السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
مفهوم التربية الوطنية
تنوعت محاولات تحديد مفهوم التربية الوطنية، لتشعب مجالات واتساع مضمونها، ومن هذه المحاولات ما يربط بين التربية الوطنية والعلوم السياسية، ومنها ما يربطها بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية، كما أن منها ما يركز بصفة خاصة على محددات العلاقة بين المواطن وبيئته سواء كانت محددات نظامية (قانونية) أو اجتماعية.
وبصرف النظر عن المحاولات المتنوعة لتحديد المفهوم، فالتربية الوطنية إطار مهم للتربية الرسمية في أي مجتمع من المجتمعات، ويركز هذا الإطار على إحداث الشعور العام بعضوية الفرد في الجماعة وانتمائه إليها، ودوره الفاعل تأثيراً وتأثراً بها، مما يؤكد لدى المواطن أهمية العمل الإيجابي المستنير من أجل الجماعة وذلك، فالتربية الوطنية إطار تربوي يهتم بمساعدة النشء على اكتساب المفاهيم والمهارات والاتجاهات الضرورية للحياة الفاعلة في المجتمع الإسلامي، بحيث ينمو الشعور لدى الفرد بحب هذا المجتمع والانتماء له والولاء للواء التوحيد.
والتربية الوطنية ضرورة حتمية، فرضتها التحديات والظروف التي واجهتها المملكة العربية السعودية خلال العقود القليلة الماضية، مما جعل القائمين على السياسة التعليمية في المملكة يفسحون لها مكاناً بين المجالات أو الميادين الرئيسية للتربية النظامية.
وترتبط التربية الوطنية بأهمية المملكة من حيث الموقع الجغرافي والدور الديني والسياسي، حيث تحتوي المملكة علي أقدس بقاع الأرض، والتي تهفو إليها قلوب المسلمين من كافة أنحاء العلم.
لذلك، فقد أصبح من الأهمية بمكان اهتمام التعليم العام في المملكة العربية السعودية بتنمية الاتجاهات الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية في نفوس الناشئة والشباب توكيداً لشخصيتهم العربية والإسلامية واعتزازاً بوطنهم العربي السعودي .
دواعي تدريس التربية الوطنية
هناك ثلاثة أسباب بالغة الأهمية توجب تدريس التربية الوطنية في مراحل التعليم العام بالمملكة العربية السعودية، ومن هذه الأسباب ما يرجع إلى اعتبارات وطنية محلية، ومنها ما يرجع إلى اعتبارات اجتماعية واقتصادية، كما أن منها ما يرجع إلى اعتبارات دولية، وفيما يلي نتناول كل واحد من هذه الاعتبارات الثلاثة بشيْ من الإيجاز : –
الاعتبارات الوطنية:
تضم المملكة العربية السعودية أقدس بقاع الأرض قاطبة عند مسلمي العالم البالغ عددهم أكثر من ألف مليون نسمة، مما يجعلها تحتل أهمية خاصة في قلوبهم، كما يجعلها مسئولة كذلك عن رعاية هذه الأماكن المقدسة وحمايتها.
ونظراً لأن المملكة مستهدفة من أعداء الإسلام الذين يسعون إلى تمزيق وحدة الأمة، والعبث بأمنها، وطمس معالم شخصيتها المتميزة والحيلولة دون تقدمها، ومناصرتها لقضايا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لذلك فقد صار حتماً على مدارس المملكة قاطبة أن تنمي في نفوس الناشئة والشباب الاتجاهات الوطنية، ومعاني المروءة والفداء ليزدادوا ثقة بشخصيتهم العربية الإسلامية واعتزازاً بوطنهم وغيرة علية واستعداداً لذود عن حماه .
الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية:
إن ما شهدته المملكة العربية السعودية من نمو اقتصادي، وازدهار في شتى المجالات على نحو يعد استثناءً حتى بالنسبة لأكثر معايير التقدم طموحاً، وما نشأ عن ذلك كله من تغيير ببعد المدى في أنماط حياة الناس وعلاقاتهم وأحوالهم، قد أوجد وضعاً اجتماعياً جديداً يؤثر بإلحاح على مخططي النظام التربوي، ويدفعهم إلى ضرورة العمل على تبصير أبناء اليوم ورجال الغد وعدة المستقبل بطبيعة مجتمعهم المعاصر ثقافياً، واقتصادياً، وسكانيا، وسياسياً، ليكونوا أكثر إدراكاً لمقوماته، وأكثر وعياً بتنظيماته ومشكلاته، واتجاهات نموه وتطوره، وأعمق فهماً لحقوقهم وواجباتهم تجاه وطنهم.
