الله يخليييييييييييييييييييييييكم …..
https://www.uae.ii5ii.com/showthread….999#post791999
https://www.uae.ii5ii.com/showthread….DA%E6%E1%E3%E5
بالتوفيق
ما هي العولمة
أغلب التعريفات التي قدمت لمفهوم العولمة ركزت على البعد الاقتصادي ولعل هذا نابع من كونها نتاج لتطور النظام الرأسمالي وحاجته إلى التوسع المستمر في الأسواق. إلا أن دلالة المصطلح استقرت على أن العولمة هي ظاهرة تتداخل فيها أمور السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والسلوك، وتحدث تحولات تؤثر على حياة الانسان في كوكب الأرض أينما كان وتبرز بفعل هذه التحولات قضايا لها صفة (العالمية) مثل قضايا البيئة، وتشابك أدوار المنظمات الأهلية والمحلية والمنظمات الأهلية متعددة الجنسيات، فضلا عن دور منظمة الأمم المتحدة والمنظمات المتخصصة المنبثقة عنها. وكما يقول أحد المتخصصين: "إذا أردنا أن نقترب من صياغة تعريف شامل للعولمة، فلابد من أن نضع في الاعتبار ثلاث عمليات تكشف عن جوهرها:
العملية الأولى، تتعلق بانتشار المعلومات بحيث تصبح مشاعة لدى الناس جميعا.
العملية الثانية، تتعلق بتذويب الحدود بين الدول.
العملية الثالثة، هي زيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات"[1].
ومن العجيب واللافت للنظر " في أقل من عشر سنوات أن يغزو العالم كله –وليس فقط مجتمعاتنا- مطاعم الوجبات السريعة، وبالأخص الشركات الأمريكية مثل ماكدونالدز وأخواتها، وإقبال الناس عليها بشكل عجيب، وطرح كل البدائل الأخرى. إنها حقيقة تعاني منها حتى أوروبا نفسها.. الجناح الثاني للغرب. ولعل من أوضح الأمثلة على هذا أن فرنسا من أكثر الدول الأوروبية مناهضة للعولمة الأمريكية بهذا الشكل، منها الرفض بشدة فتح مطعم ماكدونالدز في برج إيفل الذي يعتبره تراثا يخص الفرنسيين. لماذا يراد لنا نحن المسلمين أن نقبل بعضوية نادي العولمة، دون أن نسأل عن شروط هذه العضوية"[2]
الهدف الحقيقي للعولمة :
ترتدي العولمة ثوب الحرية، والسلام، وحقوق الإنسان، مع تركيز واضح على حقوق المرأة.. ولعل البعض يتساءل .. هل هذه هي الاهداف الحقيقية للعولمة ؟
وإذا كانت هذه هي الأهداف الحقيقية، فأين هذه الأهداف النبيلة من حرمان المرأة المسلمة والطفل المسلم من أبسط الحقوق، وأهمها.. حق الحياة .. هل يخفى عليهم مايلاقياه من قتل وتشريد في شتى بقاع الأرض التي تئن تحت وطأة الاحتلال، ويتعرض فيها كل من المرأة والطفل المسلمين للقتل والتشريد والفناء؟
إن الهدف الحقيقي للعولمة هو الهيمنة وإن تغيرت الأشكال والألوان لكن الجوهر واحد والحجة واحدة وهي تفوق الإنسان الغربي وتمجيد اختياراته وعظمة ثقافته وقيمه وضرورة إخضاع الناس له مهما كان الثمن فادحاً .
قال تعالى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ}، إنها خطة قديمة يأخذهاالطاغوت اللاحق عن الطاغوت السابق، حتى تصل الى فرعون.
وكما يقول شوقي جلال: من السذاجة بمكان أن نتصور أن العولمة مجرد تفوق تكنولوجي، أو سيطرة البورصات والتنافس الاقتصادي. إنها في الحقيقة عملية سياسية تقودها الدولة الأمريكية بالاعتماد على قدراتها العسكرية ونفوذها السياسي.
"ولننظر كيف عبر الغربي قديما عن هيمنته وسيطرته بأسماء مثل (الاستعمار) أي إعمار الأرض، وقالوا أن الشعوب الأخرى الملونة ليست قادرة على حكم نفسها، ولا بد لنا –أي المستعمر- أن نقوم برسالتنا التاريخية في نقل المدنية والعلم والتقدم اليها".[3]
"لقد قام الاستعمار بالتخطيط المدروس لإضعاف العالم الإسلامي وإبعاده عن مقوماته الإسلامية، ووجد الاستعمار من بين أبناء العالم الإسلامي أناساً ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات لتحقيق أهدافه. ونحن لا نلقي هنا القول على عواهنه، وإنما هذا ما تنطق به الوثائق السرية الاستعمارية نفسها. فقد جاء في تقرير وزير المستعمرات البريطاني (أورمسبي غو) لرئيس حكومته بتاريخ 9 يناير (كانون الثاني) 1938م ما يأتي: (إن الحرب علمتنا أن الوحدة الإسلامية هي الخطر الأعظم الذي ينبغي على الامبراطورية أن تحذره وتحاربه، وليس الامبراطورية وحدها، بل فرنسا أيضاً، ولفرحتنا فقد ذهبت الخلافة، وأتمنى أن تكون إلى غير رجعة. إن سياستنا الموالية للعرب في الحرب العظمى (يعني الأولى) لم تكن مجرد نتائج لمتطلبات (تكتيكية) ضد القوات التركية، بل كانت مخططة أيضاً لفصل السيطرة على المدينتين المقدستين مكة والمدينة عن الخلافة العثمانية التي كانت قائمة آنذاك.ولسعادتنا فإن كمال أتاتورك لم يضع تركيا في مسار قومي علماني فقط، بل أدخل إصلاحات بعيدة الأثر، أدت بالفعل إلى نقض معالم تركيا الإسلامية)." [4]
"ويأتي المهيمن الحالي ليشرح نواياه الامبريالية الجديدة رافعا شعارات براقة حيث يقول ريتشارد جاردنر في كتابه (نحو نظام عالمي جديد): " لقد كان توماس جيفرسون يعبر عن إيمان آبائنا -الذين أقاموا دعائم بلادنا- العميق عندما تنبأ بأن نيران الحرية وحقوق الإنسان سوف تنتقل من أمريكا لكي تنير مناطق أخرى من الأرض"[5]
"وقال جيفرسون هذا في موضع آخر "الأميريكيون شعب الله المختار، لهم الحكم والهيمنة اختيارا أو قوة أو قسرا" [6]
"وقد ربط بعض الباحثين مثل جندزاير بين نمط نظريات التنمية وبين اهتمامات أمريكا بإحكام السيطرة بخاصة على العالم الثالث في دراسة شجاعة بعنوان (إرادة التغيير السياسي والعالم الثالث) وقد كشفت هذه الدراسة أنه خلال الخمسينيات والستينيات كان هناك تعاون كبير بين المشتغلين بعلوم الاجتماع وبين وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، وتمخضت عن دراسات رفعت للحكومة. ومن المشاريع المذكورة في هذا المجال (مشروع كاميلوت) الذي تبنته وزارة الدفاع الأمريكية لدراسة الظروف المختلفة داخل العالم الثالث من أجل تحديد عوامل التفكك الاجتماعي وصياغة برامج في مجالات التنمية توجه التغييرات داخل هذه الدول وجهة محددة، أو بمعنى آخر لضبط اتجاهات التغيير في مسارات تخدم أهداف الغرب".[7]
[1] – السيد يس، في مفهوم العولمة، مجلة المستقبل العربي، العدد 228، 1998 ص7
[2] – العولمة في ميزان الإسلام، جمعية الإصلاح الاجتماعي، من رسائل الجمعية، ص 22
[3] د.مثنى أمين، كتاب حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر، دار القلم، 2024، ص261.
[4] – د. محمود حمدي زقزوق،خطورة القرآن ،https://www.balagh.com/mosoa/tablg/ug0wx65y.htm
[5] د.مثنى أمين، مرجع سبق ذكره، ص261.
[6] مصطفى الطحان، مرجع سبق ذكره، ص16
[7] د.مثني أمين، مرجع سبق ذكره وبتصرف ص264
إختآري آللي تبيه ،،
https://www.4shared.com/file/12822595…/1_online.html
مقدمة
مصطلح العولمة مصطلح جديد ظهر في العالم الغربي في بداية عقد التسعينيات، وقد سبقه حدثان ضخمان أثرا في حركة العلاقات الدولية واتجاهاتها وعلى موازين القوى في العالم:
الأول: سقوط المعسكر الشرقي الذي اتخذ من سقوط جدار برلين رمزاً له في عام 1989م، والذي أنهى فترة من الحرب الباردة بين المعسكرين ( وارسو / الأطلسي ) بدأت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وصاحبها حالات من الاستقطاب والمد والجزر في علاقات هذين المعسكرين؛ بحيث وصلت في الجَزْر إلى التهديد بحرب عالمية ثالثة مباشرة أثناء أزمة الصواريخ الكوبية، وفي المد وصلت إلى الاتفاق على تقسيم مناطق نفوذ في بعض بقاع العالم، وبين ذلك حصلت حروب بالوكالة كما حصل في فيتنام و أفغانستان.
وقد أتاحت حالة الحرب الباردة والصراع والتنافس العالمي على مناطق النفوذ وجود هامش من الحرية لما سمي بـ (دول عدم الانحياز) مكّن كثيراً من الدول من الاستقلال عن الدولتين الكبيرتين أو إحداهما.
ثم جاء الحدث الآخر الكبير وهو حرب الخليج الثانية في عام 1991م، وهي حرب شبه عالمية لكن من طرف واحد ودون تكافؤ في القوى. وانتهت هذه الحرب بانتصار أمريكي غربي أضيف إلى ذلك النصر التاريخي على المعسكر الشرقي.
وهذان الانتصاران أتاحا لأمريكا نوعاً من السيادة العالمية مستغلة تقدمها التقني والاقتصادي وقوتها العسكرية في تكريس هذه السيادة . فبدأ في هذا الظرف التاريخي ظهور مصطلحات جديدة مثل « العالم الجديد » ومثل « العولمة ». وهذا المصطلح الأخير أخذ حظه من الانتشار باعتبار أنه يمثل حركة الهيمنة والسيادة الغربية بأسلوبها الحضاري الجديد، وظهرت أعمال وكتابات كثيرة لدى الغربيين تؤكد هذه الفكرة مثل فكرة «نهاية التاريخ»، وكذلك فكرة «صراع الحضارات» وإن كانت سابقة لفكرة نهاية التاريخ إلا أنها شُهرت أخيرا .
إن الصراع الذي يميز التاريخ الإنساني وما يزال هو الصراع بين ضروب العولمة، أو بين الصور النموذجية للإنسان في الحضارات المختلفة. والمتأمل في الحِقَب أو الفترات المهمة في التاريخ الإنساني يلحظ أنها كانت عالمية، وتعود إلى من بيدهم الأدوات التي تمكنهم من فرض خواصهم على الآخرين.
وبهذا المعنى؛ فالعولمة فعل تاريخي متواصل، وهو حصيلة المعركة الجارية بين العالميات أو النماذج الحضارية المختلفة التي يؤمن أصحابها بأن لهم رسالة تحدد المثال الإنساني الأعلى. وفي هذا الإطار فإن (العولمة ) صفة لفعل الإنسان الصانع للتاريخ.
