بليز ساعدوني انا المتوهقة؟
بببببببببببببببببباي
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
هاشم محمدعلي المشهداني
1- معنى القضاء والقدر. 2- مراتب القضاء والقدر (العلم – الكتابة – المشيئة – الايجاد). 3- الاحتجاج بالقدر على المعايب. 4-أنواع أقدار الله باعتباره قدرة الإنسان على التعامل معها. 5- كيف يؤمن المؤمن بالقضاء والقدر. 6- أثر الإيمان بالقضاء والقدر.
قال تعالى: كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة:216].
سبحان من وسع علمه كل شيء، سبحان من جعل أمر المؤمن كله خير ولن يكون العبد مؤمنا حتى يؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره، حلوه ومره.
فما الإيمان بالقضاء والقد؟ وما هي أنواع القدر؟ وما صفات المؤمن بقضاء الله وقدره؟ وما أثر الإيمان بالقضاء والقدر؟
أما القضاء لغة فهو: الحكم، والقدر: هو التقدير.
فالقدر: هو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في علمه.
والقضاء: هو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه وأوجده في الواقع.
وعلى هذا فالإيمان بالقضاء والقدر معناه: الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه.
وينبغي أن تعلم :
أن مراتب الإيمان بالقضاء والقدر أربع: العلم، والكتابة، والمشيئة، والإيجاد.
فالعلم: أن تؤمن بعلم الله سبحانه بالأشياء قبل كونها، قال تعالى: وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة [يونس:61].
والكتابة: أن تؤمن أنه سبحانه كتب ما علمه بعلمه القديم في اللوح المحفوظ، قال تعالى: ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير [الحديد:22].
والمشيئة: أن تؤمن أن مشيئة الله شاملة فما من حركة ولا سكون في الأرض ولا في السماء إلا بمشيئته، قال تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله [الإنسان:30].
الإيجاد: أن تؤمن أن الله تعالى خالق كل شيء، قال تعالى: الله خالق كل شيء [الرعد:16].
لا يجوز لأحد أن يحتج بقدر الله ومشيئته على ما يرتكبه من معصية أو كفر، وقد أورد رب العزة ذلك في كتابه ورد عليهم فقال: سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شي كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون [الأنعام:148].
أي هل اطلع المدعي على علم الله فعلم أنه قد قدر له أن يفعل ففعل، علما أن قدر الله غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه فلا يصح أن يقول أحد : كتب الله علي أن أسرق فأنا ذاهب لتنفيذ قدره، فهل اطلع على اللوح المحفوظ فقرأ ما فيه.
إن على العبد المؤمن حقا أن ينفذ أوامر الله وأن يجتنب نواهيه وليس المطلوب أن يبحث عن كنه مشيئة الله وعلمه فذلك غيب ولا وسيلة إليه.
وعقولنا محدودة والبحث في ذلك تكلف لم نؤمر به، بل قد جاء النهي عنه. يقول الإمام الطحاوي رحمه الله: وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان. وفي الحديث: ((خرج علينا رسول الله ذات يوم والناس يتكلمون في القدر، قال: فكأنما تقفأ في وجهه حب الزمان من الغضب، فقال لهم: ما لكم تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ بهذا هلك من كان قبلكم))([1]).
وأما أنواع الأقدار: فلقد قسم العلماء الأقدار التي تحيط بالعبد إلى ثلاثة أنواع :
الأول: نوع لا قدرة على دفعه أو رده ويدخل في ذلك نواميس الكون وقوانين الوجود، وما يجري على العبد من مصائب وما يتعلق بالرزق والأجل والصورة التي عليها وأن يولد لفلان دون فلان.
قال تعالى: والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم [يس:38]. كل نفس ذائقة الموت [آل عمران:185]. ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير [الحديد:22]. إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر [الرعد:26]. إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون [الأعراف:34]. في أي صورة ما شاء ركبك [الانفطار: 8].
ومن ثم فهذا النوع من الأقدار لا يحاسب عليه العبد لأنه خارج عن إرادته وقدرته في دفعه أو رده.
الثاني: نوع لا قدرة للعبد على إلغائه ولكن في إمكانه تخفيف حدته، وتوجيهه ويدخل في ذلك الغرائز والصحبة، والبيئة، والوراثة.
فالغريزة لا يمكن إلغاءها ولم نؤمر بذلك وإنما جاء الأمر بتوجيهها إلى الموضع الحلال، الذي أذن الشرع به وحث عليه وكتب بذلك الأجر للحديث: ((وفي بضع أحدكم أجر))([2]).
والصحبة لا بد منها فالإنسان مدني بطبعه، وإنما جاء الأمر بتوجيه هذا الطبع إلى ما ينفع: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين [التوبة:119].
والبيئة التي يولد فيها الإنسان ويعيش، لا يمكن اعتزالها ولم نؤمر بذلك وإنما يقع في القدرة التغير والانتقال إلى بيئة أكرم وأطهر، والرجل الذي قتل تسعة وتسعين نفسا أوصاه العالم حتى تصح توبته أن يترك البيئة السيئة إلى بيئة أكرم فقال له: انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن فيها أناسا يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء([3]).
وهنا لا يكون الحساب على وجود ما ذكرناه من غريزة وصحبة وبيئة وإنما على كيفية تصريفها وتوجيهها.
الثالث: نوع للعبد القدرة على دفعها وردها، فهي أقدار متصلة بالأعمال الاختيارية والتكاليف الشرعية فهذه يتعلق بها ثواب وعقاب وتستطيع ويدخل في قدرتك الفعل وعدم الفعل معا، وتجد أنك مخير ابتداءً وانتهاءً.
فالصلاة والصيام باستطاعتك فعلها وعدم فعلها، فإذا أقمتها أثابك الله وإذا تركتها عاقبك، والبر بالوالدين باستطاعتك فعله بإكرامهما وباستطاعتك عدم فعله بإيذائهما.
وكذا يدخل في ذلك رد الأقدار بالأقدار.
فالجوع قدر وندفعه بقدر الطعام.
والمرض قدر ونرده بقدر التداوي، وقد قيل: ((يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها أترد من قدر الله شيئا؟ فقال رسول الله : هي من قدر الله))([4]).
