عن قيام دولة الامارات العربية المتحدة
أكّد الشيخ زايد، فور تسلّمه سدّة الحكم في السادس من آب/ أغسطس عام 1966م حاكماً على إمارة أبو ظبي، مدى أهمية الاتحاد، وقال معلّقاً: "نستطيع بالتعاون وبنوع من الاتحاد، إتباع نموذج الدول الأخرى النامية".
لقد نمت أهمية الاتحاد والحاجة إلى العمل في التعاون مع الإمارات الأخرى، وترعرعت في فكر الشيخ زايد منذ البداية، ورغم إدراكه التام بأنّ الاتحاد كان مجرّد مفهوم حديث في المنطقة، إلاّ أنّ اعتقاده بإمكانيّة تنفيذه على أسس الروابط المشتركة التي تربط بين مختلف الإمارات، بالإضافة إلى تاريخ وتراث أبنائها الذين عاشوه معاً لعدة قرون، كان ثابتاً.
لقد عمل الشيخ زايد على ترجمة مبادئه وأفكاره عن الاتحاد والتعاون والمساندة المتبادلة إلى أفعال، وذلك بتخصيص جزءٍ كبير من دخل إمارته من النفط لصندوق تطوير الإمارات المتصالحة قبل بداية دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية.
كانت الحكومة البريطانية قد عانت من ضغوط الظروف الاقتصادية المعاكسة، نتج عنها إنهاء كافة المعاهدات لحماية الإمارات المتصالحة عام 1968م وانسحابها من الخليج في نهاية عام 1971م، ورغم أنّّ هذا القرار المفاجئ كان يهدّد بخلق فراغٍ عسكري وسياسي في المنطقة، إلاّ أنّه قد ساعد أيضاً على تقليل العقبات والصعوبات التي كانت عائقاً في طريق المحاولات الأولى لاتحاد الإمارات.
لقد أطلق التوقّع الكبير لإنهاء العلاقة الخاصة القائمة بين بريطانيا والإمارات المتصالحة لفترة 150 عاماً الإشارة إلى نوع ما من الترابط الذي يتسمّ بالطابع الرسمي الأكثر قوّةً مما كان مقدّماً من قبل مجلس الإمارات المتصالحة، ونتيجةً لهذه القوى الجديدة العاملة اتّخذ كلّ من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، حاكم إمارة أبو ظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، الخطوة الأولى نحو إنشاء الاتحاد.
كان يقصد بهذا الاتحاد أن يكون كنواة للوحدة العربية وحماية الساحل المتوقّع فيه ثروة النفط، من مطامع الدول المجاورة الأكثر قوة.
كانت نتيجة المبادرة المتّخذة من قبل حاكمي الإمارتين الرائدتين، عقد اجتماع في الثامن عشر من فبراير 1968م في السمحة، على الحدود بين أبو ظبي ودبي، وقد وافق كلّ من الشيخ زايد والشيخ راشد خلال ذلك اللقاء التاريخي على دمج إمارتيهما في اتحاد واحد، والمشاركة معاً في أداء الشؤون الخارجية، والدفاع، والأمن، والخدمات الاجتماعية، وتبنّي سياسة مشتركة لشؤون الهجرة.
وقد تُركت باقي المسائل الإدارية إلى سلطة الحكومة المحلية لكلّ إمارة، وعُرفت تلك الاتفاقية الهامة باتفاقية الاتحاد، ويمكن اعتبار ذلك الاتفاق الخطوة الأولى نحو توحيد الساحل المتصالح كلّه، وزيادةً في تعزيز الاتحاد؛ ولاهتمام كلّ من الشيخ زايد والشيخ راشد بتعزيز الاتحاد وتقويته، قاما بدعوة حكّام الإمارات الخمس المتصالحة الأخرى بالإضافة إلى البحرين، وقطر، للمشاركة في مفاوضات تكوين الاتحاد.
وفي الفترة الواقعة بين 25-27 فبراير عام 1968م، عقد حكّام تلك الإمارات التسع مؤتمراً دستورياً في دبي، وبقيت تلك الاتفاقية المكوّنة من إحدى عشرة نقطةً، والتي بدأت في دبي، مدة ثلاث سنوا ت كقاعدة للجهود المكثّفة لتشكيل الهيكل الدستوري والشرعي "لاتحاد الإمارات العربية" هذا، والذي يتكوّن من تلك الإمارات التسع الأعضاء فيه، كما تمّ خلال تلك الفترة انعقاد العديد من الاجتماعات على مستويات عديدة من السلطة، كما تمّ الاتفاق على القضايا الرئيسة في اجتماعات المجلس الأعلى للحكّام، الذي يتكوّن من رؤساء الإمارات التسع.
