بسم الله الرحمن الرحيم ،الحمد الله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
ففي هذا التقرير سوف أتحدث بعون الله ومدده عن الشاعر بدر شاكر السباب ، اخترت هذه الشخصية لأني سوف أدرسها في المنهج .
" وأسأل الله العظيم أن أوفق في كتابة هذا التقرير والله ولي التوفيق "
أولاً: مولد بدر شاكر السياب:
( ولدت كريمة سنة 1926 ابنها البكر. طار الوالد بالمولود فرحاً ، وسجل تاريخ ميلاده حتى يظل في ذاكرته، لكن التاريخ ضاع ، وظل بدر لا يعرف تاريخ ميلاده الدقي.
وعاش الطفل مع أطفال القرية ، يلعب في ظل النخيل ، ويغوص في المياه ، ويراقب البواخر العابرة ، كما كان في الاماسي يستمع إلى حكايات جده وجدتـــه . ولكن الطفل الذي كان في السادسة ماتت أمه . لقد توفيت كريمة بعد ولادتها الرابعة، إذ أنجبت طفلة ، ما فتئت أن ماتت أيضاً ، في العام عينه 1932.وكان الطفل شديد التعلق بأمه، فلما خطفها الموت ، أثر ذلك فيه تأثيراً كبيراً . وحين كان يسأل عنها كانوا يقولون له . " ستعود بعد غد " .
وراح الطفل الذي فقد الحضن الدافىء يبحث عنه . ولم يكن عسيراً عليه أن يجده في شخص جدته لأبيه أمينة
كانت جيكور آنذاك ما زالت بلا مدرسة . واختار الأب لابنه أن يذهب إلى المدرسة الحكومية في قرية باب سليمان المجاورة لجيكور . وكان الطفل يذهب كل يوم ماشياً إلى المدرسة
ولما كانت الدراسة في المدرسة لا تتجاوز الأربع سنوات ، اضطر الطفل أن ينتقل إلى مدرسة المحمودية في " أبي الخصيب" حيث قضى سنتين أخريين .
وعرف بدر في أبي الخصيب الشناشيل وهي شرفة خشبية مزركشة، ذات نوافذ زجاجية ملونة، لأن مدرسته كانت بيتاً من بيوت محمود باشا العبد الواحد ، أحد أفراد عائلة ثرية من الملاكين الكبار ، تبرع بها لتكون مدرسة . وكان المدير يجلس في الغرفة المجاورة للشناشيل ، مما جعل شاعرنا يستعذب دعوته إلى غرفة المدير . وحول المدرسة كانت تقوم بيوت آل عبد الواحد ) .
ثانياً :صباه و نشأته وشبابه:
( أنهى بدر دراسته الابتدائية في صيف 1938، فما كان من جده إلا أن أرسله إلى البصرة لمواصلة تعليمه الثانوي. وسكن في البصرة مع جدته لأمه.
ومع أنه كان يدرس في البصرة ، فقد كان قلبه في جيكور دائماً، فهناك ملاعب طفولته، وهناك وفيقة إحدى بنات عمومته. وكان بدر حين يعود إلى جيكور يساعد جده في رعاية قطيع صغير من الخراف .
ولقد كان حبه وفيقة من الحوادث التي أثرت فيه تأثيراً عميقاً ، ذلك أنها تزوجت ، وظلت تمثل الحلم الممتنع بالنسبة له وقد عكس ذلك في شعره فيما بعد .
كما أنه كان يعود مابين الفينة والأخرى إلى ذكريات الريف والرعي، وإلى حبه للراعية "هويل" كما سماها ، اسمها الحقيقي هالة .
كان الصبي مبرزاً في اللغة العربية والأدب العربي. ولكنه حين خير سنة 1941 اختار الفرع العلمي. لماذا؟؟ ليس هنالك تفسير لهذه الظاهرة ، ولكن يبدو أنه قدر بأنه سيختار فرعاً علمياً في الجامعة . ولكن اختياره الفرع العلمي لم يخفف من حدة اتجاهه نحو الأدب . وفي هذه السنة بذات بدأ بدر يكتب الشعر بانتظام. وإذا كانت قصائده ، قبل هذه السنة قد ضاعت أو مزقت ، فإن عدداً من القصائد التي كتبها في هذا العام مازالت موجودة ، نشرناها في البواكير ، وأول هذه القصائد قصيدته " على الشاطىء" .
