ولد أمير الشعراء أحمد شوقي عام 1870م في مصر التي صبغته بعروبتها وإسلامها، فقد تحدّر من أعراق مختلطة، فكان جدّه لأبيه كرديّا، وكانت جدّته لأبيه يونانية تعمل في قصر الخديوي، لكن أبويه وُلدا بمصر وتربّيا في رحابها
موضوع:
أميـــر الشـعـراء أحمــد شــوقي
نشأ شوقي في القاهرة، وضمن له تفوقه الدراسي مجانية تعليمية في مدرسة الحقوق، وعندما تخرج منها عام 1887م، عيّنه الخديوي توفيق في قصره، وأرسله إلى فرنسا في بعثة لدراسة الحقوق والترجمة طالت حتى عام 1893م، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية، واشترك خلالها مع زملاء البعثة في تكوين جمعية التقدم المصري التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنجليزي وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية، وطوال فترة إقامته بأوروبا كان فيها بجسده بينما ظل قلبه معلقًا بالثقافة العربية وبالشعراء العرب الكبار وعلى رأسهم المتنبي.
الرحلة الحاسمة
بعد عودته إلى مصر، تعدّدت رحلات شوقي إلى تركيا والدول الأوروبية، إلا أن رحلة منها كانت مثل رحلته الدراسية الأولى، حاسمةً في تشكيل مصيره، فقد كانت تلك الرحلة عام 1915م إلى برشلونة الإسبانية التي اختارها الشاعر منفىً له عندما أُمر بمغادرة مصر بعد خلع الإنجليز للخديوي عباس حلمي، وتأمل شوقي مشاهد الحضارة العربية والإسلامية في الأندلس، كما تعززت نزعته الوطنية الغلابة في عشق مصر والتغني بأمجادها، وشهدت سنواته التالية ذروة تألقه الإبداعي في التعبير عن الضمير القومي، وشحذه لإمكاناته الإبداعية، وتوجيه طاقاته الخلاقة لتجديد روح الشعر العربي وتمكين صياغته.
وبلغ حنينه لمصر أوجهه فأرسل إلى الشاعر حافظ إبراهيم أبياتاً ثلاثة قال فيها:
يا ساكني مصر إنــا لا نزال على عــــــــــــهد الوفاء وإن غبنا مقيمينا
هلا بعثتم لنا مــن ماء نـــــــهركم شيئاً نبل بـــــــــــــه أحشاء صادينا
كل المناهل بعد النيل آســـــــــــنة ما أبعد النيل إلا عــــــــــــــن أمانينا
فأجابه حافظ بهذه الأبيات:
عجبت للنيل يدري أن بلـــــــــبله صــــاد ويسقي ربا مصر ويسقينا
والله ما طاب للأصحاب مـورده ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا
لم ننأ عنه وإن فـــــارقت شاطئه وقـــــد نأينا وإن كـــنا مـــــــقيمينا
ويتغذى أسلوبه من رصيد ثقافي واسع يمثل عصارة مصفّاة من التراث العربي الغني ومن المعارف الإنسانية، وتميز بالتوازن بين الفكر والفن، واعتمد شوقي على توظيف عدد من التقنيات الشعرية الفعالة لتوليد الدلالات الكلية، ومن أهمها تجانس التراكيب والاشتقاقات، ومفارقات الصياغة، وآليات التكرار وطرائق التصوير والتجسيد، مع قدرة فائقة على إشباع الحس الجمالي للقارئ العربي والاستجابة لتوقعاته.