كذلك أجرى نوّاب الحكّام بالإضافة إلى لجان أخرى مختلفة، مناقشات رسمية تتعلّق بتعيين الإداريين من تلك الإمارات بالإضافة ومستشارين من الخارج.
وفي صيف عام 1971م أصبح من الواضح أنّه لم يعد لإيران أية مطالب في البحرين، فأعلن الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة استقلال الجزيرة في الرابع عشر من أغسطس عام 1971م، تبعتها قطر في الأوّل من سبتمبر عام 1971م، عملت السلطات في تلك الإمارات السبع المتصالحة بعد ذلك، على وضع بديلٍ لاتحاد الإمارات العربية.
وفي اجتماعٍ عُقد في دبي في 18 يوليو عام1971م، قرّر حكّام ست إمارات من الإمارات المتصالحة، وهي: أبو ظبي، ودبي، والشارقة، وعجمان، وأم القيوين، والفجيرة، تكوين الإمارات العربية المتحدة (وكانت رأس الخيمة، وهي الإمارة السابعة، في حالة من التردّد).
وفي الثاني من ديسمبر عام 1971م، تمّ الإعلان رسمياً عن تأسيس دولة مستقلة ذات سيادة ، وبعد ذلك، أي في العاشر من فبراير 1972م، انضمّت رأس الخيمة إلى الاتحاد، فأصبح الاتحاد متكاملاً باشتماله على الإمارات السبع المتصالحة.
لقد أصبحت هذه الدولة الاتحادية المؤسسة حديثاً، تُعرف رسمياً "بدولة الإمارات العربية المتحدة"، وتمّ الاتفاق رسمياً على وضع دستور مؤقّت يعتمد على نسخة معدّلة من نصّ الدستور السابق لإمارات الخليج التسع، كما تمّ تحديد المصلحة العامة لدولة الإمارات العربية المتحدة على أنّه الهدف الأعلى لها.
كان الدستور المؤقّت يتضمّن 152 مادة، مكوّناً من مقدّمة وعشرة أقسام، ويعمل على تحديد القوى المتعلّقة بالمؤسسات الاتحادية، بينما ظلّت القوى الأخرى تحافظ على حقّ امتياز الحكومات المحلية لكلّ إمارة من الإمارات.
والسلطات المركزية الخمس المحدّدة في الدستور هي: – المجلس الأعلى ويتكوّن من الحكام السبعة؛ وهو أعلى المؤسسات التي تحدّد السياسة في الدولة، ويعهد به إلى القوة الشرعية والتنفيذية.
– الرئيس ونائب الرئيس في الدولة الاتحادية.
– مجلس الوزراء – المجلس الوطني الاتحادي؛ وهو مجلس استشاري يتكوّن من 40 عضواً يتمّ اختيارهم من مختلف الإمارات وفق عدد السكان في كلّ منها، وهناك ثمانية مندوبين من كلّ من إمارة أبو ظبي ودبي، وستة من كلّ من الشارقة ورأس الخيمة، وأربعة من كلّ من الفجيرة وعجمان وأم القيوين.
– السلطة التشريعية أو القضائية؛ وتتكوّن من عدد من المحاكم، على رأسها المحكمة الاتحادية العليا.
تمّ انتخاب حاكم أبو ظبي، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، من قبل سائر الحكام زملائه ليكون أوّل رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهو منصب أعيد انتخابه بعد انتهاء فترة خمس سنوات بالتتالي.
وكان حاكم دبي آنذاك الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، قد تمّ انتخابه ليكون نائباً للرئيس، وهو منصب ظلّ يملؤه حتى وفاته عام 1990م، وبعدها تمّ انتخاب ابنه الأكبر الشيخ مكتوم بن راشد ليخلفه في ذلك المنصب.
وفي اجتماع عُقد في 20 مايو 1996م، وافق المجلس الأعلى للاتحاد على نصّ معدّل للدستور، جعل من دستور البلاد المؤقّت، الدستور الدائم لدولة الإمارات العربية المتحدة، وعُيّنت أبو ظبي عاصمة الدولة.
