قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم والفكر العسكري الحديث
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الأحزاب: 21]. بنيت الدولة الإسلامية في عصر الرسول- صلى الله عليه وسلم – من نواة قوية. وعظم كيانها واتسعت أرجاؤها بفضل القائد الأول رسول الله- صلى الله عليه وسلم – وأصحابه البررة ـ رضي الله عنهم ـ. وإذا نظـرنـا إلى الدولة الإسلامية نجدها قد ازدهرت بالإيمان وسمت بالعقيدة السمحة العظيمة السامية، وكان محمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ قائداً بالفطرة لا يدانيه قائد.
الدين الإسلامي انتصر في عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم – واتسع بعد وفاته حتى أصبح المسلمون اليوم أكثر من مليار نسمة ينتـشرون فـي جمـيع أنحـاء العـالم، ذلك أنـه قـائـد عسكري سياسي ديني. وبعد أربعة عشر قرناً من وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم – استمر أثره صامداً قوياً متجدداً في سيرته وسيرة أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم.
وبالاستناد إلى التاريخ المعاصر نجد أن (الفيلد مارشال روميل) والذي يطلق عليه «ثعلب الصحراء» لاستخدامه المكر والخديعة فى معاركه، ولمهارته في حرب الصحراء، وقد أبهر القادة العسكريين بفنون قتاله وأساليبه المميزة في المعارك؛ من خفّة الحركة والخداع والقتال التعطيلي والالتفاف والتطويق… إلخ؛ هذا القائد العسكري كتب في مذكراته: «لقد أخذت مفاهيمي عن حرب الصحراء وخفة الحركة والالتفاف والتطويق عن خالد بن الوليد في معركة اليرموك».
ومـا خـالد إلا أحـد قـادة الرسـول – صلى الله عليه وسلم – صـقل معـرفتـه العسكريـة بالإسـلام، وتحصن بعقيدة الجـهاد في سبـيل الله تعالى.
[] البناء العسكري للدولة الإسلامية:
قام رسول السلام محمد- صلى الله عليه وسلم – بتأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة بعد هجرته إليها، ووجّه المسلمين إلى ثلاثة أهداف:
أولاً: بناء الرجال.
ثانياً: فن القتال.
ثالثاً: الجهاد في سبيل الله «عقيدة رفيعة المستوى».
وقد نصح الرسول- صلى الله عليه وسلم – بأنه يجب أن تسير الأهداف الثلاثة في قناة واحدة: رجل قوي، يجيد فن القتال، ذو روح معنوية عالية.
ولذا أوصى الرسول- صلى الله عليه وسلم – رجاله بالاهتمام بالقوة الجسمانية وممارسة الرياضة البدنية، وحثهم على إتقان استخدام السلاح بمداومة التدريب عليه؛ حتى يكونوا ذوي بأس شديد، وكما هو واضح أن القوة الجسمانية تؤدي إلى قوة التحمل والتدريب الجيد على السلاح الذي يوفر الدعم في الحرب.
وقد أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم – بالتدريب الجيد للرماية حيـنما فـسر قـولـه ـ تـعـالى ـ: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60]: «ألا إن القوة الرمـي، ألا إن القـوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»(1).
وقد أثر عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قوله: «علِّموا أولادكـم السباحة والرماية وركوب الخيل». وقد حضَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم – على اقتناء الخيل وهو السلاح الذي يتميز بخفة الحركة والمناورة والهجوم في العمق، وأنه السلاح الحاسم في المعركة، وقد تطور هذا السلاح إلى أن أصبح حديثاً يطلق عليه سلاح الدروع والمجنزرات.
وقد تطورت الفنون القتالية والفكر العسكري على يد النبي- صلى الله عليه وسلم – والتي تستخدمها الآن أقوى الجيوش العسكرية، وذلك من: الإعداد للمعركة، دفع عناصر الاستطلاع، إصدار أمر القتال، تنظيم التعاون، وإشراف الرسول القائد على الاستعداد القتالي للمعركة وإصدار تعليمات القتال ثم يقوم بإدارة المعركة.
