي جعل آرائه السياسية والاجتماعية موضوعاً لإحدى الرسالتين اللتين حصل بهما على الدكتوراه من باريس, كما ترجم بعض مؤلفاته إلى اللغة الفرنسية مع دراسة وتقديم لها, كما تحصل على الدكتوراه من جامعة كمبردج بإنجلترا الدكتور محمد رشاد سالم برسالته التي كان بعنوان (موافقة العقل للنقل عند ابن تيمية), وقد سافر الدكتور رشاد سالم إلى هولندا وفرنسا وألمانيا وإنجلترا والهند واطلع على ما أمكنه الإطلاع عليه من مخطوطات ابن تيمية هناك, وصوّر كثيرا من هذه المخطوطات, ولقي عناءا كبيرا في رحلاته وبحوثه هذه, كما مكث مدة طويلة في دمشق نقل كثيرا من مخطوطات ابن تيمية, وهو عازم على نشر تراث ابن تيمية إن مد الله في أجله وأعانه على مهمته أن يقف جزءا كبيرا من جهده على نشر هذه المؤلفات بعد تحقيقيها وإخراجها في أحسن صورة, وتكون مقسّمة على ثلاثة أقسام – حسب تقسيمه – :
o القسم الأول : مؤلفات ابن تيمية وهو المخصص لنشر كل ما ألفه, وهو ينقسم إلى فرعين :
– الأول: لنشر الكتب الكبيرة.
– والثاني: لنشر الرسائل والقواعد المختلفة .
o القسم الثاني : تراجم ابن تيمية ويحاول في هذا القسم نشر كل ما كتب عن سيرة شيخ الإسلام.
o القسم الثالث : دراسات عن ابن تيمية وفي هذا القسم يتناول آراه المختلفة بالدراسة والتحليل ويهتم بوجه خاص بما يتعلق بالعقيدة والرد على المتكلمين والفلاسفة والفرق المختلفة والصوفية على اختلافها .
فتسأله تعالى أن يعين الدكتور على هذا المشروع العظيم, ويبارك في جهوده حتى يخرجه في أحسن صورة, ولا يفوتني هنا أن الحكومة السعودية – وفقها الله – طبعت مؤخرا (فتاوى ابن تيمية) في ثلاثين مجلدا بمطابع الرياض وهذا مشروع عظيم لا يستهان به.
صفـات المؤمن
هيهات هيهات أهلك الناس الأماني, قول بلا عمل, ومعرفة بغير صبر, وإيمان بلا يقين, مالي أرى رجالا ولا أرى عقولا, وأسمع حسيسا ولا أرى أنيسا, دخل القوم والله ثم خرجوا, وعرفوا ثم أنكروا, إنما دين أحدكم لعقه على لسانه, إذا سئل: أمؤمن أنت؟ قال: نعم, كذب ومالك يوم الدين, إنّ من أخلاق المؤمن قوة في الدين, وحزما في لين, وإيمانا في يقين, وعلما في حلم, وحلما بعلم, وكيسا في رفق, وتجملا في فاقة, وقصدا في غنى, وشفقة في نفقة, ورحمة لمجهود, وعطاء في الحقوق, وإنصافا في استقامة, قانع بالرزق, حامد على الرخاء, صابر على البلاء .
الحسن البصري