الاعتبارات الدولية:
وتتجلى هذه الضرورة إذا ما نظر إلى التربية الوطنية بوصفها أكثر المداخل الاجتماعية تأثيراً في تنشئة الطلاب على مبادئ المواطنة الصالحة، التي لا تعنى بتنمية العاطفة الوطنية والحس الاجتماعي في نفوسهم فحسب، بل وفي إكسابهم أيضاً الاتجاهات الإيجابية التي تكفل تنمية التفاهم والتعاون بين بلدان العالم، سيما أننا نعيش في زمن يتميز بالتغير السريع بفعل التقدم التقني المذهل حيث تقلصت المسافات بين أقطار الأرض كثيراً، أو تلاشت في بعض الأحوال؛ وحيث ازداد حجم التجارة في العصر الراهن بين دول العالم، وازداد اعتماد الدول بعضها على بعضها الأخر، على نحو لم يكن ليخطر ببال أحد من قبل، مع التأكيد هنا على أن علاقات المملكة مع معظم دول العلم في شتى نواحي الحياة تنمو بصورة مطردة لما فيه الخير للجميع .
اللجنة العليا للتربية الوطنية
وقد اهتمت وزارة المعارف في المملكة العربية السعودية بالتربية الوطنية لتكون معبرة عما تضمنته سياسة التعليم في المملكة، فشكلت لجنة خاصة تحت مسمى:
اللجنة العليا للتربية الوطنية، وعقدت هذه اللجنة عدة اجتماعات وورش عمل لتحديد الأهداف العامة والتفصيلية للتربية الوطنية في المملكة العربية السعودية.
وفي إطار طموحات وزارة المعارف لوضع التربية الوطنية موضع التنفيذ الفعلي، فسوف يزود الميدان التربوي بالكتب الدراسية اللازمة وأدلة المعلم في أقرب وقت ممكن إن شاء الله تعالى.
وأخيراً، فإن على كل معلم أن يعرف أن التربية الوطنية جزء مكمل لسياسة التعليم، وهدف من أهدافه العريضة، وإذا كان لها منهجها ومعلموها فإن أي معلم أياً كان تخصصه له دور في التربية الوطنية للنشء فإذا ما وعى المعلمون أهداف التربية الوطنية جيداً، فإنه بإمكانهم العمل على تحقيق تلك الأهداف من خلال دروس المواد الدراسية التي يقومون بتدريسها، سواء كانت تلك المادة القرآن الكريم، أو اللغة العربية، أو العلوم، أو الرياضيات، أو غيرها من المواد .
مفهوم الوطنية والمواطنة
يحسن قبل الحديث عن مفهوم التربية الوطنية الحديث عن مفهومين أساسيين يرتبطان
ببعضهما ليشكلا القاعدة التي يبنى عليها مفهوم التربية الوطنية، وهما مفهوما
"الوطنية" و "المواطنة".
فقد عرف السويدي (2001) المواطنة بأنها "صفة الفرد الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم
بالواجبات التي يفرضها عليه انتماؤه إلى مجتمعٍ معين في مكان محدد، وأهمها واجب
الخدمة العسكرية وواجب المشاركة المالية في موازنة الدولة، وهي شعور الفرد بحبه
لمجتمعة ووطنه، واعتزازه بالانتماء إليه، واستعداده للتضحية من أجله، وإقباله
طواعية على المشاركة في أنشطة وإجراءات وأعمال تستهدف المصلحة العامة" . كما عرفها
بدوي (1987) بأنها "صفة المواطن التي تحدد حقوقه وواجباته، وتتميز المواطنة بنوعٍ
من الولاء للبلاد ووحدتها في أوقات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين الآخرين في
تحقيق الأهداف القومية" (ص 60). أما مكدونالد MacDonald (2003) فيعرف المواطنة
citizenship بأنها مجموعة من الممارسات الحية المتحركة dynamic التي تشمل الممارسات
السياسية والمدنية والقانونية والثقافية والتربوية، والتي تكونت عبر الوقت نتيجة
للحركات الاجتماعية والسياسية والقوي الفكرية.
