لا تردوني الله يخليكم
د. فائز الشهري
المدن الذكية والمستقبلية
د. فائز الشهري
في الأيام القليلة الماضية تابعت ما تناقلته وسائل الاعلام من تقارير وأخبار عن مناسبتين مهمتين الأولى مؤتمر المدن الذكية 2024م الذي تناول ثلاثة محاور، هي: المدن الذكية، والمباني الذكية، ومتطلبات تحويل مكة المكرمة إلى مدينة ذكية، قال الأمير خالد الفيصل في كلمته : إن ( مدينة مكة المكرمة لها حق علينا ويجب أن نسعى لجعلها أجمل مدينة في العالم بالشخصية والهوية الإسلامية في كل شيء حتى الجانب المعماري). وأوصى المشاركون ( بتشكيل مجموعة عمل برئاسة الأمير خالد الفيصل أمير المنطقة في إطار تطبيق الخطة الاستراتيجية لتطوير المنطقة، مهمتها تحديد التطبيقات الذكية وأساليب تمويلها والتنسيق لإزالة العوائق لبناء البنية التحتية وتنفيذ التطبيقات الذكية حسب الجدول الزمني ودعم ذلك بعقد مؤتمر آخر للمدن بعد عامين لاستعراض ما تم تنفيذه من مشاريع).
والمناسبة الثانية منتدى التنافسية الدولي 2024م الذي عقد في الرياض وأكد مايكل بورتر مؤسس مفهوم التنافسية وأستاذ الأعمال بجامعة هارفارد (على ضرورة بذل المملكة المزيد من الجهد في مجالي التدريب والتسويق اللذين يتطلبان تحقيق تطور فيهما، وتشجيع تأسيس الشركات الصغيرة إلى جانب الشركات الكبيرة وتعميم النشاط الاقتصادي ونقله إلى الأجزاء التي تفتقد النشاط الاقتصادي في المملكة لتعميم فوائد التنافسية على جميع مناطق وقطاعات المجتمع السعودي لتصبح المملكة قوة اقتصادية ضخمة قادرة على التنافسية مع كبريات الدول الأخرى)،من جهته أوضح رئيس مجموعة ستاروود المالية باري ستيرنلخت (أن تخطيط المدن فرصة متاحة للمملكة وهي با رعة فيها، ومنها مقدرتها على إنشاء مدن اقتصادية…). لا شك في أن وجود مجموعة العمل بعد المؤتمرات يساهم في إنجاح مراحل متابعة تنفيذ التوصيات ودراسة السلبيات ـ إن وجدت ـ وعلاجها، ولا شك في أن لتخطيط المدن دورا هاما في مراحل التنمية الشاملة، وسياسات التنمية في مملكتنا الحبيبة متوازنة تهدف الى تنمية جميع المناطق بتوازن وآليات تنفيذ فاعلة. فهناك ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ المدن الاقتصادية والجامعات التى انشئت وتنشأ في مناطق المملكة المختلفة لتساهم في تأهيل الكوادر البشرية وإيجاد فرص عمل والتدريب وجميعها ركائز ستساهم في الانطلاق بمجتمعنا الى مجتمع المعرفة والاقتصاد الرقمي ومواجهة التنافس العالمي بمدن أكثر جمالا وذكاء ومنافسة، وما يمر به عالمنا الصغير من أزمة اقتصادية ومنافسة عالمية وتطور تكنولوجي سريع يتطلب من الجميع بشكل عام ومن مخططي المدن بشكل خاص العمل بروح الفريق وبتخصصية لمواجهة المتغيرات وتعقيدات وتشعب السياسات القطاعية المختلفة، والتنسيق الشامل في إطار سياسات تخطيط مدن وأقاليم تستقبل الجديد وتحافظ على روح وخصوصية المكان.
