اختلاف المقاصد في وصف الغزال بين الشعر الجاهلي والشعر المعاصر
كتب – بداح فهد السبيعي:
تطرقنا في أعداد سابقة لمسألة تشبيه المرأة بالشمس في الشعر الجاهلي، وكيف تحولت علاقة الشعراء بالشمس من علاقة تقديس وعبادة في الجاهلية إلى مجرد علاقة شكلية جمالية بعد انتشار الإسلام واندثار الجهل، وأشرت كذلك إلى طغيان تشبيه المرأة بالقمر لا بالشمس في الشعر الشعبي خلافاً للشعر الجاهلي، الذي تشبه فيه المرأة بالشمس الأم لا بالقمر الأب، وكنت قد ختمت الحديث عن تشبيه المرأة بالشمس بالإشارة إلى الآبدة أو الخرافة الجاهلية التي تستوجب رمي السن باتجاه عين الشمس للحصول على أسنان صلبة وجميلة، وأود أن أتحدث هنا عن صورة أخرى من صور المرأة كثر ترددها في الشعر الجاهلي، وهي تشبه المرأة بالغزال أو الظبي.
يقول المثقب العبدي:
كغزلان خذلن بذات ضال
تنوش الدانيات من الغصون
ظهرن بكلة وسدلن أخرى
وثقبن الوصاوص للعيون
وقد كان للغزال قداسة في دين الجاهليين أيضاً، ويستدل على هذه القداسة بعدة أمور منها: «حرص الشعراء على ألا يقتل الغزال في قصائدهم مما يدل على أنه كان معبوداً كالشمس (1). و«شعراء الجاهلية على كثرتهم وتعدد قبائلهم لم يذكروا أنهم قد صابوا غزالاً (2). كما يستدل على قداسة الغزال بقول أمرئ القيس:
وماذا عليه لو ذكرت أوانساً
كغزلان رمل في محاريب اقيال
وكما تعلم عزيزي القارئ فإن تشبيه المرأة بالغزال كثير في الشعر الشعبي كما هو الحال في الشعر الجاهلي، إلا أن الموقف تجاه هذا الغزال/المرأة كان على النقيض منه في الشعر الجاهلي فكثيراً ما يتعرض الغزال للمطاردة والإفزاع، لذا فهو حريص على الابتعاد عن أماكن تواجد الصيادين، يقول عبدالله الخويطر:
يا غزال مرتعه خالي الفجوج
من حذارة ما يرتّع بالهياج
راتع ما حوله الرامي يدوج
ما قعد بالمناقي والزراج
وإن قُدر للصياد رؤية الغزال ومحاولة اصطياده، فإنه لن يجني من محاولة تلك إلا التعب والإفلاس، يقول محمد بن صقر السياري (ت 1400ه):
أنا هواي غزيل يم الأسياف
كنه من اللي يدهلن النفودي
ما يقرب الديره يفلي بالأرياف
يجفل من الأزوال غر عنودي
قناصها من طردها شاف ما عاف
كنه على روس الرجوم محدودي
ويتوسع الشاعر الصقر النصافي (ت 1948م) في رسم صورة مطاردة الغزال، بالرغم من تشابه نتيجة هذه المطاردة، والتي تكون في صالح الغزال في معظم الأحيان:
يا عنز ريم عذبت كل ذباح
ما تركد إلا في زراج الضحاضيح
سمعت ابطق العرب وقم مسراح
ترفع نظرها والجوازي مدابيح
تغاوروها بين دحلن ومضياح
وأبدوا بها الجهده ارماة ذوابيح
ولا عاندوها غاوزتهم ابمشراح
هجت ولقت خشمها يمة الريح
طاحو وقاموا لين ذلين الارواح
واستفلسوا منها وراحوا مدابيح
وتغير موقف الشاعر الشعبي تجاه الغزال عند رسم صورته كما في الأبيات السابقة لها أمر طبيعي فرضت طبيعة العلاقة الجديدة بينهما، فزوال الجاهلية أدى إلى زوال قدسية الغزال وبالتالي فقد أصبح معرضاً للمطاردة والإفزاع.
———-
(1) أحمد كمال زكي: الأساطير، ص 83.
(2) نصرت عبدالرحمن: الصورة الفنية ص 117.