لقد بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة برنامجها السياسي كاتحاد مكوّن من سبع إمارات إقليمية مختلفة من حيث أحجامها ومواردها الطبيعية وعدد السكّان فيها ومدى ثرائها، بينما تشترك جميعها بتاريخ وتراث واحد، وأبو ظبي هي الكبرى مساحة كما أنّها تتمتع بأكبر مخزون من النفط، وهي لذلك تموّل المؤسسات الاتحادية بنسبة كبيرة.
كانت دبي حتى في عام 1971م، الأكثر ارتباطاً من حيث كونها المدينة ? الدولة، واستمرّت في النموّ كمحور للتجارة والأعمال في المنطقة، ومن ناحية أخرى أنعم الله على بعض الإمارات الأخرى بموفور نسبي من المياه والأراضي الصالحة للزراعة، ورغم ذلك التفاوت، كان التقدّم المثير للدهشة الذي سجّلته دولة الإمارات العربية المتحدة، ممكناً نتيجة لتحقيق النجاح في إقامة الاتحاد، وتعاون قادته، وروح الانسجام والتعاون الذي كانوا يعملون من خلاله من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.
لقد تعهّدت السلطات المركزية باستخدام ثراء البلاد الناجم عن مواردها الطبيعية واجباً رئيساً أوّل، لصالح دولة الإمارات العربية المتحدة ككلّ، وساهم ذلك إلى حدّ كبير في نجاح وديمومة الاتحاد.
إنّ حكّام دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعدّ حالياً ضمن أعلى مجموعة من الدول المصدّرة للنفط والغاز على المستوى العالمي، قد استخدموا ثراء النفط برؤية محدّدة لتحسين معيشة كافة أفراد الشعب فيها، وخلق بنية تحتيّة تساند مجموعة نامية من النشاطات والصناعات غير النفطية.
كان الشيخ زايد- منذ البداية- يعبّر عن اقتناعه التام والثابت وإيمانه الراسخ بأنّه "لا نفع للمال إذا لم يسخّر لخدمة الشعب"، وكانت الخدمات الاجتماعية التي تمّ توفيرها من قبل الوزارات الاتحادية وخاصة التعليم المجاني، والإسكان، والرعاية الصحية، والمساعدات الاجتماعية للإماراتيين، قد مهّدت الطريق أمام تطوّر ونموّ سريع ضخم في جميع أنحاء الدولة.
وأخيراً، ومع ظهور التكنولوجيا العصرية، تحوّلت دولة الإمارات العربية المتحدة من كونها إحدى أقلّ الدول النامية إلى دولة حديثة في أقلّ من ثلاثة عقود، وثمّة عامل آخر هام أسهم في الاستقرار السياسي الذي تتمتّع به دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نشأتها رسمياً، وهو سياستها الخارجية التي تمّ تخطيطها وتنفيذها بنجاح تام من قبل قادتها، والتي تهدف بشكل رئيس إلى "دفع المصالحة والعمل على تهدئة الأوضاع المؤدية إلى المواجهات والمنازعات".
كان حماية سيادة البلاد واستقلال مواطنيها ضمن الهيكل الأوسع لأمن الخليج حجر الزاوية الذي ترتكز عليه سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة الخارجية، وثمة عنصر رئيس مكوّن لتلك السياسة هو العمل على توسيع نطاق الأفق السياسية في البلاد تدريجياً، وتنمية العلاقات مع القوى الدولية، والعمل على التعاون مع المؤسسات الدولية.
وهكذا ما لبثت أن انضمت دولة الإمارات العربية المتحدة بعد بروزها كدولة متكاملة وناضجة، إلى جامعة الدول العربية وإلى منظمّة الأمم المتحدة، كما كانت إحدى القوى الدافعة وراء تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي في السبعينيات من القرن العشرين.
ويعكس مجلس التعاون الخليجي الذي يتكوّن من دولة الإمارات العربية المتحدة، وعمان، وقطر، والبحرين، والكويت، والمملكة العربية السعودية، والذي تمّ تأسيسه خلال القمة التي انعقدت في أبو ظبي عام1981 م، مدى عزم دولة الإمارات العربية المتحدة على تعزيز الوحدة والتعاون مع سائر بلدان العالم العربي، بالإضافة إلى تعزيز العلاقات بينها وبين تلك الدول.