ما هذه العظمة؟! إنها التكتيكات الحديثة التي تنسب إلى الدول العظمى وصانعها الأول هو رسولنا العظيم، ذلك هو رسول الله القائد العسكري الذي تفنن في أساليب القتال وقوانينه وفنونه قبل خمسة عشر قرناً.
أما من جهة الهدف الثالث وهو من أهم الأمور الجهاد المقدس في سبيل الله والترغيب فيه، وقد أظهر صلوات الله عليه بأن ذلك هو أحب الأعمال إلى الله، ويكتمل ذلك بالإيمان بالله وترسيخ العقيدة في النفوس، وقد يطلق على ذلك في التسمية الحديثة (رفع الروح المعنوية).
1 ـ تشكيل المسير:
ـ فنون القتال لدى الرسول – صلى الله عليه وسلم – :
أول فنون المعارك كان في «غزوة بدر»، وكان أول تشكيل مسير للمعركة عندما خرج المسلمون من المدينة في تشكيل يُعدّ قمة في تطور فنون القتال؛ حيث لا يختلف كثيراً عن التكتيكات الحديثة، فقد قسم الرسول- صلى الله عليه وسلم – قواته إلى حرس مقدمة، قوات رئيسية، حرس جوانب، وحرس مؤخرة، وذلك التشكيل للمسير هو حالياً من أحدث فنون تشكيل المسير في الحرب الحديثة.
ونلاحظ أن التحرك كان بفواصل تكتيكية في مأمن من المفاجأة والوقوع في كمين، وقد تم دفع دوريات استطلاع أمام القوات وعلى جوانبها، ومهمة تلك القوات رصد أخبار العدو وإعطاء الإنذار المبكر في الوقت المناسب حتى يتسنى للقوات فتح التشكيل للاستعداد للاشتباك.
نجد أن تشكيل المسير المبين هو تشكيل المسير نفسه المطبق حالياً، أي: في العصر الحديث: أن تدفع القوات بعنصر استطلاع أمام القوات المتقدمة للإنذار المبكر، ثم يلي التشكيل حرس مقدمة للاستعداد للاشتباك مع قوات العدو ويعمل على تأمين القوة الرئيسية وإعطاء الوقت المناسب لفتح تشكيل المعركة.
ونجد أن كتيبة المهاجرين كانت بقيادة علي بن أبي طالب وعمير بن هاشم ـ رضي الله عنهما ـ، وكتيبة الأنصار بقيادة سعد بن معاذ ـ رضي الله عنه ـ، وكلتا الكتيبتين تُعدّان القوة الرئيسية، ثم نجد على الجوانب حرس الجوانب.
أما المؤخرة ففيها حرس مؤخرة بقيادة قيس بن أبي حفصة ـ رضي الله عنه ـ.
انتصر الرسول- صلى الله عليه وسلم – في غزوة بدر، وكانت قواته 305 مجاهدين، معهم 3 خيول و70 بعيراً.
وكان تعداد المشركين 950 مقاتلاً و 200 فرس وعدد كبير من الإبل للركوب وحمل المتاع وأعداد كبيرة من الماشية لطعامهم.
لقد وطد الإسلام يوم مبعث الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وولدت الدولة الإسلامية يوم انتصر المسلمون يوم بدر.
2 ـ الشؤون الإدارية في المعركة:
وذلك الاختيار الصحيح للنقط والمناطق الإدارية بحيث تكون في منأى عن العدو. فعندما عسكر المسلمون في أدنى من بئر بدر، أشار الحباب بن المنذر ـ رضي الله عنه ـ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم – أن يجعل مصدر المياه خلف خطوط المسلمين، وبذلك تم تأمين النقطة الإدارية، حيث يستخدم الماء في الشرب والطهي وتضميد الجراح، وحتى يقوم نساء المسلمين بتلك المهام، وما زالت تلك المناطق الإدارية حتى يومنا هذا خلف الخطوط.