وهذا النوع الثالث هو الذي يدخل دائرة الطاقة والاستطاعة، وهنا يكون الحساب حيث يكون السؤال: أعطيتك القدرة على الفعل وعدم الفعل، فلِمَ فعلت (في المعصية) ولِمَ لم تفعل (في الطاعة) كما يدخل الجانب الثاني من النوع الثاني في توجيه الأقدار كما ذكرنا في النوع السابق فانتبه.
وأما صفات المؤمن بقضاء الله وقدره: فهناك صفات لابد للمؤمن بقضاء الله وقدره منها:
أ- الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وذلك بأن الله سبحانه لا شيء مثله، قال تعالى: ليس كمثله شيء [الشورى:11]. لا في ذاته ولا في أفعاله ولا في صفاته وقد قال العلماء: ما خطر ببالك فهو على خلاف ذلك فلا تشبيه ولا تعطيل، أي لا نشبه الله بأحد من خلقه ولا ننفي صفات الله تعالى.
ب- الإيمان بأن الله تعالى موصوف بالكمال في أسمائه وصفاته. وفسر ابن عباس قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر:28]. حيث قال: الذين يقولون: أن الله على كل شيء قدير.
ج- الحرص: وهو بذل الجهد واستفراغ الوسع وعدم الكسل والتواني في عمله.
د- على ما ينفع: حرص المؤمن يكون على ما ينفعه فإنه عبادة لله سبحانه.
هـ- الاستعانة بالله: لأن الحرص على ما ينفع لا يتم إلا بمعونته وتوفيقه وتسديده سبحانه.
و- عدم العجز: لأن العجز ينافي الحرص والاستعانة.
ز- فإن غلبه أمر فعليه أن يعلق نظره بالله وقدره والاطمئنان إلى مشيئة الله النافذة وقدرته الغالبة وأن الله سبحانه أعلم بما يصلحه، أحكم بما ينفعه، أرحم به من نفسه، وأن الله لا يقدر لعبده المؤمن إلا الخير.
وذلك مصداق قول النبي : ((المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا ولكن قل: قدّر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان))([5]).
وأما أثر الإيمان بالقضاء والقدر: فإن الإيمان بالقضاء والقدر له آثار كريمة منها:
الأول: القوة: وذلك سر انتصار المسلمين في معاركهم مع أعداء الله، ومعظمها كانوا فيها قلة ولكنهم أقوياء بعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر حيث تربوا على قوله تعالى: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا [التوبة:51]، وللحديث: ((من سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله))([6]).
يقول أبو بكر لخالد بن الوليد : (احرص على الموت توهب لك الحياة).
ويبعث خالد بن الوليد إلى رستم يقول له: (لقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة).
ثانيا: العزة: فالمؤمن عزيز بإيمانه بالله وقدره فلا يذل لأحد إلا لله سبحانه لأنه علم وتيقن أن النافع الضار هو الله، وأن الذي بيده ملكوت كل شيء هو الله.
وأنه لا شيء يحدث إلا بأمر الله: ألا له الخلق والأمر [الأعراف:54]. فالخلق خلقه، والأمر أمره، فهل بقي لأحد شيء بعد ذلك؟
ثالثا: الرضى والاطمئنان: فنفس المؤمنة راضية مطمئنة لعدل الله وحكمته ورحمته ويقول عمر : (والله لا أبالي على خير أصبحت أم على شر لأني لا أعلم ما هو الخير لي ولا ما هو الشر لي).
وعندما مات ولد للفضيل بن عياض رحمه الله: ضحك، فقيل له: أتضحك وقد مات ولدك؟ فقال: ألا أرضى بما رضيه الله لي.
وقد ميز الله بين المؤمنين والمنافقين في غزوة أحد، فالاطمئنان علامة، والقلق وسوء الظن بالله علامة النفاق، قال تعالى: ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية [آل عمران:154].
رابعا: التماسك وعدم الانهيار للمصيبة أو الحدث الجلل، قال تعالى: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم [التغابن:11]. قال علقمة رحمه الله: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم. وقال ابن عباس: (يهدي قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه).
فلطم الوجوه، وشق الجيوب، وضرب الفخذ، وإهمال العبد لنظافة الجسد، وانصرافه عن الطعام حتى يبلغ حد التلف، كل هذا منهي عنه ومناف لعقيدة الإيمان بالقضاء والقدر.
ولله در الشاعر:
إذا ابتليت فثق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته ما لأمرىً حيلة فيما قضى الله
اليأس يقطع أحيانا بصـاحبه لا تيأسـن فنعـم القـادر الله
خامسا: اليقين بأن العاقبة للمتقين: وهذا ما يجزم به قلب المؤمن بالله وقدره أن العاقبة للمتقين، وأن النصر مع الصبر وأن مع العسر يسرا، وأن دوام الحال من المحال، وأن المصائب لا تعد إلا أن تكون سحابة صيف لابد أن تنقشع وأن ليل الظالم لابد أن يولي، وأن الحق لابد أن يظهر، لذا جاء النهي عن اليأس والقنوط: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح إلا القوم الكافرون [يوسف:87]. لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا [الطلاق:1]. كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز [المجادلة:21].