وكان في المدرسة حلقة أدبية من زملاء بدر، وأبرزهم محمد علي إسماعيل وخالد الشواف ومحي الدين إسماعيل، وكان بعضهم يكتب الشعر وبعضهم الآخر يكتب القصة أو النقد ، وكانت لهم نشاطات أدبية أبرزها الحفلات الأدبية التي يقيمونها بين الفينة والأخرى . وقد ظلت مناقشاته مع هؤلاء ومراسلاته معهم من مصادر نمو شاعر يته، وخاصة زميله خالد الشواف الذي رحل إلى بغداد ، بسبب انتقال والده ، قبل أن يكمل السنة الثانوية الأخيرة.)
( كان الشاب القروي ، عندما تخرج سنة 1942 لا يعرف سوى البصرة . والبصرة ليست إلا قرية كبيرة. أما بغداد فتلك عالم آخر . أنه لا يعرفها وهو لا شك يطمح التعرف عليها. ولكن كيف. لقد حلم مرة أنه رأى دجلة في المنام. وهو يكتب رسالة إلى صديقه خالد الشواف 26/3/42 يتساءل فيها عما كان دجلة كما رآه في المنام. وحين كتب إليه صديقه خالد يطلب منه أن
يأتي إلى بغداد أجابه بدر بأن " الصبايا العذارى الريفيات يتشبثن ببقائه" 26/3/42. ولم يكن هذا هو السبب الحقيقي، إذ أن الصبايا الريفيات كن أكثر بعداً عنه من بغداد. إلا أن أراد أن يتعلل بالوهم، وأن يستر عجزه عن الذهاب بخدعة طفولية .
ولقد كان السفر إلى بغداد تجربة جديدة وغنية ذلك أن بغداد غير جيكور والبصرة. وفي بغداد كانت تصطرع تيارات أدبية واتجاهات سياسية من خلال مخاض المدينة، المثقلة بالأغلال ، المتطلعة إلى الحرية . ولم يكن بدر يعرف من بغداد إلا اسمها. ولكن صديقه خالد كان بانتظاره عند مجيئه ، وكان عليه أن يعرفه بالمدينة الكبيرة ، المرغوبة والمرهوبة .
وأقبل الشاب القروي ، المعروق الجسم، المحروق الجسم على حياته الجديدة ، إقبال الغريب. لقد وجد نفسه يضيع في المدينة، وإن كان الحنين إلى الريف يغمر قلبه .
كان قد أصبح طالباً في دار المعلمين في بغداد، مع بداية السنة الدراسية في خريف سنة 1943. وقد اختار دار المعلمين لأن الدراسة فيها كانت مجانية، ولم يكن باستطاعة عائلته أن تتكفل بدراسته في مكان آخر. واختار بدر دار المعلمين فرع اللغة العربية ، مع أنه اختار الفرع العملي في الثانوي. وتوزعت حياة الشاب الغريب في بغداد مشاغل جديدة واهتمامات جديدة طارئة، وجد نفسه مشدوداً إلى بعضها، ووجد نفسه غارقاً في بعضها الآخر. وأهم هذه المشاغل والاهتمــــــــــامات :
أ . الحياة الأدبية الحافلة: كانت بغداد المولعة بالأدب منذ كانت، تعيش مرحلة جديدة. وكان المجتمع يمور بالنشاطات الأدبية . وكان هنالك النوادي والمقاهي والصحف . ووجد بدر نفسه عضواً في جماعة أدبية، يشارك في الاحتفالات التي يقيمها،
ويساهم في نشاطاتها. وخارج هذه الحلقة كان يتردد بدر بصحبة خالد الشواف إلى جمعية الشباب المسلمين، كما كان يتردد على مقر جريدة الاتحاد ومقهى الزهاوي.
ولقد تعرف بدر في مقهى الزهاوي على ناجي العبيدي، صاحب جريدة الاتحاد، فأعجب الأستاذ العبيدي ببدر ، وكان أول من نشر شيئاً من شعره .
وعرفت بغداد شاعراً جديدً . كان بدر يقتحم قلوب الأدباء والمتأدبين بشعره الوجداني وإلقائه المؤثر. ولم يلبث أن انتزع إعجابهم وأصبح يحتل مكانة مرموقة بينهم.