من أبرز الظواهر المؤثرة على الأنظمة السياسة المعاصرة العولمة وسيادة القطب الواحد. ومع أن للعولمة جوانب متعددة إلا أن العولمة السياسية ذراع قوي جدا يستخدمه الأقوياء لخدمة أهدافهم.
تعريف العولمة ومهفومها
العولمة مصطلح معرّب لم ينشأ أساسا فى البيئة العربية المسلمة. ولا بد لفهم معناه من الرجوع إلى من أطلقه وأشاعه والتعرف على مقصوده به قبل النظر فى الأصل اللغوي لكلمة العولمة فى اللغة العربية.
بالرجوع إلى قاموس وبستر "websters" نجد أن تعريف العولمة (GLOBALIZATION) هو: إكساب الشيئ طابع العالمية وبخاصة جعل نطاق الشيئ أو تطبيقه عالميا.
وثمة إشكالية يواجهها كل باحث عن تعريف العولمة تتعلق بالتباين وعدم وجود تعريف متفق عليه بين الباحثين. واختلاف التعريف باختلاف توجهات المعرفين ومفهومهم الشخصي للعولمة.
وعلى الرغم من كون هذا المصطلح جديدا حيث أشار قاموس أكسفورد للكلمات الإنجليزية الجديدة التى ظهرت خلال التسعينات إلا أن لكل باحث لهذا الموضوع تعريفا خاصا به.
من هذه التعريفات للعولمة, ما يلي:
1. تبادل الثقافي والتجاري وغيرها للتقارب والاستفادة المتبادلة.
2. التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية.
3. مرحلة جديدة من مراحل بروز وتطور الحداثة تتكثف فيها العلاقات الاجتماعية على الصعيد العالمي.
4. إخضاع العالم لقوانين مشتركة تضع حدا فيه لكل أنواع السيادة.
5. سيادة النمط الغربي فى الثقافة والاقتصاد والحكم والسياسة فى المجتمعات البشرية كلها.
6. توجه ودعوة إلى صياغة حياة الناس لدى جميع الأمم ومختلف الدول وفق أساليب ومناهج موحدة بين البشر وإضعاف الأساليب والمناهج الخاصة.
ونستطيع أن نلخص أهم توصيفات العولمة وملامحها بما يلي :
هي التوجه الأيديولوجي لليبرالية الجديدة التي تركز على قوانين السوق، والحرية المطلقة في انتقال البضائع والأموال والأشخاص والمعلومات في الاقتصاد، وعلى فكرة الديمقراطية في البعد السياسي، وعلى مفهوم الحرية والمساواة المطلقة في البعد الاجتماعي والأخلاقي.
فهي نظام عالمي يشمل المجالات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية، كما يشمل مجال التسويق والمبادلات والاتصال.
ويرى بعضهم أنها فكرة تعبر بصورة غير مباشرة عن إرادة الهيمنة على العالم وتغريبه أو أمركته مستغلة مظاهر وآليات التطور الحضاري الذي يشهده العصر: فالهيمنة العسكرية بواسطة الأحلاف العسكرية ومنها حلف الأطلسي، والسياسية بواسطة الهيمنة على مجلس الأمن، والاقتصادية من خلال المنظمات الدولية الاقتصادية مثل منظمة التجارة العالمية، والاجتماعية من خلال مؤتمرات دولية وإقليمية، والفكرية من خلال القوانين والاتفاقيات والصكوك الدولية في هذا المجال؛ مدعومة بقوة دفع ضخمة بواسطة إمبراطوريات إعلامية وشبكة معلومات دولية (إنترنت) يسيطر الغربيون على معظمها؛ حيث اعتبر بعضهم ( جارودي ) العولمة هي الاسم الجديد للاستعمار.
وفي المقابل يرى بعض آخر أن العولمة هي اتجاه فطري للإنسان يتسارع أثره مع تطور آليات الاتصال بين المجتمعات وتركيز الصناعات وتجاوز المجتمع التقليدي، وأنها مظهر من مظاهر التطور الطبيعي الحضاري المعاصر، وأن المجتمعات الأكثر حضارة تفيض على المجتمعات الأقل حضارة بشكل تلقائي عبر قنوات تصل بين المنبع والمصب. فهو نظام رأسمالي أكثر تكاملاً وليس رسملة للعالم بالمفهوم الغربي أو الأمريكي. وقد يعبر عن ذلك بطريقة أخرى فيقال: إن ما يحدث هو إفراز من إفرازات الدولة الحضارية في لحظة تضخم قوتها في المجالات المختلفة على العالم من حولها.
ويتفق عدد من المفكرين بأنها آلية يمكن أن تؤدي بشكل متسارع إلى نشوء نظام عالمي جديد بواسطة ثلاثية التكنولوجيا ورأس المال والإدارة، وتشمل السياسة والاقتصاد والثقافة والاجتماع والأعراف، ليؤسس القرية الكونية الجديدة التي تقوم على ثورة الكمبيوتر والاتصالات والثورة المعلوماتية والأسواق المفتوحة والشركات متعددة الجنسيات لتوحيد مصير الإنسانية.
هذه أهم الأدبيات في توصيف واقع العولمة ومستقبلها؛ على أن الساحة الفكرية المنظِّرة لفكر العولمة لا تخلو من اتهام لمثل هذه الأطروحات موجه إلى بعض نقاد العولمة وإلى بعض مؤيديها بالمبالغة.
مجالات العولمة
تظهر العولمة في مجالات عديدة من مجالات الحياة التي تشكل شبكة العلاقات الدولية المعاصرة، وأهم هذه المجالات:
1. العولمة الاقتصادية
2. العولمة الاجتماعية
3. العولمة السياسية
4. العولمة الثقافية
1. العولمة الاقتصادية
قبل أن تضع الحرب العالمية الثانية أوزارها دعت الولايات المتحدة حلفاءها لمؤتمر عقد في مدينة (بريتون وودز ) عام 1944م، للتفكير في الأسس التي سيدار على أساسها النظام الاقتصادي العالمي.
وقد سيطرت على سير أعمال المؤتمر توازنات القوى التي نجمت عن الحرب، فكان من البدهي أن تصوغ أمريكا للعالم هذا النظام بما يحقق مصالحها.
وقد تمخص هذا المؤتمر عن ميلاد عدد من المؤسسات تشكل في مجملها الركائز التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الدولي وهي:
– صندوق النقد الدولي، ويقوم بدور الحارس على النظام النقدي العالمي.
– البنك الدولي: ويعمل على تخطيط التدفقات المالية طويلة المدى.
– الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة والتي تعرف اختصاراً باسم: (الجات: Gate)، التي تمخضت عن إنشاء المنظمة العالمية للتجارة ، وهي الشريك الثالث لصندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي في وضع السياسات العالمية ، كما عبّر عن ذلك مدير عام الاتفاقية (بيتر سذرلاند) .
ويعتبر الهدف الرئيس من الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة تمكين الدولة العضو من النفاذ إلى الأسواق لباقي الدول أعضاء الاتفاقية، وقيام كل دولة بتثبيت بنود تعريفاتها الجمركية إلى حدود مقبولة من باقي الأطراف المتعاقدة بالاتفاقية، بحيث لا يتم تغيير هذا الربط (التثبيت) إلا بعد الرجوع إلى بقية الأطراف وتعويض المتضررين منها بهذا التغيير .
لكن التفاوت الكبير في القوة السياسية والمنافسة الاقتصادية يجعل بنود الاتفاقية تصبّ في مصلحة الدول الكبرى؛ فقد أعلنت الولايات المتحدة عزمها على استغلال حق المطالبة بالتعويض أو فرض العقوبات التجارية في حالة الإخفاق في الوصول إلى حلّ مع المخالفين.
بل والأخطر من ذلك: أنه لأول مرّة في التاريخ الاقتصادي للأمم تصبح السياسة التجارية للدول المستقلة شأناً دولياً وليس عملاً من أعمال السيادة الوطنية؛ إذ أصبحت مقيدة بمجموعة من القواعد الملزمة وآليات التحكم الإجبارية؛ حيث إن منظمة التجارة العالمية تحدّ من قدرة دول الجنوب على التصرف المطلق ضمن حدودها الوطنية، وتملك حق تشريع قوانين دولية وسلطة قضائية تلاحق الحكومات التي لا تنصاع لقراراتها، وقوة شرطية تمارس حق التفتيش داخل الدول .
ومن جهة أخرى، فقد وضع الغرب آليات التحكم في الاقتصاد العالمي بناءً على ثلاثة محاور:
أولها : النظام النقدي العالمي:
من خلال هيمنة الدولار الأمريكي على وسائل الدفع العالمية؛ حيث يمثل وسيلة الدفع العالمية المقبولة التي حلّت محل الذهب لتغطية إصدارات معظم عملات الدول، وبخاصة دول العالم الثالث. وتتحكم في هذا النظام المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بوضع السياسات النقدية التي تخدم هيمنة رؤوس الأموال الغربية على اقتصاديات دول الجنوب والكتلة الشرقية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية في شرق أوروبا بزعامة الاتحاد السوفييتي .
ثانيهما: التحكم في حركة رؤوس الأموال:
من خلال أسواق المال العالمية التي تتركز في الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وأوروبا بالدرجة الثانية ، واليابان بالدرجة الثالثة، وهذه الحركة لرؤوس الأموال تتم السيطرة عليها من خلال السياسات التي تضعها المؤسسات المالية الأمريكية التي تتحكم بدورها في المؤسسات المالية الأوروبية واليابانية من خلال تملّكها لمعظم أسهم تلك المؤسسات.
ومن أجل ذلك نجد الدعوة التي تتبناها المؤسسات المالية الدولية بتشجيع التخصيص، وبالسماح لرؤوس الأموال الأجنبية بتملك أسهم الشركات والسندات التي تصدرها الحكومات المحلية، ما هي إلا وسيلة لتحقيق الهيمنة الاقتصادية الغربية على اقتصاديات تلك الدول .
وقد أخذ البنك الدولي بتوجيه من الولايات المتحدة بإجبار دول العالم الإسلامي على إعادة هيكلة اقتصادياتها وفقاً لهذه السياسة الليبرالية، فاتجهت هذه الدول إلى الخارج لجذب رأس المال الأجنبي، وتبني مفهوم القطاع الخاص من خلال استخدام آليات السوق الحرة، وما يتطلبه ذلك من تحجيم واضح للملكية العامة وزيادة الفوارق الاجتماعية، ورهن أجيال المستقبل بالديون الخارجية.
ثالثها: الشركات متعددة الجنسيات:
وهي تمثل أهـم مظاهر عولمة الاقتصاد، والإحصاءات الآتية توضح مدى خطورة تمركزها الرأسمالي:
– إن إيرادات أكبر خمسمائة شركة في العالم بلغ في عام 1994م نحو (10) تريليون و(254) مليار دولار، أي ما يقارب نصف الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم في سنة 1993م .
– إن مبيعات أكبر 200 شركة تجاوزت مداخيل اقتصاديات (182) دولة ما عدا أكبر 9 دول؛ فقد وصل دخل (182) دولة إلى مستوى (6 . 9) تريليون دولار، بينما وصلت مبيعات أكبر (200) شركة إلى (7 . 1) تريليون دولار.
