أبي معلومات عن عجائب وغرائب
الخلية العصبية
ضرووووووووووووووووري
باجر أخر موعد
الله يخليكم ردو علي
للدكتور فكري السيد عوض
أخصائي العيون بالجامعة
يوجد بالجسم البشري أجهزة غريبة معقدة التركيب كل منها له وظيفته، وكل ميسر لما خلق له، ويتحكم في ذلك كله جهاز يقوم بالتنسيق بين جميع تلك الأجهزة وينظم وظائفها، إنه الجهاز العصبي، حيث يتحكم في الجسم كله على الإطلاق.
وسنلقي بعض الضوء في عجالة سريعة حول ذلك الجهاز الرباني الدقيق الصنع؛ لنقف على حقيقة يتدبرها من يتدبر، لنقول بعدها: سبحان الذي خلق فسوى وقدر فهدى، وأن هذا الإنسان الذي أنشأه الله برعايته وتولاه بحفظه وعنايته، يقدر سبحانه وتعالى أن يخرسه أو يعميه أو يصمه أو يشله في أي لحظة من اللحظات وبدون مقدمات؛ {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يس / 83.
والجهاز العصبي يتكون من شقين:
الأول: جهاز مركزي: ويشمل المخ والنخاع الشوكي.
والثاني: جهاز فرعي: ويشمل الأعصاب المخية والأعصاب الشوكية والأعصاب الذاتية.
أولا: المخ:
يخرج منه اثنا عشر زوجا من الأعصاب المخية، فالأول للشم، والثاني للبصر، والثالث والرابع والسادس من أجل حركة العين، أما الخامس فيختص بنقل الأحاسيس من الوجه والجبهة والأسنان، ويحرك العضلات الماضغة، والسابع يقوم بتحريك عضلات الوجه والشفاه؛ فيسيطر وحده على ست وأربعين عضلة موزعة على الجانبين منها ست وعشرون عضلة حول الشفتين، والثامن خاص بحاسة السمع والاتزان؛ فينقل المسموعات إلى ما يزيد عن ثلاثين ألف خلية سمعية، والتاسع يختص بمنطقة البلعوم واللسان، والعاشر يغذي القلب والجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، والحادي عشر لتغذية الرقبة وفوق الكتف، والثاني عشر يختص بحركة عضلات اللسان الذي يحتوي على سبعة عشرة عضلة.
ولم أقصد إلى سرد محاضرة في التشريح، بل هو إيضاح حتى يمكن لنا أن نتخيل ماذا يحدث لو أصيب الإنسان بشلل في أحد هذه الأعصاب، وهنا ندرك قوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} إبراهيم /34، كما يقول الدكتور وتز – عميد كلية الطب في باريس وعضو أكاديمية العلوم -: (إذا أحسست في حين من الأحيان أن عقيدتي بالله تزعزعت وجهت وجهي إلى أكاديمية العلوم لتثبيتها)، وصدق الله إذ يقول: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} الجاثية / 4.
ويبلغ عدد الخلايا التي في الدماغ أربعة عشر مليار خلية، وكل منطقة من مناطق المخ تتراكم فيها أنواع خاصة من الخلايا أكثر من غيرها، فهذه منطقة للرؤية، وتلك للسمع، وثالثة للحركة، ورابعة للحس، وهكذا، ولوحظ أن خلايا الدماغ ترسل إشارات كهربائية أمكن تسجيلها ونقلها وتكبيرها بآلة ترسم هذه الإشارات بشكل خطوط وموجات مما فتح مجالات كثيرة أمام الطب، مثل تحديد بعض الأمراض المخيفة، والكشف عن بعض الأورام المدفونة في تلافيف المخ.
وكلما كان تركيب الشيء معقدا ووظيفته غالية كلما كانت العناية به فائقة والمحافظة عليه ضرورية؛ ولذلك نجد أن المخ تحميه الأشياء الآتية:
1- طبقة من العظام: وهي عظام الجمجمة التي تتكون من اثنتين وعشرين عظمة.
2- أغشية ثلاثة تغلفه.
3- سائل يحيط به من جميع الجهات ليكون حاميا له من الرضوض والصدمات.
إنها الرعاية الإلهية الشاملة، كما في الجنين وهو في رحم أمه حيث يحيط به السائل الأمنيوسي وثلاثة أغلفة.
ثانيا: النخاع الشوكي:
يتصل بالمخ عن طريق فتحة كبيرة في مؤخرة الجمجمة، ويقع النخاع الشوكي داخل قنوات في العمود الفقري، وأيضا تحوطه طبقة من العظام (عظام الفقرات) والأغلفة الثلاثة، والسائل الشوكي، ويبلغ طوله حوالي ثلاثة وأربعين سنتيمترا، وقطره حوالي سنتيمتر واحد، ويتفرع منه واحد وثلاثون زوجا من الأعصاب تخرج جميعها خلال ثقوب صغيرة من بين الفقرات، وتوزع على بقية أجزاء الجسم لتقوم بنقل الأحاسيس، وكل عصب شوكي موكل بنقل إحساس معين من مكان محدود، ويأمر مجموعة معينة من العضلات بأوامر معينة في دقة وانسجام.