وفي حين يركز النجدي (2001) في تعريفه لمفهوم المواطنة على المعارف والمهارات
اللازمة للمواطن والمسؤوليات اللازمة للدولة، فيعرف المواطنة بأنها "صفة الفرد الذي
يعرف حقوقه ومسؤولياته تجاه المجتمع الذي يعيش فيه، وأن يشارك بفعالية في اتخاذ
القرارات وحل المشكلات التي تواجه المجتمع، والتعاون والعمل الجماعي مع الآخرين مع
نبذ العنف والتطرف في التعبير عن الرأي، وأن يكون قادرا على جمع المعلومات المرتبطة
بشؤون المجتمع واستخدامها, ولديه القدرة على التفكير الناقد، وأن تكفل الدولة تحقيق
العدالة والمساواة بين جميع الإفراد دون تفرقةٍ بينهم بسبب اللون والجنس أو
العقيدة." (ص10)؛ في حين يركز النجدي على ما سبق، فإن محمود (1997) يبرز الجانبين
العاطفي والعملي في تعريفه للمواطنة، فيذكر أن المواطنة هي "حب الفرد لوطنه،
وانتمائه له، والتزامه بمبادئه وقيمه وقوانينه، والتفاني في خدمته، والشعور
بمشكلاته، والإسهام الإيجابي مع غيره في حلها، أما الدولة فيجب أن تتيح للفرد
ممارسة حقوقه وحرياته، وإبداء رأيه بأسلوب يحترم فيه آراء الآخرين ومقترحاتهم،
بعيدا عن التعصب والعصبية" (ص 20).
وقد أشار السويدي (2001) إلى أن المواطنة لا تأخذ صورةً واحدة لدى كل المواطنين،
فليس بالضرورة أن توجد تلك المشاعر والأحاسيس الوطنية لدى كل فرد في المجتمع، أو أن
تكون بدرجةٍ واحدة، بل قد تزيد تلك المشاعر أو تنقص أو تغيب بالكلية وفقاً للعديد
من العوامل والظروف المتعلقة بالمواطن أو الوطن. وبناءً على ذلك، فقد فرق السويدي
بين أربع صور أو أشكال للمواطنة هي:
1. المواطنة المطلقة: وفيها يجمع المواطن بين دوره الإيجابي والسلبي تجاه
المجتمع وفق الظروف التي يعيش فيها ووفق دوره فيه.
2. المواطنة الإيجابية: وهي التي يشعر فيها الفرد بقوة انتمائه الوطني وواجبه
المتمثل في القيام بدور إيجابي لمواجهه السلبيات.
3. المواطنة السلبية: وهي شعور الفرد بانتمائه للوطن، ولكن يتوقف عند حدود
النقد السلبي ولا يقدم على أي عمل إيجابي لإعلاء شان وطنه.
4. المواطنة الزائفة: وفيها يظهر الفرد حاملا لشعارات جوفاء بينما واقعه
الحقيقي ينم عن عدم إحساس واعتزاز بالوطن.
من جهة أخرى، نقل البهواشي (2000) توضيحاً لمدى التداخل بين المواطنة وبعض المفاهيم
الأخرى مثل: الهوية (Identity) والقومية ((Nationalism والأمة (Nation). فالهوية
هي حب الوطن، والقومية هي حب الأمة، والأمة هي جماعة من البشر يشغلون حدوداً
جغرافية معينة ويرتبطون مع بعضهم البعض بروابط وقيم ومفاهيم مشتركة وفق إطار سياسي
معين هو الدولة التي تتحمل مسئولية صيانة هذه القيم والمفاهيم المشتركة. ولذا،
فالهوية هي ارتباط الفرد بقطعة من الأرض تعرف باسم الوطن، والقومية هي ارتباط الفرد
بجماعة من البشر تعرف باسم الأمة، وحب الوطن يتضمن حب المواطنين الذين ينتمون إلى
ذلك الوطن، كما أن حب الأمة يقتضي حب الأرض التي تعيش عليها تلك الأمة.
مما سبق، يتضح أن هناك تداخلاً كبيراً بين مفهومي الوطنية والمواطنة في ذهن
كثير من الباحثين، بل إن المفهومين يستخدمان كثيراً بشكل ترادفي للدلالة على معنى
واحد. والباحثان في هذه الدراسة يميلان إلى التفريق بين مفهومي "الوطنية" و
"المواطنة". فالوطنية تشير إلى شعور الفرد بحبة لمجتمعه ووطنه، واعتزازه بالانتماء
إليه، واستعداده للتضحية من أجله، وإقباله طواعية على المشاركة في أنشطة وإجراءات
وأعمال تستهدف المصلحة العامة. بمعنى أن الوطنية شعور قلبي ووجداني يُترجم في
المحبة والولاء والميل والاتجاه الإيجابي والدافعية الذاتية للعمل الخلاق. أما
مفهوم "المواطنة" فيشير إلى الجانب السلوكي الظاهر المتمثل في الممارسات الحية التي
تعكس حقوق الفرد وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه، والتزامه بمبادئ المجتمع وقيمه
وقوانينه، والمشاركة الفعالة في الأنشطة والأعمال التي تستهدف رقي الوطن والمحافظة
على مكتسباته.