– إن حجم المبيعات لأكبر ثلاث شركات متعددة الجنسيات (إكسون، شل، موبيل) عام 1980م فاق حجم الإنتاج الوطني الإجمالي لكل دول العالم الثالث عدا سبع دول: ( الصين، البرازيل، الهند، المكسيك، نيجيريا، الأرجنتين، إندونيسيا).
– في عام (1996م) تعدى حجم المبيعات السنوية لأكبر (20) شركة (67) مليار دولار.
أما بالنسبة لكل شركة على حدة:
– فليب مورس التي احتلت المركز (69) ؛ فإن حجم مبيعاتها تجاوز حجم اقتصاد نيوزيلندا، ولها فروع في (170 دولة).
– متسوبيشي: المركز (22): حجم نشاطاتها الاقتصادية أكبر من حجم النشاط الاقتصادي لأندونيسيا التي تحتل المركز الرابع على المستوى العالمي من حيث تعداد السكان.
– جنرال موتورز: المركز (26): أكبر من الدانمارك في حجمها الاقتصادي.
– فورد: المركز (31) أكبر من جنوب إفريقيا اقتصادياً.
– تويوتا: المركز (36): أكبر من النرويج في نشاطها الاقتصادي.
وجدير بالإشارة أن مجال عمل هذه الشركات تجاوز الميدان الاقتصادي إلى العمل على التأثير في القرارات السياسية وثقافة الناس وطرائق عملهم ، مما جعل كثيراً من الاقتصاديين والمهتمين بظاهرة هذه الشركات يخلُص إلى أنها نوع من الاستعمار بأسلوب يناسب وعي الشعوب وتطورها .
وكانت طموحاتها التجارية محفوفة بالنتائج الدبلوماسية العالمية في عقود الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ، ونذكر على سبيل المثال: الدور الذي قامت به الشركة الأمريكية في أحداث 1972م في الشيلي التي أدت إلى سقوط نظام (سلفادور إلَّندي) ذي التوجه الماركسي ، أو العمل الذي قامت به (British feroling) عام 1953م في إسقاط حكومة (مصدق) في إيران حين أمّم مصافي النفط وآباره.
وفي عام 1997م شاركت (إلف الفرنسية) التي تسيطر على ثلثي إنتاج النفط في الكونغو في الانقلاب الذي أطاح بالرئيس المنتخب (باسكال ليسوبا) ؛ لأنه أراد كسر عملية الاحتكار التي تقوم بها (إلف) بالتفاوض مع شركات النفط الأمريكية.
بل في بعض البلدان كنيجيريا ، فإن شركة النفط (شل) هي الحكومة الفعلية ؛ ففي مقابلة مع (د . أوين سراويو) شقيق (كن سراويو) الذي أعدمته السلطات النيجيرية بسبب انتقاده لشركة (شل)، سألته مجلة (ملتنشيونال مونتر) في عددها الصادر في يوليو 1996م السؤال الآتي: إذن (شل) هي التي تحكم وليست الحكومة؟ فأجاب: نعم (شل) بطبيعة الحال هي التي تحكم فعلياً ، هذا معروف جداً (أي في نيجيريا) .
ويقول (بيير أوجين) رئيس منظمة الشفافية العالمية، وهي منظمة تهتم بمراقبة الفساد المالي والإداري على المستوى العالمي: (إن نسبة كبيرة من الفساد المنتشر في دول العالم الثالث هي من صنع الشركات المتعددة الجنسيات التي تتركز مقارها في الدول الصناعية ، وتعمل على تقديم رشاوى كبيرة لمسؤولي الدول المختلفة من أجل الفوز بالصفقات) .
العولمة الإعلامية والثقافية:
لقد تطور الإعلام بدرجة أدت إلى غزو جميع ميادين الأنشطة البشرية؛ حيث وُجدت بنيً أساسية عالمية تنتشر وكأنها نسيج عنكبوتي يمتد عبر العالم أجمع، مستفيداً من التقدم الحاصل في تقنية الرقميات وثورة المعلومات، ومن التداخل الحاصل بين قطاعات الاتصال والهاتف والتلفاز والحاسوب وشبكة المعلومات الدولية (إنترنت).
ونظراً للترابط القوي بين عولمة الثقافة ووسائل الإعلام ، فإن الإحصاءات تشير إلى أن الاتصالات اللاسلكية تمثل سوقاً تُدرّ (525) مليار دولار سنوياً، وأن هذه السوق تزداد بنسبة 8 إلى 12% سنوياً.
ففي عام 1985م بلغ الوقت الذي استهلكه مستخدمو الاتصالات في العالم على شكل إرسال معلومات أو حديث أو فاكس(15) مليار دقيقة. وفي عام 1995م بلغ (60) مليار دقيقة .
ولأهمية قطاعات الاتصال في نشر وترويج أنماط معينة من الثقافة ، قامت الولايات المتحدة بوضع ثقلها كله في معركة تحطيم الحواجز لتصبح الاتصالات قادرة على الانتقال دون عوائق تُذكر عبر العالم كلّه، كالريح فوق صفحة المحيطات.
ومن أجل ذلك انعقدت أربع مؤتمرات دولية (جنيف 1992م، بيونس أيرس 1994م ، بروكسل 1995م ، جوهانسبورج 1996) نجح خلالها الأمريكان من تسويق فكرتهم حول: (مجتمع المعلومات العالمي) والضغط لفتح حدود أكبر عدد ممكن من البلدان أمام التدفق الحرّ للمعلومات .
ولعل هذا هو ما حدا بباحث من وزن (نعوم تشومسكي) الأكاديمي الأمريكي المعروف أن يقول: ( إن العولمة الثقافية ليست سوى نقلة نوعية في تاريخ الإعلام تعزز سيطرة المركز الأمريكي على الأطراف أي على العالم كله) .
ونلاحظ هذا من خلال قطاع الاتصالات الثقافية للنظام العالمي الذي أخذ يتطور طبقاً لتدفق المعلومات من منطقة المركز – الولايات المتحدة ؛ أول منتج للتقنية الحديثة – إلى الأطراف – دول العالم الثالث خاصة – وهو ما يؤيده انتشار لغة بمفردها هي اللغة الإنجليزية.
وفي هذا الإطار عبّرت دول متقدمة داخل المنظومة الحضارية الغربية نفسها مثل: فرنسا، وكندا (مقاطعة كيبيك) عبرت عن التوجس الشديد من المخاطر الناجمة عن الهيمنة الأمريكية على الإعلام والثقافة تحت ستار العولمة؛ إذ إن وسائل الإعلام الأمريكية تسيطر في الواقع على 65% من مجمل المواد والمنتجات الإعلامية والإعلانية والثقافية والترفيهية، بل إن فرنسا تقاوم سيطرة اللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت؛ وذلك لأن 95% من حجم تداول المعلومات والاتصالات على الإنترنت باللغة الإنجليزية ، في حين أن 2% فقط باللغة الفرنسية.
وفي هذا الصدد يقول وزير العدل الفرنسي (Jack tobon): (إن الإنترنت بالوضع الحالي شكْل جديد من أشكال الاستعمار، وإذا لم نتحرك فأسلوب حياتنا في خطر ) .
ولذلك رفعت فرنسا خلال مناقشات ثقافة (الجات) الأخيرة شعار: (الاستثناء الثقافي) .
وفي المقاطعات الكندية بلغت الهيمنة الأمريكية في مجال تدفق البرامج الإعلامية والتلفاز إلى حدّ دعا بعض الخبراء إلى التنبيه إلى أن الأطفال الكنديين أصبحوا لا يدركون أنهم كنديون لكثرة ما يشاهدون من برامج أمريكية .
ولعل تمكُّن الولايات المتحدة من تدعيم هيمنتها على العالم عبر قدرتها على التحكم في المنظومات المعلوماتية وتقنيات الاتصال هو ما دفع الباحثين إلى التعبير عن العولمة أنها: (أمركة)؛ إذ تستهدف بشكل خاص إشاعة وتعميم وتسييد أسلوب الحياة الأمريكية وقيمها من خلال:
1 – قرية المواصلات الأمريكية.
2 – وحدة السوق الأمريكية.
3 – حضارة الاستهلاك الأمريكي.
4 – وحدة النمط المعيشي.
5 – الديمقراطية الأمريكية .
وهذا التصور يعبر عنه بوضوح الرئيس الأمريكي بيل كلينتون بقوله: (إن أمريكا تؤمن بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وإننا نستشعر أن علينا التزاماً مقدساً لتحويل العالم إلى صورتنا) .
وتنبع خطورة عولمة الإعلام من كونها وسيلة للسيطرة على الإدراك وتسطيح الوعي وتنميط الأذواق وقولبة السلوك، وهدف ذلك كلّه هو تكريس نوع من الاستهلاك لنوع معين من المعارف والأفكار والسلع تشكل في مجموعها ما يطلق عليه د. محمد عابد الجابري: ثقافة الاختراق.
ونختم هذا الحديث عن العولمة الإعلامية والثقافية بكلام أحد الباحثين الغربيين في كتابه: (تغريب العالم) ينقل لنا فيه كيف تتم عملية الغزو الثقافي في بلدان العالم، يقول: ( ينطلق فيض ثقافي من بلدان المركز، ليجتاح الكرة الأرضية، يتدفق على شكل صورة.. كلمات… قيم أخلاقية، قواعد قانونية… مصطلحات سياسية… معايير… كفاءة… ينطلق كل ذلك ليجتاح بلدان العالم الثالث من خلال وسائل الإعلام، المتمثل في إذاعات وتلفزيونات ، وأفلام وكتب، وأسطوانات فيديو، وأطباق استقبال فضائية، ينطلق عبر سوق المعلومات التي تحتكرها الوكالات العالمية الأربع: أسوشيتدبريس ويونايتدبريس (الولايات المتحدة)، رويتر (بريطانيا)، وفرانس بريس (فرنسا)، وتسيطر الولايات المتحدة على (65%) من تدفق هذه المعلومات.
هذا الفيض من المعلومات يشكل رغبات وحاجات المستهلكين – أو بتعبير أخر: الأسرى السلبيين- يشكل أنواع سلوكهم، عقلياتهم، مناهج تعليمهم، أنماط حياتهم، وبذلك تذوب الهويات الذاتية في هذا الخضمِّ من الغزو؛ لأن مواد الغزو تُصنع في معامل الغرب وفق معاييره ومواصفاته المعينة ) . ومن المؤكد أن المستهدَف خاصة بهذا الغزو الثقافي هم المسلمون: العرب منهم خاصةً، والمسلمون عامة، وذلك لعاملين اثنين:
أولهما: ما تملكه بلادهم من مواد أولية هائلة يأتي على رأسها النفط والغاز وثروات طبيعية أخرى.
ثانيهما: ما ثبت لهم عبر مراكز بحوثهم وجامعاتهم ومستشرقيهم أن هذه الأمة مستعصية على الهزيمة إذا حافظت على هويتها الإسلامية، ومن ثم فالطريق الوحيد هو القضاء على تفرد شخصيتها وإلغاء دينها الذي يبعث فيها الثورة والرفض لكل أشكال الاحتلال والسيطرة .
