ضروري بلييييييييز لا تردوني
لا ينحصر جمال المدن الكبرى والتجمعات الحضرية الأخرى في كثرة المباني وأناقة مظهرها وتعدد نظمها الهندسية وجمال واجهاتها واتساع الشوارع ورحابة الساحات . فهذه مقومات للوحة صامتة لا تدب فيها الحياة ولا يتكامل جمالها إلا بالحدائق والمسطحات الخضراء .
ولقد أصبح الاهتمام بالتشجير وإقامة الحدائق من المعالم التي تعكس حضارة الأمم ورقي شعوبها . فقد نهجت منذ زمن بعيد كل البلدان المتحضرة هذا النهج وعمدت إلى تجميل مدنها بالحدائق وتزيينها بأشجار الشوارع رغبةً منها في تخفيف وهج الشمس وكسر حدتها وتلطيف الجو وتنقيته وتأمين الظل …. فضلاً عما تضفيه الأشجار والورود من جمال وبهجة .
فالتشجير الاصطناعي بالأشجار والشجيرات الخشبية هو الوسيلة الأكثر فعالية في تحسين ظروف البيئة المحلية وفي مكافحة التصحر . وإن من أهم موجبات نجاح عمليات التشجير الاصطناعي هو حسن اختيار الأشجار والشجيرات وفق المعايير والاعتبارات البيئية.
وللمملكة قصب سبق في مجال التشجير فقد قامت فيها خلال العقود القليلة الماضية حملة كبيرة للتوسع في التشجير الوقائي بغية حماية البيئة وتحسينها وتثبيت الرمال وحماية الطرق والمدن والبساتين وذلك بالرغم من الظروف البيئية القاسية السائدة في البلاد خاصة فيما يتعلق بشدة الجفاف وندرة المياه وتردي نوعية التربة وتدني خصوبتها . لقد أسفرت هذه النهضة المتميزة في التشجير عن نتائج باهرة , ولكن مسيرتها لم تخلو مع ذلك من بعض الهنات والثغرات ومواطن الإخفاق , التي أضحت دروساً بيئية في التشجير يستفاد منها في تصحيح المسار . ونعني بذلك أكثر ما نعني سوء اختيار أنواع الأشجار و الشجيرات الخشبية التي استعملت في التشجير دون مراعاة لمتطلباتها البيئية وخصائص موطنها الأصلي , فأتت النتائج مخيبة للآمال, كما حصل في صيف عام 1998 م حيث أدى الارتفاع الشديد المستمر والمثابر في درجة الحرارة إلى موت آلاف الأشجار المدخلة الخشبية والتزيينية في مدينة الرياض بمفردها فضلاً عما حدث في مدن المملكة الأخرى .
وتأتي هذه الدراسة لتلقي الضوء على الأشجار والشجيرات المدخلة الخشبية والتزيينية المستعملة في مختلف أنماط التشجير الاصطناعي (حدائق , شوارع , ساحات عامة , طرق عادية وسريعة , غابات اصطناعية وأسيجة ومصدات رياح ….) بهدف تقييم سلوكها حيال ظاهرة الارتفاع الاستثنائي في درجة حرارة الهواء خلال صيف عام 1998م .
الموضوع:
المواد والطــرق :
لقد شملت التحريات الميدانية نباتات خشبية غابية وأخرى تزيينية وشملت كذلك أشجاراً مثمرة مختلفة ( كالرمان والحمضيات ) في حدائق عامة وأطراف شوارع وطرق عامة وفي تجمعات تشجير اصطناعي, وذلك في مدينة الرياض وظاهرها بشكل خاص وفي الهفوف وبعض مدن القصيم بشكل عام .
اُستعمل في تحديد مدى تأثر الأشجار والشجيرات الخشبية والتزيينية لظاهرة الارتفاع الاستثنائي في درجة حرارة صيف عام 1998 المقياس التصنيفي التالي , والذي يمثل فيه كل رمز مرحلة متدرجة من مراحل التأثر لدى النباتات ثنائيات الفلقة وعريانات البذور الشجرية والشجيرية :
+ : التأثر ينال أطراف بعض الأوراق (تأثر طفيف أو محدود )
+ + : التأثر يظهر على أطراف معظم الأوراق وكذلك على أطراف بعض الأفرع الفتية ( تأثر متوسط)
+ + + : التأثر يظهر على كامل النصل (الصفيحة) لجزء كبير من المجموع الورقي , وكذلك على أطراف الأفرع الفتية والمسنة (تأثر شديد).