منقول
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
أنا قصدي القضاء في عصر الرسول وعصر العباسي وعصر الاموي كيف كان فبليز ممكن
تجوفون لي سوري لأني ما وضحت قبل بس بليز ممكن تعيدون لي البحث بس يكون ع حسب ما انا أبيه
بليز ساعدوني فديتكم؟؟؟؟؟؟؟
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
القضاء أمر لازم لقيام الأمم ولسعادتها وحياتها حياة طيبة ولنصرة المظلوم ، وقمع الظالم ، وقطع الخصومات ، وأداء الحقوق إلى مستحقيها ، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وللضرب على أيدي العابثين وأهل الفساد ، كي يسود النظام في المجتمع ، فيأمن كل فرد على نفسه وماله، وعلى عرضه وحريته ، فتنهض البلدان ويتحقق العمران ويتفرغ الناس لما يصلح دينهم، ودنياهم فإن الظلم من شيم النفوس ، ولو أنصف الناس استراح قضاتهم ولم يحتج إليهم . القضاء من عمل الرسل عليهم الصلاة والسلام ، يدل على ذلك قوله تعالى : (( وداود وسليمان إذا يحكمان في الحرث إذ تفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما )) وقوله : (( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فأحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب )) ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم صاحب الرسالة الخاتمة والدائمة كما كان مأمورا بالدعوة والتبليغ كان مأمورا بالحكم والفصل في الخصومات وقد ورد في القرآن الكريم في غير ما أية ما يشير إلى ذلك، منها قوله تعالى : (( فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم و أحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )) وقوله : (( وإن حكمت فأحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين)) وقوله : (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً )) وأما السنة المطهرة فتدل لمشروعية القضاء أحاديث كثيرة منها ما رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها) وقد نقل غير واحد من العلماء الإجماع على مشروعية القضاء قال ابن قدامة : ( وأجمع المسلمون على مشروعية نصب القضاء والحكم بين الناس) .
الموضوع:
حكم القضاء:
اتفق الفقهاء على أن القضاء، فرض كفاية إذا قام به بعض الأمة سقط الوجوب عن الباقين وإذا لم يقم به أحد منها أثمت الأمة جميعا . أما كونه فرضا فلقوله تعالى : (( كونوا قوامين بالقسط )) وأما كونه على الكفاية، فلأنه أمر، بمعروف أو نهي عن منكر وهما على الكفاية، ولأن أمر الناس لا يستقيم بدون القضاء، فكان واجبا عليهم كالجهاد والإقامة قال الأمام أحمد : ( لا بد للناس من حاكم ، أتذهب حقوق الناس ) ولأن فيه أمرا بالمعروف ونصرة للمظلوم وأداء للحق إلى مستحقيه وردعا للظالم عن ظلمه ، وهذه كلها واجبات لا تتم إلا بتوالي القضاء ، لذا كان تولي القضاء واجبا والقاعدة الفقهية تقول : (إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) هذا عن حكم القضاء بصفة عامة أما عن حكم الدخول فيه بالنسبة للأفراد فإنه يختلف باختلاف حالاتهم ، فيجب على الشخص إذا تعين له ولا يوجد من يصلح غيره،ويكره إذا كان صالحا مع وجود من هو أصلح منه ، ويحرم إذا علم من نفسه العجز عنه وعدم الإنصاف فيه لميله للهوى ويباح له فيخير بين قبوله ورفضه إذا استوى هو وغيره في الصلاحية والقيام به وقد سئل مالك رضي الله عنه 🙁 أيجبر الرجل على ولاية القضاء ؟ قال نعم إذا لم يوجد منه عوض. قيل له بالضرب والحبس ؟ قال نعم)
يشترط الفقهاء في القاضي جملة من الشروط والمواصفات التي ينبغي توافرها في شخصيته لكي يتمكن من أداء مهمته على الوجه الأكمل ،وهذه الشروط هي :
أولا: البلوغ :
فلا يجوز تقليد الصبي القضاء وإذا قلد فلا يصح قضاؤه ولا ينفذ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمر بالاستعاذة من أمارة الصبيان فقد روي الأمام أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( تعوذوا بالله من رأس السبعين ومن إمارة الصبيان ) والتعوذ لا يكون إلا من شر ، فيكون تقليد الصبيان فسادا في الأرض ومضارة ولأنه لا ولاية للصبي على نفسه فلا تكون له ولاية على غيره بالقضاء ونحوه .
ولأن القضاء ليس في حاجة إلى كمال العقل بكمال البدن فحسب ، بل يحتاج كذلك إلى زيادة فطنة وجودة رأي. ولا يشترط في القاضي أن يكون طاعنا في السن ، بل المراد اجتماع الشروط المعتبرة في ولايته بعد بلوغه ، ولو كان حديث السن ، فقد روى أن الخليفة المأمون قلد يحي بن أكثم قضاء البصرة ، وكان ابن ثماني عشرة سنة ، فطعن بعض الناس في ولايته لحداثة سنه فكتب إليه المأمون :كم سن القاضي ؟ فأجاب يحي بقوله أنا في سن عتاب بن أسيد حين ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على مكة ) على أن ارتفاع السن يجيء من باب الوقار والهيبة التي إستحبها العلماء في القاضي.
ثانيا: العقـل :
فلا يجوز تقليد المجنون أو المعتوه أو مختل النظر لكبر السن أو مرض قياسا على الصبي ، بل أولى وإذا قلد أحد هؤلاء فلا يصح قضاؤه ولا ينفذ ، قال الماوردي في هذا الشرط : ( وهو مجمع على اعتباره ولا يلتقي فيه العقل الذي يتعلق به التكليف من عمله بالمدركات الضرورية حتى يكون صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيد من السهو والغفلة يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعطل )
ثالثا: الحـرية :
والمراد كما لها، فلا يجوز تقليد من فيه شائبة رق كالمكاتب والمدبر فضلا عن القن (وهو العبد الخالص ) وإذا قلد القضاء فلا يصح قضاؤه ولا ينفذ ، ينفذ ، وذلك لأن العبد ناقص عن ولاية نفسه فمن باب أولى أن يكون ناقصا عن ولاية غيره ، كما أن العبد مشغول بحقوق سيده، فمنافعه كلها له ، هذا بالإضافة إلى أن القضاء منزلة وحرمة وهيبة لكي يردع أصحاب اللدد وأهل الباطل ، ولا شك أن هذه الصفة لا تتوفر في العبد . هذا مذهب جمهور العلماء ، خلافا لابن حزم ومنه وافقه في قبول شهادة العبد ويقولون إن أهلية القضاء كأهلية الشهادة.