2. العولمة الاجتماعية:
تتحدد معالم هذه العولمة ومظاهرها من خلال مؤتمرات دولية كان الغرض منها تأطير الأنماط السلوكية الشاذة التي تتعارض مع الفطرة الإنسانية ونشرها، والتسلُّل لاحتواء موارد الدول الفقيرة واستغلالها لصالح المؤسسات المالية الغربية.
ففي شهر سبتمبر (أيلول) لعام 1994م عُقد في القاهرة المؤتمر العالمي للسكان والتنمية ، وفي شهر سبتمبر (أيلول) لعام 1995م عقد في بكين مؤتمر المرأة، وفي شهر يونيو (حزيران) 1996م انعقد في إستانبول مؤتمر الإيواء البشري.
وهذه المؤتمرات أطَّرتها منظمة الأمم المتحدة، وهي الذراع التنفيذي لمخططات الولايات المتحدة وحليفاتها في أوروبا.
وإن كانت الشعارات التي دأبت الأمم المتحدة على رفعها وفق دعايتها هي تحسين أوضاع العالم الاقتصادية والتجارية والعمرانية والاجتماعية، لكن حقيقة الأمر بخلاف ذلك ؛ بل إن هذه المؤتمرات أداة ووسيلة تستخدمها الليبرالية الجديدة للسيطرة على العالم فكرياً واقتصادياً من خلال تأطير السلوك الاجتماعي، واستبعاد الجوانب الأخلاقية في السلوك الاقتصادي وفق منظور خاص يخدم مصالحها الأيديولوجية والاقتصادية.
على أن الإجراءات التنفيذية التي رسمتها هذه المؤتمرات تدل دلالة واضحة على ذلك؛ ففي مؤتمر الإيواء البشري في إستانبول تم الاتفاق على مجموعة من الالتزامات تتضمنها وثيقة المؤتمر منها:
أ – التأكيد في البنود رقم: 140 ، 147 ، 150 من الوثيقة على ربط (السلطات المحلية) بالسوق المالي الدولي، ومؤسسات الإقراض الخاصة بالشؤون البلدية، مع العمل على توفير البنية التي تسمح للاقتصاد الدولي بالنمو والمساهمة في بناء البنية التحتية لمشاريع الإيواء وتكوين المراكز الحضارية .
ب – تغيير قوانين الملكية الخاصة بالأراضي: سواء الزراعية أو السكنية، وقوانين الإسكان والإيجارات، وفتح باب سوق شراء وبيع العقارات، وإزالة جميع العوائق الخاصة بتوفير المناخ الملائم لحرية السوق العقاري (البند رقم 56 من الوثيقة) .
ج – توسيع نظام الإقراض، وتمكين المؤسسات المالية العالمية من التغلغل في دول العالم الثالث من خلال عمل شبكة من البنوك، وربط تمويل توفير المباني والبنية التحية لمشاريع الإسكان بالإقراض الخارجي (البند رقم 30) .
ويتضح من خلال هذه البنود أن ما يحصل من أساليب إجرائية متعددة الأشكال لحل مشاكل اجتماعية واقتصادية هو تمكين لمراكز النظام الرأسمالي من إعادة احتواء دول العالم المتخلفة وإعادة امتصاص قواها طبقاً لمنطق تراكم رأس المال في تلك المراكز. والأخطر من ذلك أن هذه الإجراءات تؤدي حتماً إلى تآكل السيادة الوطنية التي تعدّ عاملاً كبيراً من عوامل تميز الهوية القومية للشعوب والأمم.
والحقيقة التي يجب أن تُذكر هنا هي أن هذه الأوضاع الجديدة ستعمق الهوة بين الفئات الاجتماعية وتزيد من معاناة الفقراء والمعوزين في مجتمعاتنا، ذلك أن آليات السوق التي تقوم عليها الفكرة الأساس للرأسمالية أو الليبرالية هي: أن من لا يستطيع كسب قوته يجب أن يموت؛ فهناك أصوات في الغرب تنادي بأن المليار من فقراء العالم الثالث زائدون عن الحاجة؛ وعليه فلا مسوِّغ لوجودهم ولا حاجة إليهم ضمن مفهوم فلسفة : البقاء للأقوى.
ولذا نجد الدعوة المستمرة لتغيير مفهوم الأسرة، والدعوة إلى الإجهاض، وقتل العَجَزة، وغير ذلك من الدعوات غير الأخلاقية وغير الإنسانية التي ما هي إلا نتيجة العبثية الرأسمالية العلمانية .
أما في مجال الأسرة التي تعدّ النواة الرئيسة لبناء المجتمع فنجد أنفسنا في مؤتمر بكين للمرأة أمام توصيات تدعو إلى نشر التعليم الجنسي ، وإدماج كل أشكال الانحراف من الزنا إلى الشذوذ لتصبح أوضاعاً طبيعية .
وقد تم تعبيد الطريق لهذه التوصيات لتتحول إلى قرارات ملزمة في مؤتمر الإيواء البشري الذي انعقد بعد ذلك بسنة في إستانبول؛ حيث ينص البند رقم 18.
من وثيقة المؤتمر على شمول الإيواء لمختلف أشكال الأُسَر؛ والمقصود من ذلك منح الشاذين جنسياً الذين يكوِّنون فيما بينهم أُسَراً، وتلك الأشكال من العلاقات بين الرجال والنساء الذين لا يرتبطون بعلاقات شرعية منحهم جميعاً مساكن للإيواء .
إن أخطر أنواع العولمة هي تلك (العولمة الطوعية) التي يدخل فيها الفرد باختياره وبملء إرادته؛ إذ توجد عولمة لا شعورية تلقائية يصل فيها المرء باختياره إلى الانهزامية والاستلاب في مواجهة النموذج الغازي، ولعل ذلك هو ما يقرره ابن خلدون في (مقدمته) أن المغلوب مولَع بتقليد الغالب.
لذلك ينبغي أن نفرِّق بين هزيمة الجيوش في ساحة المعارك ، وانكسار الأمم والشعوب في مجال الأفكار والقيم؛ إذ إنّ الأولى في بُعدها العسكري هي تعبير عن طبيعة الحروب؛ فالمعارك ما هي إلا كرّ وفرّ وفقاً للسنة الإلهية: وتلك الأيام نداولها بين الناس [آل عمران: 140]. أما انكسار الأمم وهزيمة الشعوب النفسية فهي قاصمة الظهر.
ولعلّ ذلك ما علمتنا إياه تجربة التاريخ في حروب الفرنجة: (الحروب الصليبية)؛ فعلى الرغم مما حققته تلك الحروب خلال غزواتها المتعددة ومكوثها في بلادنا بين القرنين السابع والتاسع للهجرة الموافق للقرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد، فقد استطاعت تلك الحملات الهمجية أن تُعمِلَ السيف في رقاب مئات الألوف، واستطاعت أن تمزق وتجزِّئ وتفسد في الأرض الإسلامية، ولكن الشيء الذي لم تستطع أن تفعله هو تخريب النمط العقدي والفكري والاجتماعي والحضاري ذي الطابع الإسلامي للبلاد؛ وهو الأمر الذي أبقى السلطة الفرنجية خارج المجتمع، على الرغم من أن حربها وسيوفها تغلغلت في داخل المجتمع الإسلامي.
لقتد أثبتت تلك التجربة أن الإسلام حين يبقى في قلوب الناس وفي شرايين حياتهم يشكل حالة مقاومة مستمرة تجعل الاحتلال أمراً مرفوضاً ومؤقتاً مهما بلغت سطوته ووصلت درجة قوته.
ولعل هذا ما يفسر موقف نابليون حين اجتاح مصر بجيوشه؛ فقد وجد نفسه في وجه (صَدَفَة مغلقة) لم يستطع أن ينفذ إلى داخلها، ولهذا تظاهر بإعلان إسلامه كذباً حتى يجد له مكاناً في الداخل ليجعل حكمه أمراً قابلاً للاستثمار.
وهكذا كل محتل في ظل العولمة لا بد له من تحطيم مقومات المجتمع الأصلي (ثوابت، مبادئ، قيم) ثم استحداث مجتمع آخر مكانه يحمل الرؤى الحضارية نفسها؛ وذلك لأن الهمينة الكاملة غير ممكنة ما لم تُحطَّم المقومات العقدية والحضارية، وتحلّ محلها مقومات التبعية من خلال إقامة المجتمع الاستهلاكي التابع، وبذلك تدخل الشعوب في مضمار العولمة الطوعية، وهي أخطر أنواع العولمة .
3. العولمة السياسية
وذلك من خلال استخدام الأمم المتحدة بعد الهيمنة عليها وعلى مؤسساتها السياسية المؤثرة خاصة مجلس الأمن الذي تعتبر قرارته ملزمة عالمياً، واستخدام حق النقض ( الفيتو ) المجحف عند الضرورة أو التلويح باستخدامه لمنع أي قرار لا يريده الغرب وخاصة أمريكا. ولعل ما يجري الآن من تعسف أمريكي بدعم بريطاني ومجاملة من بقية الأعضاء الدائمين في استعمال هذه المنظمة العالمية لتكريس هيمنة أمريكا دليل على ذلك. وما كشفه بطرس غالي الأمين العام السابق للأمم المتحدة في كتابه: «بيت من زجاج» بعد خلافه مع أمريكا هو غيض من فيض .
4. العولمة الثقافية
بعض الباحثين يعدون الثقافة مجرد مجال من مجالات العولمة. إلا أن نظرة فاحصة لأهداف العولمة وبرامج من يسعون فى صبغ العالم بها تؤكدعدم دقة هذه النظرة. ذلك أن العولمة الثقافية هي الهدف النهائي. والعولمة الاقتصادية والسياسية إلا وسائل للوصول إلى هذا الهدف. ومن الشواهد الواضحة على ذلك السعي إلى فرض القيم التى تحملها الثقافة الأمريكية اليوم على الأمم الأخرى. فمنزلة الثقافة من العولمة يمنزلة الرأس من الجسد.
والعولمة الثقافية تكون بترويج الأيديولوجيات الفكرية الغربية، وفرضها في الواقع من خلال الضغوط السياسية والإعلامية والاقتصادية والعسكرية أيضاً؛ وذلك في مجالات عدة كحقوق الإنسان، والديمقراطية، وحقوق الأقليات، وحرية الرأي. وتستخدم في ذلك آليات ووسائل منها:
أ – إصدار الصكوك والاتفاقيات الدولية المصاغة بوجهة نظر غربية والضغط من أجل التوقيع عليها، مثل (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، مكافحة التمييز ضد المرأة .. إلخ ). وهذه الاتفاقيات وإن كان فيها بعض الحق إلا أن فيها الباطل، ويكفي أنها مصاغة بوجهة نظر غربية صرفة .
ب – إصدار القوانين من أجل استخدامها ضد دول العالم الثالث باسم حماية الأقليات ، مثل قانون التحرر من الاضطهاد الديني الصادر عن الكونجرس الأمريكي .
ج – إصدار التقارير الدورية للضغط الإعلامي والسياسي والاقتصادي على المجتمعات الأخرى ، مثل إصدارات الكونجرس الأمريكي ووزارة الخارجية الأمريكية الدورية، وإصدارات المنظمات العالمية الكبرى الدورية، بل حتى الشركات التي تعنى بالتصنيف الائتماني (أي الملاءة المالية) للدول؛ حيث تستغل لصالح الدول والبنوك والمؤسسات المالية الغربية .
