الكون ـ في النصوص المقدسة، وكما يفهمه المؤمن ـ كون مسخر في خدمة الإنسان، يستجيب لجميع مطالبه، ليحقق له الأمن بجميع أشكاله، ويوفر له القوت بجميع أنواعه، بل يضم إلى ذلك رعاية جوانبه النفسية، فيملأها بالحيوية والجمال.
وهذه الرؤية هي الرؤية الوحيدة التي يتفق فيها المؤمن مع غيره، وهي رؤية مشتركة من حيث الظاهر، فالكل يتمتع بخيرات الكون، ويستغلها، ويستسخرها في مصالحه، معتبرا مصالحه أعلى من مصالحها.
لكن النصوص المقدسة تميز نظرة المؤمن عن نظرات غيره تمييزا كليا، فتكسبها طابعا روحيا مؤدبا غير موغل في البهيمية[1] ولا مفرط في الأنانية.
وسنذكر هنا بعض خصائص الكون المسخر، كما وردت في النصوص، وهي من السمو والرفعة ما تجعل المؤمن يتعامل مع الكون بإحساس مرهف، عميق المشاعر.
وهذا الحس النبيل هو الوحيد الذي نعيش فيه السلام مع الكون، ويعيش فيه الكون السلام معنا.
وسنكتفي بأربع خصائص كبرى تكاد كل الخصائص الأخرى تؤول إليها:
أما أولها، فالربانية، وهي خاصبة أساسية، فهذا الكون الذي سخر لنا لم يسخر لنا من ذاته، وإنما سخر لنا من الله، فلذلك هو ينتسب إلى الله قبل أن ينتسب إلينا، أو هو يطيع الله في طاعته لنا.
وهذه النظرة ترفع عنا الكبرياء التي تجعلنا نهين الكون من حيث لا نشعر، فنستكبر عليه، أو نطالبه بما نريد وكأننا أربابه.
وأما الثانية، فالسلام، فالكون خلقه الله مسالما لنا، لا مصارعا لنا، ومن الخطأ الذي يتسرب من غياب هذه النظرة التعامل مع الكون تعامل المحاربين لا تعامل الأصدقاء.
وأما الثالثة، فالحكمة، وهي أن هذا الكون بما فيه خلق لحكم جليلة، ومن الأدب مع الله أن نراعي ما خلق له، فنستعمله فيما خلق له.
وأما الرابعة، فالطهارة، فهذا الكون الذي سخر لنا خلق على الفطرة الأصلية، وهي فطرة طاهرة سليمة.. ومن العبث بخلق الله والاستهانة به احتقار فطرته، أو تحويلها.
1 ـ الربانية
أول خاصية من خصائص الكون ربانيته، فالكون كون الله ملكا وكون الله تدبيرا.
وهذان الجانبان هما اللذان وردت النصوص الكثيرة للدلالة عليهما، وملء القلوب والعقول بمعانيهما.
وهذان المعنيان هما اللذان ينشأ عنهما الأدب الرفيع مع الكون، فالذي يشعر بأن ما يتصور أنه يملكه ملك لله، وأنه مجرد عارية له، يستحيي من الله أن يسيئ إليه في ملكه.
والذي يرى أن ما يحدث في الكون من أحوال تدبير من تدبير الله يستحيي أن يعارض الله في تدبيره.
الملكية:
) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ (النساء: من الآية170) هي اللازمة القرآنية التي تتردد كل حين، لتبين ملكية الله المطلقة لكل ما نراه وما لا نراه من الأشياء.
وليس الغرض من هذا التكرير تقرير هذه الحقيقة فقط، والتي تدل عليها كل الدلائل، بل الغرض منها التنبيه في كل مناسبة تدب فيها الغفلة إلى أن الله مالك السموات والأرض وما فيهن. قال تعالى:﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:120)
أو في كل مناسبة تستدعي التعرف على عظمة الله، أو التصديق بوعده ووعيده، كما قال تعالى:﴿ أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (يونس:55)
أوفي كل مناسبة تستدعي التعرف على مصنوعات الله المستدرة للحمد، قال تعالى:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) (الأنعام:1)
أو في كل مناسبة تستدعي تبيان قدرة الله المطلقة، قال تعالى:﴿ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (7)﴾ (الدخان)
أو في كل مناسبة تستدعي تذكير النفس بالله وبأوصاف الله وبأفعال الله، قال تعالى:﴿ قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:12)
والقرآن الكريم يخبر في المناسبات المختلفة عن ملكية الله للأشياء، ويرتب عليها ما يقتضيه اعتقاد هذه الملكية:
فيرتب عليها تفرد الله تعالى بالولاية والنصرة، قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:107)، وقال تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (التوبة:116)
ويرتب عليها تفرد الله بالثواب والعقاب، قال تعالى:﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:40)
ويرتب عليها استحقاقه وحده للحمد، قال تعالى:﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) (الاسراء:111)
ويرتب عليها أنه وحده الذي يجير ولا يجار عليها، قال تعالى:﴿ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:88) لأن الإجارة لا تكون إلا لمالك قادر.