رابعا : الإســلام :
وذلك لأن القضاء ولاية ولا تجوز ولاية الكافر على المسلم ،قال تعالى : ((ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا )) ثم إن القاضي يطبق أحكام الشريعة الإسلامية وهي دين ، وتطبيق الدين يحتاج إلى إيمان به من قبل من يطبقه وخوف من الله يمنعه من الحيدة عن التطبيق السليم لأحكامه ولا يتأتى ذلك من غير المسلم الذي لا يؤمن بهذا الدين بل حمله كفره بالإسلام على تعمد مخالفة أحكامه أو العبث بها . ولا خلاف بين الفقهاء في اشتراط الإسلام في من يتولى القضاء على المسلمين أما تولية القضاء لغير المسلم على غير المسلمين ، فقد منعها ولم يجزها جمهور الفقهاء لأن شرط الإسلام عندهم شرط ضروري لا بد منه في من يتولى القضاء سواء كان قضاؤه على المسلمين أو على غير المسلمين . وذهب الحنفية إلى جواز تقليد الذمي وهو غير مسلم القضاء على أهل الذمة وعللوا ذلك بأن أهلية القضاء كأهلية الشهادة والذمي من أهل الشهادة على الذميين فهو أهل لتولي القضاء عليهم.
وكونه قاضيا خاصا بهم لا يقدح في ولايته ولا يضر كما لا يضر تخصيص القاضي المسلم بالقضاء بين أفراد جماعة معينة من المسلمين. ويرى الماوردي أن إسناد القضاء في غير المسلمين إلى قضاة منهم هو في الصورة تقليد قضاء ، وفي الحقيقة تقليد رياسة، بدليل أن لهم أن يدعوا قضائهم هؤلاء ويتحاكمون إلى قضاة المسلمين، وفي هذه الحالة يكون حكمنا بينهم متروكا لاختيارنا كما في قوله تعالى : ((فإن جاؤوك فأحكم بينهم أو أعرض عنهم )) فإن تحاكموا إلى قضائهم فقد التزموا بما يحكمون به لالتزامهم له ، وليس لأنه لازم لهم من الأصل.
خامسا : الذكورة :
وهي شرط عند جمهور الفقهاء، فلا يجوز عندهم تولية المرأة القضاء وإذا وليت يأثم المولىّ وتكون ولايتها باطلة وقضاؤها غير نافذ ولو فيما تقبل فيه شهادتها . وحجتهم الحديث النبوي الشريف : (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ولأن المرأة لا تصلح للإمامة العظمى أي رئاسة الدولة ولا الولاية على البلدان ، ولهذا لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه الراشدين من بعده أنهم ولوا امرأة قضاء ولا ولاية بلد ، ولو جاز ذلكم لوقع ولو مرة واحدة وللمم يخل منه جميع البلدان غالبا ، وأيضا فإن القاضي يحتاج إلى مخالطة الرجال من الفقهاء والشهود والخصوم ، والمرأة في الأصل ممنوعة من مخالطة الرجال لما يخاف عليها من الفتنة بسبب هذه المخالطة التي لا ضرورة لها . وقال فقهاء الحنفية يجوز أن تكون المرأة قاضية في غير الحدود والقصاص لأنه لا شهادة لها في هذه الجنايات ولها شهادة في غيرها وأهلية القضاء عندهم تدور مع أهلية الشهادة . وذهب ابن جرير الطبري إلى أن الذكورة ليست شرطا لتولي القضاء كالإفتاء عنده ، والإفتاء لا تشترط فيه الذكورة وعلى هذا يجوز للمرأة أن تكون قاضية في الأموال وغيرها وبهذا القول قال فقهاء المذهب الظاهري كذلك.
سادساً: العـدالة :
وهي معتبرة في كل ولاية عند جمهور الفقهاء ، والمقصود بها أن يكون القاضي قائما بالفرائض والأركان ، صادق اللهجة ، ظاهر الأمانة عفيفا عند المحارم ، متوقيا المآثم بعيداً عن الريب ، مستعملا لمروءة مثله في دينه ودنياه . لهذا لا تجوز ولاية الفاسق للقضاء لأنه متهم في دينه ، والقضاء أمانة من أعظم الأمانات.
سابعاً : الاجـتهاد :
وهو الأهلية لاستنباط الأحكام من مصادر التشريع فالمجتهد هو من يعرف من القرآن والسنة ما يتعلق بالأحكام خاصة وعامة ومجملة ومبنية وناسخة ومنسوخة ومتواتر السنة وغيره ، والمتصل والمرسل وحال الرواة قوة وضعفا ولسان العرب لغة ونحوا ، وأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم إجماعا ، واختلافا والقياس بأنواعه
ثامنا : سـلامة الحـواس :
والمراد بها السمع والبصر والكلام :وهذا شرط جواز وصحة عند جمهور العلماء فلا تجوز تولية الأصم لأنه لا يسمع كلام الخصمين ولا تجوز تولية الأعمى لأنه لا يعرف المدعي من المدعى عليه ولا المقر من المقر له،ولا الشاهد من المشهود له أو عليه ، ولا تجوز تولية الأخرس لأنه لا يمكنه النطق بالحكم ، ولا يفهم جميع الناس إشارته أما سلامة باقي الأعضاء فهي هنا إنما تعتبر استحبابا لا لزوما لأن السلامة من الآفات أهيب لذوي الولاية، والهيبة هنا مستحبة لا مستحقة ومن ثم فلا مانع من أن يكون القاضي مقعدا أو أقطع أو أعرج ، ومثل هذا يقال في شأن ضعيف النطق أو السمع أو البصر لعدم فوات المقصود من ولاية القضاء.
هذا ومن الجدير بالذكر أن القاضي لا يأخذ شرعيته إلا بتعيين من ولى الأمر أو نائبه وذلك حفاظا على وحدة المسلمين وصيانة دمائهم ، فالقضاء كما هو معلوم منصب من مناصب الدولة لا يجوز لغير ولي الأمر تعيينه إلا في حالة الضرورة كما لو لم يوجد حاكم في بلد ما فإن لأهل العلم والرأي تعيين قاض يحكم بينهم. على أنه في حالة وجود حاكم بعد ذلك فلابد من إذنه. كما أن ولاية القاضي تعمم وتخصص، فيجوز أن يكون قاضيا في جميع بلاد المسلمين وفي كل دعوى كما يجوز للحاكم أن يوليه القضاء في مكان معين لا ينعداه أوفي نوع من الدعوى كالحكم بين أهل الذمة. وفي كل ذلك لا يجوز للقاضي أن يتعدى ما رسم له ، ولا أن يتجاوز حدود ولاياته. وهو ما يسمى بالاختصاص القضائي. زماناً ومكاناً وموضوعاً.