مخاطر العولمة:
للعولمة مخاطر ضخمة ومفاسد جمة من خلال تحوُّل العالم إلى غابة إلكترونية يستعلي فيها الكبار على الصغار؛ وتظهر هذه المخاطر داخل المجتمع للدولة الواحدة ، وكذلك داخل المجتمع العالمي.
ومن أهم المخاطر:
1. الخطر المجتمعي:
يحذر علماء الإصلاح الاجتماعي من أن أسوأ ما يقع على الأمم هو انقسام مجتمعها إلى طبقات الأغنياء والفقراء، وأن الآثار السيئة لتكدس الأموال في أيدي قلة من الناس تسبب تسلطهم وتحكمهم في مصير الكثرة، وتسخرهم لخدمتهم بغير حق . وكمثال لذلك أمريكا ذات النظام الديمقراطي، وكيف يؤثر المال على امتلاك وسائل الإعلام ومن ثم التأثير على العملية الانتخابية؛ بحيث لا تعبر في النهاية عن رأي الأغلبية. ولهذا كان منهج الإسلام هو وجود تشريعات تمنع أن يبقى المال دُولة بين الأغنياء؛ وقد ظهرت الطبقية والاحتكار من خلال إيجاد آليات وهياكل ومؤسسات اجتماعية، سواء كانت اقتصادية أو قانونية أو تشريعية، يتم من خلالها توجيه المال والسلطة والتأثير للأغنياء دون الفقراء، وتكرس انعدام الفرص أمام الفقراء في مزاحمة الأغنياء. بل ويكون المال والغنى معياراً لكثير من المناصب والمهام. ومن ذلك التشريعات الخاصة ببعض الأسواق التجارية والبورصات والتشريعات القانونية (غير المكتوبة) في أمريكا والمنحازة إلى فئة دون أخرى، ومن ذلك ما يظهر في طبيعة هيكلة الأحزاب السياسية. وقد حذرت مجلة Foreign Affairs الأمريكية في عدد سابق من نشوب ثورة اجتماعية عالمية بعد نقدها لفكرة العولمة؛ لأنها تترك وراءها الملايين من العمال الساخطين، وحالات اللامساواة، والبطالة، والفقر المستوطن، واختلال التوازن الاجتماعي، بالإضافة إلى تخلي الدولة عن مواطنيها، ونشوء الطبقية الفاحشة داخل مجتمع الدولة الواحدة كذلك تسبب تكريس الهوة بين الدول النامية والدول المتقدمة وبين أغنياء العالم وفقرائه.
ومن مظاهر الخطر الاجتماعي:
– ثلاثة أغنى أغنياء أمريكا ثروتهم أكثر من ثروة قارة إفريقيا كلها التي فيها 600 مليون نسمة.
– 30% من سكان العالم دخلهم اليومي يقل عن دولارين، و20% من سكان العالم يقل دخلهم اليومي عن دولار واحد، وكلهم من الدول النامية.
– 20% من سكان العالم يملكون 80% من ثروته ، والباقي من السكان يملكون الباقي من الثروة.
– حركة المال العالمي اليومي تزيد على 10 تريليون دولار يملك معظمه عدد محدود من الشركات والأشخاص في هذا العالم، معظمهم في العالم الغربي.
– التجارة الإلكترونية (السوق الإلكتروني) شبه محتكرة للغربيين خاصة أمريكا التي تحصل على نصيب الأسد من هذه التجارة، حيث بلغت حصتها من هذه السوق نسبة قريبة من النصف والباقي لبقية العالم وخاصة الدول الغربية الأخرى، بينما الدول النامية لا تحصل إلا على واحد بالألف.
– خمس دول غربية فيها 172 شركة من أصل 200 شركة كبرى في العالم، وهي أمريكا، و اليابان، و فرنسا، وألمانيا، و بريطانيا.
– في العالم 358 شخصاً يملكون ما يملك 45% من سكان العالم أي 6,2 مليار شخصاً.
– هناك توقعات بازدياد البطالة والفقر مستقبلاً؛ فحوالي 30% من طاقات العمل تكفي عندما تدخل التقنية الإلكترونية في الإدارة وفي سوق العمل.
– الأرباح المتوقعة من اتفاقيات منظمة التجارة العالمية قد تصل إلى 200 مليار دولار، معظمها يذهب إلى الشركات الغربية بينما لن يحصل العالم العربي إلا على 1% منها .
– كل خمس دولارات في العالم يملك الغرب أربعة منها ويترك دولاراً واحداً فقط لبقية المناطق .
– وفي مجال التكنولوجيا نجد أن 40% من كمبيوترات العالم توجد في أمريكا؛ بينما نجد واحداً من كل ثلاثمائة أفريقي يملك خطاً هاتفياً واحداً، ونجد أن 80 % من مالكي الهواتف الخلوية هم من العالم الغني بينما توصف بنغلادش بأنها صحراء هاتفية.
2.الخطر الثقافي :
محاولة صهر الثقافات الموجودة في ثقافة واحدة هي الثقافة الغربية وبالذات الأمريكية ، وجعلها النموذج العالمي مستغلة التقدم التكنولوجي في مجال الاتصالات، وما ترسله عبر الفضائيات من سيل جارف من المواد الإعلامية، وتفريغ العالم من الهوية الوطنية والقومية والدينية.
ومن مظاهر ذلك أيضاً:
– يوجد في العالم 6000 لغة، لكن 90% من برامج الإنترنت تبث باللغة الإنجليزية مما يسبب تهميشاً للغات الأخرى حتى الحية منها؛ مما دعا الرئيس الفرنسي شيراك إلى الدعوة إلى إقامة تحالف بين الدول التي تعتمد لغات من أصل لاتيني للتصدي بشكل أفضل لهيمنة اللغة الإنجليزية لدى افتتاحه منتدى حول تحديات العولمة في 20/3/2001م . ومن المعلوم أن الوكالة الفرنكفونية والمنظمة الدولية للفرنكفونية أُنشئتا لهذا السبب. كما أفادت دراسة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة نشرت في 8/2/2001م أن نصف اللغات المحلية في العالم في طريقها للزوال، وحذرت الدراسة من أن 90% من اللغات المحلية سوف تختفي في القرن الحادي والعشرين.
– استخدام بعض الصكوك الدولية والقوانين عند بعض الدول للضغط من أجل تغيير الهويات وصهر الثقافات، وكمثال على ذلك قانون (التحرر من الاضطهاد الديني) الأمريكي الذي تستخدمه في التدخل بشؤون العالم الإسلامي بدعوى حماية الأقليات، وإتاحة حرية ممارسة العبادة وإقامة دور لها.
– الآثار الثقافية السلبية التي يمكن أن تنشأ من السير في فلك منظمة التجارة العالمية؛ حيث تتيح تفسيرات قوانينها الاعتداء على الخصوصيات الثقافية بدعوى تسهيل انسياب حركة التجارة العالمية.
3. الخطر الأخلاقي:
– وذلك بما يبث عبر شبكات التلفزة والإنترنت من أفلام جنسية ومواد إعلامية تروج الفاحشة والرذيلة. وقد بلغ هذا النوع من المواد والأفلام من الكثرة لدرجة أن ألمانيا التي يسمح قانونها بعرض العملية الجنسية على المسرح مباشرة أمام المشاهدين قامت بإغلاق 200 موقع إباحي عام 1996م . وبلغت تلك البرامج رواجاً كبيراً لدرجة أن استفتاءً في بريطانيا أظهر أن نسبة 1 : 3 من طلاب المدارس الثانوية يشاهدون أفلاماً إباحية.
– هناك نصف مليون موقع على الإنترنت تتعامل مع الصور المخلة بالآداب، وتشرح طرق استعمال المخدرات ، ووسائل استخدام العنف ( 1997م ).
– استخدام جسد المرأة أداة نفعية مادية؛ وذلك بتضخيم الجانب الشهواني ؛ حيث تعتبر المرأة سلعة يمكن تسويقها من خلال العروض التلفزيونية والإعلانات.
وكذلك تعتبر المرأة آلة لتسويق السلع الاستهلاكية لمستحضرات التجميل والأزياء، ويظهر ذلك من خلال عروض الأزياء، ومسابقات ملكات الجمال، وقد توسعت مسابقات ملكات الجمال لتشمل ملكات جمال الإنترنت.
4. الخطر الاجتماعي:
ويتمثل ذلك بمحاولات الدول الغربية تحت مظلة الأمم المتحدة أن تفرض أنموذجها الاجتماعي، وأن تفرض على العالم قيم المجتمع الغربي المختلة في مجال الأسرة والمرأة من خلال المؤتمرات الدولية في المجالات الاجتماعية المختلفة، ومن خلال المؤتمرات الإقليمية ولجان المتابعة لتوصيات هذه المؤتمرات المتعددة والمنتشرة، والتي تدعو إلى اعتماد النموذج الغربي في الحياة الاجتماعية والسكان ، كما أن توصيات هذه المؤتمرات قد تصل إلى ما يشبه القرارات الملزمة.
ومن أبرز توصيات هذه المؤتمرات:
– الحرية الجنسية وإباحة العلاقات الجنسية خارج إطار الأسرة، وتقليل قيمة الزواج.
– تكريس المفهوم الغربي للأسرة، وهو أنها تتكون من شخصين فأكثر ولوكانا من نوع واحد.
– إباحة الشذوذ الجنسي بكل أنواعه، ومن المعلوم أنه مُقَرٌّ في بعض القوانين الغربية.
– فرض مفهوم المساواة الشكلي بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات والحياة العامة.
ومن مظاهر الاستجابة لهذه العولمة الاجتماعية في العالم العربي نلاحظ:
– تزايد النشاط النسوي الوافد بما يحمله من فكر تغريبي، ومثاله: الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية في المغرب ( 2000م ).
– الاتجاه لإعادة النظر في قوانين الأسرة في العالم الإسلامي، كما حصل في مصر أخيراً.
– تزايد التمويل الأجنبي المشبوه لمنظمات وهيئات نسوية أو معنية بشؤون الأسرة والمرأة.
– طرح مناقشات وبرامج حول المرأة في المجتمعات المحافظة، كما حصل في بعض دول الخليج أخيراً.
5. خطر الفوضى العالمية وعدم السيطرة:
تتيح التقنية وسائل جديدة للمجرمين واللصوص وتجار المخدرات؛ حيث إن توحد السوق وضخامة ما يضخ فيه من مال يغطي عمليات السرقة وغسيل الأموال، فتكثر عصابات المافيا وأساليب الاحتيال، وقد تغري بدخول أجهزة استخبارات لبعض الدول وسط معمعة الفوضى لتحقيق أغراض مالية أو سياسية. ومن مظاهر ذلك:
– مواقع على الإنترنت فيها إرشادات للإرهابيين؛ حتى وصل الأمر إلى أن يناقش هذا الموضوع في الكونجرس الأمريكي تحت عنوان : « الإنترنت وعلاقته بالإرهاب » .
– عشرات الألوف من المواقع على الإنترنت تشرح طرق استعمال المخدرات ووسائل استخدام العنف.