ثانياً: مفهوم التربية الوطنية:
لتوضيح مفهوم "التربية الوطنية" أهمية قصوى لما يترتب على إدراك معنى هذا المصطلح
التربوي من قرارات تربوية تتعلق بتحديد أهداف تدريسها في التعليم العام ومحتوى
تدريسها، وكيفية تدريسها وتقويمها. وقد تنوعت تعاريف التربية الوطنية تبعاً لتنوع
الخلفيات الفلسفية والتاريخية والاجتماعية والثقافية لكل أمة. وفيما يلي عرض موجز
لأهم تلك التعريفات العربية والأجنبية التي وقف عليها الباحثان في محاولة منهما
للوقوف على محددات تدريس التربية الوطنية في التعليم العام.
تعرّف الموسوعة العالمية للتربية التربية المدنية أو التربية للمواطنة بأنها ذلك
الجزء من المنهج الذي يجعل الفرد يتفاعل مع أعضاء مجتمعه على المستويين المحلي
والوطني. ومن أهدافها الظاهرة الولاء للأمة والتعرف على تأريخ ونظام المؤسسات
السياسية، ووجود الاتجاه الإيجابي نحو السلطات السياسية والانصياع للأنظمة والأعراف
الاجتماعية، والإيمان بقيم المجتمع الأساسية. وتشير الموسوعة إلى أن التربية
للمواطنة قد تشمل إعطاء معلومات عن موضوعات عن دول أخرى، لمساعدة الطلاب على اكتساب
المواطنة على المستوى العالمي. (The International Encyclopedia of Education,
1985, Vol. 2. p. 725)
من جهة أخرى، يرى مخفار (1417هـ، ورد في دراسة المعيقل، 2024) أن التربية الوطنية
هي "ذلك الجانب من التربية الذي يشعر الفرد بموجبه صفة المواطنة ويحققها فيه، وهي
أيضاً تعني تزويد الطالب بالمعلومات التي تشمل القيم والمبادئ والاتجاهات الحسنة
وتربيته إنسانيا ليصبح مواطناً صالحاً يتحلى في سلوكه وتصرفاته بالأخلاق الطيبة،
ويملك من المعرفة القدر الذي يمكنه من تحمل مسؤولية خدمة دينه ووطنه ومجتمعه" (ص ص
58 _ 59). أما اللقاني والجمل (1999) فيعرفان التربية من أجل المواطنة، بأنها
"عملية غرس مجموعة من القيم والمبادئ والمثل لدى التلاميذ لتساعدهم على أن يكونوا
صالحين قادرين على المشاركة الفعالة والنشطة في كافة قضايا الوطن ومشكلاته" (ص
75-76). أما اليس (Ellis، 1981م) فيشير إلى أن التربية الوطنية هي إعداد التلاميذ
لدورهم في المجتمع كمسؤولين وصانعي قرار ومواطنين يرعون مصالح الوطن.
وقد خلص المعيقل ( 2024 ) إلى أن التربية الوطنية هي جزءٌ من التربية العامة، وأنه
لا يمكن الفصل بينهما بشكلٍ كبير، فبينما تركز التربية والتعليم عامةً على إكساب
التلميذ (المواطن) صفات وسلوكيات ومهارات يتم تحديدها عن طريق المسؤولين والمختصين
في مجال التربية والتعليم باعتبارها تعكس البعد الثقافي والاجتماعي للأمة وللمجتمع،
فإن التربية الوطنية هي جرعةٌ مكثفة أو تأهيلٌ أكثر تحديداً وتركيزا على الصفات
والسلوكيات والمهارات التي تمكنه من القيام بأدواره ومسؤولياته ذات الأبعاد الأكثر
عمومية، أي تلك الأدوار والمسؤوليات التي يتحملها بجانب غيره من المواطنين في
المجتمع.
