تخطى إلى المحتوى

جاهز تقرير عن السيرة الذاتية 2024.

السيرة الذاتية فن، يغري الكثيرمن الكتاب لتوثيقه، وبخاصة بعد أن يكون لهم باع طويل في الكتابة الروائية أوالفكرية، وقد تطورت في عصرنا الحالي، فلم تعد حكراً على الكتاب أو الشعراءفقط.

بل أصبح يكتبها الرؤساء والملوك والسياسيون ليوثقوا فيها تجاربهم الذاتيةفي الحياة السياسية والأحداث التي واكبت حياتهم والأشخاص الذين قابلوهم واصطدموامعهم، كما يحاول كتابتها ناس عاديين ليصبحوا معروفين.

فالسيرة الذاتية تأريخللأحداث الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية للمكان والزمان؛ توثيق للتاريخ،وتوثيق للخبرات. فكاتب السيرة يتناول فيها أحداثا من مراحل حياته المختلفة، ربماتكون حروبا أو أحداثا تاريخية مهمة شاركوا في تتبعها، أو تشابكت تفاصيلها مع تفاصيلحياتهم.

لكن، الخوف وثقافة المجتمع المحكوم بالعادات والتقاليد، وأسباب أخرىتدفع الكثير من الكتاب الأردنيين –والعرب بالعموم- إلى الابتعاد عن كتابة سيرهمالذاتية، ليجنح أكثرهم إلى كتابتها في أعمالهم الروائية بأسلوب غير مباشر، ليُقرأكاتبها بين سطورها.

"نحن كأشخاص عاديين وليس كتاب، لا نتجرأ على قولالمستور"، تقول الروائية جميلة عمايرة "بثقافتنا قد نؤذي آخرين، وقد نمس مشاعرهموهم لا زالوا أحياءً".

كتب السير الذاتية في الأردن محدودة جداً، كما ترىالقاصة ورئيس تحرير مجلة تايكي الثقافية، بسمة النسور، وتقول "يمكن أن أعتبرهاظاهرة تخص المجتمع الأردني، فالكتابة بهذا النوع محدود جداً".

لو كانالرزاز حياً
(السيرة الجوانية) تجربة للروائي الأردني الراحل مؤنس الرزاز،لكنها لم تكتمل بعد، بسبب وفاته، وتقول النسور "أتصور أن مؤنس لو كتبها لكانت سيرةصادمة، باستثناء ذلك لا أذكر كاتب أردني كتب سيرته الذاتية واستعرض فيها حياتهومعاناته أو الكشف الجواني له".

لكن هناك كتاب للأكاديمي الأردني خالدالكركي "سنوات الصبر والرضا" وفيه ضمن بعضاً من حياته ونشأته في قريته ومراحلتعليمه حتى وصوله إلى مناصب عليا في الدولة، لكنها ذهبت للحديث عن علاقاته الأسريةوببعض من تركوا بصمة في حياته.

وإذا جنحنا إلى الأدب العربي فالقائمة تطوللعل أبرزهم: فدوى طوقان، جبرا إبراهيم جبرا، إدوارد سعيد وإحسان عباس، وتتحدث بسمةالنسور "من الصدفة أننا في العدد القادم من مجلة تايكي نشتغل على هذاالموضوع تحديداً، وخصوصاً السيرة الذاتية لدى المرأة، ووجدنا أن بصعوبةكتبت امرأة سيرتها، باستثناء الراحلة فدوى طوقان، السؤال مطروح والجواب عليه يحملأكثر من اجتهاد".
"تركيبة المجتمع العربي بالعموم محافظ، وهناك الكثير منالتابوهات ولا توجد الجرأة لاقتحامها، وإن تحدثنا عن المجتمع الأردني، فطبيعته لايعبر عن نفسه بسهولة، وهذا ينطبق على المبدع باعتباره ابن البيئة، ودائما نتحفظبالتعبير عن ذواتنا، وحوارنا دائما يكون في المعظم جواني والمرأة خصوصا عليهاالكثير من القيود"، تقول بسمة النسور لبرنامج برائحة القهوة.

وتعلق الروائيةجميلة عمايرة "لا يوجد أي عمل أدبي؛ قصصي أو روائي، إلا ويحمل بذرة ولو صغيرة جداًمن الكاتب، حياته هواجسه أحلامه وانكساراته، ولأنني أتحدث معك وبين يدي رواية إلياسفركوح مقامات الزبد فيها جزء كبير من الذات، ومن السيرة الشخصية للكاتب، وكذلكرواية شجرة الفهود لسميحة خريس فيها جزء كبير من السيرة الذاتية".

