تقرير بحث ابو جعفر الطبري الامام الطبري للصف العاشر 2024.

الإِمَامُ الطَّبَرِيّ

تأليف : محمد علي قطب

( محمّد بن جَرير بن يَزيد الطبري )

( 224 – 310 هـ )
قال الخطيبُ البغدادي : " كان من كبار أئمة العُلماء ، ويُحكم بقولِه ، ويُرجَع إلى معرفتِه وفضلِه "
بسم الله الرحمن الرحيم
" الطبري " و " طبرستان " :
منذ أن فَتَح العَرَب المسلمُون بلاد فارس ، وتوغّلُوا فيما وراءها ، واسْتوْطنُوا تلك الدِّيار بزَغَ نجمُها ، وأشْرَق ضياؤها ، وكثُر ذكْر " أصبهان " و " خراسان " وغيرهما مَع ما تلهج بِهِ أسماء الأعْلام من الرِّجال ، سواء كان على صعيد الفتح ، أو على صعيد العِلم والمعْرفة ، كما حفلت بطون الكُتُب بذكر أسماء العلماء الأَفْذَاذ ، منهُم مَن يرجع نسبُه إلى أصل عربي ، ومنهُم من هُوَ من أهْل تلك البلاد ، وقد اصْطَبَغَ كليَّةً وتلبَّس بالإسلام الحنيف لسانًا وقلبًا ، وعقلاً وروحًا .
وإنا لنعجز – في كثير من الأحيان – عن تعداد أولئك الأعلام الذين أَثْرَوُا المكتبة الإسلامية ، وأمدُّوهَا بغزير علمِهِم ، وما تفتحت عنه قرائح عُقولهِم وعلُومهم ؛ ثم خلَّفوا تراثًا هائلاً ، ما يزال إلى يومنا هذا مصدر عِلم وفِهم ، ومرجعًا وافيًا في كل فن .
وإمامنا " الطبريُّ " – رحمه الله تعالى – ، الذي نترجمُ لَهُ هُو أحَد الذين نبغُوا من أهل تلك الدِّيار نبوغًا عظيمًا ، ودوَّى اسمُهُ في الآفاق طوال القرن الثالث الهجري ، ومطلع القرن الرابع ، وكان أحد أركان العلم على مدى عُقُود من السنين ، والذي لا يزال حتى يومنا هذا بما صنَّف وكَتَب – مصدر ثقة واحترام وتقدير – ، في مُختلف العلوم والفنون الإسلامية خاصَّة تاريخه : (( تاريخ الأُمم والمُلوك )) ، وتفسيره الذي يعتبر – وبحقّ – أبا التفاسير .
وإمامنا – رحمهُ الله – لا تقتصر شهرتُهُ على كتابَيْه المذكورين ، في التاريخ والتفسير ، ولكن يتعدى ذلك إلى إتقانِهِ لعلم القراءات ، واللُّغة ، والحديث … إتقانا متميزًا ، وغيرها من العلوم والمعارف أيضا ، وقد برع فيها جميعًا ، وشهد له بذلك أساطين عصرِهِ ، ومَن بعدهم .
وله أيضًا النظم الجميل ، وإن كان مقلًا ، وما قالهُ من الشِّعْر إنما هُو خطرات في مناسبات ، ولكنه مُحكم وجيد ، وينبئ عن شاعريِّةٍ كامنة ، وسَلِيقةٍ وطَبع.
ولقيَ إمامُنا " الطبريُّ " في حياتِهِ محنةًً ، شأن الكثيرين من الأئمَّة الأعلام ، ذوي الرأي الحُر ، وقولَة الحقِّ ، لا يَخْشَوْنَ فيها إلا الله تعالى .
ونَحن لا يسعُنا أن نؤيد أو نُعارض ، ونفوِّض الأمر في صَدَد ذلك إلى الله تعالى ، فهُوَ أعلمُ بالنوايا ، وخفايا القُلُوب ، وما انطوت عليه الجروح .
لقد وُجدَ – رحمه الله – في عَصْر اشتدَّت فيه ريحُ المذهبيَّة ، وعصبيتها المقيتة ، نتيجة تفاعلات وأحْداث سياسيَّة ، وتقلبات عنيفة ، من ثَمَّ كانت له اجتهاداتٌ وآراء ، مما حفزَ البعْض إلى اتهامِهِ بالرَّفض .
ونَحنُ لو اطلعنا على تََفْسيرِه ، وتاريخه ، ومصنَّفاتِهِ ، قد نشتمُّ منها بعض الرائحة ولكن من غَيْر غُلُوٍ ولا تَطَرُّف ، ولا تعصُّب ، ولقد أنصفَهُ من هذه النزعة – التُّهمة – الكثير من العُلماء ، من أهل السنَّة والجماعة ، ممَّن عاصرُوه ، أو ممَّن جاءوا بعده .
ولم يكتف المتعصِّبُون ضدَّه برميه بهذه التُّهمة ، بل تجرؤوا إلى أبْعد من ذلك ، إلى فِرْية اتِّهامِهِ بالإلْحاد ، غباءً وجهلاً ، وجُرأةً على الله تعالى ، وهل يُعْقَل هذا بالنسبة لعالمٍ جليل ، صادق الإيمان ، قوي اليقين ، متفتِّح الذهن ، مفسِّرٍ لكتاب الله ، القُرآن العظيم والذكر الحكيم .
وبعد ، فهيَّا أخي القارئ نستجلي معًا حياة هذا الإمام ، بكلِّ ظروفها ومُعطياتها ، وما خلَّفه لنا من تُراث علمي ، والله الموفِّق والهادي إلى سواء السَّبيل .