إمارة الشعر
أصبح شوقي شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير، وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر عام 1346هـ/1927م في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضواً في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات"، وحضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي بشـعر أمـــــيـر الدولتيـن ورجعي
أعيدي على الأسماع ما غردت به يراعة شـوقي في ابتـداء ومقطع
أمـــــــيـر القوافـي قد أتيت مبايعـاً وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
المسرحيات الشعرية
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر، فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا، لكنه عدل عنه إلى فن القصيد، وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة التي استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهوراً، وكتب واحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم وهي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، كما أن له مسرحيتان هزليتان، هما "الست هدى" و"البخيلة"، ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثراً، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد، وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته مع ضعف الطابع الدرامي، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
مكانته
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة لا يجد معها عناء في نظم القصيدة، فدائماً كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشياً أو جالساً بين أصحابه، حاضراً بينهم بشخصه، غائباً عنهم بفكره، ولهذا كان من أخصب شعراء العربية، إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألفاً وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث، وكان مثقفًا ثقافة متنوعة الجوانب، فقد انكب على قراءة الشعر العربي في عصور ازدهاره، وصحب كبار شعرائه، وأدام النظر في مطالعة كتب اللغة والأدب، وكان ذا حافظة لاقطة لا تجد عناء في استظهار ما تقرأه، حتى قيل بأنه كان يحفظ أبواباً كاملة من بعض المعاجم، وكان مغرماً بالتاريخ، تشهد على ذلك قصائده التي لا تخلو من إشارات تاريخية لا يعرفها إلا المتعمقون في دراسة التاريخ، وتدل رائعته الكبرى "كبار الحوادث في وادي النيل" التي نظمها وهو في شرخ الشباب على علمه بالتاريخ قديمه وحديثه، وكان ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتآلف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحناً صافياً ونغماً رائعاً لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
كان الشاعر محمود سامي البارودي على ضفة النيل ينظم الشعر، ولكنه حينما نظم شطر البيت الأول وهو: أتغلبني ذات الدلال على صبري، أمسك ولم تسعفه القريحة حينذاك لإكمال القصيدة كعادة معظم الشعراء، وكان شوقي حاضراً فأتمه بقصيدة طويلة يقول مطلعها:
أتغلبني ذات الدلال على صبري إذاً أنا أولى بالقــــناع وبالخدر
تتيه، ولي حـــــــلم إذا ما ركبته رددت به أمر الغرام إلى أمري
وما دفعي اللوام فيها ســــــآمة ولــــــكن نفس الحر أزجر للحر
وإلى جانب ثقافته العربية فقد كان أمير الشعراء متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة، وقد نظم الشعر العربي في كل أغراضه من مديح ورثاء وغزل ووصف وحكمة، وله آثار نثرية كتبها في مطلع حياته الأدبية، مثل: "عذراء الهند"، ورواية "لادياس"، و"ورقة الآس"، و"أسواق الذهب" الذي حاكى فيه كتاب "أطواق الذهب" للزمخشري، وما يشيع فيه من وعظ في عبارات مسجوعة.
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه وصنع منها ديواناً جديداً في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
خصوبة وثراء وإبداع
ضم ديوانه "الشوقيات" 11.320 بيتًا، وبلغت "أرجوزة دول العرب" و"عظماء الإسلام" 1365 بيتًا، كما وصل شعره المسرحي إلى 6179 بيتًا، بالإضافة إلى الشوقيات المجهولة التي نشرها الدكتور السربوني والتي وصل عددها إلى ما يقرب من 4700 بيت مما يشهد بخصوبة شوقي وثراء منجزه الإبداعي في الشعر وبجدارته ليكون شاعر العروبة والإسلام في العصر الحديث.
وحين توفى حافظ إبراهيم أيقن شوقي أن أجله قد اقترب فاغتم وحزن وسافر إلى الإسكندرية كأنما يهرب من المصير المحتوم، ورثاه بقصيدة رائعة يقول في مطلعها:
قــــد كنت أُوثر أن تقول رثائي يا منصف الموتى من الأحياء