+ + + + : التأثر يظهر على كامل النصل ولكل المجموع الورقي , وكذلك جزء كبير من الأفرع الفتية والمسنة وقد ينتهي بموت الشجرة بالكامل التي قد لا تخلف بعد القطع (تأثر شديد جداً ).
أما فيما يخص وحيدات الفلقة فقد آثرنا أن نستعمل لها مقياساً خاصاً مبيناً فيما يلي . وذلك لاختلاف الطبيعة المورفولوجية للتأثر بظاهرة الحرارة الشديدة عند هذه المجموعة مقارنةً مع مجموعة ثنائي الفلقة وعريانات البذور :
+ : التأثر يتجلى بظهور منطقة صفراء بنية شريطية ضيقة تحيط بعروق بعض الأوراق الفتية (تأثر طفيف أو محدود ) .
+ + : منطقة التأثر الشريطية أكثر عرضاً وتظهر على جميع الأوراق الفتية (تأثر متوسط).
+ + + : التأثر يتجلى بموت كلي لبعض الأوراق الفتية , إضافة إلى تأثر بعض الأوراق المسنة أيضاً (تأثر شديد) .
+ + + + : التأثر يتجلى بموت كامل المجموع الورقي ( تأثر شديد جداً ) .
الأنواع التي أبدت تأثراً طفيفاً (+) :
السرسوع : Dalbergia sisso
تأثر بشكل طفيف ولم يتعد التأثر أطراف بعض الأوراق الفتية التي ظهرت بلون بني مصفر . وما يظهر على النبات عند النظر إليه عن بعد من تلون بالبني الفاتح إنما يعزى إلى وجود الثمار القديمة الجافة التي تبقى عالقة بكثافة بالشجرة .
لوز البحرين : Terminalia catappa
تتحمل هذه الشجرة على مايبدو الحرارة الشديدة شريطة تأمين رطوبة أرضية وجوية مناسبتين , لذا فإنه حيث يتوفر هذان العاملان لم تبد أشجار لوز البحرين أي تأثر , وعلى خلاف ذلك فقد كان تأثرها طفيفاً .
اليوكا أو إبرة آدم : Yucca filamentosa
أبدت هذه الشجرة من وحيدات الفلقة تأثراً محدوداً إلى متوسط وكذلك كان حالها في منطقة الهفوف .
الأنواع التي أبدت تأثراً متوسطاً (+ +) :
سنط الفتنة cacia farnesiana:
يتأثر هذا النوع ببرد الشتاء أكثر مما يتأثر بحرارة الصيف العادية أما إذا اشتدت الحرارة صيفاً بشكل استثنائي خارج عن المألوف فإنه يبدي تأثراً متوسطاً يتجلى بشكل أساسي بتساقط جزئي للأوراق وموت لأطراف بعض الأفرع الفتية غير المظللة .
اللبخ ( ذقن الباشا) :Albizzia lebeck
يمتلك اللبخ على مايبدو عدد وافـر مـن الطـرز البيئيـة Ecotypesوالتي يتحمل بعض منها الحـرارة الشديدة ويبقى محتفظاً بلونه الأخضر اليانع بينما يبدي البعض الأخر تأثراً متوسطاً بهذه الظاهرة ويتخلى عن جزء لايستهان به من مجموعه الخضري وتتلون أوراقه باللون الأخضر المصفر . وعلى ما يبدو فإن الأفراد التي تتأثر ببرد الشتاء الاستثنائي هي نفسها التي تتأثر بالحرارة المرتفعة استثنائياً .
( الشث ) : Dodonaea viscose
الديدونيا لقد تجاوزت الإصابة عند بعض الأفراد المستوى المتوسط إلى مستوى التأثر الشديد (+ + +) وهو ما يؤكد على وجود طرز بيئية Ecotypes متباينة في تحملها لهذه الظاهرة مما يوجب أخذها بالاعتبار عند الرغبة في إنتاج شتلات تزرع في منطقة الرياض , لاسيما أن النبات ينتشر بالحالة الطبيعية في الارتفاعات المتوسطة والعالية من جبال المنطقة الجنوبية بالمملكة حيث لاترتفع الحرارة صيفاً إلى الحدود التي تسمح بتحديد هذه الطرز في الموطن الأصلي . فضلاً عن ذلك فإن التقليم المتأخر الذي يتم خلال شهري يونيو ويوليو ساهم بشكل فعال بزيادة تأثر الديدونيا بالحرارة المرتفعة لصيف عام 1998 م . أما في مدن المنطقة الشرقية التي تحظى بالتأثير الملطف لرياح البحر المحملة بالرطوبة فإن الديدونيا لم تسجل تأثراً بهذه الظاهرة .