ويعرّف كتاب "المواطنة: بناء عالم خير" Citizenship: Building a world of good (ص
1) التربية للمواطنة بأنها "مساعدة الأطفال على تطوير كل طاقاتهم الكامنة بوصفهم
مواطنين، مما يعني أن يكونوا منتجين ومسؤولين ومهتمين بما حولهم وأعضاء مشاركين في
المجتمع. وبناء على هذا التعريف، يرى الكتاب أن المواطنة تشمل: النجاح في المدرسة،
اتخاذ قرارات مسؤولة، الاهتمام بالآخرين، المشاركة في بناء المجتمع، بناء مهارات
شخصية مثل حل المشكلات، قبول رؤى متعددة، وضع وتحقيق الأهداف، بناء مجموعة من القيم
الأساسية. أما الكتاب المقرر"تطبيقات المواطنة" Citizen in Action الذي هو مدار
البحث في هذه الدراسة فيعرف التربية للمواطنة بأنها تربية الفرد ليعمل ويتصرف بوصفه
مواطنا، ويشمل ذلك بناء القيم والمهارات اللازمة ( ص 6).
مما سبق، يتضح أن التربية الوطنية (أو المدنية) هي ذلك الجزء من المناهج
المدرسية الذي يسعى إلى غرس القيم والمبادئ والاتجاهات الحسنة في نفوس الطلاب
والطالبات، وتوجيههم إلى السلوكيات الاجتماعية والثقافية المحلية والعالمية الحسنة،
وتزويدهم بالمهارات الحياتية اللازمة، ليصبحوا مواطنين صالحين يحبون وطنهم ويعتزون
بالانتماء إليه، ويتحلون في سلوكهم وتصرفاتهم بالأخلاق الطيبة، ويشاركون بفعالية في
القضايا الوطنية التي تعود عليهم وعلى وطنهم بالخير والنماء.
ويمكن ملاحظة أن هذا التعريف يشمل مفهومي الوطنية والمواطنة، ويركز على
فكرة التكامل بينهما، كما يركز على تفاعل الفرد مع أعضاء مجتمعة على المستويين
المحلي والوطني دون إغفال الإشارة إلى مساعدة الطلاب على اكتساب المواطنة على
المستوى العالمي.
ثالثاً: أهداف التربية الوطنية:
يجمع التربويون على أن الهدف العام للتربية الوطنية يتمثل في إعداد المواطن الصالح
أو الإنسان الصالح الذي يعرف حقوقه ويؤدي واجباته تجاه مجتمعه. وقد تعرض كثير من
التربويين إلى ذكر أهداف تفصيلية للتربية الوطنية وذلك من منطلقات متعددة تأخذ في
عين الاعتبار خصوصية كل مجتمع من حيث العقيدة التي يؤمن بها والفلسفة التي ينطلق
منها، والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها. وحسب الموسوعة
العالمية للتربية (1985) فإن الأهداف العامة للتربية للمواطنة تتشابه إلى حد كبير
في كثير من الدول، حيث تتفق على قائمة من القيم، ففي أمريكا مثلا هناك قيم فردية
مثل العدالة والمساواة والسلطة والمشاركة والمسؤولية الشخصية تجاه الصالح العام،
وقيم جماعية مثل الحرية والتعددية والخصوصية وحقوق الإنسان. وتوجد قائمة مشابهة في
بريطانيا تتمثل في الحرية والتسامح والعدل واحترام الحق واحترام العقل. أما في
ألمانيا فتوجد قيم مماثلة مثل حفظ حقوق الإنسان وإيجاد ظروف اجتماعية تمكن الفرد من
النمو بشكل حر وإيجاد مؤسسات اجتماعية.
وقد لخص سعادة (1990) أهداف التربية الوطنية في الآتي:
1. تزويد التلاميذ بفهم إيجابي وواقعي للنظام السياسي الذي يعيشون فيه.
2. تعليم التلاميذ القيم، وضرورة مشاركتهم في القرارات السياسية التي
تؤثر في مجرى حياتهم في البيئة المحلية.
3. فهم التلاميذ لحقوق الأفراد و واجباتهم.
4. فهم التلاميذ للنظام التشريعي للقطر الذي يعيشون فيه، واحترام
وتقدير القوانين التشريعية.
5. التعرف على القضايا العامة الراهنة التي يعاني منها المجتمع الذي
يعيش فيه التلاميذ.
6. فهم التعاون الدولي بين المجتمعات المختلفة والنشاطات السياسية
الدولية.
7. فهم وسائل اشتراك التلاميذ في النشاطات الوطنية والقومية على
المستوى المحلي والإقليمي العربي.
8. فهم الحاجة الماسة للخدمات الحكومية والاجتماعية والعمل على تلك
الخدمات واستخدامها والمساهمة فيها.