لكن سبقت وكل طول ســـــلامة قــــــــــــــدر، وكل منية بقضاء
الحق نادى فاستجبتَ، ولم تزل بالـــــــــحق تحفل عند كل نداء
ومن شعر شوقي اخترنا لك عزيزي القارئ هذه القصيدة التي يقول فيها:
شــــــــيعت أحــلامـي بقــــــــــــلب باك ولمحت من طرق الملاح شباكي
ورجـــــــــــــعت أدراج الشــباب وورده أمشي مكــــانهما على الأشواك
وبجـــــــــانبي واهٍ، كأن خفـــــــــــــوقه لمـــــــــــا تلفت جهشة المتباكي
شاكي السلاح إذا خــــــــــلا بضلوعه فـــــــــــإذا أهيب به فليس بشاك
قــــــد راعه أني طــــــــــويت حبائلي من بعد طـــــول تناول وفكــــــاك
ويـــــــح ابــــــــــن جنبي كل غاية لذة بعد الشـــــــباب عــزيزة الإدراك
لـــــــــم تبق مـــــــــنا ـ يا فؤاد ـ بقية لـــــــفتوة، أو فضــــلة لــــعراك
كـــــــــــــنا إذا صفّقت نستبق الـــهوى ونشـــــد شد العصــبة الفــــــتاك
والـــــــيوم تبعث فــــــيّ حــــين تهزني ما يبـــــعث الناقوس في النساك
يا جـــــــــارة الوادي طــــربت وعادني ما يشــــــــبه الأحلام من ذكراك
مثلت في الذكرى هواك وفي الكـــــرى والذكريات صدى السنين الحاكي
ولقـــــــد مــــررت على الرياض بربوة غــــــــــــــــناء كنت حيالها ألقاك
ضحكت إلي وجوهــــــــــــــها وعيونها ووجـــــــــــدت في أنفاسها رياك
فـــــذهبت في الأيام أذكــــــــــــر رفرفاً بين الجـــــــداول والعيون حواك
أذكـــــــــــــرت هرولة الصبابة والهوى لمــــــــــا خطرت يقبّلان خطاك؟
لم أدر ما طيب الـــــــعناق على الهوى حتى تــــــــرفق ساعدي فطواك
وتأودت أعطاف بانـــــــــــــــــك في يدي واحمـــــــــر من خفريهما خداك
ودخلت في ليلين: فرعـــــــــــك والدجى ولثمـــــــــت كالصبح المنور فاك
ووجـــــــــدت في كنه الجـــــوانح نشوة من طيب فيك، ومن سلاف لماك
وتعطلت لغة الكـــــــــلام وخـــــــــاطبت عيني فــــــــــي لغة الهوى عيناك
ومحـــــــــوت كل لبانة مـــــــن خاطري ونسيت كـــــــــــــل تعاتب وتشاكي
لا أمس من عمــــــــــر الزمان ولا غد جمع الزمان فكــــــــان يوم رضاك
الخاتمه:
وانتقل أميــر الشـــعراء إلى رحمـــة الله مخلفــاً للأمة العربية تراثـــاً شعــرياً خالداً بتـــاريخ 14 أكتوبر 1932م وهـــو نفس العــام الذي مـــات فيه حافظ إبراهيم.
المرجع :
الانترنت(https://pr.sv.net/svw/2005/march/education.htm)
كان الشعر العربي على موعد مع القدر، ينتظر من يأخذ بيده، ويبعث فيه روحًا جديدة تبث فيه الحركة والحياة، وتعيد له الدماء في الأوصال، فتتورد وجنتاه نضرة وجمالاً بعد أن ظل قرونًا عديدة واهن البدن، خامل الحركة، كليل البصر . وشاء الله أن يكون "البارودي" هو الذي يعيد الروح إلى الشعر العربي، ويلبسه أثوابًا قشيبة، زاهية اللون، بديعة الشكل والصورة، ويوصله بماضيه التليد، بفضل موهبته الفذة وثقافته الواسعة وتجاربه الغنية ولم يشأ الله تعالى أن يكون البارودي هو وحده فارس الحلبة ونجم عصره- وإن كان له فضل السبق والريادة- فلقيت روحه الشعرية الوثابة نفوسًا تعلقت بها، فملأت الدنيا شعرًا بكوكبة من الشعراء من أمثال: إسماعيل صبري، وحافظ إبراهيم، وأحمد محرم، وأحمد نسيم، وأحمد الكاشف، وعبد الحليم المصري. وكان أحمد شوقي هو نجم هذه الكوكبة وأميرها بلا منازع بل عن رضى واختيار، فقد ملأ الدنيا بشعره، وشغل الناس، وأشجى القلوب .
الموضـوع:
المولد والنشأة :
ولد أحمد شوقي بحي الحنفي بالقاهرة في (20 من رجب 1287 هـ = 16 من أكتوبر 1870م
لأب شركسي وأم من أصول يونانية، وكانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، وعلى جانب من الغنى والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغًا واضحًا كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظًا واستظهارًا، فبدأ الشعر يجري على لسانه.وبعد أن أنهى تعليمه بالمدرسة وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثًا، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ "محمد البسيوني"، ورأى فيه مشروع شاعر كبير، فشجّعه، وكان الشيخ بسيوني يُدّرس البلاغة في مدرسة الحقوق ويُنظِّم الشعر في مدح الخديوي توفيق في المناسبات، وبلغ من إعجابه بموهبة تلميذه أنه كان يعرض عليه قصائده قبل ينشرها في جريدة الوقائع المصرية، وأنه أثنى عليه في حضرة الخديوي، وأفهمه أنه جدير بالرعاية، وهو ما جعل الخديوي يدعوه لمقابلته.