وتعودوتقول عمايرة "الكاتب العربي تربى على التابوهات والممنوعات التي تحد من القولالمباشر، وكل ذلك عكس الآخر والذي هو الأدب الغربي والاعترافات والجرأة العالية،لكن الأدب العربي ومن ضمنه الأديب الأردني لم يحدث، وإن كان هناك محاولات لكتاباتفيها من الجرأة الكثير وتسمى الأسماء فيها كما هي".

حياة عادية وغيابالأحداث.. أم خوف من البوح
خليل السواحري، كاتب وقاص وصاحب دار الكرمل للنشر،حدثنا عن السير الأدبية، ولماذا لا يكتب الأديب الأردني سيرته الذاتية، يقول "ليسهناك سيرة ذاتية مائة بالمائة سواء كتبها كتاب أردنيين أو عرب أو أجانب، وأعتقد أناعترافات جان جاك روسو التي صدرت في أواخر أيام حياته في بدايات القرن العشرين،كانت أصدق كتابات السير الذاتية. هنا، لا يتطرق الكاتب إلى كتابة سيرته الذاتية،لعدة أسباب أولها أن الروائي والقاص عادة ما يكتب بعض من جوانب سيرته الذاتية منخلال إبداعه القصصي أو الروائي، فيغطي هذا الجانب من جوانب حياته".

ويتابع.."أو عدم وجود أحداث مفصلية ذات أهمية في حياته، فالسيرة الذاتيةتحتاج لأحداث كبيرة، فإذا كانت حياة الكاتب عادية يقرأ ويكتب فقط، أي ليس لديهتجربة اجتماعية أساسية كبيرة، هذا يجعله يعزف عن كتابة السيرة الذاتية، وهناك وجهآخر لعزوفهم عن الكتابة، وهو تجنب البوح بأحداث لا يريد البوح بها، فتكون بحياتهأحداث سياسية أو جنسية أو اجتماعية لا يريد أن يعرض لها صراحة، وبالتالي لا يكتبسيرته الذاتية".

هل تمنع الأعراف والتقاليد الكاتب من كتابة سيرتهالذاتية؟
"نعم"، يؤكد السواحري ويتابع "فحسان أبو غنيمة الراحل بدأ بكتابة سيرتهالذاتية، فاكتشف أنه سيقع في مطبات كثيرة فعزف عن كتابتها، وأنا أكتب بعض فصول منسيرتي، فهناك نوع من السيرة الذاتية وهي عبارة عن مختارات من حياة الكاتب، فيختارمفاصل سياسية أو ثقافية أو لقاءات مع كتاب آخرين. فأنا أكتب مقاطع من السيرةالذاتية وليس السيرة الذاتية كاملة مثلما فعل طه حسين، وإنما يختار الكاتب الأحداثالتي يحس أنها ذات أهمية ليطلع القارئ عليها".

في حين أن كتاب آخرين مثلفيصل الحوراني كتب خماسية عن النكبة في حدود 1200 صفحة كما يشير السواحري، "هيعبارة عن سيرة ذاتية مخلوطة بالوقائع الفلسطينية، والوقائع الفلسطينية غنية وسريعةومتلاحقة، فهو كتب ابتداءً من خروجه من المسمية وانتهاءً بوجوده في غزة بعد أوسلو،وتناول فيها القضية الفلسطينية بشكل عام؛ أرخ لأحداث القضية الفلسطينية من خلالاشتباكه فيها ومع الأشخاص القياديين والأحزاب".

لما العزوف !
الروائيةسميحة خريس، ورئيسة القسم الثقافي في جريدة الرأي، ترى أن هناك كٌتُابا أردنيينكتبوا سيرهم الذاتية، "مثلاً إحسان عباس كتب وغيره الكثير، ولا يمكن تسمية ذلكبعزوف الكاتب، لأن المعظم الموجود بالساحة لم يصل إلى السن الذي يلح عليهم بضرورةكتابة السيرة الذاتية، ولأن مخاوف عديدة تحد من قدرتهم على التعبير عن تجاربهمالشخصية، والرقابة الاجتماعية التي قد تطالها بالتحديد".

إذا هي جرأةبالنهاية؟
"فيها جرأة ولا يخفى عليك ما كتبه الروائي الراحل مؤنس الرزاز فيالسيرة الجوانية، وفيها الكثير من السيرة الذاتية النفسية لحياته؛ وهي جرأة غيرمعهودة أصلا في الأدب العربي".

ورغم الخوف والرقابة الاجتماعية على الكاتب،فأنه يبقى عاشقا لأن يعبر عن ذاته في أي عمل يكتبه لذلك يظل متحفزاً لكتابتها، "ولدينا إحساس بضرورة أن نكتب شيء من داخلنا ونسرب بعضها في داخل نصوصناالروائية".