واخيراً وليس آخر المدن عبر التاريخ تمر بمراحل يلعب الانسان بفكره وعلمه وعمله دوراً أساسا في جعلها إما مدن جميلة ذكية ومنافسة أو غير ذلك. ولتخطيط المدينة دور اساس في إظهار جمالها وذكائها ونجاح منافستها، وهذا يجعلنا نطرح اسئلة للحوار في موضوع تعليم وممارسة مهنة التخطيط الحضري والاقليمي، منها : ما مدى استفادة سوق العمل بمشاريعه الحالية من خريجي أقسام التخطيط الحضري والاقليمي في الجامعات بالمملكة في ظل المتغيرات السريعة ومنها الازمة الاقتصادية العالمية الحالية وأسبابها؟ وهل هناك حاجة لمراجعة مخططات الاقاليم والمدن القائمة لمواجهة التغيير الاقتصادي والاجتماعي الذي قد تحدثه مشاريع تقنية المعلومات والاتصالات في وظائف المدن ومراحل نمو جمالها وذكائها ومنافستها؟
م/ن
المدن الذكية/ النظرة الحديثة في تخطيط المدن
المقدمة:
تعتبر المدينة بنظر الكثيرين البنية التي تولد فيها الحضارات وتبنى فيه المجتمعات. ولقيام حضارة راقية ونشوء مجتمع متناسق مع نفسه ومع الآخرين بذل مصممو المدن على مر العصور جهداً كبيراً في بناء مدنهم ومجتمعاتهم بالطريقة التي تحقق الأهداف المجتمعية. قد أفرزت التجارب الناجحة مجتمعات متكاملة متناسقة وحضارات قوية، بينما أفرزت التجارب الفاشلة مجتمعات ضعيفة وحضارات مفككة. واليوم تطرأ على مستقبل المدن بوادر التقدم التقني في مجالات عديدة منها تقنية المعلومات والحواسيب حتى أصبحت الحوسبة ظاهرة لا يمكن تجاهلها في الحياة اليومية للمدن. وقد شاعت هذه الظاهرة في بعض المدن العصرية حتى أصبح بعضها يسمى بالمدينة الذكية أو الإلكترونية.. حيث برزت في الآونة الأخيرة أسماء كثيرة للمدينة العصرية المعتمدة على الحواسيب والشبكات مثل مدينة المعلوماتية والمدينة السلكية، المدينة الذكية، المدينة الافتراضية، المدينة المتصلة، القرية الافتراضية، وغير ذلك.
وقد أثبتت التجارب العملية لدول نامية كثيرة بأن لتقنية المعلومات والاتصالات دوراً تنموياً هاماً قد يغير ملامح المدن ويؤثر تأثيراُ فاعلاُ في عجلة التنمية الاجتماعية الاقتصادية التي تحاول العديد من دول العالم النامي انتهاجها.. وعليه يطرح البحث مفهوم المدينة الذكية، ومكوناتها، ويتطرق إلى مفهوم المجتمع الذكي كأحد الأنماط الظاهرة لتلك المدينة الذي ينتج عن البيئة الابتكارية التي تمثل الهدف الأساسي لإنشاء المدينة الذكية في سعيها لتطوير البنى التحتية للمجتمع والارتقاء بالمستوى المعيشي والثقافي للمدينة.
ما هي المدن الذكية :
تعد فكرة المدن الذكية من الأفكار التي تم تطبيقها بصور متعددة في بقاع كثيرة من العالم ومن ما يدعم مسيرة التطور في تلك البلدان وبما يخدم المناطق التي طُبق المفهوم فيها وباختيار الوسائل التي تدعم اقتصاد وصناعة تقنية المعلومات فيها.
وأول ما استخدم مصطلح المدينة الرقمية أو الذكية في المؤتمر الأوروبي للمدينة الرقمية في عام 1994، وفي عام 1996 دشن الأوروبيون مشروع المدينة الرقمية الأوروبية في عدد من المدن الأوروبية، والتي لاقت نجاحاً متواضعاً ثم تبنت السلطات الأوروبية بشكل أساسي مدينة أمستردام كمدينة رقمية تلتها مدنية هلسنكي. وفي الولايات المتحدة برزت عدة محاولات لإعلان بعض مدن كمدن رقمية إلا أن معظمها أخذ الطابع التجاري وليس الطابع المدني الشامل للمدينة. (عبد القادر،2009/ ص:3).