اسمُهُ ونَسبُه :
هو : محمد بن جرير بن يزيد بن كثير 1 بن غالب
وكُنْيَتُه : " أبو جعفر " ؛ عربي الأصْل ، ولم يكن له ولد اسمه " جعفر " ، لأنه لم يتزوَّج أصلاً ، وإنما تكنَّى بِهِ التزامًا بآداب الشرع والسنَّة الشريفة ، أما عروبة النسب فعليها الأكثرون ، وإن ذهب المستشرق " بروكلمان " إلى أنه أعجمي النَّسب ، ونسبته إلى " طبرستان " ، إقليم من أقاليم بلاد " فارس " .

مَوْلِدُهُ ونشأَتُه :
وُلدَ في بلدة " آمل " ، إحدى مدُن الإقليم ، وهي أكبر مدنه على الإطلاق ، وغَلَبتْ عليه النسبةُ إلى الإقليم بدلاً من بَلَد الولادة ؛ وقد كانت ولادتُه عام أربعة وعشرين ومائتين (( 224هـ )) ؛ وقال بعضهم (( 225هـ )) ؛ وفيها كانَتْ نَشْأَتُه حتى بَلَغَ أشُدَّه .
ومنذُ نعومة أظفارِهِ ظهر نُبُوغُه ، وميله إلى العِلْم ؛ وكانت تلك الدِّيار ، وما يجاورها ويُحيط بها موئِلاً لكثير من العلماء الأفذاذ .
يقول الأستاذ " محمد الزحيلي " في كتابه : " الإمام الطبري " 2 : (( ونشأ " الطبري " بـ " آمُل " ، وتربى في أحضان والِدِه ، وغَمَرهُ برعايتِه ، وتفرَّس فيه النباهة والذكاء والرغبة في العِلْم ، فتولى العناية بِه ، ووجَّهه منذ الطفولة إلى حفظ القرآن الكريم ، كما هي عادَة المسلمين في منهاج التربية الإسلامية ، وخاصَّةً أن والده رأى حُلُمًا ، تفاءل به خيراً عند تأويله .
قال الإمام " الطبري " : (( رأى لي أبي في النَّوم أنني بين يدي رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ومعي مخلاة مملوءة بالأحجار ، وأنا أرمي بين يديه ، ولما قصَّ رؤياه على صديقه ، قال له : إن ابنكَ إن كبُر نصَحَ في دين الله ، وذبَّ عن شريعتِه ، فحرص أبي على معُونتي على طلب العِلْم ، وأنا يومئذٍ صبي صغير )) 3 .

لماذا لم يَتَزَوَّج " الطَّبَرِيّ " ؟ :
سُؤال قد يتبادَرُ إلى الذِّّهن ، خاصَّة في شَخْص أو امرئٍ مدركٍ وعالم بالسُنَّة .
والذي يُتابعُ مراحل حياة الإمام " الطَّبريّ " ، ويقف على مكوناته الخَلقيَّة والخُلُقيَّة ، يدرك أن عزوفه عن الزواج لم يكُن لعلَّة أو قُصُور ، إنما شَغَلَه العِلْم ، واستغرقَهُ الدَّرس والتَّحصيل ، شأنُهُ في ذلك شأن كثير من العُلماء الأفذاذ .
ولقد وصَفَ مَسْلَمَة بن قاسم " الإمام الطبريّ " فقال : (( كان حَصُورًا لا يعرفُ النِّساء ، شَغَلَه طَلَب العِلْم وهو ابن اثنَتَي عشرة سنة ، ولم يزل طالبًا للعلم ، مولعًا بِه ، إلى أن مات )) 4 اهـ .