لابدّ في هذا الإطار من التركيز على دور رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة – الشيخ زايد بن سلطان- بصورة خاصة مع تطوّر وازدياد منزلته على الصعيد الدولي، والتي واكبت وضع الدولة في الساحة العالمية؛ فمع مرور السنوات كان قد برز كالمصلح والوسيط لرجال الدولة الأحداث ليس فقط في دول مجلس التعاون الخليجي، بل أيضاً ضمن العالم العربي ولعدد من الدول النامية.
وكذلك استفادت عدة دول فقيرة ومجتمعات على المستوى العالمي من المساعدات المادية والمالية التي كانت تُمنح لهم باسم دولة الإمارات العربية المتحدة من قبل حاكم أبوظبي، وهذا الأمر إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على مدى شعوره الإنساني وإنسانيته التي استمدّ أبعادها من إيمانه الثابت بالإسلام.
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ القوات العسكرية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة هي القوات الوحيدة غير التابعة لحلف الناتو التي تساعد في حفظ السلام في كوسوفو؛ ولذا فإنّه ليس من المستغرب أن يكون سخاء هذه الدولة الصغيرة قد لفت انتباه العالم بأسره من حيث تقديم المساعدة، وتخفيف آلام ضحايا الكوارث الطبيعية والبشرية.
لقد حظيت كافة الإمارات وبصورة خاصة أبو ظبي، ودبي، والشارقة، باهتمام عالمي، نظراً لتقديمها – على مستوى الفرد- الفرص الاقتصادية الواسعة النطاق، بالإضافة إلى التسهيلات الرياضية والترفيهية، والنشاطات الثقافية وأيضاً خلق الوعي لحماية البيئة والحياة البرية وتشجيع السياحة.
ومن ناحية أخرى فإنّ التقدّم المميّز الذي أحرزته المرأة الإماراتية في كافة مجالات الحياة تشكّل مقياساً هاماً آخر لقياس مدى تقدّم الدولة ككلّ، إنّ فرص المساواة التي منحها دستور الدولة للمرأة في دولة الإمارات العربية المتحدة، قد ساعد النساء في الدولة للعمل على إثبات وجودهنّ في المجتمع بشكلٍ واضحٍ وصريح.
وللاتحاد النسائي في دولة الإمارات العربية المتحدة – والذي تمّ تأسيسه في أبو ظبي عام 1975م من قبل سموّ الشيخة فاطمة بنت مبارك قرينة رئيس الدولة، بالإضافة إلى فروعه الأخرى في الإمارات الأخرى- الفضل الأكبر في القيام بدور رئيس في تحرير المرأة.
ومهما يكن فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ المعماريين الذين يعملون على تطوير المظاهر العمرانية في دولة الإمارات العربية المتحدة – رغم التحديث العام في الدولة – يأخذون بعين الاعتبار المحافظة على المظاهر التقليدية واستمراريتها وعلى التراث الموروث منذ أزمان، كما يقرّون بمدى أهميتها.
ويكمن مدى نجاح النظام السياسي في دولة الإمارات العربية المتحدة في أنّها تمثّل مزيجاً فريداً من القديم والحديث مع التزام فطري،" بالإجماع والمناقشة والديمقراطية المباشرة".
كانت تضحيات ومنجزات أجداد الدولة الذين أسسوها، قد ساهمت في بروز الدولة الحديثة بدلاً من الإمارات المستقلّة القديمة.
إنّ دولة الإمارات العربية المتحدة هي الدولة الاتحادية الوحيدة في العالم العربي التي لم تبقَ وتستمرّ فحسب، بل إنّها قد نجحت أيضاً في تكوين واستخراج هوية قومية مميّزة مع مرور الزمن.
لقد صرّح الشيخ زايد بمناسبة الاحتفال بمرور خمس وعشرين سنة من النجاح الذي حقّقه الاتحاد بكل فخر واقتناع، "بأنّ كلّ ما تمّ إنجازه قد فاق توقّعاتنا، وأنّ ذلك بمساعدة من الله تعالى وبعزم وإرادة قوية وصادقة، يؤكّد أنّه ليس هناك شيء لا يمكن تحقيقه لخدمة الشعب ما دام العزم ثابتاً وقوياً، وما دامت النوايا صادقة".
إنّ اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة ما يزال – وسوف يستمرّ – مصدراً للفخر لدى أجيال الإماراتيين الحاضرة والمستقبلة.
عن هالنص ولا غييره ؟؟
|
|
تسلم الايادي … soso