الرمان : Punica granatum
وهو من الأشجار المتأقلمة إلى حد ما مع ظروف الزراعة البستانية الانتاجية في منطقة الرياض وقلما يتأثر بالارتفاع الشديد في درجة الحرارة صيفاً . أما في الزراعات الحدائقية حيث تكون نمواته غضة بسبب المقنن المائي المرتفع الذي يُعطى له أوبسبب التقليم الجائر المتأخر الذي يتم عادةً خلال شهر يونيو أو يوليو , فإن الرمان يبدي تأثراً متوسطاً وقد يكون أحياناً شديداً بظاهرة الارتفاع الاستثنائي في درجة الحرارة صيفاً .
نخيل البلح : Phoenix doctylifera
لقد أبدت بعض أشجار نخيل البلح المزروعة لأغراض تزيينية وكشجرة شوارع تحسساً متوسطاً تجاه الارتفاع الشديد في درجة الحرارة خلال صيف 1998 وظهرت على بعض أوراقه الفتية منطقة صفراء بنية شريطية متاخمة للعرق الوسطي للورقة . أما في بساتين النخيل فلم يكن هذا التأثر واضح المعالم مما يدفع للاعتقاد بأن المعاملة الحدائقية بمقنن مائي مرتفع أدت إلى تشكل نموات غضة لدى أشجار النخيل أكثر حساسية تجاه الحرارة الشديدة , مع العلم بأن بعض الأفراد كان تأثرها شديداً (+ + +) وأن النسبة العظمى من الأشجار لم تتأثر .
تين بنجامينا : Ficus benjamina
وهو عادةً من نباتات التنسيق الداخلي ولكنه ينجح مع ذلك في منطقة الرياض بالزراعة الخارجية فيما إذا توفرت بعض الحماية كأن يزرع في أماكن ظليلة وفي منأى عن الرياح وعلى مقربة من المسطحات الخضراء التي تساهم موقعياً بزيادة رطوبة الجو . ومع ذلك فقد أبدى تأثراً محدوداً سرعان ما انقضى بعد اعتدال الحرارة .
الورد بأنواعه : Rosa spp.
تفاوت تأثر الورد بالحرارة الشديدة حسب الأصناف وحسب الأعمار ومواقع الزراعة لكن بشكل عام لم يتعد التأثر المستوى المتوسط وتجلى بجفاف بعض الأوراق وتساقطها واتضح ذلك في المواقع الجافة هوائياً وذات الرطوبة النسبية شديدة الانخفاض .
التين البنغالي : Ficus benghalensis
بالرغم من نشأته شبه الاستوائية فإن التين البنغالي لم يبد إلا تأثراً متوسطاً جراء الحرارة الشديدة في منطقة الرياض , وقد تدنى هذا التأثر إلى حدوده الدنيا عندما كانت أشجاره تحظى برطوبة جوية إضافية جراء المسطحات الخضراء وباقي التكوينات النباتية المزروعة بالجوار.
الأنواع التي أبدت تأثراً شديداً (+ + +):
الترنج : Citrus medica
مع أنه لم يبد تأثراً في الهفوف لمحدودية القارية وارتفاع معدل الرطوبة النسبية .
الليمون : Citrus limon
مع أنه لم يبد تأثراً في الهفوف لمحدودية القارية وارتفاع معدل الرطوبة النسبية .
الكازوارينا : Casuarina equisetifolia
ويتراجع التأثر عادةً عند توفـر رطوبـة نسبية عاليـة , وكذلك Casuarina cunninghamiana ما كان عليه الحال في الهفوف.
الباركنسونيا : Parkinsonia aculeata
وهناك بعض الأفراد التي تأثرت بمستوى ++++ وتشققت فيها قشرة الساق ومن ثم ماتت , بينما تتوفر أفراد بقيت سليمة غير متأثرة على الإطلاق ويأتي في مقدمتها ما ينتشر برياً في محيط مدينة الرياض هارباً من الزراعة بشكل تلقائي . إن تدني الرطوبة النسبية يبدو على أنه عامل فاعل في تأثر الباركنسونيا من الحرارة الشديدة , أي بعبارة أخرى يبدو على أنه نوع محدود التحمل للقارية .