يحتاج القاضي في وظيفته القضائية إلى مجموعة من الأعوان تعينه على ممارسة مهنته وأدائها على الوجه الأكمل ، ومن هؤلاء الأعوان :
(1)جماعة من أهل العلم والفضل : يتخذ القاضي جماعة من أهل العلم والفضل يستشيرهم في ما يعرض عليه من قضايا وما ينبغي لها من أحكام شرعية مناسبة وهذه المشاورة من القاضي مطلوبة وإن كان عالما فقد كان عمر بن الخطاب يستشير كبار الصحابة وعلماءهم كعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أجمعين . والغرض من المشاورة تبينه القاضي إلى ما عسى أن يكون قد فاته أو نسيه مما له تعلق بالدعوى أو تأثير في الحكم مع بيان رأيهم في الحكم المناسب ، وقد اشترطوا فيهم أن يكونوا من أهل الاجتهاد والعدالة حتى يمكنهم الدلالة على الحكم الشرعي للقضية .
2/ الكـاتب : وهو الذي يكتب بين يدي القاضي حسبما يملي عليه القاضي. وقد قال الفقهاء في هذا الكاتب ينبغي أن يكون عدلا وعلى قدر كاف من الفقه والدراية .
3/ الحـاجب : وهو الذي يقدم الخصوم إلى القاضي ليقضي في خصومتهم بحسب أسبقيتهم في الحضور أو على حسب ترتيب رؤية دعاواهم .
4/ البـواب : ومن وظيفته إعلام الناس بوقت جلوس القاضي للحكم ، وإعلامهم بوقت راحته ،وإخبار القاضي بمن يريد الدخول عليه والغرض من ذلك حتى إذا أذن له القاضي بالدخول أدخله وإلا لم يدخله .
5/ المترجـم : ويتخذ القاضي مترجما عدلا أو مترجمين اثنين أو أكثر فإن لم يكن عند القاضي مترجم خاص ترجم له عند الحاجة ثقة مأمون ومترجمان أفضل من الواحد وتجوز ترجمة المرأة العدل عند الحاجة .ويقوم هؤلاء المترجمون بترجمة أقوال المدعين أو المدعى عليهم أو الشهود إذا كان القاضي لا يعرف لغتهم .
6/ الجلـواز : وهو الذي يقوم على رأس القاضي ويقيم الخصوم إذا انتهت الخصومة ليخرجوا من مجلس القضاء وهو الذي يمثل الشرطة التي تحفظ الأمن في المحكمة وتحمي القاضي .
7/ الشـهود : وهؤلاء يحضرهم القاضي وجوبا ليشهدوا على القرارات التي تصدر من الخصوم ويحفظها ويدلوا بها عند الحاجة ، وينبغي أن تتوفر فيهم العدالة اللازمة لتحمل الشهادة وأدائها )
8/ الأجـرياء : ووظيفتهم إحضار الخصوم إلى مجلس القضاء إذا استعدى عليهم أصحاب الحقوق وينبغي أن يكونوا من ذوي الدين والأمانة والبعد عن الطمع . وهؤلاء أيضاً يمثلون جزء من شرطة المحاكم .
9/ المزكـون : وهؤلاء رجال عدول يختارهم القاضي دون أن يكونوا معلومين للناس لتزكية الشهود بعد السؤال عنهم .
10/ المؤدبـون : هؤلاء نفر من الرجال الأكفاء يكونون في مجلس القضاء ليزجروا من ينبغي زجره من المتخاصمين أو غيرهم إذا أساءوا الأدب في مجلس القضاء ، ولهم الحق في إخراجهم من المجلس إذا لم يكفوا عن إساءتهم .وهؤلاء أيضاً يتبعون لشرطة المحاكم .
11/ أهل الخـبرة : وهؤلاء يختارهم القاضي من أهل العدالة والأمانة والخبرة في الأمور التي تدخل في أعمال القضاء وتحتاج إلى خبرة معينة مثل تقويم الأشياء وإجراء قسمة العقار والمنقول ونحو ذلك .
12/ صـاحب السـجن : أو السجان ومن واجباته أن يرفع إلى القاضي كل يوم أحوال المحبوسين وما يجري في السجن حتى يزيل الظلم ، ويطلق سراح من لا يستحق البقاء في السجن وكذا من انقضت مدة سجنه . هذا ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء الأعوان منهم من يختاره القاضي بنفسه كأهل العلم والفضل الذين يستشيرهم ، وكالمزكين والشهود، ومنهم من يعينه الحاكم أو الأمير كالكاتب والحاجب والبواب . ويتقاضى أعوان القضاء أرزاقاً من بيت المال مقابل عملهم كل حسب اختصاصه ونوعية عمله .هذا وينبغي للقاضي أن يراقب أعوانه ليطمئن على حسن سيرتهم وقيامهم بواجباتهم المناطة بهم
استقلال القاضي عن السلطة التنفيذية
تمنع نصوص الشريعة وقواعدها العامة ولاة الأمور في الأمة من التدخل في القضاء أو التأثير في أدائه بأي وجه من الوجوه ، لأن هذا محرم والنظام الإسلامي يتقيد بصفة عامة في كل أصوله وفروعه ومظاهره بغاية عليا هي العدل القائم على التوحيد ، والتوحيد ليس بالقول فحسب بل بالعمل الذي يصادقه هذا العمل، وهو تنفيذ ما أمر الله به ، ومنع ما نهى الله عنه ، وذلك على وجه التضامن بين الناس ، ومن مقتضى ذلك أن تكون أوامره سبحانه وتعالى ، ونواهيه معيارا للحق والعدل ، فما أمر به هو الحق والعدل ، وما نهى عنه هو الباطل والظلم ومنعه هو الحق والعدل .