ب. الحياة السياسية الصاخبة : عندما جاء بدر بغداد كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها. وكان العراق، مثل كل البلاد العربية، يعيش انعكاسات الصراعات العالمية: الصراع بين النازية والديمقراطية الغريبة، النزاع الاشتراكية والرأسمالية. وكان يعيش ذلك كله من خلال توق الجماهير إلى التحرر ونقمتها على السيطرة الاستعمارية. ولم يكن العراق بعيد عهد بغزو القوات البريطانية التي احتلت العراق سنة 1941.
وجاء بدر إلى بغداد شاباً وطنياً. لم يكن منتمياً إلى حزب، ولا كان منحازاً إلى فلسفة. وظل بدر كذلك مدة من الزمن يرجح أنها امتدت إلى سنة 1945. ويصف الأستاذ محمود العبطة بدراً في سنته الدراسية " 44-45" بما يلي : " كان هادئاً وديعاً ولم يرتفع صوته في هذه الأيام عندما كنا نتراشق ونتلاسن وننقسم إلى معسكرين: منا من يؤيد الحلفاء ومعسكر الديمقراطية ، ومنا من يمجد النازية وهتلر . وإذا ما احتدم النزاع – وكثيراً ما يحتدم – يستأذن في الذهاب إلى القسم الداخلي من الدار تاركاً النزاع وأهله )
( وصل بدر إلى البصرة ، ولكنه لم يبحث عن عمل طويلاً هذه المرة. لقد دعاه المدير العام للموانىء العراقية اللواء الركن مزهر الشاوي للعمل في مصلحة الموانىء . ولم يتردد بدر، ذلك أنه بحاجة إلى العمل ، واللواء مزهر رجل محب للآداب ينظم الشعر مع المعجبين بشعر بدر.
أصبح بدر بعد أسبوعين موظفاً في مصلحة المواني براتب مثل راتبه السابق، البالغ حوالي خمسين ديناراً. ولكن قرار تعيينه صدر وهو في السجن ، ذلك أنه اتهم بأنه شارك في مظاهر قامت في بغداد . والحقيقة أن بدراً لم يكن في بغداد. ولما استطاع إثبات ذلك أفرج عنه بعد أن قضى حوالي أسبوعين مسجوناً " 4/2/61 حتى 20/ 2/ 61 " .
وكان أول تعيينه في مديرية الشؤون الثقافية، ثم نقل إلى مديرية النقليات بأرصفة الميناء، وأعيد ثانية إلى الشؤون الثقافية، ليكون مسؤولاً عن شؤون البعثات الطلابية التي ترسلها المديرية. كما عين عضواً في أسرة تحرير مجلة الموانىء التي تصدرها المديرية، وكانت عضويته في أسرة التحرير تضيف إلى دخله خمسة دنانير .
كانت صحة بدر في هذه الأثناء تتدهور. بات الألم في أسفل ظهره محسوساً ، وتثاقلت حركة رجليه. وولدت له طفلة في السابع من تموز سنة 1961، سماها آلاء ، وشاء سوء الطلع أن تقرر الحكومة العراقية في هذا الوقت استرداد المكافأة المتقاعدية التي تسلمها سنة 1959، فأوقعه ذلك في ضائقة مالية . ولقد كانت ولادة بنته ومرضه سببين كافيين لزيادة المصروفات، فكيف إذا استقطع ثلث الراتب؟
وقد اضطرته ضائقة المادية إلى التعاون مع مؤسسة فرانكلين لإنجاز الترجمات.
لقد بدأ الموت الخاص الفردي يكون شاغله الوحيد. وكانت صحته تزداد تدهوراً ، ذلك أن نصفه الأسفل بدأ يستسلم للشلل ، وأخذت قواه الجنسية تضعف، وسيطرته على البول والغائط تتناقص.
ومات بدر في 24/12/1964. وكان ديوانه، شناشيل ابنة الشلبي قد صدر ، ولكنه لم يصله قبل الوفاة . وكان قد صدر له قبل ذلك : المعبد الغريق 1962، ومنزل الأقنان سنة 1963. )
الحمد لله الذي بفضله تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد معلم البشرية وخاتم النبيين والمرسلين وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
فلقد تحدثت في هذا التقرير البسيط عن الشاعر بدر شاكر السياب وقد استفدت من هذا التقرير أي تعرفت على الشاعر بدر شاكر السياب أكثر فأكثر ..
"وأتمنى أن يحوز هذا التريرعلى إعجاب معلمتي الفاضلة والله ولي التوفي
مصدر :
قوقل
معهد الامارات التعليمي www.uae.ii5ii.com
منقول
مدونة أحباب الإمارات
في ميزان حسناتك ^^