التين العالي : Ficus altissima,
لقد تداخل لدى هذا النوع التأثر بالحرارة الشديدة خلال الصيف مع التأثر ببرد الشتاء , فقد تخلت بعض أفراده عن أوراقها شتاءً وسلكت سلوك متساقطات الأوراق ومن ثم فاجأتها حرارة الصيف قبل أن يتسنى لها التوريق من جديد , أي بعبارة أخرى فإن الأفراد الحساسة للبرد هي نفسها الحساسة للحرارة العالية أيضاً . بينما تتوفر أفراد تحافظ على رونقها وبهائها على مدار العام غير آبهة بحرارة الصيف ولاببرد الشتاء , وهي التي يجب أن تعتمد كأمهات خضرية لإكثار هذا النوع الذي يستجيب للإكثار الخضري بسهولة أسوة بباقي أنواع الفصيلة التوتية moraceae . ومما يجدر ذكره أن أشجار التين العالي لم تبد إلا تأثراً طفيفاً في الهفوف مما يؤكد على دور ارتفاع الرطوبة النسبية في التخفيف من التأثر بهذه الظاهرة .
الخاتمة:
لقد أفضت الملاحظات والتحريات التي قمنا بها وفق المقياسين آنفي الذكر , في تتبع سلوك الأشجار والشجيرات الخشبية والتزيينية في الحدائق العامة والخاصة والشوارع والطرق , حيال ظاهرة الارتفاع الاستثنائي في درجة حرارة فصل الصيف ,
المراجع References
1- أبو دجين ابراهيم , 1414هـ – حصر وتقييم أهم نباتات الزينة واستخداماتها التنسيقية في الحدائق العامة بمدينة الرياض رسالة ماجستير , قسم الانتاج النباتي , كلية الزراعة , جامعة الملك سعود , 195 صفحة.
2- الكندي , سعود , 1992 – دراسة تطبيقية عن التشجير في مدينة مسقط , المدينة العربية . العدد 47 , الأمانة العامة منظمة المدن العربية . الكويت : 42 – 48 .
3- المانع فهد , عارف ابراهيم . 1997 – الأشجار الملائمة للبيئة المحلية ومجالات استخدامها . مركز الإرشاد الزراعي, كلية الزراعة , جامعة الملك سعود , الرياض , 75 صفحة .
4- الناصر عبد العزيز , 1420هـ – نماذج من أشجار الزينة في مدينة الرياض .الإدارة العامة للحدائق والتجميل, الرياض , 21 صفحة.
5- الناصر عبد العزيز , 1421هـ – نماذج من شجيرات الزينة في مدينة الرياض .الإدارة العامة للحدائق والتجميل, الرياض , 23 صفحة.
6- الزغت معين , 1989- دليل زراعة النباتات في منطقة الرياض " الأشجار والشجيرات ونباتات الزينة" الطبعة الثانية, عمادة مركز خدمة المجتمع والتعليم المستمر , جامعة الملك سعود ,221 صفحة.
7- الزغت معين , 1996 – أشجار الغاف "بروسوبس prosopis للتشجير في شبه الجزيرة العربية" الطبعة الثانية , نشرة رقم 5 , جامعة الملك سعود , مركز دراسات الصحراء , 40 صفحة .
8- خليفة , سعيد فرج , 1980 – الأشجار والشجيرات بالمملكة العربية السعودية . المجلد الأول , الطبعة الأولى , مطابع الخالد للأوفست , الرياض , 258 صفحة .
9- شلبي م . ن , 1985 – مواضيع مختارة في البيئة النباتية لطلاب الدراسات العليا . كلية الزراعة , جامعة حلب , أملية من 131 صفحة .
10- شلبي م . ن , 1985 – جولة بيئية في الحزام الأخضر على الطريق بين دمشق وحلب . مجلة بحوث جامعة حلب – العدد السابع , سلسلة العلوم الزراعية , 81 – 107 .
بَــآركَـ الله في مجهودكْـ ..
و جعلــه في ميزآآن حسنَــآتكْـ ..
مشْكُـــؤؤر ..