بداية مبكِّرة :
ومن قول " مَسْلَمَة بن قاسم " : نَعْلَم أن الإمام " الطبري " _رحمه الله _ قد أقْبَل على طَلَب العِلْم والمعرفة في سنٍّ مبكرة ، وذلك بتشجيع من والدهِ ، صاحب الرؤيا .
وكان أوّل توجّهه إلى المساجد ومعاهد القرآن الكريم في بَلَدِه " آمُل " ، فحفظ القرآن الكريم وهو ابن سبع سنين ، وأتْقَن قراءته ، وعرف أحكَامَه ، وصلى بالناس إمامًا وهو ابن ثماني سنوات ، ثم بدَأ يكتُبُ الحديث الشريف وهو في التاسعة من عمره ، ووهب نفسه للعلم وهو في مقتبل شبابه 5 .
ومُنذ طفولتِه ظهرت فيه سماتُ النُّبُوغ ، والتَّفَتُّح الحاد ، والذكاء الخارق ، والذهن المتوقد ، وملكات الحفظ والاستيعاب ، وكان والده – كما سبق وعرفنا – حريصًا على توفير كُلِّ الإمكانات لولده النجيب ، وخصَّه بعنايته ورعايتِه ، والمال اللازم للإنفاق على العلم والتعلُّم 6 .

الانتقال من " آمُل " :
ومع بُلُوغِه الثانية عشر من عُمره ، كان الإمام " الطبريّ " قد اسْتُوْعُبُ علوم بلدِه ، كما ازداد ظمأً إلى العلم ، ومن ثَمَّ بدأ الرِّحلة في الطَّلب ، وكان ذلك سنة ستٍ وثلاثين ومائتين ( 236 هـ ) .
وكانت البلاد المجاورة له في " طَبَرستان " أوَّل مقاصده ، ثم إلى " بلاد الري " ، يأخذُ من علمائها الحديث واللُّغة والتاريخ والتفسير ، لا يكلّ ولا يملّ ، ليلاً ونهارًا دائبًا .
جاء في " معجم الأدباء " لـ " ياقوت الحموي " 7 :
(( فأول ما كتب الحديث ببلده ثم بالريّ وما جاورها ، وأكثر من الشُّيوخ حتى حصّل كثيرًا من العِلْم ، وأكثر من " محمد بن حميد الرازي " ومن " المثنى بن إبراهيم الأُبلِّي " وغيرهما )) اهـ .
ويحدثنا الإمام " الطبري " عن نفسه فيقول :
(( كنَّا نكتُب عند " محمد بن حميد الرازي " فيخرج إلينا في الليل مرات ، ويسألنا عمَّا كتبْناه ، وكان في قرْية من قرى " الري " ، بينها وبين الريّ قطعة ـ ثمّ نَغدو كالمجانين حتى نصير إلى " ابن حمَيْد " فَنَلحق مجلسه )) 8 .
وقال " ياقوت " أيضًا :
(( وكتب عن " أحمد بن حماد " كتاب " المبتدأ " و " المغازي " عن " سَلَمَة ابن المفضّل " عن " محمد بن إسحاق " وعليه بنى تاريخَه ، ويقال إنَّه كَتَب عن " ابن حُمَيْد " فوق مائة ألف حديث ؛ قال " أبو جعفر " – الطبري – : كان يقرأ علينا " ابن حُمَيْد " من التفسير )) اهـ .

إلى " العراق " :
جاء في الأثر : (( اثنان لا يشبعان : طالب علم وطالب مال )) 9 ؛ وصَدَقَت هذه الفراسة في إمامنا العظيم ، الإمام " الطبي " – عليه الرحمة والرضوان – .
لقد أضحى كمن يشرب من ماء البَحْر ، كلما شرب ازداد عطشًا .
وهذا العطش والظمأ إلى المزيد من العلم والمعرفة ، دفعه إلى الخروج من دائرة " طبرستان " إلى آفاق الأقطار والأمصار ؛ وكان أول اتجاهِه إلى " العراق " و " العراق " يومئذٍ محطُّ الرِّحال ومعقد الآمال لطلاب العلم ، إذ كانت تموجُ بالفُحُول في كلّ فن ، لقد كان في نيته الالتقاء بالإمام " أحمد بن حنبل " – رحمه الله – ، لكن المنيَّة عاجلت الإمام " أحمد " فتُوفي عام واحد وأربعين ومائتين ( 241 هـ ) ؛ قبل أن يصلها " أبو جعفر " وهكذا حُرِم " الطبري " من اللقاء والمشافهة ، ولكنه لمن يُحرم من لقاء عدد آخر من الأفذاذ العلماء ، إذ كانت " بغداد " يومئذٍ حاضرة العلم والعُلماء ، فكتب عن شيوخها وأكثر عنهم ، وسمع الحديث عن محدِّثيها ، والفقه من العلماء والفقهاء ، على مُختَلف المذاهب 10 .