كما ذكر التل (1987) أن التربية الوطنية ترمي إلى تحقيق الأهداف التعليمية الآتية:
1. الانتماء والاعتزاز والولاء للأمة العربية والإسلامية وعقيدتها وفكرها
ومثلها وقيمها حيث إن هذا الانتماء والاعتزاز والولاء هو محور وجود هذه الأمة.
2. الالتزام بمبادئ الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
3. التحرر من التعصب والتمييز بجميع أشكاله الطائفية والمذهبية والعرقية
والإقليمية.
4. اكتساب الثقافة السياسية التي تمكن المواطن من أن يلعب دوره السياسي
بوعي وخلق وكفاية ومسؤولية.
5. الإيمان بالأخوة الإنسانية القائمة على الحق والعدل والمساواة.
6. الإيمان بالمنهج العلمي كوسيلة لمعالجة قضايا الإنسان والمجتمع
السياسية على المستوى الوطني والقومي والعالمي.
7. الإيمان بالمساواة بين جميع شعوب الأرض وأممها مهما كان لونها أو
عقيدتها أو درجة تقدمها أو تخلفها.
أما رضوان ومبارك (1987) فيشيران إلى أهداف أكثر شمولية تتمثل في الآتي:
1. فهم النظام الحكومي والقواعد التي يقوم عليها كمشاركة الشعب، ووظيفة
السلطة ومصدرها، ومبدأ الفصل بين السلطات.
2. فهم النظام، ووظيفته، وعلاقته بالمواطنين، ودوره في تنظيم حياتهم، وكيفية
التعامل معه كنظام القضاء ونظام الشرطة … الخ.
3. فهم أسس السياسة الجارية كالانفتاح والحياد الإيجابي ودوائر
العلاقات الخارجية وحدود هذه السياسة.
4. فهم الطبقات الاجتماعية، وكيفية تكوينها، وعلاقتها، وحفظ
التوازن بينها، ووسائل تحقيق مرونتها.
5. معرفة وسائل التعاون بين الأمم والدول والمنظمات.
6. معرفة حقوق المواطن، وواجباته، وفهم فكرة تلازم الحقوق والواجبات، وأنه لا
حق بلا واجب، ووجوب تقديم الواجب قبل الحصول على الحق.
7. تنمية الاتجاهات الاجتماعية الصالحة كالتعاون والتكامل.
8. معرفة نظم الضرائب، ونظام التقاضي، ونظام المرور وغير ذلك.
9. تنمية الاتجاه الصالح نحو الديموقراطية، وتكوين المهارات اللازمة لها،
والوقوف على مفاهيمها الصحيحة، وتكوين المفاهيم الصحيحة للأشياء كالملكية والحرية.
10. تكوين عادات احترام الملك، والصالح العام، وتقديمه على الصالح
الخاص.
11. معرفة وسائل الأعلام والدعاية، وخطرها، وكشف زيفها وانحرافها والقوى
التي وراءها.
من جهته أوضح أبو سرحان (1421، ص 30) أن التربية الوطنية إذا ما درّست بطريقة جيدة
فإنها يمكن أن تهيئ التلاميذ إلى:
1_ الفهم الإيجابي الواقعي للنظام الاجتماعي، والمشاركة الفعالة في الحياة
الاجتماعية، من أجل خير الجماعة، التي هم أفراد منها.
2_ التوجيه منذ البداية إلى المواطنة الصالحة في مجتمعهم، إلى جانب أنهم أفراد في
أسرهم، وتلاميذ في مدارسهم.
3_ تعلم القيم، وضرورة مشاركتهم في القرارات السياسية، التي تؤثر في حياتهم وبيئتهم
المحلية.
4_ تنمية روح التعاون بين التلاميذ أنفسهم، وبينهم وبين أفراد مجتمعهم، وغيرهم من
المجتمعات الإنسانية، لا سيّما في مجال الخدمات الحكومية والاجتماعية التطوعية.
5_ تنمية الشعور بتحمل المسؤولية للمشاركة في الأنشطة الوطنية والعالمية، على أساس
إدراك حقوق الأفراد وواجباتهم.
6_ القدرة على إصدار الأحكام في القضايا الراهنة، والمشكلات الاجتماعية وطرق
معالجتها وحسن التصرف في مواجهتها.
7_ فهم روح العلم واتساع المعرفة، وتكوين خلاصة مفيدة، من التجارب المحلية والقومية
والإنسانية، في ميدان الحضارة، مما يعود بالنفع على التلاميذ أنفسهم وعلى مجتمعهم.