وقد تواترت الآيات في وجوب الحكم بالعدل وتحريم الظلم ، ومن ذلك قوله تعالى : (( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون )) وقال تعالى : (( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو اقرب للتقوى )) والشنآن هو البغض والشقاق. وقال تعالى : (( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل )) وقال تعالى : (( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) وفي الحديث القدسي : ( قال الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )
تلك هي بعض نصوص الشريعة في شأن وجوب الحكم بالعدل وبما أنزل الله وهو خطاب عام للحاكم والمحكوم على السواء ، فالحاكم والسلطان في الإسلام مقيد فيما يجريه بحكم الله ،ولا طاعة له فيما جاوز ذلك . هكذا فهم وعمل السلف الصالح بأحكام الشريعة ، فهم ولاة الأمور والحاكم هو الله تعالى ، وأن الخليفة أو الإمام ليس إلا واحدا من المسلمين سواء بسواء، هم الذين يختارونه ويوسدونه الرئاسة ، ولهم مراقبته ، وعليه مشاورتهم فإن حاد عن الشرع وأهدر مصالحهم عزلوه . كما فهم ولاة الأمور في الدولة الإسلامية أن أساس الحكم في الإسلام هو العدل الذي قامت به السماوات والأرض، فهذا عمرو بن العاص يقول :لا سلطان إلا برجال ، ولا رجال إلا بالمال ، ولا مال إلا بعمارة ، ولا عمارة إلا بالعدل .
وهذا عمر بن عبد العزيز يكتب إلى أحد عماله حينما استأذنه في تحصين مدينة قائلا :حصنها بالعدل ، ونق طريقها من الظلم . وهذا سعيد بن سويد يقول في إحدى خطبه بحمص : أيها الناس إن للإسلام حائطا منيعا وبابا وثيقا ، فحائطه الحق وبابه العدل ، ولا يزال الإسلام منيعا ما اشتد السلطان وليس شدة السلطان قتلا بالسيف ولا ضربا بالسوط ، ولكن قضاء بالحق وأخذاً بالعدل من أجل ذلك أحاط الخلفاء الراشدون ورؤساء الدولة الإسلامية القضاء بكل مظاهر الإجلال والتكريم ، وصانوه عن التدخل ضمانا للحق وإرساء للعدل فلم يسعوا إلى تحويل الأحكام لصالحهم ، أو لصالح من يحبون ، وانما امتثلوا لأحكام القضاء بالاحترام والتنفيذ فكانوا يقبلون الأحكام الصادرة ضدهم راضين وينفذونها طائعين وكم حدثتنا كتب الأثر عن مخاصمات كان بعض الخلفاء الراشدين وولاة المسلمين ومن بعدهم طرفا فيها،وصدرت ضدهم أحكام القضاة الموالين من قبلهم راضين طائعين ولعل الحق كان معروفا لهؤلاء الخلفاء ولكنهم تعمدوا طرح الخصومة على القضاء لاختبار قوتهم في الحق ولو كان في جانب ذمي من اليهود أو النصارى وضد الخليفة ، وليكن ذلك سنة من بعده .
ولم يكن حرص قضاة الإسلام أنفسهم على تلك المعاني بأقل من حرص ولاة الأمور فقد كان القاضي في مجلس قضائه محترما مهيبا لا تأخذه في الحق لومة لائم يسوي في مجلسه بين الأمير والحقير وبين الشريف والوضيع وقد روت لنا كتب التاريخ بعض الأمثلة على ذلك منها :دخل الأشعث بن قيس على القاضي شريح في مجلس الحكومة فقال شريح : مرحبا وأهلا وسهلا بشيخنا وسيدنا ، وأجلسه معه ، فبينما هو جالس معه إذ دخل رجل يتظلم من الأشعث فقال له شريح : قم فاجلس مجلس الخصم وكلم صاحبك ، فقال بل أكلمه في مجلسي فقال له : لتقومن أو لآمرن من يقيمك ، فقام امتثالا لأمر القضاء ويروى أبو يوسف وهو من أفذاذ القضاة عن نفسه : أنه جاءه رجل يدعى أن له بستانا في يد الخليفة فأحضر الخليفة إلى مجلس القضاء وطلب من المدعي البينة فقال : غصبه المهدى مني ولا بينة لدي وليحلف الخليفة ، فقال أمير المؤمنين : البستان لي اشتراه لي المهدي ولم أجد به عقدا فوجه القاضي أبو يوسف إلى الخليفة اليمين ثلاث مرات فلم يحلف الخليفة فقضى بالبستان للرجل كتب الخليفة أبو جعفر المنصور إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة : انظر الأرض التي تخاصم فيها فلان القائد ، وفلان التاجر فادفعها إلى القائد فكتب إليه سوار : إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر ، فلست أخرجها من يده إلا ببينة ، فكتب إليه المنصور : والله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد التاجر إلا بحق ، فلما جاءه الكتاب قال : ملأتها والله عدلا وصار قضاتي تردني إلى الحق.
غير أن الإسلام لم يكتف بمنع ولاة الأمر من التدخل في عمل القاضي حفاظاً على استقلاله فحسب بل إنه فرض لاستقلال القضاء ضمانات أخرى لتثبيته وتوطيده ولما كان مركز القاضي في المجتمع مركزا مهما وخطيراً لأنه هو الذي يفصل بين الناس ،فينبغي أن يكون محل ثقة واحترام الناس لتطمئن على عدالته في الحكم . ولا يستطيع القاضي أن ينال هذه المنزلة عند الناس إلا بالدليل الملموس الذي يقدمه للناس في سلوكه المرضي البعيد عن الشبهات وفي صرامته في التمسك بعدالة الحكم بين الخصوم . فقد نبه الفقهاء رحمهم الله تعالى إلى ذلك وذكروا ما ينبغي أن يبتعد عنه القاضي في سلوكه وسيرته وأعماله ولا شك أن ما ذكروه هو على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، والقاعدة العامة في سلوكه هي أن يكون مرضيا لا تثار حوله الشكوك والريب،ومما نبه عليه الفقهاء في هذا المجال :
1-منعه من أعمال التجارة : قال :الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :
(وأكره له -أي للقاضي- البيع والشراء خوف المحاباة والزيادة ) لأنه إذا باع واشترى لم يؤمن أن يسامح ويجابي فتميل نفسه عند المحاكمة إلى مسامحة ومحاباة من سامحه وحاباه ويقاس على البيع والشراء سائر أعمال التجارة الأخرى حسب الظروف والأحوال .