ومع أن المدينة الذكية موجودة كظاهرة منذ عقد من الزمن على الأقل، إلا أن مصطلح المدينة الذكية يعتبر مصطلحاً حديث التداول وعادة ما يختلط مع مفهوم الحكومة الالكترونية. وقد ورد في كثير من البحوث عدة تعريفات للمدينة الذكية أو المدينة الرقمية. حيث عرف (Cohen, 2001) المدينة الإلكترونية بأنها الحاضرة ذات الروابط الاتصالاتية والهندسة الشبكية التي تحكم من قبل قطاع تقنية المعلومات لتنفيذ عمليات تبادل المعلومات، وعرفت(Couclelis, 1992) المدينة الرقمية بأنها" محاكاة شاملة تعتمد على تقنية الشبكة العنكبوتية لتنفيذ الوظائـف الاعتيادية لقاطني المدن بطريقة إلكترونية الطابع وينفذها أشخاص طبيعيون في مدينة عادية". ومن هذا التعريف يمكن القول بأن المدينة الذكية الرقمية هي مدينة مرتبطة بالجغرافيا (وليس الافتراض الجغرافي)، وأنها مدينة روادها هم الأشخاص الاعتياديين وليست مقتصرة على متخصصي الحاسوب والشبكات. ومن محفزات بروز ظاهرة المدينة الإلكترونية تسارع الاختراعات في مجال تقنية الحاسوب والمعلومات والاتصالات واسعة النطاق ونضوج تقنية أنظمة المعلومات الجغرافية التي ساهمت في تسهيل ربط التجمعات السكانية ببعضها. (حيدر فريحات،2003/ ص:4).
ومن الناحية الاجتماعية تعززت في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي ظواهر اجتماعية جديدة مثل مجتمع المعلوماتية والمجتمع الشبكي وطريق المعلومات السريع، هذا بالإضافة إلى تنامي ظاهرة العولمة والقرية العالمية وتعزيز المعيارية العالمية الموحدة في التبادلات الخدمية والسلعية والإعلامية والمعلوماتية.
ويكمن الهدف الأساسي من المدينة الذكية توفير بنية تحتية لمدينة متطورة في جميع المجالات تتوفر فيها الخدمات إلكترونياً بكفاءة عالية ويتحقق ذلك باستخدام تقنية الاتصالات اللاسلكية والسلكية وبتوفير الخدمات والمحتوى المناسب ونشر الأجهزة الطرفية القادرة على الوصول اللاسلكي لهذه البيئة.
ومن أبرز الأمثلة العالمية على تطبيقات المدن الذكية مدن (أتلنتا وبوسطن وشيكاغو ودالاس ولوس انجلوس وسانفرانسيسكو وواشنطن)…
.
ومن المدن التي تبنت هذه الفكرة وطبقتها بنجاح، مدينة تمبي في ولاية أريزونا الأمريكية التي قامت ببناء شبكة لاسلكية تغطي معظم أنحاء المدينة لتوفير الاتصال بالانترنت للمنازل وقطاع الاعمال ولتوفير الاتصال الشبكي اللاسلكي لموظفي البلدية والسلامة العامة ولتقديم الخدمات العامة لجامعة ولاية اريزونا. وللنجاح الذي حققته المدينة بدأت التجربة تعمم على المدن المحيطة لتأسيس شبكة لاسلكية للمدن المتجاورة. وتعد الشبكة اللاسلكية للمدينة أكبر شبكة لاسلكية مفعلة في العالم تعتمد على ثلاثة الاف عميل و 700 نقطة اتصال لاسلكي. عدد سكان المدينة 160 ألف ومساحتها تغطي 40 ميل مربع ويوجد بها حوالي 50 ألف طالب يستفيدون من خدمات الشبكة اللاسلكية في التعليم.
م/ن
بالتوفيق
بالتوفيق