ومما سبق، يتضح أن هناك تفاوتاً بين بعض التربويين في تقدير أهداف التربية
الوطنية، وربما اختلافاً في ترتيب أولويات التربية الوطنية وذلك من منطلق نظرة كل
باحث إلى مفهوم التربية الوطنية وإلى تقديره للدور الذي تؤديه التوجهات الدينية
والسياسية والقومية لكل مجتمع في تشكل أهداف التربية الوطنية. لكن هذا لا يمنع من
الوصول إلى نتيجة مفادها أن جميع الأهداف التي سبق ذكرها مهمة وتصب في خدمة الهدف
العام الذي يعد الهدف الأساسي للتربية الوطنية ألا وهو إعداد المواطن الصالح.
عرف التعليم في المملكة العربية السعودية مادة التربية الوطنية منذ أواخر النصف
الأول من القرن الرابع عشر الهجري، وذلك تحت مسمى (الأخلاق والتربية الوطنية) التي
درست في الصفين الثالث والرابع بالمدارس الابتدائية عام 1348هـ، وكانت المرحلة
الابتدائية في تلك الفترة أربع سنوات مسبوقةً بالمرحلة التحضيرية لمدة ثلاث سنوات.
وأوضح السلوم (1406) أن اسم المنهج قد تغير ليصبح (المعلومات المدنية) في عام
1349هـ. وفي عام 1355هـ، صدرت خطة دراسية جديدة بمناهج جديدة للمدارس الابتدائية
لم تظهر فيها مادة التربية الوطنية. ويفسر السلوم غياب المادة من الخطة الدراسية
آنذاك بسبب أن موضوعاتها كانت موجودة في المواد الأخرى، وظهرت المادة مرةً أخرى في
خريطة المناهج في السعودية اعتبارا من العام الدراسي 1405/1406هـ وذلك في نظام
التعليم الثانوي المطور الذي تم إلغاؤه كاملاً بعد ذلك.
وفي العام الدراسي 1417/1418هـ عادت مادة التربية الوطنية للمناهج التعليمية في
المملكة مرة ثالثة حيث قُررت على جميع المراحل التعليمية من الصف الرابع الابتدائي
حتى الثالث الثانوي بواقع حصة واحدة أسبوعيا. ويشير الحقيل (1417) إلى أنه بعد
تعميم تدريس المادة في عام 1417/1418هـ، عملت اللجان المختصة على أن تكون المادة
مستقلة وليست بديلة عن المواد، وأن يسند تدريسها إلى المعلمين السعوديين من ذوي
الخبرة. وقامت وزارة المعارف آنذاك بتزويد إدارات التعليم بتصورٍ شامل تضمن خطة
تدريس المادة بعنوان "خطة لتدريس مادة التربية الوطنية بمراحل التعليم العام في
المملكة العربية السعودية". واشتملت الخطة على أسباب ومبررات تدريس المادة،
وأهدافها، ومناهجها في المراحل التعليمية الثلاث، وأساليب تدريسها. وفي العام
الدراسي التالي 1418/1419هـ، تم تعميم الكتب المقررة ليتم التدريس من خلالها.
من جهته، أوضح المعيقل (2004) أن الإقرار الأخير للمادة كمادةٍ مستقلة في خريطة
المناهج قد صاحبه الكثير من المناقشات والحوارات من المختصين في المجال التربوي حول
جدوى تدريسها أصلاً، وكونها مادة مستقلة أو ضمن غيرها من المواد، والموضوعات التي
يجب أن تتضمنها، وطرائق التدريس التي يجب أن تطبق بها، والأنشطة التي يجب أن
يمارسها الطلاب، وأساليب تقويمها وخاصةً فيما يتعلق بوجود أو إلغاء درجة النهاية
الصغرى فيها والاكتفاء بالنجاح والرسوب (نجاح ورسوب). ونظراً للمناقشات الكثيرة
حول جدوى مادة التربية الوطنية فقد صدر أمرٌ سام كريم في عام 1445هـ بإجراء دراسة
موسعة تشمل مناطق المملكة المختلفة بغرض استقصاء آراء المعلمين والمشرفين ومديري
المدارس والطلاب وأولياء الأمور حول تجربة تدريس المادة في مدراس البنين بالمملكة.