3 ـ هندسة الميدان:
كانت غزوة الخندق «الأحزاب» من أنجح المعارك الدفاعية، إذ تمكنت قـوة صـغيـرة مـن الدفـاع عن المدينة ضد قوات متفوقة عـدداً وعـدّة، ويرجـع ذلك إلى إشارة سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ على رسول الله- صلى الله عليه وسلم – بأن الفُرْس يستخدمون الخنادق مانعاً صناعياً، فما كان من رسول الله- صلى الله عليه وسلم – إلا أن طور الرسم الهندسي للخندق حتى يكون مانعاً هندسياً منيعاً يخدم الخطة الدفاعية، وقام بحفر خندق طوله 8 كيلومترات وعرضه 6 أمتار وعمقه 5 أمتار، وقد برع رسول الله- صلى الله عليه وسلم – في تكوين ذلك المانع الهندسي أمام الحد الأمامي لدفاعات المسلمين، فقد ارتكزت جوانب ذلك الخندق على موانع طبيعية من الصخور والتي لا يمكن للعدو التقدم من قِبَلها.
وكان لحفر الخنادق تطور كبير في تكتيكات المعركة الدفاعية؛ حيث لم يكن معروفاً في شبه الجزيرة العربية، وقد كان هذا الخندق أول تجهيز هندسي لموانع عسكرية في ذلك العصر، ثم أصبح إحدى أعظم التجهيزات الدفاعية في العصر الحديث، وخاصة أن ذلك الخندق تم اختيار موقعه في عـنق المواجـهة على طـريق الاقتراب إلى المدينة. وقد كان لرسـول الله- صلى الله عليه وسلم – الفضل ليس في عمل الخندق وإنما في اختيار المكـان والأبعـاد الهـنـدسـيـة التـي أمــر بها بحـيث لا يستطـيع لا الأفراد ولا الفرسان اختراق ذلك الخندق.
4 ـ اختيار النقط الحاكمة ومناطق السيطرة، ونقطة القائد:
لقد أجاد الرسول- صلى الله عليه وسلم – الاستخدام الجيد للأرض والاستفادة مما قد توفره بعض التضاريس من مميزات تكتيكية؛ ففي غزوة «أحد» اختار جبل عينين مكاناً للرماة، حيث إنه نقطة مسيطرة على ميدان المعركة، وبإمكانه تأمين مؤخرة جيش المسلمين.
ـ نقطة القائد:
وهي النقطة التي تحدد لانضمام قوة متمركزة على الأرض إلى القوة الرئيسية في تشكيل المسير.
وقد حدد رسول الله- صلى الله عليه وسلم – تلك النقط، وقد تم اختيارها بكفـاءة عاليـة جـداً، وقـد ظهر ذلك في غزوة «الفتح»؛ حيث كانت القبائل تنضم لقوات الرسول- صلى الله عليه وسلم – المتجهة صوب مكة المكرمة عند نقاط معينة حددها القائد العظيم نبينا محمد بن عبد الله- صلى الله عليه وسلم – بحكمة حتى أصبحت الآن من أحدث الأساليب في تشكيل المسير في المعركة الحديثة.
5 ـ أساليب القتال:
لقد طور الرسول- صلى الله عليه وسلم – أسلوب القتال من أسلوب الكر والفر إلى أسلوب القتال بالصفوف، واستخدم الأنساق القتالية، واتخاذ احتياطي خفيف الحركة في يد القائد؛ وذلك لتطوير الهجوم، وضرب الجوانب «الالتفاف والتطويق»، ومطاردة العدو.
كما أن الرسول- صلى الله عليه وسلم – استخدم أساليب القتال التعطيلي، ورتل المسير والتحرك الليلي، فقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم – في غزوة الفتح يسير في الليل ويكمن بالنهار؛ لتحقيق عامل المفاجأة. كما استخدم الحرب النفسية لزعزعة صفوف العدو قبل أن يبدأ قتاله.