وهو ما يمكن قراءته في روايتك شجرة الفهود؟
"لا، ليس تماماأنا أستفيد من تجاربي في العمل والحياة العامة وأسخرها، لكني لم أكتب السيرةالذاتية داخل النص".

وهل هناك نية لكتابة سيرة ذاتية بالمستقبل؟
"قديكون. ولكن ليس بمعنى السيرة الذاتية، فقد يكون اجتزاء جزء وأعبرعنه".

البيئة تحكم على الكلمة
البوح للآخر والكتابة بواقعية، ليست منعادات المبدع العربي، وهو حال أي إنسان عادي، وكما يقول الناقد فخري صالح ورئيسالقسم الثقافي في الدستور أنه "ليس لدي جواب قاطع بهذا الشأن لكن أظن أن المشكلةالأساسية تنطبق ليست على الكاتب أو المثقف فقط وإنما على كافة العاملين في المجالالعام في الحياة الأردنية. وهنا أقصد رجال السياسية والعاملين في الحقول التيتجعلهم معروفين أمام الناس".

"علينا الاعتراف بأننا نعيش في بيئة تقليديةُيحكم على الشخص من كلمة يقولها، ولهذا السبب ربما يتجنب الكتاب والمثقفون، أنيكتبوا بصراحة، وأن يفتحوا سجلاتهم بطريقة تضيء في المستقبل الأعمال الأدبية التييكتبونها" يقول فخري صالح.

ومع هذا، فهناك خوف يتملك المبدع، فإذا كتبيتسبب بالأذى لأولاده وأقرباءه، وهنا يتجاوز الخوف الذاتي إلى الخوف والحرص على منحوله، ويقول الناقد صالح حول ذلك ، "هي مشكلة أساسية، ونجيب محفوظ مثلا حاول ذلك،فعندما قام رجائي نقاش بكتابة سيرة نجيب محفوظ رُفعت على محفوظ قضايا من قبلأقرباءه حتى من ابن أخته، وذلك بسبب ما قاله عن العائلة، وحتى أصدقاء لمحفوظ كانيعرفهم فقد كتب أبناؤهم ضده بسبب ما قاله في هذه المذكرات".

ومن هنا لايستطيع المبدع أن يبوح، كما في الغرب، "وعندها يُفضل أن يكتب أعماله الإبداعية،ونحن علينا أن نستنتج فيما إذا كانت هذه الأعمال لها علاقة بحياته الشخصية أم لا".

سير ذاتية بدون أقنعة
"الكتابة العارية"، وصف يطلقه الأدباء على السيرالذاتية، وذلك لأن نقل الواقع كما هو سيترتب عليه نقل لأحداث لم تجد طريقها للنشر،وتسليط الضوء على علاقات بين أشخاص تطال شخصيات أدبية وسياسية واجتماعية معروفة فيالغالب، وهنا تأتي السيرة الذاتية للمؤرخ المصري عبد الرحمن بدوي التي وصفهاالكتٌاب بأنها "مدفوعة برغبة في الانتقام وتصفية حسابات شخصية وأحقاد لم يدفنهاالزمن" بالمقابل هناك سيرة باتت من الأساسيات في التراث الأدبي ونشير بهذا الصددإلى سيرة الشاعرة الفلسطينية الراحلة فدوى طوقان (سيرة جبلية، سيرة صعبة) وفيهاتناولت حياتها كامرأة وكيف ساعدها أخيها الشاعر الراحل إبراهيم طوقان على التعلموالخروج من عباءة مجتمع تحكمه العادات والتقاليد.

هل بالضرورة أن تتحدثالسيرة عن فضيحة؟ ليست بالضرورة أن تكون كذلك، لكن يذهب الكثيرون إلى قراءة السيرلأجل "الفضيحة والتطرق إلى المحرمات وتحديدا الجنس"، فالحديث على الورق هو طريقةلتفريغ الكبت الذي يعانيه القارئ في مجتمعه ومن هنا يربط البعض بين السيرةوالمذكرات الشخصية وكأنها قراءة داخلية حميمة تستدعي الاهتمام والفضول فيما كتبهالكاتب.

لا ينكر أحد الأهمية التي تميز السير الذاتية للأدباء والشخصياتالمختلفة، فهي تذكي التاريخ والثقافة بكم كبير من الأحداث التي توثق وتؤرخ فيها. فالسيرة الذاتية تنافس الروايات في عصرنا الحاضر في نسب القراءة، لفضول القارئالمتعطش دائما لمعرفة أسرار كتابهم أو شخصياتهم المفضلة، أو لمعرفة حياة هؤلاء وماعاصروه في فتراتهم من أحداث وأزمات.

بارك الله فيج

تم تقييمج

بالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.