من " بغداد " إلى " البصرة " و " الكوفة " و " واسط " :
وانتقل إمامنا – رحمه الله – من " بغداد " إلى " البصرة " ، وسمع الحديث فيها من " محمد بن موسى الحرشي " و " عماد بن موسى القزّاز " و " محمد بن عبد الأعلى الصَّنعائي " و " بِشْر بن معاذ " و " أبي الأشعث " و " محمد بن بشَّار ابن بُنْدار " و " محمد بن المعلي " 11 … وهم ممَّن بقيَ من شيوخها في زمنه .
وخرج من ثَمَّ إلى " واسط " ، وسمع الحديث – أيضًا – من بعض شيوخها ؛ وتوجّه بعد ذلك إلى " الكوفة " ، والتقى فيها بكبار علمائها ؛ وكتب الحديث عنهم ، منهم " أبي كُرَيب – محمد بن العلاء الهمذاني " و" هناد بن السَّري " و " إسماعيل بن موسى " 12 .

العودة إلى " بغداد " .. والتفوُّق :
وعاد الإمام " الطبري " إلى " بغداد " بعد جولته في " البصرة " و " الكوفة " و " واسط " ؛ إذا كانت " بغداد " بما فيها من علوم ومعارف ، وشيوخ أعلام ، تحتاج إلى أكثر مما أنفقه فيها من وقت زيارته الأولى .

وفي هذه الزيارة طال مقامه فيها ، واستغرق في درس علوم القرآن عامّة ، وعلم القراءات خاصّة ، على " أحمد بن يوسف التَّغلبي " ، كما تلقّّى فقه الإمام " الشافعي " – رحمه الله – عن " الحسن بن محمد الصّباح الزّعفراني " ن وكتب عنه كتابًا في الفقه ، ودرّسه في " بغداد " على جماعة منهم ، : " أبو سعيد الإصطخري " وغيره .
في هذه المرحلة ظهر نبوغ " الطبري "وإمامته العلميَّة ، وعَرَفَته حلقات التدريس ، وأقرّ له العلماء الأعلام بالتفوُّق والتقدُّم ، حتى إنه – رحمه الله – دَرَس الفقه الظاهري على يد " داوود بن علي " … بقصد المعرفة ، وتنويعها ، من مصادرها المختلفة ؛ وينابيعها المتعدّدة .

إلى " الشام " :
ومن " بغداد " إلى " الشام " ، حيث الرصيد العلميّ فيها وفير كثير ، إذ كانت تلك الديار في يوم من الأيام حاضرة العهد الأموي ، تزخَرُ بالحركة والنشاط ، ومدِّ الفتوح ، وموئل العلم والعلماء ، فأتاها وزار أكثر مدنها " دمشق " و " حمص " و " حماه " و " حلب " و " بعلبك " … و " بيروت " .
وفي " بيروت " أخَذَ القرآن الكريم برواية الشاميّين عن " عباس بن الوليد " المقرئ البيروتيّ 13 ، وأقام هناك مدّةً يلتقي خلالها به ، ليُتقن ما يحفظ ويتلقى .

ومن " الشام " إلى " مصر " :
وكان إمامنا " الطبري " – رحمه الله – شديد الشغف والشوق إلى زيادة " مصر " التي كانت غنية بعلمائها ، ورؤوسهم الأفذاذ ، من محدِّثين وفقهاء ولغويِّين وغيرهم ؛ فشدَّ الرحال إليها وكان ذلك سنة ثلاث وخمسين ومائتين ( 253 هـ ) ؛ في أوائل عهد " أحمد بن طولون " .
وفيها أخذ فقه الإمام " مالك بن أنس " على يد نوابغ التلامذة أمثال " يونس بن عبد الحكم " وبنيه : " محمد " و " عبد الرحمن " و " سعد " ، كما أخذ وتلقّى فقه الإمام " الشافعي " – خاصَّة " الجديد " على يد " الربيع بن سليمان الحراوي " و " الربيع بن سليمان الأزدي " و " إسماعيل بن يحيى بن إبراهيم المزني " و " محمد بن عبد الله بن الحكم " الذي جمع بين مذهبي " مالك " و " الشافعي " .

التَّنقل بين " مصر " و " الشام " :
( أقام " الطبري " مدَّة بـ " مصر " ، ثم رغب العودة " الشام " ، فقضى إربَه العلمي بـ " الشام " ، ثم رجع ثانية إلى " مصر " سنة ست وخمسين ومائتين( 256 هـ ) ، والتقى أيضًا وللمرة الثانية بـ " يونس بن عبد الأعلى الصَّدفيّ " وأخذ عنه قراءة " حمزة " و " ورش " وكان بمصر وقت دخول " الطبري " إليها " أبو الحسن عليُّ بن سراج المصري " ، وكان متأدبًا فاضلاً ، ويلقى من يفد إلى " مصر " ، فتعرَّض إلى " الطبري " ، وبان له فضله في علوم اللُّغة ، وسأله عن شعر " الطِّرمَّاح " – وكان " الطبري " يحفظه عن ظهر قلب – فوجده فاضلاً في كلِّ ما يذاكره به في الأدب والعلم والشِّعر ، ودرس " الطبري " بمصر العَرُوض ، بعد أن سئل عنه ، وأصبح عروضيًا ) 14 .