ولهذا كان من أسماء الله تعالى الملك والمالك، وهذا الاسم لا يعني بأي وجه من الوجوه ما نفهمه من الملكية التي ندعي حصولها لنا في بعض الأشياء، فهي ملكية مجازية اعتبارية يحيط بها القصور من كل النواحي بخلاف ملكية الله تعالى.
فالملك ـ كما يقول الغزالي ـ هو الذي يستغني في ذاته وصفاته عن كل موجود، ويحتاج إليه كل موجود، بل لا يستغني عنه شيء في شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في وجوده ولا في بقائه، بل كل شيء فوجوده منه أو مما هو منه، فكل شيء سواه هو له مملوك في ذاته وصفاته وهو مستغن عن كل شيء[2].
والملك بهذا الوصف لا يكون إلا لله، أما العبد فلا يتصور أن يكون ملكا مهما اتسعت أملاكه وقوي نفوذه.
فهو ( لا يستغني عن كل شيء، فإنه أبدا فقير إلى الله تعالى، وإن استغنى عمن سواه، ولا يتصور أن يحتاج إليه كل شيء بل يستغني عنه أكثر الموجودات، ولكن لما تصور أن يستغني عن بعض الأشياء ولا يستغني عنه بعض الأشياء كان له شوب من الملك)[3]
وقد أشار بعض العارفين لما قال له بعض الأمراء:( سلني حاجتك)، فأجابه العارف:( أوتقول لي هذا ولي عبدان هما سيداك) فقال:( ومن هما؟) قال:( الحرص والهوى، فقد غلبتهما وغلباك وملكتهما وملكاك) إلى أن الملك الذي يزعم لنفسه ملكية الخلق لا يملك حتى نفسه.
وبذلك يكون شعور المؤمن بملكية الله لكل الأشياء هو المنطلق للتعرف عليه من خلالها، ثم لتسخيرها وفق إرادة الله.
ولهذا يتفق الأنبياء على تذكير أقوامهم بهذه الحقيقية، وقد أخبر القرآن الكريم أن فرعون لما سأل موسى عن حقيقة الله طالبا التعرف على الماهية قائلا:) وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ أجابه موسى u ببيان ملكية الله لجميع الأشياء، فقال:) رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)(الشعراء: من الآية24)
وكأن موسى u يرد بهذه الإجابة على كل الأسس التي يقوم عليها تصور فرعون لألوهيته، وهو ما عبر عنه ذات يوم بقوله:) يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ)(الزخرف: من الآية51)
وبذلك يكون التعرف على ملكية الله للأشياء هو أساس الشعور بالعبودية التي تقتضي تناول الأشياء من يد الله، وهو ما يرفع الإنسان إلى آفاق عليا من الأدب مع الكون ومع الله.
وفي ذلك الحين يتحول الكون المسخر هدايا ربانية مقدمة من الله للإنسان، ليفيض قلب الإنسان ومشاعره بجميع أنواع الحمد.
وبسر هذا المعنى يرتبط حمد الله ـ كما ورد في الآثار ـ بالأشياء، فرسول الله r مثلا يعلمنا عندما نريد أن نلبس ثوبا أن نقول كما ورد في الحديث:( مَنْ لَبِسَ ثَوْباً فَقالَ: الحَمْدُ للّه الذي كَساني هَذَا الثَّوْبَ وَرَزَقنيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي ولا قُوَّة، غَفَرَ اللّه لَهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)[4]
فقد جاء التعبير النبوي معبرا على أن الله هو الكاسي وهو الرازق، وأنه ليس للعبد من حول ولا قوة ليحقق لنفسه هذه المصلحة.
ولهذا ورد اللباس في القرآن الكريم بصيغة الإلباس، كما قال تعالى:﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾
والقرآن الكريم يعبر عن النعم المفاضة على العبادة مهما اختلف نوعها بصيغة الإنزال، ليشير إلى أن ملكيتها الحقيقية لله، وأنها وافدة على العباد لا ملكا مستقرا لهم.
قال تعالى في بيان عمومية نزول كل ما يتصور العباد ملكيته من الكون:) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (الحجر:21)
ويستوي في هذا الإنزال ما يكون حسا أو ما يكون معنى:
قال تعالى عن إنزال الكائنات الحسية:﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَاماً وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) (يونس:59)
وخص بعض الكائنات الحسية بالذكر بصفة الإنزال لأهميتها، ومنها الأنعام، قال تعالى:﴿ خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (الزمر:6)
ومنها إنزال الماء، وهو أكثرها ورودا في القرآن الكريم، ومنه قوله تعالى:﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ (النحل:10)
وليس المراد بالإنزال هنا ما يتوهم من كون المطر نازلا من السماء فقط، وإنما المراد ربطه بملكية الله، ولهذا سبق الإنزال ذكر الضمير المنفصل العائد على الله تعالى.