6 ـ مبادئ القتال:
لـقد فاق رسـول الله- صلى الله عليه وسلم – عصـره؛ فـقـد طبـق في غزواته مبادئ الحرب التي يُطبق بعضها في العصر الحديث، إن لم يكن كلها، وكان ذاك التطبيق بالفطرة، دون دراسـة في أكاديمـيات أو معاهد عسكرية، فقد وضع الرسـول- صلى الله عليه وسلم – أسس ومـبادئ القـتال قبل أن تضـعها وتطبقها الأكاديميات العسكرية الحديثة وقبل نابليون بونابرت وروميل «ثعلب الصحراء» ومونتجمري أو أي قائد عسكري ذكره التاريخ.
مبادئ القتال الحديثة وتطبيقاتها في عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم – :
1 ـ المحافظة على الغرض:
قـال الرسول – صلى الله عليه وسلم –: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله»(2)، فغرض الرسول- صلى الله عليه وسلم – هو نبذ الشرك بالكلمة الطيبة والإقناع {ادْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْـحِكْمَةِ وَالْـمَوْعِظَةِ الْـحَسَنَةِ} [النحل: 125]، وقد يصل إلى الجهاد في سبيل إعلاء كلمة الله، ومن ثم كان الجهاد في سبيل الله أفضل من التطوع للحج والعمرة وأفضل من تطوع الصلاة والصـوم؛ فقد جاء في الحديث: «عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي»(3).
2 ـ الحشد والاقتصاد في القوى:
لا يشترط لتحقيق النصر في المعركة التفوق العددي العام، ولكن القائد الناجح يدفع العدو إلى تثبيت قواته، بينما يقوم هو بتوجيه الحشد الأكبر من قواته إلى الاتجاه المناسب للضربة المناسبة.
طبَّق رسول الله- صلى الله عليه وسلم – هذا المبدأ في جميع غزواته عدا غزوة بدر، حيث إنه لم يكن خارجاً للقتال.
واقتصاداً للقوى كان الرسول- صلى الله عليه وسلم – يحشد قواته ووضع أهمية لنقطة القائد حتى تنضم القوات «قوة تلي الأخرى» إلى القوة الرئيسية التي يقودها الرسول – صلى الله عليه وسلم – ، وظهر ذلك جلياً في غزوة الفتح؛ فكان الرسول- صلى الله عليه وسلم – يرسل للقبائل التي دخلت الإسلام يأمرهم بالانضمام إلى جيش المسلمين في أماكن وأوقات محددة دون إعلان هدفه؛ محافظاً على السرِّية، فما كان يتحرك على رأس الجيش من المدينة قاصداً مكة حتى استمر الانضمام إلى الجيوش المسلمين من قبائل غطفان وغيرها.
وساروا معهم يحملون دروع الحديد، وكلما تقدموا انضم إليهم عند «نقطة القائد التالية» من سائر القبائل، حـتى بلغ الجـيش قرب مكـة، فضربت الخيام، وأمر الرسول- صلى الله عليه وسلم – بإشعال النار؛ حتى يلقي الفزع والخوف والرعـب في قلـوب قريـش، وذلك قـبل أن يبـدأ القتال. قال ـ تعالى ـ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِـمِينَ}.
[آل عمران: 151]
وكـان الحشــد فى غـزوة الفـتح عشـرة آلاف مقاتل، أما تبوك في العام التاسع من الهجرة فكان العدد ثلاثين ألف مقاتل من المسلمين.
أما ادخار القوى فخير مثال على ذلك غزوة أحد، فقد وضع الرسول- صلى الله عليه وسلم – القوات الرئيسية وهي 713 مقاتلاً لمجابهة القوات الرئيسية لقريش، وتمركز 50 مقاتلاً من أمهر الرماة على النقطة الحاكمة أي: على الجبل، والرماة هم بمثابة قوات احتياطية في يد الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وكانوا بقيادة عبد الله بن جبير ـ رضي الله عنه ـ، وتلك القوة كانت مكلفة بحماية ظهر الجيش ومنع تقدُّم العدو وخاصة فرسانه.
وقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا، وإن كانت لنا أو علينا، فاثبت في مكانك لا تؤتين من قبلك».
3 ـ عنصر المفاجأة:
وذلك بمفـاجأة العـدو في الزمـان والمكان غير المعتادين أو المتوقعين وبأسلحة وقوة غير متوقعة.