– سرقة البرامج؛ حيث قدرت قيمة البرامج المسروقة في عام 1993م ببليوني دولار.
– سرقة أرقام بطاقات الائتمان؛ حيث قامت عصابة واحدة بسرقة 000 . 140 بطاقة عام 1994م ، وتم نشرها على لوائح .
– إفساد البرامج داخل أنظمة الكمبيوتر. وبحكم ترابط شبكات الكمبيوتر والمعلومات يعظم الإفساد. وكمثال قريب لذلك فيروس «الحب». وما زالت محاولات نشر الفيروسيات عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني مستمرة .
هذه جوانب من المخاطر، وهناك جوانب أخرى لم نتطرق إليها لوضوحها للمراقب والمتابع، ومنها خطر العولمة الاقتصادية ذلك الغول الخطير الذي يهدد دول الجنوب عامة ، ويمكن أن يحولها إلى شبه ملكية خاصة للشركات الغرببة العملاقة المتعددة الجنسيات.
كيف نستثمر آليات العولمة ؟
كما أن للعولمة أخطارها الضخمة فإن هناك كثيراً من المكاسب والفرص التي هي جزء من الحركة الفاعلة والإيقاع السريع لمعطيات العصر. فالموقف العقلاني الرشيد ليس فقط المقاومة، وإنما نضيف إلى ذلك ما ينبغي أن يكون عليه موقفنا من استثمار الفرص السانحة باستخدام آليات العولمة بما يخدم المسلمين ويحافظ على هويتهم ويبرز موقفهم ويحمي كيانهم . ومن أمثلة هذا الاستثمار:
1. الاستثمار في مجال الإعلام والاتصالات:
– إن سهولة الاتصالات ونقل المعلومات ستُحدِث نقلة نوعية في أساليب الإدارة والعمل، فيستطيع الأفراد العمل من منازلهم في بعض الوظائف. وقد بدأت عدد من الشركات الأمريكية والأوروبية بتخصيص أوقات معينة لكي ينجز الموظفون أعمالهم الموكلة بهم من منازلهم دون الحاجة للحضور، وأغلب الذين يعملون بهذا الأسلوب من النساء. فهذا الأسلوب سيتيح الفرصة أمام الأسر المحافظة والمجتمعات المحافظة لإنجاز أعمال كثيرة عن طريق الإنترنت دون الحاجة لخروج المرأة من منزلها وترك بيتها وأطفالها، وخاصة إذا علمنا أن نسبة استخدام النساء للإنترنت في مجتمع محافظ كالسعودية نسبة عالية بحسب إحصائية أخيرة.
– تحرير وسائل الإعلام وتطورها وسهولة امتلاكها وإنشاء القرى الإلكترونية الحرة سيتيح مجالاً لأي فرد أو مجموعة أو منظمة تريد أن تقيم محطات فضائية أو وسائل إعلام أخرى لنشر الإسلام والدعوة إلى الله، ونشر العلم، والدفاع عن المسلمين، والرد على الشبهات بحرية دون وصاية أو رقابة رسمية أو الخضوع لأنظمة مقيدة، ومن أمثلة ذلك الجهود الحثيثة في أكثر من جهة لإنشاء قنوات فضائية إسلامية مستقلة داخل القرى الإعلامية الحرة المقامة في بعض الدول.
– التغطيه الإعلامية الواسعة للأحداث من خلال الفضائيات أتاحت تغطية واسعة لقضايا المسلمين، وقلل من فرصة الإعلام الغربي أن يعتم إعلامياً على قضايا المسلمين أو يعرضها من وجهة نظره المنحازة في أغلب الأحيان، وكمثال على ذلك التغطية الواسعة لما يجري في فلسطين المحتلة بحيث وضع العالم في صورة ما يحدث لحظة لحظة، وكشف ممارسات الصهاينة هناك، ولا شك أن الإعلام له تاثير مباشر على صنع الرأي العام الذي يؤثر على الأنظمة السياسية في سبيل تعديل مواقفها، ومما هو جدير بالذكر أن صورة مقتل (محمد الدرة) التي أثرت بشكل ملحوظ على الرأي العام العالمي كانت لقطة لمصور وكالة الصحافة الفرنسية، وهذا أمر أغضب اليهود، وأغضبهم أكثر أن تكون من مصور وكالة غربية.
2. الاستثمار في المجال الاقتصادي:
مع التسليم بخطورة العولمة الاقتصادية على اقتصاديات الدول الضعيفة ، وخطورة فتح الأسواق وتحرير التجارة في هذه الدول والذي سيكون لصالح الشركات الكبرى الغربية إلا أن كثيراً من هذه الدول إذا أحسنت استخدام إمكاناتها وما تتميز فيه من موارد على غيرها من الدول الغربية، ورشدت سياساتها الاقتصادية، وحاربت الفساد المالي والإداري المستشري، فإنه يمكنها أن توظف جانباً من هذه العولمة الاقتصادية لصالحها فمثلاً:
– الانضمام لمنظمة التجارة العالمية يمنع أوروبا من وضع رسم 12% على المستوردات البتروكيمائية من بعض الدول الإسلامية البترولية؛ فمثلاً الإنتاج السعودي من البتروكيمائيات يزيد على 5% من الإنتاج العالمي ؛ فكم ستكون الفائدة إذا أزيلت الحواجز الجمركية أمام هذه السلعة المتوفرة لدى الدول المنتجة للنفط ومعظمها دول إسلامية؟
– يتيح انضمام الدول المنتجة للنفط إلى المنظمة الفرصة للضغط بمعاملته باعتباره سلعة صناعية من سلع المنظمة، فتزول الضرائب المفروضة عليه في الدول المستوردة. ففي تقرير لمنظمة الأوبك مؤخراً أظهر أن أكثر من 70% من سعر النفط المصدر إلى دول الاتحاد الأوروبي يذهب إلى الخزائن الحكومية بينما يحصل منتجو النفط على أقل من 30% . كما أوضحت تقارير أخرى أن عائدات أربع دول أوروبية من ضرائب النفط في عام 1998م يفوق عائدات كل دول أوبك من تصدير النفط في ذلك العام. فإذا علمنا أن معظم الدول المنتجة هي دول إسلامية، ومنها السعودية التي يعادل إنتاجها 13% من الإنتاج العالمي يتبين مدى الفائدة المرجوة .
– كذلك فالانضمام إلى المنظمة سيدفع إلى إزالة معوقات كثيرة تقف في وجه التنمية، وإلى تحديث الأنظمة وإلى وجود الشفافية لتصحيح مسارات التنمية، وإلى تحديث الإجراءات القضائية، وتخليص الأنظمة الحمائية التي لا تتمشى مع روح النظام الاقتصادي الإسلامي وتضعف هياكل الإنتاج .
– انفتاح السوق مع ما يجلبه من سلبيات إلا أنه سيدفع إلى التنافس الذي سيحكم طبيعة السوق الحر المفتوح، وهذا سيدفع إلى تخصيص مؤسسات عامة كثيرة؛ وخاصة قطاع الخدمات الذي يعاني من سوء في الإدارة وضعف في الإنتاجية في معظم دول العالم الثالث، لتكون أقدر على المنافسة وأوضح للمحاسبة، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الخدمات وتحسين مستوى المعيشة والرفاهية، وسيخلق بيئة عمل حيوية وفعالية أكثر للمجتمع.
– انفتاح السوق وإزالة العوائق النظامية سيتيح طرح البدائل الإسلامية في الخدمات، كالبنوك الإسلامية التي قيد انتشارها في عدد من البلدان مع نجاح التجربة، بحيث ستجد فرصتها في سوق الخدمات الحر، كذلك بدائل التأمين التعاوني الشرعي في مواجهة التأمين التجاري بصورته الرأسمالية.
– تتيح التقنية الحديثة للاستثمار ( التجارة الإلكترونية ) لمشاركة عدد من مستثمري دول العالم الثالث عبر القنوات المفتوحة، خاصة إذا استحدثت قنوات آمنة للاستثمار من الناحية الشرعية في أسواق البورصات العالمية، مثل محاولة عدد من المتخصصين في الاقتصاد الإسلامي إيجاد مؤشر إسلامي على «مؤشر داوجونز» باسم ‘ Islamic Index Dowjones.
3. الاستثمار وفي مجال الإنترنت:
– الإنترنت ثمرة من ثمار التقنية كسرت احتكار الغرب للمعلومات، وأتاحت فرصة الوصول إلى المعلومات في المجالات المختلفة بنفس السرعة المتاحة للغربيين سواء كانت معلومات علمية أو إخبارية. وإذا كانت مقولة أن العصر هو عصر المعلومات، وأن هيمنة الغرب هي بالمعلومات وذلك باستخدامه الفاعل لها؛ فإن هذه الفرصة أصبحت متاحة لغيرهم، فإذا أحسنا استخدام المعلومة، وعرفنا طرق الوصول إليها فسنستطيع أن نقلل الهوة بيننا وبين الغربيين في مجالات عدة.
– كذلك فالإنترنت منبر حر دون رقيب، وميدان فسيح دون قيود لكل من يحسن استثماره واستغلاله، ويستطيع أي مفكر مسلم أو داعية مسلم أن يطرح ما يريد من خلال صفحات لا حصر لها ، ويمكن نشر الإسلام والعلم الشرعي وإتاحته لكل من يطلبه دون عناء. ويمكن أن تصدر صحف ومجلات دورية دون قيد أو شرط. وكمثال على ذلك موقع القوقاز الذي يغطي أخبار المجاهدين الشيشان على شبكة الإنترنت؛ فلقد استطاع أن يحطم حاجز التعتيم الإعلامي عليهم، وأن يضع العالم في صورة ما يحدث هناك بشكل شبه يومي، وشكَّل مصدراً مهماً لأخبار المجاهدين الشيشان لوكالات الأنباء العالمية .
– كذلك نستطيع استخدام هذه الشبكة في مجال الاحتساب العام من خلال توسيع مجاله وتطوير مفهومه ليتلاءم مع الآليات المتطورة. وبذلك نستطيع رفع فعالية المصلحين والمحتسبين على المنكرات العامة الدولية منها والإقليمية .
ومن أمثلة هذه المحاولات: إصدار وثيقة تستنكر أفعال الصهاينة بالفلسطينيين في بداية الانتفاضة الثانية والتي وقعها مئات العلماء والدعاة والمفكرين والمثقفين في أنحاء العالم عن طريق الإنترنت. كذلك ما تجريه بعض القنوات الفضائية من التصويت على قضية من القضايا وموقف من المواقف الهامة تجاه مستقبل الأمة ومصيرها ، وما تطرحه بعض المواقع على هذه الشبكة من حشد التواقيع ضد قضية ظلم تجاه المسلمين وإرسالها إلى الظالمين. وكذلك ما تقوم به المنظمات الإسلامية في أمريكا والمدافعة عن حقوق المسلمين مثل منظمة «كير» CAIR في واشنطن واستخدامها الفعال للإنترنت في الاحتساب على منتهكي حقوق الإسلام والمسلمين . ومن أبرز الأمثلة في هذا الجانب كيفية توظيف معارضي العولمة أثناء قمة سياتل عام 1999م أدوات العولمة لمواجهتها، حيث نظم المعارضون جهودهم ونسقوها عبر شبكة الإنترنت مما أربك المؤتمر وساعد على هزيمته.