ومن النعم الحسية المنزلة الحديد، قال تعالى:﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25)
وفي المزج بين إنزال الحديد، وإنزال الكتاب والميزان، وتقديم الكتاب والميزان على الحديد إشارة إلى أن تسيير منافع الحديد مقيد بالضوابط التي يفرضها الكتاب والميزان.
ومثل إنزال ملكية الله للكائنات الحسية إنزال الله للكائنات المعنوية، ومنها السكينة والجند الرباني، قال تعالى:﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ) (التوبة:26)، وقال تعالى:﴿ إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة:40)، وقال تعالى:﴿ إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (الفتح:26)
ومن هذا الباب إنزال الملائكة والروح، كما قال تعالى:﴿ يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) (النحل:2)
ومنه إنزال الشعور بالأمن الذي يملأ النفس بالراحة، ويتيح لها النوم، قال تعالى:﴿ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاساً يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ ﴾ (آل عمران:154)
وبهذا يعيش المؤمن، وهو يرى كل شيء من الله حتى الطعام الذي يأكله، واللباس الذي يكسوه، وقد قال تعالى في الحديث القدسي:( يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم)[5]
وبهذا الشعور المعطر بالاعتراف بالنعمة لمسديها يخف غرور الإنسان، بل يتلاشى، وهو ما يجعله يتعامل مع الأشياء تعامل العبودية التي تفيض باللطف والرحمة.
وقد علمنا رسول الله r من صيغ الذكر ما يغرس هذه المعاني في نفوسنا، أو ما يحوله إلى واقع حي يرفع أرواحنا، ويهذب سلوكنا.
فقد كان رسول اللّه r إذا أصبح قال:( أصْبَحْنا وأصْبَحَ المُلْكُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلُّ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَالكِبْرِياءُ وَالعَظَمَةُ لِلَّهِ، وَالخَلْقُ وَالأمْرُ وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَما سَكَنَ فِيهما لِلَّهِ تَعالى، اللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ هَذَا النَّهارِ صَلاحاً، وَأَوْسَطَهُ نَجاحاً وآخِرَهُ فَلاحاً، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ)[6]
وفي كون هذا الذكر في الصباح ـ الذي يعني بداية عمر اليوم ـ وهو الحين الذي يكون فيه عقل الإنسان فارغا مهيئا لأي فكرة، وتكون جوارحه نشطة مهيئة لأي عمل، إشارة إلى أن التعرف على ملكية الله للأشياء هو الأساس الذي يحفظ التعامل معها ويرقيه.
وفي المساء يعود التذكير بهذه المعاني متصدرا أعمال الإنسان في الشطر الثاني من يومه، فقد كان r يقول إذا أمسى:( أمسينا وأمسى الملك لله لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها رب أعوذ بك من الكسل ومن سوء الكبر أو الكفر رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر)[7]
بل علمنا رسول الله r أن نطرد الغفلة عن هذه المعاني حتى في اللحظات القصيرة التي ننتبه فيها من الليل، قال r🙁 من تعار من الليل فقال حين يستيقظ لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ثم دعا رب اغفر لي ـ قال الوليد أو قال دعا ـ استجيب له فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته)[8]
وكان النبي r إذا قام من الليل يتهجد يبدأ بهذه المعاني لتكون أساسا لهبات الله النازلة على الروح:( اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد لك ملك السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت نور السموات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ملك السموات والأرض ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت أو لا إله غيرك)[9]
وقد أمرنا أن ننطق بهذه الحقيقة ونجعلها شعارا في أكبر تجمع للمسلمين، وفي أكبر تظاهرة بشرية، فقد كانت تلبية رسول الله r🙁 لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)
وفي تخصيص ذلك التجمع بهذا الذكر الجليل تعليم للأمة أن لا تقدم أي ملك على ملك الله، ولهذا ورد في الحديث قوله r🙁 أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه وأغيظه عليه رجل كان يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله تعالى)[10]
وقد علمنا رسول الله r ـ بالإضافة إلى هذه الأذكار الوقتية ـ أن ننبه أنفسنا دائما إلى ملكية الله للأشياء في كل حين، بل دعا إلى التنافس في ذلك، فقال:( من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا أحد عمل أكثر من ذلك11]
الف شكر لج اختي
والله يعطيك الصحة والعافية
يعطيج الف عافية..
وبارك الله فيج..
تسلم يمناج,,
موفقين يارب.