السفر إلى فرنسا:
وبعد عامين من الدراسة تخرّج من المدرسة، والتحق بقصر الخديوي توفيق، الذي ما لبث أن أرسله على نفقته الخاصة إلى فرنسا، فالتحق بجامعة "مونبلييه" لمدة عامين لدراسة القانون، ثم انتقل إلى جامعة باريس لاستكمال دراسته حتى حصل على إجازة الحقوق سنة (1311هـ = 1893م)، ثم مكث أربعة أشهر قبل أن يغادر فرنسا في دراسة الأدب الفرنسي دراسة جيدة ومطالعة إنتاج كبار الكتاب والشعر.
العودة إلى مصر:
عاد شوقي إلى مصر فوجد الخديوي عباس حلمي يجلس على عرش مصر، فعيّنه بقسم الترجمة في القصر، ثم ما لم لبث أن توثَّقت علاقته بالخديوي الذي رأى في شعره عونًا له في صراعه مع الإنجليز، فقرَّبه إليه بعد أن ارتفعت منزلته عنده، وخصَّه الشاعر العظيم بمدائحه في غدوه ورواحه، وظل شوقي يعمل في القصر حتى خلع الإنجليز عباس الثاني عن عرش مصر، وأعلنوا الحماية عليها سنة (1941م)، وولّوا حسين كامل سلطنة مصر، وطلبوا من الشاعر مغادرة البلاد، فاختار النفي إلى برشلونة في إسبانيا، وأقام مع أسرته في دار جميلة تطل على البحر المتوسط.
شعره في هذه الفترة:
ودار شعر شوقي في هذه الفترة التي سبقت نفيه حول المديح؛ حيث غمر الخديوي عباس حلمي بمدائحه والدفاع عنه، وهجاء أعدائه، ولم يترك مناسبة إلا قدَّم فيها مدحه وتهنئته له، منذ أن جلس على عرش مصر حتى خُلع من الحكم، ويمتلئ الديوان بقصائد كثيرة من هذا الغرض.ووقف شوقي مع الخديوي عباس حلمي في صراعه مع الإنجليز ومع من يوالونهم، لا نقمة على المحتلين فحسب، بل رعاية ودفاعًا عن ولي نعمته كذلك، فهاجم رياض باشا رئيس النُظّار حين ألقى خطابًا أثنى فيه على الإنجليز وأشاد بفضلهم على مصر، وقد هجاه شوقي بقصيدة عنيفة جاء فيها:
غمرت القوم إطراءً وحمدًا وهم غمروك بالنعم الجسام
خطبت فكنت خطبًا لا خطيبًا أضيف إلى مصائبنا العظام
لهجت بالاحتلال وما أتاه وجرحك منه لو أحسست دام
وبلغ من تشيعه للقصر وارتباطه بالخديوي أنه ذمَّ أحمد عرابي وهجاه بقصيدة موجعة، ولم يرث صديقه مصطفى كامل إلا بعد فترة، وكانت قد انقطعت علاقته بالخديوي بعد أن رفع الأخير يده عن مساندة الحركة الوطنية بعد سياسة الوفاق بين الإنجليز والقصر الملكي؛ ولذلك تأخر رثاء شوقي بعد أن استوثق من عدم إغضاب الخديوي، وجاء رثاؤه لمصطفى كامل شديد اللوعة صادق الأحزان، قوي الرنين، بديع السبك والنظم، وإن خلت قصيدته من الحديث عن زعامة مصطفى كامل وجهاده ضد المستعمر، ومطلع القصيدة:
المشرقان عليك ينتحبان قاصميهما في مأتم والدان
يا خادم الإسلام أجر مجاهد في الله من خلد ومن رضوان
كما اتجه شوقي إلى الحكاية على لسان الحيوان، وبدأ في نظم هذا الجنس الأدبي منذ أن كان طالبًا في فرنسا؛ ليتخذ منه وسيلة فنية يبث من خلالها نوازعه الأخلاقية والوطنية والاجتماعية، ويوقظ الإحساس بين مواطنيه بمآسي الاستعمار ومكائده.