وتتمثل أهمية هذا العنصر في العمل على شلِّ حركة وتفكير العدو وبث الذعر بين قواته.
وقد اشتهر الرسول- صلى الله عليه وسلم – بقوله: «نصرت بالرعب مسيرة شهر»(4)، أي: أن أعداءه يُهزمون قبل أن يصلهم بمقدار مسيرة شهر كامل.
ومن أمثلة استخدام هذا العنصر:
أ ـ في الهجرة إلى المدينة: وهي أصغر عملية عسكرية، فاجأ- صلى الله عليه وسلم – قريشـاً باخـتيـار وقـت غـيـر مـألـوف للهجـرة، لذا اختار طريقاً غير مألوف للسفر إلى المدينة.
ب ـ غزوة بدر: استخدم- صلى الله عليه وسلم – أسلوباً جديداً للقتال، وهو القتال بالصف، وقد أصبح من أحدث الأساليب القتالية الحديثة.
ج ـ غزوة أحد: وهي نظرة استراتيجية، وذلك بالتقدم لاحتلال النقطة الحاكمة.
د ـ غزوة الأحزاب: وكانت المفاجأة للعدو؛ حيث قام المسلمون بتقديم تكتيك حديث وذلك بحفر الخندق، وكان مانعاً هندسياً عظيماً، ولذلك سميت بغزوة الخندق.
هـ ـ فتح مكة: وذلك بمفاجأة المشركين بعشرة آلاف مقـاتل، واستـخدم- صلى الله عليه وسلم – فـي تلك الغـزوة أعـظم تشكيل مـسير واستخدام النقط الحاكمة ونقط القائد أثناء المسير، وهذا التكـتيك المستـحدث الذي استـحدثه- صلى الله عليه وسلم – وكذا براعته في فـنون التحـرك وكيـفـية تأمـين القـوات؛ كل ذلك هو ذاته الذي يستخدم في العصـر الحـديث، ولم ينسب إلى فنون القتال عند رسول البشرية – صلى الله عليه وسلم -.
واستخدام المسير ليلاً وأن يكمن نهاراً كان ذلك عامل مفاجأة للعدو، وكذا استخدام أساليب الحرب النفسية والتي تستخدم أيضاً في عصرنا الحديث، إنها فعلاً لَعبقرية سبقت عمالقة التكتيك الحديث.
4 ـ تنظيم التعاون:
هـذا القـائـد لا يـدانيه قائد عسكري في العصر الحديث، كان يقوم بتحديد المهام للقوات وأسلوب التعاون مـع الجـوار، ولـو أعـدنـا النظـر إلى تعلـيمات القتال لرسول الله- صلى الله عليه وسلم – في غزوة أحد فإنه يتضح لنا مدى إلمام رسول الله- صلى الله عليه وسلم – بخواص الأسلحة المشتركة في المعركة والمتيسرة له في ذلك الوقت؛ فالفرسان التي تمثل خفة الحـركة والقيام بها بالالتفاف على أحد الجوانب والتطويق ما هو إلا سلاح المدرعات في عصرنا هذا، أما النبال أي: الرماة؛ وضـعها وأيـن تمـركـزهـا وأسـلوب تـراشـقها هـو ما يماثل في يومنا إدارة النيران.
تلك التعليمات على إيجازها وبلاغتها تمثل نظام التعاون بين القوات المسلَّحة المشتركة في المعركة.
5 ـ الهجوم:
(الهجوم خير وسيلة للدفاع) تلك الجملة مستخدمة حالياً في كتب ومراجع التكتيك الحديث، إلا أنها كانت إحدى مبادئ الرسول القائد – صلى الله عليه وسلم – ، والتي استخدمها في جميع غزواته، عدا غزوة الخندق، حيث كان العدو متفوقاً جداً، مما حدا بالرسول- صلى الله عليه وسلم – إلى أخذ أوضاع دفاعية غير متوقعة بإنشاء المانع الهندسي الجبار الذي أذهل المشركين.