– استثمار تقنيات نقل المحاضرات، مثل تقنية غرف PALTALK في نظام هذه الشبكة، حيث تستطيع أن تلقي دروساً وتقدم محاضرات وتجري حوارات وتدفع بردود على الهواء مباشرة بشكل مرئي ومسموع، ويُستمع إليك من كل أنحاء العالم. وإذا علمت أن المشتركين في هذا النظام بلغ حتى الآن خمسة ملايين مشترك ويزيدون باطراد؛ فلك أن تتصور مقدار المصالح التي يمكن أن تتحقق في باب الدعوة ونشر العلم وإزالة الشبهات وترسيخ المنهج. وقد استخدم هذا النظام في نقل بعض دروس الحلقات العلمية الصيفية بالرياض فكان المستمعون لها من كل أنحاء العالم يتابعون دروسها في الوقت نفسه الذي يستمع لها المشاركون في المسجد نفسه، ويطرح البعيدون أسئلتهم كما يطرحها القريبون.
4. الاستثمارفي المجال الثقافي والفكري والاجتماعي:
– نستطيع أن نوظف المشاركة في هذا النوع من المؤتمرات واللجان في طرح الرؤى الإسلامية في المجالات الفكرية والثقافية الاجتماعية ، ونبين مخاطر قيادة الغرب للعالم في هذه المجالات، ببيان الآثار في الواقع وأن ذلك ثمرة لحَيْدة البشرية عن مصدر الهدى والرشاد وهو الوحي . كما أن منتديات حوار الحضارات ستكون ميداناً فسيحاً للغزو الفكري المضاد، وسنجد أننا استطعنا القيام بواجب الدعوة إلى الله والشهادة على الناس من خلال هذه المنتديات والفعاليات. وسنجد أننا نملك ما لا يملكه الآخر، وأنه أتيحت الفرصة لنا لإبراز جوانب القوة التي نملكها أمام قوة الغرب المادية والتقنية. ولعله أن يهتدي من أراد الهدى من خلال الدعوة إلى المنهج الحق وبيان محاسنه ومقارنته بفساد مناهج الآخرين في هذه المجالات .
والملاحظ أنه رغم تأثيرات الإعلام الغربي والأمريكي بالذات في نشر نمط الثقافة والحياة الأمريكية في العالم عبر الفضائيات والأفلام والمجلات والإنترنت فإن الدعوات الدينية والأخلاقية المضادة ما تزال تكسب أنصاراً جدداً في غير مكان من العالم وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وهذا يجعلنا نتفق مع تأكيد صاحب كتاب: «توالد العولمة: التحولات والممانعة » بتلازم التحولات العولمية مع ازدياد تحولات الممانعة والمقاومة لها، وأن المنظومات الدينية تعتبر من أكبر المنتفعين من العولمة لا سيما من جهة استثمار وسائل الاتصال الحديثة وتوظيفها لنشر رسالتها الدينية.
– كذلك يستطيع العرب المسلمون أن يحدثوا عولمة للغة العربية خاصة في أوساط المسلمين، وذلك بما يضخونه من مواد علمية وفكرية وشرعية وقرآنية مكتوبة أو مسموعة بحيث يعتاد المسلمون من غير العرب قراءة هذه المواد وسماعها مما ينعش حيوية اللغة العربية؛ خاصة إذا استحضرنا العلاقة الوثيقة بين اللغة العربية والدين الإسلامي . ومن جهة أخرى يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقليل شأن اللهجات المحلية والقطرية لصالح الفصحى.
وخلاصة القول:
هناك فرص أخرى كثيرة يمكن للمتأمل أن يجدها فيما تتيحه المعطيات الجديدة المشكِّلة لبيئة العولمة، ولكن لا نعقلها وندرك كيفية استثمارها إلا بفهم عميق وإدراك ذكي لقوانين هذا العالم وطبيعة هذه العولمة ، ومعرفة جوانب القوة وجوانب الضعف في مراكز القوى، وكيف ينشأ القرار العالمي ، واستيعاب استخدام التقنية وتعميمها بحيث لا تبقى في محيط النخبة فقط.
الموقف:
إذا استثنينا اتجاه فريق يرى المقاومة بالانعزال عن هذا العالم لضعف تأثيره وقلة مؤيديه وعدم قدرته على الصمود الطويل ؛ فهناك اتجاهان بارزان يحددان مواقف النخب الفكرية من تيار العولمة:
الأول: اتجاه الذوبان، وهو الذي ينطلق من أن العولمة محتوى وآليات هي خيار وحيد وحتمي لهذا العالم ولا بد من الذوبان فيها والانصهار الحتمي معها؛ ويمثله طائفة من المفكرين العلمانيين .
الثاني: اتجاه نقدي عقلاني رشيد يحاول تفهم قوانين العولمة دون التسليم بحتمية القيم التي تجلبها، ويعرف كيفية مواجهة تحدي المحافظة على الهوية الإسلامية والثوابت العقدية والثقافية مع معايشة العصر بفكر متفتح ورأي مستنير وسلوك رشيد. وهذا الموقف الصحيح يقوم على مقاومتها موضوعًا ومحتوى ، واستثماره وسائل وآليات. ولذا نحتاج إلى ما يلي:
أ- تعميق الوعي العقدي والديني والخلقي؛ ذلك أن العولمة تحمل روحًا علمانية مادية ، وتؤسس حياة استهلاكية دنيوية تختزل الإنسان في بعده المادي والاستهلاكي ، وتهون من شأن القيم والمعايير الأخلاقية والثوابت الدينية. والتركيز على التربية الدينية والأخلاقية للحماية من تيار الشهوات الجارف الذي تغذيه وتدفع به فكرة العولمة من جهة الآليات والمحتوى.
ب- إنعاش قيم التفوق الثقافي والفكري والأدبيات الحضارية المكافئة والملائمة لقيم العولمة الثقافية والحضارية، مثل الشورى والعدل وحقوق الإنسان بأصولها الشرعية بدلاً عمَّا يقابلها من القيم الغربية بأصولها العلمانية.
ج- المحافظة على الخصوصية الثقافية مع الانفتاح الفكري الذي يجعلنا نستوعب ما عند الآخرين من علوم وفهوم ومنجزات حضارية ، ونمتنع عن التأثر السلبي لهذا الانفتاح.
د- قيام حركة تأصيلية نشطة لبعض قضايا المنهج، وتحرير بعض المواقف العلمية، والتفريق بين قضايا الاجتهاد وقضايا الافتراق، ومواجهة النوازل المستجدة التي تفرضها طبيعة العصر، والردود العلمية على الشبهات التي تنشرها بعض وسائل الإعلام .
هـ – الحذر من ظهور تيارات عقلانية ومدارس منحرفة متأثرة بالاكتساح الحضاري تفسر الإسلام وأحكامه وقيمه تفسيرًا يتلاءم ويتوافق مع قيم وفلسفة الحضارة الغربية، ويستجيب للروح المنهزمة التي يعيشها كثير من المسلمين.
و- الانفتاح والحوار الفكري والحضاري ؛ بحيث تمتد أيدي الحوار، والصراع الحضاري حيث تشرئب أعناق الهيمنة الحضارية.
ز- الاستعلاء بالإيمان، والثقة بأن المستقبل لهذا الدين ولهذه الأمة، وتحرير العقل من ثقافة الغرب والولع به، واعتبار ذلك من الثوابت الدينية التي لا بد من الإيمان بها، وأنها من مقتضيات الدين الصحيح، وهي من لب الرسالات وكلام المرسلين ، وقد توصل لهذه الحقيقة من أراد أن يحرر شعبه من هذه التبعية عندما قال (مانديلا): "حرروا عقولكم من ثقافة الرجل الأبيض تحرروا أرضكم من هيمنته" .
ح- استخدام وسائل التقنية وآليات العولمة بكفاءة من أجل عولمة مضادة ، وذلك في معركة المشروع الغربي (التغريبي) بكل مفرداته وبين المشروع الإسلامي الشامل بكل مفرداته، وذلك من خلال عولمة الرؤى والمواقف الإسلامية، وتجاوز الروح والنظرة الإقليمية الضيقة في النظر إلى مستقبل الإسلام في أتون الصراع العالمي.
مصطلح العولمة من أكثر المصطلحات المعاصرة انتشارا وغموضا في الوقت نفسه . ولذلك يتساءل كثير من الناس عن معنى هذا المصطلح، هل هو جعل الأنظمة السياسية الموجودة في العالم على نمط سياسي واحد؟ أم فتح الأسواق وإلغاء القيود والحواجز الاقتصادية بين الدول ؟ أم تصدير ثقافة معينة ينبغي لها أن تسيطر وتفوق غيرها من الثقافات ؟ أم أن العولمة هي كل ما تقدم ، بل وربما أكثر ؟
ثم يأتي السؤال الأهم وهو : ما حكم العولمة في الإسلام ؟ وما موقف المسلمين منها ؟
للإجابة عن هذه الأسئلة ، عُقدت كثير من المؤتمرات والندوات والمحاضرات، بغية تجلية هذا الأمر وبيان الموقف منه . إلا أن ما قدم فيها ـ وبخاصة العولمة الاقتصادية ـ كان يعاني أمرين : إما طرح الموضوع والتعمق فيه من الناحية الاقتصادية دون بيان الحكم الشرعي، أو طرح إسلامي عام لا يضع النقاط على الحروف ؛ فلا يبين الحكم الشرعي بعد دراسة الظاهرة دراسة وافية ، ولا يطرح حلولا تفصيلية وسياسات شرعية يمكن تطبيقها في الواقع. فمعظم الكتابات الإسلامية التي صدرت اتسمت بالعمومية وعدم التعمق ، حيث اشتملت على أحكام متعجلة وتوصيات أقرب إلى التمنيات منها إلى الحلول والسياسات ، باستثناء بعض الرسائل العلمية القليلة جدا التي تناولت أجزاء يسيرة من هذا الموضوع الضخم . ولا شك أن تشعب الموضوع وتعقيده قد حال دون الوصول إلى المقصود .
وإسهاما مني في تجلية هذا الأمر ، فقد بحثت هذا الموضوع ، من ناحية معنى العولمة بعامة والعولمة الاقتصادية بخاصة ، وأهدافها ، وأدواتها ، وأسباب بروزها ، وآثارها الاقتصادية في الدول الإسلامية ، ومنظماتها التي تخطط لها وتطبقها على شكل سياسات في الدول النامية وهي : البنك الدولي للتعمير والتنمية ، وصندوق النقد الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية . وقد بينت حكم تلك السياسات في الشريعة الإسلامية وطرحت سياسات شرعية يمكن أن يستغنى بها عن سياسات تلك المنظمات في حالة معارضتها للشريعة الإسلامية ، أما سياساتها الموافقة للشريعة فيمكن الأخذ بها إذا اقتضى الأمر.