2-منعه من قبول الهدية : لا يقبل القاضي الهدية من أحد الخصمين لأنها تورث تهمة المحاباة بل إن الهدية تكره إلى القضاة مطلقا أي سواء من الخصمين أو من غيرهما. ولما رد عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى الهدية قيل له : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية فقال عمر : كانت للنبي صلى الله عليه وسلم هدية ولنا رشوة لأن المسلمين كانوا يتقربون بهذه الهدية للنبي صلى الله عليه وسلم لنبوته) ولأنه صلى الله عليه وسلم معصوم مما يخاف من الهدية على غيره ويقاس على الهدية كل منفعة يقدمها إليه أهل البلد الذي يقضي فيه.
3- منعه مما يخل بالمروءة : وبالإضافة إلى ما تقدم. ينبغي أن يكون القاضي مهيبا وقورا بعيدا عما يلثم المروءة ولا يليق بالقضاة قليل المداخلة والعلاقات مع الناس حتى لا يتأثر فيحابي في قضائه من أجلها وأن لا يغشى مجتمعات الناس التي تناسبه ، وألا يمازح ويضاحك الآخرين في مجالسهم أو مجلسه لأن كل ذلك ينزع المهابة والوقار منه والقاضي بحاجة إلى الهيبة والوقار . وكذلك عليه أن يكون كلامه من النوع العلي الخالي من الغلطة والفحش أو الاستهزاء أو الاستعلاء على الآخرين (ومن مظاهر استقلال القضاء في الشريعة الإسلامية كذلك، ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنه لا يجوز للسلطان عزل القاضي إذا كان عدلا إلا لمصلحة اقتضت ذلك كتسكين فئة ،أو يكون غيره أقوى منه أو أصلح للقضاء ،فإن عزل لغير مصلحة لا ينعزل) وإذا كانت الناحية المادية لها تأثير كبير في حياة الناس فقد رعت الشريعة الإسلامية ذلك الجانب حرصا منها على عدم الإخلال بمبدأ استقلال القضاء . فمادام أن القاضي قد شغل وقته وفرغ نفسه للحكم بين الناس وما دام أنه منع من التكسب بالتجارة ونحوها ومن كثير من مخالطة الناس وأمر بالتحلي بدرجة عالية من الأخلاق والآداب تكفل له الاحترام والاستقلال في الرأي . ما دام كذلك فإن كل هذا لن يتم له إلا إذا كان له مرتب يتقاضاه من بيت المال يكفل له العيش بأمان دون أن يكون لأحد عليه منه ودون أن يلجأ إلى بعض المكاسب التي لا تليق بمنصبه من هنا فقد نص الفقهاء على أن القاضي ينبغي أن يكون له رزق من بيت المال يقول ابن قدامة في موضوع رزق القاضي بعد أن ذكر أقوال الفقهاء في هذه المسألة 🙁 والصحيح جواز أخذ الرزق عليه ـ أي على عمل القضاء ـ بكل حال ، لأن أبا بكر رضي الله عنه لما ولى الخلافة فرضوا له الرزق كل يوم درهمين ولما ذكرناه من أن عمر رضي الله عنه رزق زيدا وشريحا وابن مسعود ،ولو لم يأمر بفرض الرزق لتعطل القضاء وضاعت الحقوق).
هناك طرق عديدة يفقد بها القاضي ولايته للقضاء ويخرج منها ، وأهم هذه الطرق :
1/ عزل القاضي من قبل الإمام أو نائبه إذا وجد الإمام أفضل منه أو ظهر عجزه وعدم كفاءته، أو أقر بأنه حكم بجور متعمدا أو ثبت عليه ذلك بالبينة . فقد عزل عمر بن الخطاب رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة عن القضاء فقال له شرحبيل :أعن سخطة عزلتني قال: لا ولكن وجدت من هو مثلك في الصلاح وأقوى منك في العمل . فقال : يا أمير المؤمنين إن عزلك عيب فأخبر الناس بعذري ففعل عمر ذلك.
2/ فسق القاضي : إذا ارتكب القاضي بعض الأفعال المفسقة كشرب الخمر أو غيره من الكبائر فإنه ينعزل لحظة فسقه ولا تعتبر أحكامه بعد تلك اللحظة. قال ابن قدامة : ( فأما إن تغيرت حال القاضي بفسق أو زوال عقل أو مرض يمنعه من القضاء أو اختل فيه بعض شروطه فإنه يعزل بذلك ويتعين على الإمام عزله وجها واحدا )
3/ الردة : لأن الإسلام شرط في صحة ولاية القاضي، وشرط في استمرارها ، وعلى هذا فلوا ارتد قاض عن الإسلام فإن ولايته للقضاء باطلة من تلك اللحظة التي ارتد فيها .
4/ الجنون والسفه : وبعبارة أدق فقدان أهلية التكليف فإذا فقد القاضي هذه الأهلية لم يعد صالحا للقضاء وبالتالي فإنه ينعزل
5/ فقدان السمع أو البصر أو النطق : فقد ذهب الجمهور إلى أن القاضي إذا أصيب بالصمم أو العمى أو الخرس فإنه يخرج من ولاية القضاء .
6/ المرض المعجز : فإذا أصيب القاضي بمرض أقعده عن الحركة والنهوض وأعجزه عن القيام بعمله ، ولم يرج شفاؤه فإنه ينعزل .
7/ انتهاء مدة ولايته واختصاصه : فإذا عين الإمام رجلا على القضاء مدة سنة فإن ولايته للقضاء تنتهي بانتهاء السنة ، وكذلك إذا كلفه الإمام بالنظر في قضية أو مجموعة قضايا محدودة فإنه بمجرد الفراغ من النظر في تلك القضايا تكون قد انتهت ولايته .
8/ استقالة القاضي من القضاء : إذا استقال القاضي من وظيفته وقبل الإمام استقالته ،فإنه تنتهي ولايته بذلك.
9/ الموت : لأنه مبطل لأهلية التصرف وبالتالي تنتهي ولاية القاضي بمجرد موته.