وعملية نقل الحس تثير الدهشة والتعجب، حيث تنقل الأحاسيس إلى خلايا الأعصاب الشوكية في النخاع الشوكي؛ ليصل في النهاية إلى المخّ الذي يقوم بترجمتها وإصدار الأوامر إلى تلك الأعصاب؛ لتحرك عضلات معينة وفقا لما تقتضيه الحاجة، ولنا أن نتخيل أن عدد الإشارات التي تصب في الجهاز العصبي في كل ثانية (000ر000ر100) مائة مليون إشارة قادمة من الأعضاء الحسية، فالجلد مثلا يحتوي على الأجهزة الآتية:
(000ر000ر3 إلى 000ر000ر4) من ثلاثة إلى أربعة ملايين جهاز للألم.
(000ر500) خمسمائة ألف جهاز خاص باللمس أو الضغط.
(000ر200) مائتي ألف جهاز حساس للحرارة.
ومن هنا نستشعر قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً} النساء / 56.
وهناك نوع آخر من الإحساس هو الإحساس العميق (حس الأعضاء والعضلات والعظام)، وهذا من عمل المخيخ حيث يقوم بالمحافظة على اتزان الجسم وانسجام حركاته، وأي خلل بسيط يصيب المخيخ يعطل هذا التوازن فيضطرب المشي، وترتجف الأطراف، وتتقطع الكلمات، وعندما جربوا تخريب المخيخ في الطيور ثم ألقيت في الهواء سقطت كالجسم ليس فيها حراك، مع أنها تبصر ما يحل بها؛ لأنها لا تستطيع أن تنظم حركات أجنحتها.
ثالثا: الجهاز العصبي الذاتي:
وهو مجموعة من الأعصاب تنقسم إلى مجموعتين كل منهما يناقض الآخر:
المجموعة الأولى: تسمى بالأعصاب الودية أو التعاطفية:
وهذه تنشط في حالات الغضب أو القتال حيث ترسل الإشارات إلى المخ وتترجم لمواجهة الموقف بأقصى سرعة؛ فتقوم تلك الأعصاب بدورها العجيب من توفير للرؤيا (حيث تتسع حدقة العين)، وتوفير الغذاء (فيدفع السكر من مخازنه لكي تحرقه وتحوله إلى طاقة)، وتوفير الهواء (حيث يزداد عمق التنفس)، وتوفير الدم (حيث تزداد سرعة الدورة الدموية).
إنه الاستعداد التام السريع لمواجهة الخطر المفاجئ، إسراع في ضربات القلب، اندفاع الدم بسرعة إلى الأوعية الدموية، ارتفاع في ضغط الدم، انتفاخ في الأوداج، إفراز للعرق، ازدياد في عمق التنفس، حالة شديدة من الغيظ، وتثور شهوة الغضب، فإذا استطاع الإنسان أن يقهر نفسه بحلمه، ويصرعها بثباته، فإنه يكون كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس الشديد بالصرعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب" ، وقد بينت الشريعة الإسلامية الطرق العديدة لمواجهة حالة الغضب هذه كما يلي:
أ- بالقول: وهو الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، كما جاء في الحديث أنه استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم حتى عرف الغضب في وجه أحدهما؛ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد؛ لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد" .
ب- بالوضوء: وذلك كما جاء في الحديث الذي رواه أبو وائل القاص حيث قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي فكلمه رجل فأغضبه فقام فتوضأ؛ فقال: حدثني أبي عن جدي عطية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ"1.
ج- بتغيير وضع الجسم عند حدوث الغضب، وذلك كما جاء في الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري حيث قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع"2.
وقبل كل هذا نتذكر الوصية العظيمة التي جاءت في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أوصني ولا تكثر علي أو قال: وأقلله لي كي لا أنسى، قال: "لا تغضب".
المجموعة الثانية: الأعصاب نظير الودية:
وهي تنشط في حالات الأمان والهدوء والاسترخاء، عندئذ ينشط الجهاز الهضمي وتزداد الإفرازات، وتبطئ حركات القلب، ويقل التنفس.
وهكذا يظل الجسم في حالة اتزان عجيبة ما بين جهاز يسرع (إذا جاء الخوف والغضب) وما بين جهاز يبطئ (إذا جاء الاسترخاء والهدوء)، والإنسان لا يتحكم في هذا ولا ذاك، ولو حدث أي خلل في ذلك الاتزان المتقن لكانت له ويلاته الوخيمة التي يضيق المجال عن ذكرها، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} الرعد / 8.