الحنين إلى الوطن :
بعد هذه الرحلة الطويلة التي استغرقت سنين عددًا ، والتي حصَّل فيها إمامنا " الطبري " ما حصَّل من علوم ومعارف ، وأنق في سبيلها نصيبًا كبيرًا من مدَّخراته – القليلة – ، وقسطًا من عمره ، دبَّ في قلبه الحنين إلى الوطن .
( فترك " مصر " ، ورجع إلى وطنه ، وفي الطريق قصد مدينة السلام 15 " بغداد " ، وكتب فيها العلم ، ثم عاد إلى " طبرستان " ، ثم إلى مسقط رأسه وديار آبائه 16 ، وهو العالم المتمكِّن ، والباحث القدير ، والمناظر الفريد ، والداعية العامل .
وكانت هذه الزيارة لـ " طبرستان " هي الأولى منذ أن فارقها في طلب العلم ، ولم يطُل المقام في بلده ، فرجع إلى " بغداد " ، ونزل في " قنطرة البَرَدان " واشتهر اسمه في العلم ، وشاع خََرُ بالفهم والتَّقدم ) 17 .
ولقد قام الإمام " الطبري " بزيارة خاطفة إلى " طبرستان " سنة تسعين ومائتين ( 290 هـ ) ، حيث مكث فيها قليلاً ، ثمَّ جذبته " بغداد " مرَّة أخرى .
وفي ظنِّنا أن زياراته إلى " طبرستان " السريعة كانت ذات هدفين ، أحدهما نوازع النَّفس إلى الوطن ، وثانيهما تحصيل ثمن الغلال من الأرض التي خلَّفها له والده ، إذ كان إمامنا " الطبري " – رحمه الله – قليل المال والكسب ، يعيش على ما خلفه له والده .

الاستقرار في " بغداد " :
لقد تقدَّم العمر بالإمام " الطبري " ؛ وكان قد حصّل ما حصَّل من جزيل العلم والمعرفة ، على اختلاف مقاصدهما وفنونهما ، وأصبح عالم عصره ، وفريد دره ؛ وآن للفارس أن يَتَرَجَّل ، وللمسافر أن يحطّ الرِّحال ؛ فاستقر في " بغداد " وانقطع فيها للتدريس والتأليف ) .
( وكانت " بغداد " مركز الفقهاء والعلماء والأدباء والنحويين والمتأدبين ، فالتقى " الطبري " بهم ، وتسامر معهم ، وأخذ منهم وأعطى ، ونال الثناء العاطر والمكانة العليا في نفوسهم ، واحتل مركز الصدارة ، وكانت له مناظرات وجولات مع معظم أهل العلم ) 18 .

" الطبري " المثل الراقي في العلم والتعلم :
يقول الأستاذ " محمد الزحيلي " في كتابه : ( الإمام الطبري ) 19 :
( ولكن " الطبري " – رحمه الله – حقّق عمليًّا وتطبيقيًّا وسلوكيًّا المثل القائل : (( اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد )) ، فبدأ التعلم في أحضان والديه ، وحفظ القرآن في كنف أسرته ، واستمرَّ حتى بلغ السادسة والثمانين من عمره ، فلم تفتر عزيمته، ولم يخفّ نشاطه ، ولم يجفّ أمله في العلم ، وتفاؤله في خدمة الدين حتى هذه السنة ؛
وكان في شيخوخته قد بدأ بعدة كتب ، وقطع في كل منها شوطًا ، ولم يتمها ، كـ (( فضائل علي )) ، و (( فضائل أبي بكر )) ، و (( عمر )) ، و (( فضائل العباس بن عبد المطلب )) – رضي الله عنهم – و (( الموجز في الأصول )) ، و (( تهذيب الآثار )) كما وعد ، وقطع بكتاب (( الآدر )) في الأصول ، ولم يخرج منه شيء ، وأراد أن يعمل كتابا في القياس فلم يعمله ) 20 اهـ .
يقول " أبو القاسم : الحسين بن حُبَيْش ، الورّاق " : ( كان قد التمس مني " أبو جعفر " أن أجمع له كتب الناس في القياس ، فجمعت له نيفًا وثلاثين كتابًا ، فأقامت عنده مُدَيْدَةً ، ثم كان من قطعه للحديث قبل موته بشهور ما كان ، فردَّها عليّ ، وفيها علامات له بحمرةِ قد علَّم عليها ) 21 .
وفاته – رحمه الله – :
لقد امتدّ العمر بالإمام " الطبري " ، فعاش ستّةً وثمانين عامًا ، قضاها في سبيل العلم ونشره ، وتضاعفت هذه الأعوام بما لا يعلمه إلا الله وحده ، لتبقى ذكرى هذا الإمام الجليل والعالم الفَذّ خالدة في التاريخ ، وليبقى اسمه يتردد على الألسنة ، تلهج بعلمه وفضله ولتتنقل كتبه ومصنفاته وآثاره العلمية بين أيدي الأجيال المتعاقبة ، ينتفعون بها ، ويترحمون على صاحبها .
بقي الإمام " الطبري " مستوطنا " بغداد " ، عاصمة الدولة الإسلامية – في العهد العباسي – أعظم مركز للثقافة والعلم في العالم آنذاك ، يؤدي رسالته ، ويلتف حوله الطلاب والعلماء ، وعلى كتبه التي بدأ بعضها في آخر حياته ، حتى أسلم الروح إلى بارئها تعالى يوم السادس والعشرين ( 26 ) ، من شهر شوال سنة عشر وثلاثمائة ( 310 هـ ) في عصر الخليفة " المقتدر بالله " : ودفن " الطبري " ، في داره الكائنة بـ " رحبة يعقوب " بـ " بغداد " 22 .