والعولمة "Globalization" لفظة إنجليزية حديثة المنشأ ، لا يجدي البحث عنها في المعاجم العربية . بل لا بد من الرجوع إلى المعاجم والقواميس الأجنبية لمعرفة المقصود بها . وبالرجوع إلى بعض تلك المعاجم وجدت أن أصل اللفظة هو " Globe " ويعني : كرة، أو الكرة الأرضية ، أو كرة يعلوها صليب ترمز إلى سلطة الملك وعدالته. والصفة منها " Global " وتعني : كروي ، أو عالمي ، أو شامل. أما الاسم وهو " Globalization " فيعني ما يلي:
"worldwide in scope or application To make global ;esb.to make "
أي أن العولمة هي إكساب الشيء طابع العالمية ، وبخاصة جعل نطاق الشيء أو تطبيقه عالميا. ويلاحظ على صيغة " zation ـ " في لفظة "Globalization" أنها تفيد وجود فاعل يفعل ، فليس الأمر عفويا.
وقد ترجمت اللفظة الإنجليزية "Globalization " إلى ثلاثة ألفاظ عربية هي: " العولمة " و"الكوكبة "و" الكونية ". وقد انتشرت اللفظة الأولى على لسان كثير من الكتاب والمفكرين، وإن كان بعضهم يعترف بأن لفظة " الكوكبة " أدق من لفظة " العولمة " ؛ لأن لفظة العولمة اشتقاق من "عالم " الذي يقابل " World " وليس من " الكوكب " الذي يقابل "Globe" .
وقد اختلفت التعريفات الاصطلاحية للعولمة ، باختلاف توجهات وأفكار من يعرَّفونها ، قبولا أو رفضا . فبينما يعرفها الغربيون بتعريفات تبدو محايدة وبراقة ، يعرفها بقية المفكرين في الدول النامية وبخاصة المسلمين منهم، بتعريفات تصورها على أنها خطر داهم يجب التنبه له ومواجهته . كما أن تعريفاتهم للعولمة قد اختلفت أيضا من شخص لآخر، بسبب تعقيدها وتشعبها وتعدد جوانبها، بل رأى بعضهم ، عدم جدوى البحث عن تعريف جامع مانع ، واكتفى بتحديد المعنى ومعرفة أبعاده ومضامينه.
فمن الفريق الأول ـ وهو المؤيد للعولمة ـ عرفها صندوق النقد الدولي بأنها " تزايد الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين بلدان العالم ، بوسائل منها: زيادة حجم وتنوع معاملات السلع والخدمات عبر الحدود والمتدفقات الرأسمالية الدولية ، وكذلك من خلال سرعة ومدى انتشار التكنولوجيا ".
ويؤخذ على هذا التعريف ، أنه يحصر العولمة في المجال الاقتصادي ويهمل المجالين : السياسي ، والثقافي . كما أنه يصور العولمة وكأنها ظاهرة تلقائية تحدث عفويا بين الدول ، وليس خلفها جهات توجهها وتسيرها . وكما أن هذا هو المعنى المعلن للعولمة ، أما المعنى الخفي فشيء غير ذلك .
ومن الفريق الآخر ـ وهو المعارض للعولمة ـ عرفها الأطرش بأنها " اندماج أسواق العالم في حقول التجارة، والاستثمارات المباشرة ، وانتقال الأموال ، والقوى العاملة، والثقافات ، والتقانة ، ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق، وتاليا خضوع العالم لقوى السوق العالمية ، مما يؤدي إلى اختراق الحدود القومية، وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة، وأن العنصر الأساسي في هذه الظاهرة، هي الشركات الرأسمالية الضخمة متخطية القوميات ".
وعرفها الدكتور الزنيدي بأنها : " ذلك التوجه وتلك الدعوة التي تسعى إلى صياغة حياة البشر في مختلف الأمم ، وفق القيم والمسالك والأنماط الغربية ـ وبالدرجة الأولى الأمريكية ـ وتحطيم خصوصيات الأمم المختلفة ، إما بالترغيب أو بالترهيب ". ثم ذكر أن هذا التعريف تلتقي فيه عامة التعريفات وإن اختلفت صياغاتها، وأن هذه الفكرة ليست جديدة، فإشاعة قيم الغرب ، تدرجت من التغريب، إلى الحداثة ، ثم إلى العولمة، فليس في الأمر شيء جديد .
والراجح في معنى العولمة في نظري هو ما ذكره المعارضون . وهو المعنى الخفي للعولمة . وملخص هذا المعنى أن العولمة هي نشر القيم الغربية الرأسمالية في العالم، وجعل العالم كله يسير وفقا للنموذج الغربي الرأسمالي في مجالات السياسة ، والاقتصاد، والثقافة .
أنواع العولمة والفرق بينها وبين العالمية :
ربما كان من أسباب اختلاف تعريفات العولمة وصعوبتها ، تعدد أنواع العولمة نفسها . فمن الطبيعي أن تختلف تعريفات العولمة باختلاف أبعادها وتجلياتها ومؤشراتها على أرض الواقع، ويمكن حصر العناصر الأساسية لظاهرة العولمة الراهنة في مستويات ثلاثة متداخلة ومترابطة هي: الاقتصاد ، والسياسة، والثقافة . فالعولمة إذن ، تنقسم إلى أقسام متعددة أهمها ما يلي :
1ـ العولمة السياسية وتعني نشر القيم الغربية في مجال السياسة بالدعوة إلى الأخذ بالديمقراطية الغربية بوصفها نظاما للحكم ، مع ما يتطلبه ذلك من تعددية سياسية ، وأحزاب ، وحرية في التعبير ، ومجالس تشريعية ، ودساتير ، ورأي عام ، وغير ذلك . وهذا النوع وإن كان قد تغلغل في مجتمعاتنا منذ الاستعمار العسكري الغربي في القرنين الماضيين، إلا أنه تزايد وانتشر بعد إطلاق مصطلح العولمة انتشارا ملحوظا .
2ـ العولمة الفكرية والثقافية والاجتماعية وتعني نشر الفكر الغربي في النظر إلى الكون والحياة والإنسان ، بوسائل منها : الأدب الغربي الذي أخذ يتسلل إلى مجتمعاتنا باسم الحداثة ، وشبكة المعلومات الدولية والفضائيات التي أصبح انتشارها في العالم ممكنا ، بعد أن غزا الغرب الفضاء وثبت فيه عددا كبيرا من الأقمار الصناعية .
3ـ العولمة الاقتصادية وتعني نشر القيم الغربية في مجال الاقتصاد مثل: الحرية الاقتصادية ، وفتح الأسواق ، وترك الأسعار للعرض والطلب ، وعدم تدخل الحكومات في النشاط الاقتصادي ، وربط اقتصاد الدول النامية بالاقتصاد العالمي ، بحيث يصبح العالم مقسما إلى قسمين لا ثالث لهما ؛ قسم ينتج ويطور ويبدع ويصدر وهو الدول الغربية ، وقسم يستهلك ويستورد فقط وهو الدول النامية ومنها الدول الإسلامية. وهذا هو مغزى الاستعمار قديما وحديثا ، أعني امتصاص خيرات الشعوب الضعيفة وجعلها دائما تابعة للدول الصناعية الغربية .
وقد لا أجافي الحقيقة إذا قلت إن الاقتصاد هو المحرك أو السبب الرئيس لكثير من الأحداث العالمية ، لأننا نعيش في عالم يقدس المال ويسعى إلى الحصول عليه بطرق شتى وفقا لمبدأ الإيطالي ميكيافيلي : " الغاية تبرر الوسيلة " . ومع التسليم بخطر النوعين السابقين من العولمة : السياسية والثقافية ، فإن العولمة الاقتصادية هي أشد هذه الأنواع خطرا وهي المحرك الحقيقي للعالم الغربي.
أما العالمية " Globalism" فقد عرفتها الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي بأنها " مذهب يدعو إلى البحث عن الحقيقة الواحدة التي تكمن وراء المظاهر المتعددة في الخلافات المذهبية المتباينة " . ويزعم أصحاب هذه الدعوة أن ذلك هو السبيل إلى جمع الناس على مذهب واحد، تزول معه خلافاتهم الدينية والعنصرية ، لإحلال السلام في العالم محل الخلاف.
وبناء عليه ، يتبين أن العالمية تمثل مجالا واسعا من مجالات العولمة وهو المجال الثقافي وأن العلاقة بينهما علاقة جزء بكل .
ويرى الشيخ بكر أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية أن العالمية مذهب باطل ينسف دين الإسلام ، بجمعه بين الحق والباطل ، أي بين الإسلام والأديان كافة ، وحقيقته هجمة شرسة على الإسلام . وأنه لا ينبغي أن نقول "عالمية الإسلام " فنخضع الإسلام لهذا المذهب الفكري، ولنقل :" الإسلام والعالمية " لنظهر فضل الإسلام ، ونحط إلى القاع ما دونه من مذاهب ونِحَل محاها الإسلام.
إلا أن معظم الباحثين المسلمين ومنهم الأستاذ ماجد الزميع يرون عدم المانع من استعمال عبارة " عالمية الإسلام " ؛ لأن الشريعة الإسلامية عالمية في أصلها وتفاصيلها، وهي نقطة الفرق الجوهرية بين الإسلام والديانات السماوية السابقة. فجملة "عالمية الإسلام " يمكن أن تجمع ثلاثة عناصر هي أن الإسلام رسالة موجهة إلى الخلق جميعهم ، وهم مطالبون باعتناقه جميعا. وأنه يشتمل على أصول الديانات السابقة جميعها ، فهو اللبنة الأخيرة في صرحها الشامخ . وأن مبادئ الإسلام صالحة للتطبيق في كل مكان وزمان . ثم إن الفروق بين العولمة والعالمية بمعناها الجائز كثيرة منها ما يلي:
1ـ أن العولمة مسح للثقافات الأخر وإحلال الاختراق الثقافي محل الصراع الأيديولوجي . أما العالمية فهي تفتح على العالم وعلى الثقافات الأخر ، واحتفاظ بالخلاف الأيديولوجي .
2ـ أن العولمة إرادة للهيمنة ، فهي قمع وإقصاء للخصوصية واحتواء للعالم . أما العالمية فهي طموح إلى الارتفاع بالخصوصية إلى مستوى عالمي ، وانفتاح على ما هو عالمي وكوني .
3ـ أن طلب العالمية في المجال الثقافي ـ كما في غيره من المجالات ـ طموح مشروع ، ورغبة في الأخذ والعطاء ، وفي التعارف والحوار والتلاقح . أما العولمة فهي إرادة لاختراق الآخرين ، وسلبهم خصوصيتهم.
4ـ أن عالمية الإسلام لا إكراه فيها ، ومشروعية الجهاد إنما هي لإزالة العوائق التي تحول بين الناس وبين سماع الحق . أما العولمة فهي أن يجبر القوي الضعيف ، ويرغمه على ما لا يريد .
والذي أراه أن عبارة "عالمية الإسلام " إن كان يقصد بها صهر الإسلام في الأديان الأخر ، وإزالة الفروق بينه وبينها ، والتخلي عن أحكامه ، فإن تلك العبارة لا تجوز، وإن كان يقصد بها الانفتاح على العالم ، ومحاورته ومجادلته بالتي هي أحسن ، ودعوته إلى هذا الدين، ومبادلة المصالح الدنيوية معه ، فلا أرى بأسا من إطلاقها على الإسلام .
بالتوفيق ………
ما قصرن خواتي..
بارك الله فيهن..
ويعلهن ذخر للمعهد..
بالتوفيق..