بقي أن نعرف أن الخلية العصبية تتغذى كباقي الخلايا، وتتفاعل كما تتفاعل الخلايا الأخرى، وتركيبها الداخلي أيضا لا يفترق كثيرا عن الخلايا الأخرى، فما هو الشيء الكامن فيها بحيث تكون مقرا للتفكير والإدراك والخيال؟ لا جواب، كل الذي وصل إليه العلماء أنه يوجد بداخل الخلية العصبية جسيمات (جسيمات نيسل) لا توجد في الخلايا الأخرى، ووجد أنها تكثر أثناء الراحة وتقل أثناء العمل.
ولا يزال البحث جاريا للكشف عن هذا السر والوقوف على الأشياء الكثيرة التي مازالت في عالم المجهول، بالرغم من تقدم العلم إلى أقصى مداه، وصدق الله: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاًّ قَلِيلاً}.
وتوجد أمراض كثيرة تصيب هذا لجهاز الغالي، وتحدث أعراضا غريبة ومخيفة، وسنذكر منها أعراض حالة واحدة تجعل الإنسان يفقد أعز ما وهبه الله، وهذه الحالة تسمى (الحبسة)، وتحدث بأحد الأشكال الآتية:
أ- تجد المريض يسمع جيدا ويفهم ما يقال له، ويرى جيدا ويفهم ما يراه، ومع كل هذا لا يستطيع أن ينطق بالكلمة التي سمعها أو يكتب الشيء الذي رآه.
ب- المريض يسمع لكنه لا يفهم ما يسمعه، مع أنه يتكلم ولكن لا فائدة ولا معنى لكلامه.
ج- المريض يقرأ ويكتب ويرى الكتابة، ولكنه لا يفهم معناها.
د- له عين سليمة، وأذن طبيعية، وأحبال صوتية عادية، لكنه إذا رأى لا يفهم ما يراه، وإذا سمع لا يعقل ما سمعه، وإذا أراد النطق عجز عن ذلك.
أظن بعد هذا الجزء القليل من هذا المرض المخيف الذي أصاب مركزا واحدا من مراكز المخ العديدة أنه لا يعقل أن يتكبر هذا الإنسان الذي خلق من طين، وأصبح خصيما مبينا، بل من البديهي أن يشكر الله الذي أفاض عليه من نعمه وهداه وعافاه.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا واجعله الوارث منا.
وهناك نقطة أخيرة نختم بها الحديث، وهي ماذا يحدث لهذا الجهاز العصبي الذي تفضل الله به علينا وأمرنا بالمحافظة عليه، ماذا يحدث له إذا شذّ الإنسان عن نهج الله وخالف أوامر ربه؟
الإجابة عديدة ومتفرعة وسنقتصر على جزء قليل من ناحية واحدة فقط، وهي تأثير الخمر على ذلك الحهاز العزيز.
فالخمر كما هو معروف في اللغة خمر الشيء: ستره، خمر وجهه أي غطاه، فماذا تفعل الخمر؟ إنها تستر وتغطي هذا الجهاز الدقيق فيختل عمله وتعتل وظيفته، سواء كان هذا المسكر له تأثير مباشر بسمومه على الجهاز العصبي حيث يسبب ضمورا لخلايا المخ والمخيخ والعضلات، أو كان تأثيرها بطريقة غير مباشرة على الجهاز العصبي، وذلك لما تسببه من نقص في بعض مجموعة فيتامين ب المركب، (وذلك لما ينتج عنها من التهابات في جدار المعدة والأمعاء وسوء الامتصاص من الأمعاء، وكذلك لأن الخمر (الكحول) ذات سعر حراري مرتفع يحتاج لأكسدته كميات كبيرة من فيتامين ب المركب)، وإذا ما حدث هذا النقص أدى إلى أمراض كثيرة وعديدة منها التهابات الأعصاب سواء كانت هذه الأعصاب مخية أو نخاعية أو ذاتية.
وما نراه عند المدمنين من ارتعاش في اليدين، وحالات الهلوسة (حيث يتخيل المريض أن أمامه أشباحا يراها بعينه، ويسمع أصواتا لا وجود لها، ويشم روائح كريهة لا أساس لها، وهكذا تصبح حياته كلها في خيالات وأوهام مخيفة)، وكذلك ما نراه من حالات الصرع والتشنجات لما تسببه من تهيج لخلايا المخ، فإن الإنسان إذا ما وصل إلى هذه المرحلة، فإن العلاج يتطلب جهدا خارقا وتخصصات دقيقة وإمكانات لإنقاذه، وربما مع كل هذا لا يتم شفاؤه.
ومن هنا كانت التنبيهات والتأكيدات المتتابعة لعدم الاقتراب من الخمر حينما قرنها الله تعالى بالميسر والأنصاب والأزلام، وحينما وصفها بأنها رجس، وأنها من عمل الشيطان، وأنها وسيلة لإيقاع العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعدم الفلاح، ولذا كان لابد من اجتنابها وسد كل الطرق المؤدية إليها، والحذر دائما وفي كل حين من هذه الآفة اللعينة؛ وصدق الله العظيم إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} المائدة /90- 92.
ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
في ميزان حسناتج إن شاء لله