رحم الله إمامنا " الطبري " الذي كان عالم عصره ، ووحيد دهره ، الذي جمع من العلوم والفنون ما لم يجتمع لغيره ، والذي تبوأ المكانة المرموقة في أمته ومجتمعه ، وبين العلماء والطلاب ، والذي كان – وما يزال – في سويداء القلوب بين أبناء جيله وتلاميذه ، الذين نقلوا صورته وأخلاقه وشمائله وعلومه إلى الأجيال اللاحقة ، وبقي اسم " الطبري " وعلمه يتردد في كل مكان .
يقول" ابن كثير " :
وقد كانت وفاته وقت المغرب ، عشية يوم الأحد ليومين بقيا من شوال من سنة عشر وثلاثمائة ( 310 هـ ) ، وقد جاوز الثمانين بخمس سنين أو ست سنين ، وفي شعر رأسه ولحيته سواد كثير ) 23 .
ويقول أيضا :
( كان أحد الأئمة الأعلام علمًا وعملاً بكتاب الله وسنة رسوله ) .
( ولما توفي اجتمع الناس من سائر أقطار " بغداد " وصلُّوا عليه بداره ، ودفن بها ومكث الناس يترددون إلى قبره شهورًا يصلّون عليه ) اهـ .
ورثاه " ابن الأعرابي " فقال :

حـدث مـُفظِع وخـطـب جـليلٌ *** دق عن مثله اصْطِبار الصبورِ

قـام نـاعي العـلوم أجـمع لـما *** قام ناعي محمد بن جرير

فـهـوت أنـجـمٌ لـهـا زاهـراتٌ *** مؤذنات رسومها بالدُّثورِ

وتغشى ضياءها النير الإشراق *** ثـوب الدجـنَّـة الديـجــورِ
وغَدَا روضها الأنيق هشيماً *** ثم عادت سهولها كالوعورِ
يا أبا جعفر مضيت حميداً *** غير وانٍ في الجد والتشميرِ
بين أجر على اجتهادك موفور *** وسعي إلى التقى مشكورِ