وقد حددت وزارة التربية والتعليم في المملكة العربية السعودية (1417) هـ
الأهداف العامة للتربية الوطنية في الآتي:
1. تمكين العقيدة الإسلامية في نفوس الطلاب، وجعلها ضابطة لسلوكهم
وتصرفاتهم وتنمية روح الجهاد لديهم.
2. التأكيد على وجوب طاعة ولاة الأمر وفق الشريعة الإسلامية.
3. تعزيز الانتماء للوطن والحرص على أمنه واستقراره والدفاع عنه.
4. تعريف الطلاب بما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات باعتبارهم
مواطنين.
5. تحقيق الوعي الأسري لبناء أسرة إسلامية سليمة.
6. تدريب الطلاب على مهارات الحوار وإبداء الرأي والمشاركة في النقاش.
7. تعريف الطلاب بالخصائص والسمات المميزة للمجتمع السعودي. .
8. تعزيز القيم والعادات الاجتماعية الإيجابية لدى الطلاب.
9. تعريف الطلاب بتاريخ وطنهم، ومنجزاته، وكفاح آبائهم الأوائل.
10. تعريف الطلاب بالمعالم التاريخية والسياحية في بلادهم.
11. تعريف الطلاب بمكانة المملكة العربية السعودية باعتبارها مركز إشعاع للعالم
الإسلامي وتوضيح دورها (خليجياً , وعربياً , وإسلامياً , ودولياً).
12. تنمية الاعتزاز بالانتماء للأمة الإسلامية والعربية والتبصير بأهمية
التواصل بالعالم الخارجي.
13. تكوين الوعي الإيجابي بالتحديات والتيارات التي تواجه المملكة والأمة
العربية والإسلامية.
14. تعريف الطلاب بمؤسسات وطنهم ونظمه الحضارية.
15. تعويد الطلاب على حب النظام واحترام الأنظمة والتقيد بها.
16. تعويد الطلاب على الالتزام بقواعد الأمن والسلامة العامة والحماية
المدنية.
17. تعويد الطلاب على العادات الصحية السليمة ونشر الوعي الصحي.
18. توعية الطلاب بأهمية المحافظة على الممتلكات الخاصة والعامة.
19. تنمية عادات الاستهلاك الرشيد في كافة المجالات.
20. تكوين اتجاهات إيجابية لدى الطلاب نحو العمل أياً كان نوعه ما لم يكن
منافياً للدين الإسلامي.
21. تكوين اتجاهات إيجابية نحو الإنتاج الوطني.
22. تعويد الطلاب على استخدام الأسلوب العلمي في حل المشكلات.
23. غرس روح المبادرة للأعمال التطوعية والخيرية.
24. تعويد الطلاب على الاهتمام بالوقت واستثماره في المجالات النافعة.
25. إكساب الطلاب مهارات التعامل الواعي مع البيئة.
26. تنمية الوعي لدى الطلاب بأهمية تقنية الاتصال الحديث وآثارها. (ص ص
1-2).
وبالنظر إلى تلك الأهداف يمكن القول بأنها تنطلق من أسسٍ محددة تستمد منها التربية
في المملكة العربية السعودية بشكلٍ عام والتربية الوطنية بشكلٍ خاص أهدافها
ومقوماتها، وعلى رأسها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة اللتان تحثان على روح
المواطنة والدفاع عن الوطن وحبه وطاعة ولاة الأمر ونصحهم كقاعدة أساسية من قواعد
الدين الإسلامي، ويضاف إلى هذين المصدرين الثقافة السائدة في المجتمع السعودي وما
تحمله من عادات وتقاليد وأعراف واتجاهات تعطي الروابط الاجتماعية والتعاون والتكافل
بين المسلمين دوراً هاماً في حياة المجتمع وأفراده (المعيقل، 2024).
المراجع والمصادر
(1) زيد بن عبد الكريم الزيد ، حب الوطن : منظور شرعي ، الرياض : مكتبة الملك فهد الوطنية ، 1417هـ .
(2) سعيد إسماعيل علي، الفكر العربي التربوي الحديث، سلسلة عالم المعرفة العدد 13، الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 1987م.
(3) سليمان عبد الرحمن الحقيل . في آفاق التربية الوطنية في المملكة العربية السعودية، ط2، بدون ناشر، 1414هـ
م/ن
الف الف شكر لج
شٌكُرأ لجٌ
رًبٍـِيَ يوًـؤَفِقَجٍ..
بارك الله فيج,,
تسلم يمناج,,
ما قصرتي,,
يزاج الله خير
يعطيج العافيه
ما شاء الله
تسلم الايادي
موفقين ان شاء الله