النفي إلى إسبانيا:
وفي الفترة التي قضاها شوقي في إسبانيا تعلم لغتها، وأنفق وقته في قراءة كتب التاريخ، خاصة تاريخ الأندلس، وعكف على قراءة عيون الأدب العربي قراءة متأنية، وزار آثار المسلمين وحضارتهم في إشبيلية وقرطبة وغرناطة.وأثمرت هذه القراءات أن نظم شوقي أرجوزته "دول العرب وعظماء الإسلام"، وهي تضم 1400 بيت موزعة على (24) قصيدة، تحكي تاريخ المسلمين منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة، على أنها رغم ضخامتها أقرب إلى الشعر التعليمي، وقد نُشرت بعد وفاته.وفي المنفى اشتد به الحنين إلى الوطن وطال به الاشتياق وملك عليه جوارحه وأنفاسه. ولم يجد من سلوى سوى شعره يبثه لواعج نفسه وخطرات قلبه، وظفر الشعر العربي بقصائد تعد من روائع الشعر صدقًا في العاطفة وجمالاً في التصوير، لعل أشهرها قصيدته التي بعنوان "الرحلة إلى الأندلس"، وهي معارضة لقصيدة البحتري التي يصف فيها إيوان كسرى، ومطلعها:
صنت نفسي عما يدنس نفسي وترفعت عن جدا كل جبس
العودة إلى الوطن:
عاد شوقي إلى الوطن في سنة (1339هـ = 1920م)، واستقبله الشعب استقبالاً رائعًا واحتشد الآلاف لتحيته، وكان على رأس مستقبليه الشاعر الكبير "حافظ إبراهيم"، وجاءت عودته بعد أن قويت الحركة الوطنية واشتد عودها بعد ثورة 1919م، وتخضبت أرض الوطن بدماء الشهداء، فمال شوقي إلى جانب الشعب، وتغنَّى في شعره بعواطف قومه وعبّر عن آمالهم في التحرر والاستقلال والنظام النيابي والتعليم، ولم يترك مناسبة وطنية إلا سجّل فيها مشاعر الوطن وما يجيش في صدور أبنائه من آمال.
لقد انقطعت علاقته بالقصر واسترد الطائر المغرد حريته، وخرج من القفص الذهبي، وأصبح شاعر الشعب المصري وترجمانه الأمين، فحين يرى زعماء الأحزاب وصحفها يتناحرون فيما بينهم، والمحتل الإنجليزي لا يزال جاثم على صدر الوطن، يصيح فيهم قائلاً:
إلام الخلف بينكم إلاما؟ وهذي الضجة الكبرى علاما؟
وفيم يكيد بعضكم لبعض وتبدون العداوة والخصـاما؟
ورأى في التاريخ الفرعوني وأمجاده ما يثير أبناء الشعب ويدفعهم إلى الأمام والتحرر، فنظم قصائد عن النيل والأهرام وأبي الهول. ولما اكتشفت مقبرة توت عنخ أمون وقف العالم مندهشًا أمام آثارها المبهرة، ورأى شوقي في ذلك فرصة للتغني بأمجاد مصر؛ حتى يُحرِّك في النفوس الأمل ويدفعها إلى الرقي والطموح
وامتد شعر شوقي بأجنحته ليعبر عن آمال العرب وقضاياهم ومعاركهم ضد المستعمر، فنظم في "نكبة دمشق" وفي "نكبة بيروت" وفي ذكرى استقلال سوريا وذكرى شهدائها، ومن أبدع شعره قصيدته في "نكبة دمشق" التي سجّل فيها أحداث الثورة التي اشتعلت في دمشق ضد الاحتلال الفرنسي، ومنها:
بني سوريّة اطرحوا الأماني وألقوا عنكم الأحلام ألقوا
إمارة الشعر:
أصبح شوقي بعد عودته شاعر الأمة المُعبر عن قضاياها، لا تفوته مناسبة وطنية إلا شارك فيها بشعره، وقابلته الأمة بكل تقدير وأنزلته منزلة عالية، وبايعه شعراؤها بإمارة الشعر سنة (1346هـ = 1927م) في حفل أقيم بدار الأوبرا بمناسبة اختياره عضوًا في مجلس الشيوخ، وقيامه بإعادة طبع ديوانه "الشوقيات". وقد حضر الحفل وفود من أدباء العالم العربي وشعرائه، وأعلن حافظ إبراهيم باسمهم مبايعته بإمارة الشعر
قائلاً:
بلابل وادي النيل بالشرق اسجعي بشعر أمير الدولتين ورجِّعـــي
أعيدي على الأسماع ما غردت به براعة شوقي في ابتداء ومقطــع
أمير القوافي قد أتيـــت مبايعًا وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
مسرحيات شوقي:
بلغ أحمد شوقي قمة مجده، وأحس أنه قد حقق كل أمانيه بعد أن بايعه شعراء العرب بإمارة الشعر فبدأ يتجه إلى فن المسرحية الشعرية، وكان قد بدأ في ذلك أثناء إقامته في فرنسا لكنه عدل عنه إلى فن القصيد وأخذ ينشر على الناس مسرحياته الشعرية الرائعة، استمد اثنتين منها من التاريخ المصري القديم، وهما: "مصرع كليوباترا" و"قمبيز"، والأولى منهما هي أولى مسرحياته ظهورًا
وواحدة من التاريخ الإسلامي هي "مجنون ليلى"، ومثلها من التاريخ العربي القديم هي "عنترة"، وأخرى من التاريخ المصري العثماني وهي "علي بك الكبير"، وله مسرحيتان هزليتان، هما: "الست هدي"، و"البخيلة". ولأمر غير معلوم كتب مسرحية "أميرة الأندلس" نثرًا، مع أن بطلها أو أحد أبطالها البارزين هو الشاعر المعتمد بن عباد.