مستحقاً به الخلود لدى جنته *** عدنٍ في غِبْطَة وسرورِ

آثاره العلمية :
لم تقتصر علوم الإمام " الطبري " وآثاره على علم واحد ، بل خاض – رحمه الله – ميدان مختلف العلوم الشرعية واللغوية وكان في كل منها إمامًا ومقدمًا .
لقد كان – رحمه الله – إمامًا في السنة وعلوم الحديث ، وعدَّه الإمام " النووي " – رحمه الله – في طبقة " الترمذي " و " النسائي " .
وكان أيضا إمامًا في القراءات ، واختار لنفسه قراءة ، وصنف في القراءات – أيضا – .
ودرس التفسير بتعمق ، وصنف أعظم كتبه على الإطلاق في التفسير ، كتاب " جامع البيان في تأويل آي القرآن " ، الذي ضمَّ فيه علوم القرآن المختلفة ، حتى اعتُبِر " إمام المفسرين " أو " شيخ المفسرين " .
كما كان – رحمه الله – إمامًا في الفقه ، وعلم الخلاف ، والفقه المقارن ، واختلاف العلماء ؛ وكان من الأئمة المجتهدين ، وصاحب مذهب مستقل ، ولقد تبعه بعض الناس على مذهبه رَدْحًا من الزمن ، وصنّف الكتب الجيِّدة في الفقه العام ، والفقه المقارن ، والفقه المذهبي .
ومن أعظم إنجازاته – رحمه الله – إلى جانب تفسيره العظيم ، كتابه في التاريخ الذي يعتبر مرجعًا هامًا وأساسيًّا ، لدى كثير من الباحثين والمؤرخين ، وهو فيما قدّم يعتبر شيخ المؤرخين بلا منازعٍ ولا مدافع ، واسم الكتاب " تاريخ الرُّسل والملوك " 24 .
هذا إلى جانب كتابه الأخير " تاريخ الرجال من الصحابة والتابعين " ، إلى شيوخه هو ؛ المعروف بـ " ذيل المذبل " .
وكان أيضا – رحمه الله – من أئمة العربية ، في المعاني واللغة والصرف والعَروض والبيان ، بالإضافة إلى علمه بالفلسفة والمنطق والجَدَل .
وكان عنده شيء من علم الطب والجبر والرياضيات .
وكان – رحمه الله – أيضا عالمًا بأصول الدين والتوحيد ، وعلم الكلام ، وله كتب فيها .
وكان عالمًا بالحديث ، وبلغ مرتبة الحافظ المحدِّث ، ولقد صنف في علم الحديث ومصطلحه ، كما التزم بمنهج المحدّثين في معظم كتبه .
وكان عالمًا بأصول الفقه وقواعد الاجتهاد والاستنباط ، مما أهله أن يكون مجتهدًا صاحب رأي مستقل ومذهب .
وكان عالمًا بآداب النفس وعلم الأخلاق والتربية ، وصنف فيها كذلك .
وكان … وكان …
مما يعجز القلم عن متابعة ما كان عليه الإمام الجليل " محمد بن جرير الطبري " ، ويلهث فلا يدرك الغاية ؛ لقد كان – رحمه الله – موسوعيَّا ، موسوعة علميَّة قائمة بذاتها .
قال " الخراساني " :
( وله مصنفات مليحة في فنون عديدة ، تدل على سعة علمه ، وغزارة فضله ، وكان من الأئمة المجتهدين ) 25 اهـ .
ووصفه " الخطيب البغدادي " فقال :
( وكان أحد أئمة العلماء ، يُحكم بقوله ، ويُرجع إلى رأيه ، لمعرفته وفضله ، وكان قد جمع من العلوم ما لم يشاركه في أحدٌ من أهل عصره ؛ وكان حافظًا لكتاب الله تعالى ، عارفًا بالقراءات ، بصيرا بالمعاني ، فقيهًا في أحكام القرآن ، عالمًا بالسنن وطرقها ، صحيحها وسقيمها ، ناسخها ومنسوخها ، عارفًا بأقوال الصحابة والتابعين ، ومَن بعدهم من المخالفين في الأحكام ، ومسائل الحلال والحرام ، عارفًا بأيام الناس وأخبارهم ، وله الكتاب المشهور في " تاريخ الأمم والملوك " وكتاب في التفسير لم يصنِّف أحدٌ مثله ، وكتاب سماه " تهذيب الآثار " لم أر سواه في معناه ، إلا أنه لم يتمَّه ؛ وله في أصول الفقه وفروعه كتب كثيرة ، واختيار من أقاويل الفقهاء ، وتفرُّد بمسائل حُفِظت عنه ) 26 اهـ .
ويقول " ياقوت الحموي " في " معجم الأدباء " 27:
( كان كالقارئ الذي لا يعرف إلا القرآن ، وكالمحدّث الذي لا يعرف إلا الحديث ، وكالفقيه الذي لا يعرف إلا الفقه ، وكالنحوي الذي لا يعرف إلا النحو ، وكالحاسب الذي لا يعرف إلا الحساب ، وكان عالمًا بالعبادات جامعًا للعلوم ، وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره ، وجدت لكتبه فضلًا على غيرها ) اهـ .
وذكره " أبو علي الحسن بن علي الأهوازي المقرئ " ، وكذلك " ابن النَّديم " في الفهرست ، و " ابن خلكان " و " أبو العباس بن سُرَيح " و " الحافظ الذهبي " وغيرهم ، وأثنوا على علمه وفضله ومكانته ثناءً عظيمًا ، يطول الحديث لو أفردنا لكل منهم مقالته وديباجته .
أسماء مصنفاته وآثاره العلمية التي ذكرها المترجمون والمؤرخون :
1 – ( جامع البيان على تأويل آي القرآن ) – تفسير الطبري .
2 – ( تاريخ الأمم والملوك ) – تاريخ الطبري .
3 – ( ذيل المذيل ) .
4 – اختلاف علماء الأمصار في أحكام شرائع الإسلام – ( اختلاف الفقهاء ) .
5 – ( لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام ) ( فقه الطبري ) .
6 – ( الخفيف في أحكام شرائع الإسلام ) مختصر كتاب ( اللطيف ) .
7 – ( بسيط القول في أحكام شرائع الإسلام ) ( في تاريخ الفقه ورجاله وأبوابه ) .
8 – ( تهذيب الآثار ، وتفصيل الثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الأخبار سمَّاه القفطي : ( شرح الآثار ) .
9 – ( آداب القضاة ) .
10 – ( كتاب المسند والمجرد ) .
11 – ( أدب النفوس الجيدة والأخلاق الحميدة ) .
12 – ( الرد على ذي الأسفار ) ( ردُّ على المذهب الظاهري ) .
13 – كتاب ( القراءات وتنزيل القرآن ) – ( منه نسخة خطِّية بمكتبة الأزهر الشريف ) .
14 – ( صريح السنة ) .
15 – ( البصير في معالم الدين ) ( في أصول الدين ) .
16 – ( فضائل علي بن أبي طالب ) ( لم يتمه ) .
17 – ( فضائل أبي بكر وعمر ) ( لم يتمه ) .
18 – ( فضائل العباس ) ( لم يتمه ) .
19 – كتاب في عبارة الرؤيا في الحديث ( لم يتمه ) .
20 – مختصر مناسك الحج .
21 – مختصر الفرائض في أنصبة المواريث .
22 – الرد على ( ابن عبد الحكم ) على ( مالك ) – ( في علم الخلاف والفقه المقارن ) .
23 – الموجز في الأصول ( لم يتمه ) .
24 – الرمي بالنشاب ، أو رمي القوس ( يشك في نسبته إليه ) .
25 – الرسالة في أصول الفقه .
26 – العدد والتنزيل .
27 – مسند " ابن عباس " .
28 – كتاب المسترشد .
30 – اختيار أقاويل الفقهاء .
أخي القارئ :
قد يهولك هذا العدد من المؤلفات والمصنفات التي خلفها الإمام " الطبري " – عليه رحمة الله – ، وقد تستكثرها ، ومن أجل إزادة الدهشة والشكِّ لديك ، نورد ما قاله " الخطيب البغدادي " في " تاريخ بغداد " 28 :
( وسمعت " عليّ بن عُبَيد الله بن عبد الغفار " اللغوي – السمسمي – يحكي : أن " محمد بن جرير – الطبري – مكث أربعين سنة يكتب في كل يوم أربعين ورقة ) اهـ .
وهذا يعني أنه – رحمه الله – كتب نحو ستمائة ألف ورقة !!! ، وهذا – أيضا – لا يتهيأ لمخلوق إلا بحسن عناية الخالق – سبحانه وتعالى – .
وقبل أن نتحدَّث عن تفسير الإمام " الطبري " رحمه الله ، الذي هو من صميم عملنا وبحثنا ، نذكر طائفة من تلاميذه ، كما ذكرنا من قبل شيوخه الذين تتلمذ عليهم وأخذ عنهم ، وكيف كان يتعامل مع ألئك الطلبة والتلاميذ .
يذكر لنا " ياقوت " في " معجم الأدباء " جملةً من الحوادث التي تبيِّن صورة وصيغة التعامل التي كانت قائمة بين الإمام " الطبري وتلاميذه 29