ومبدأ الرسول- صلى الله عليه وسلم – في المعركة حسمها، ولا تحسم المعركة إلا بالهجوم، وأصبحت الآن إحدى المبادئ الحديثة في قانون القتال.
6 ـ السرعة وخفة الحركة:
يُوصف سلاح الفرسان في العصور القديمة وصدر الإسلام حتى العصور الوسطى بالسلاح الذي يتميز بالسرعة وخفة الحركة وقدرة فريق الفرسان على الالتفاف والتطويق وتطوير الهجوم بالمطاردة وحسم المعركة. وكانت وصاية الرسول- صلى الله عليه وسلم – بأن يتقن المسلم ركوبها والسباق بها والتدريب على أسلوب القتال بها وكيفية استخدامها في تطوير الهجوم. وهذا السلاح تطور اسمه وآلاته، وأصبح في العصر الحديث يُعرف بسلاح المجنزرات أو المدرعات.
7 ـ تأمين الجوانب وكيفية الدفاع عن الثغرات:
وقـد وضـح ذلك في تعليمات القتال التي أعطاها الرسول – صلى الله عليه وسلم – ؛ وخاصة تلك التي كانت في غزوة أحد، بـأن وضـع الرمـاة على نقـطة حاكـمة؛ وذلك لتـأمين الجوانب ومؤخرة القوات الإسلامية، ومنع فرسان العدو من الالتفاف لضرب مؤخرة المسلمين وتطويق قوات الرسول – صلى الله عليه وسلم -.
ومن هنا برزت أهمية النقطة الحاكمة عند ترك الرماة لمواقعهم لحصر الغنائم، فما كان من خالد بن الوليد ـ لم يكن مؤمناً آنذاك ـ إلا أن استغل ترك معظم الرماة للنقطة الحاكمة وقام بعملية الالتفاف والتطويق وانقضَّ على قوات المسلمين، رغم تحذير الرسول- صلى الله عليه وسلم – للرجال من ترك تلك النقطة الحاكمة؛ لأنها كانت عاملاً على حماية جوانب ومؤخرة القوات المسلمة.
وفي غزوة الخندق تم عمل مانع هندسي جبار في المنطقة المحتمل تقدُّم العدو فيها، وقد استند ذلك المانع إلى موانع طبيعية يميناً ويساراً، وكانت تلك الموانع المستند إليها جبالاً صخرية يصعب للعدو التقدم عبرها.
8 ـ وسائل التحكم والسيطرة:
لقد كان للنبي- صلى الله عليه وسلم – أساليب عسكرية بارعة تدل على عظمة قيادته للجيش الإسلامي، وخصوصاً في تلك الظروف التي لم تتواجد فيها وسائل السيطرة الحديثة، مثل: الأجهزة اللاسلكية وأجهزة الإرسال والرادار والأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد، كل ذلك يدل على فن إدارة عظيمة للمعركة. وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم – قائداً عسكرياً عبقرياً لا يدانيه قائد. وقد استطاع إلى جانب شجاعته أن يزن حجم المعركة ويختبر مناخها ودراسة الأرض دراسة جيدة من جانب القوات الصديقة ومن جانب العدو… وكان يستشير أصحابه، ويختار القادة بما يناسب المعركة، وينظم الصفوف ويستعرضها، ويقوم بالمرور على تلك القوات والتفتيش عليها، إلى جانب عمل خطة الهجوم وخطة الدفاع حسب نوع المعركة، ويقوم بتنظيم المواقع. وأهم تلك الخطط خطة الإمداد والتموين، علاوةً على إرساله عناصر الاستطلاع، وتأكيد المهام لكل وحدة، ثم يتولى مكانه في القيادة ويأمر بالمسير والقتال.
محمد- صلى الله عليه وسلم – هو المثل الأعلى في القيادة والشجاعة وعبقرية الرأي الحكيم، علاوةً على بُعْد النظر والحكمة لديه – صلى الله عليه وسلم -.
وبالتوفيق=)
شُكَرَأإ..
<~
سسامحيني على ردي السسطحي..مسستعيله..تستأإهليين أكثر،،
تسلمين
مانخلا .