الخاتمة:
تعرضنا في الصفحات السابقة بصورة موجزة للنظام القضائي في الإسلام وعرفنا ما قام عليه من دقه وإحكام وما كان يتمتع به رجاله من حصانة واستقلال وما كان يراعى في اختيارهم من غزارة العلم والتقوى والورع وكيف أن الدولة الإسلامية قد عزّت بعدل قضائها وسمو قضائها ومتانة قانونها الذي تحكم به ولقد حكمت هذه الشريعة في أزهى العصور فما قصرت عن حاجة ولا تخلفت عن الوفاء بمطلب .
إن عالمية الشريعة الإسلامية قد اقتضت أن تكون صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ولذلك صيغت نصوصها بحيث لا يؤثر عليها مرور الزمن ولا يبلي جدتها ولا يقتضي تغير قواعدها العامة ونظرياتها الأساسية فجاءت نصوصها من العموم والمرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة وتستجيب لجميع مطالب الحياة . والحق أن أحوال العالم اليوم وما فيه من مشاكل وحروب وصراعات دفعت إليها حضارته المادية الخاوية من الروح كل ذلك يقوم شاهدا على نقص البشر ويعطي الفرصة للإسلام بعقيدته السليمة الصالحة ومبادئه التي تعنى بالفرد والمجتمع معا، وبالدنيا والآخرة، وبالروح والجسم جميعا .
إن النظام القضائي في الإسلام يتميز بخصائص لم يسجلها التاريخ لأي نظام قضائي آخر في الماضي والحاضر، وفيما تعيشه المجتمعات البشرية مستقبلا فهو يمتاز بالنزاهة المطلقة والبساطة الحكيمة الخالية من كل التعقيدات والشكليات والبعد عن الهيمنة والاستعلاء والتأله، وحرية المتقاضين في الدفاع عن حقوقهم دون خوف أو تعثر، كما يتميز بالسلوك المثالي للقضاة خوفا من الله تعالى وتجنبا للعقاب الأخروي.
وإذا كان عدل ساعة خير من عبادة ستين سنة ، فإن المنتصر بالله أحد ملوك الأندلس يقول : ( إن أكبر مصيبة تحدث في المملكة هي أقل خطرا من مصابها بموت القاضي العادل لأن وفاة أحد القواد أو الوزراء لا تتأثر لها الحياة العمومية تأثرها بوفاة القاضي العادل) وما دمنا نتحدث عن النظام الإسلامي للقضاء وعن أهم خصائصه وهي العدل فيحسن بنا أن نورد هذه القصة التي نجعلها خاتمة لهذا البحث نتبين من خلالها حرص الإسلام على العدل حتى مع غير المسلمين ، وحتى في حالة الحرب في الإسلام .فقد كتب عمر إلى عامله في العراق أن ينصب لهم قاضيا خاصا ( وهو أشبه بقاضي دائرة الاستئناف في عصرنا الحاضر ) فنصب لهم قاضيا أسمه جميح بن حاضر الباجي فسمع شكواهم وحالهم مع القائد قتيبة وحكم بخروج المسلمين من سمرقند وأن يعود أهل سمرقند إلى حصونهم وينابذهم قتيبة على سواء ( أي يخبرهم بأنه سيغزوهم علنا قبل غزوه لهم ) ثم يحاربهم إن أبوا . وخضع القائد العظيم وجيشه لحكم القاضي ( جميح ) وهم المسلمون بالانسحاب من المدينة فلما رأى أهل سمرقند أن الأمر جد وأنهم لم يشهدوا عدلا مثل هذا العدل قالوا 🙁 مرحبا بكم سمعنا وأطعنا) وصدق الله العظيم حين يقول : ( وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين )
أهـم المصـادر والمراجـع
1- نظام القضاء في الإسلام / للمستشار جمال صادق المرصفاوي طبع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1401ه – 1981م
2- نظام القضاء في الشريعة الإسلامية / للدكتور عبد الكريم زيدان الطبعة الأولى 1404ه 1984م مطبعة العاني بغداد
3- القضاء في الإسلام / للدكتور / محمد عبد القادر أبو فارس / مكتبة الأقصى عمان – الطبعة الأولى 1398ه – 1978م
4- السلطة القضائية وشخصية القاضي في النظام الإسلامي / د. محمد عبد الرحمن البكر / الطبعة الأولى 1408ه – 1988م الزهراء للإعلام العربي – القاهرة
5- القضاء في الإسلام – تاريخه ونظامه / إبراهيم بخيت محمد عوض / مجمع البحوث الإسلامية – القاهرة 1975م – 1395ه
6- تاريخ القضاء في الإسلام / محمود بن محمد بن عرنوس / المطبعة المصرية الحديثة
7- أدب القاضي / للماوردي – تحقيق محمد هلال السرحان / وزارة الأوقاف بالعراق 1391ه – 1971م بغداد
8- أدب القضاء / لبن أبي الدم – تحقيق د. محمد مصطف الزحيلي / مجمع اللغة العربية بدمشق 1395ه – 1975م
9- شرح أدب القاضي / للخصاف – تحقيق محي هلال السدحان / وزارة الأوقاف بالعراق 1397ه – 1977م الطبعة الأولى
10-تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام / لابن فرحون المدني الطبعة الأولى المطبعة الأميرية 1306ه دار الكتب العالمية بيروت
11-لسان الحكام في معرفة الأحكام / لابن الشخينة / مصطفى الحلبي الطبعة الثانية 1393ه – 1973م
12-معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين / للطرابلسي / مصطفى الحلبي 1393ه 1973م
13-الأحكام السلطانية / للماوردي / تعليق خالد عبد اللطيف
14-روضة القضاة وطريق النجاة / لأبى القاسم الرهبي السماني تحقيق صلاح الدين الناهي مؤسسة الرسالة بيروت دار الفرقان عمان
https://islam.aljayyash.net-15
https://www.islamtoday.net-16
دولة الإمارات العربية المتحدة
وزارة التربية والتعليم
منطقة العين التعليمية
مدرسة أم غافة للتعليم الثانوي للبنين
بحث بعنوان:
تحت إشراف الأستاذ :
عمل الطالب:
الصف : الحادي عشر أدبي / ب
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)
فديتج والله انقذتيني
تسلمييييييييييييييييييييييييييييييييييين
- تاريخ.doc (80.5 كيلوبايت, 57 مشاهدات)