وقد غلب الطابع الغنائي والأخلاقي على مسرحياته، وضعف الطابع الدرامي، وكانت الحركة المسرحية بطيئة لشدة طول أجزاء كثيرة من الحوار، غير أن هذه المآخذ لا تُفقِد مسرحيات شوقي قيمتها الشعرية الغنائية، ولا تنفي عنها كونها ركيزة الشعر الدرامي في الأدب العربي الحديث.
مكانة شوقي:
منح الله شوقي موهبة شعرية فذة، وبديهة سيالة، لا يجد عناء في نظم القصيدة، فدائمًا كانت المعاني تنثال عليه انثيالاً وكأنها المطر الهطول، يغمغم بالشعر ماشيًا أو جالسًا بين أصحابه، حاضرًا بينهم بشخصه غائبًا عنهم بفكره؛ ولهذا كان من أخصب شعراء العربية؛ إذ بلغ نتاجه الشعري ما يتجاوز ثلاثة وعشرين ألف بيت وخمسمائة بيت، ولعل هذا الرقم لم يبلغه شاعر عربي قديم أو حديث.
وإلى جانب ثقافته العربية كان متقنًا للفرنسية التي مكنته من الاطلاع على آدابها والنهل من فنونها والتأثر بشعرائها، وهذا ما ظهر في بعض نتاجه وما استحدثه في العربية من كتابة المسرحية الشعرية لأول مرة.
وقد جمع شوقي شعره الغنائي في ديوان سماه "الشوقيات"، ثم قام الدكتور محمد صبري السربوني بجمع الأشعار التي لم يضمها ديوانه، وصنع منها ديوانًا جديدًا في مجلدين أطلق عليه "الشوقيات المجهولة".
وفــاته:
ظل شوقي محل تقدير الناس وموضع إعجابهم ولسان حالهم، حتى إن الموت فاجأه بعد فراغه من نظم قصيدة طويلة يحيي بها مشروع القرش الذي نهض به شباب مصر، وفاضت روحه الكريمة في (13 من جمادى الآخرة = 14 من أكتوبر 1932م.
الخاتمة :
في هذا التقرير تطرقت لبعض جوانب حياة احمد شوقي ومكانته . وكان شوقي ذا حس لغوي مرهف وفطرة موسيقية بارعة في اختيار الألفاظ التي تتألف مع بعضها لتحدث النغم الذي يثير الطرب ويجذب الأسماع، فجاء شعره لحنًا صافيًا ونغمًا رائعًا لم تعرفه العربية إلا لقلة قليلة من فحول الشعراء.
رأي الخـــــــاص:
أن تكون بعض من قصائد الشاعر أحمد شوقي في الكتب الدراسية وليس شرط أن تكون منهج للدراسة ولكن يكون دراسة ذاتية ليتعرف الطالب عن الشعر الجميل لأمير الشعراء.
مراجع وتوثيـــق :
كتاب أحمد شوقي (منشورات المكتب التجاري – بيروت (1970م).. للمؤلف : محمد مندور
كتاب أحمد شوقي( الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة (1985م). للمؤلف : ماهر حسن فهم
كتاب (شعراء الوطنية – مكتبة النهضة المصرية – القاهرة (1373هـ = 1954م). للمؤلف : عبد الرحمن الرافعي)
كتاب (شوقي شاعر العصر الحديث – دار المعارف – القاهرة (1975م). للمؤلف : شوقي ضيف
www.sh-mohammed.com/dros
https://www.rimsh.com/forum/showthread.php?p=6280
https://a7babuae.blogspot.com/2010/03…post_8637.html