قال " أبو بكر بن كامل " – أحد التلاميذ – : ( جفاني بعض أصحابه في مجلسه ، فانقطعت عنه زمانًا ، ثم إنه لقيني فاعتذر إليَّ كأنه جني جناية ، ولم يزل في رفقه وكلامه حتى عُدت إليه ) اهـ .
وقال " ابن كامل " أيضا :
( وكان عند " أبي جعفر " رواية " ورش " عن " نافع " ، عن " يونس بن عبد الأعلى " عنه ، وكان يقصد فيها ، فحرص " أبو بكر بن مجاهد " – مع موضعه في نفسه ، وعند " أبي جعفر " – أن يسمع منه هذه القراءة منفردًا ، فأبى إلا أن يسمعها مع الناس ، فما أثَّر ذلك في نفس ، " أبي بكر " ؛ وكان ذلك كرهًا أن يخصّ أحدًا بشيء من العلم ) 30 اهـ .
ومن تلاميذه – رحمه الله – :
1 – ( أبو الفرج المعاني بن زكريا النهرواني ) المعروف بـ " ابن الطرَّار " .
2 – ( علي بن عبد العزيز بن محمد الدُّولابي ) .
3 – ( أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي الثَّلج ) .
4 – ( أبو القاسم بن القرَّاد .

5 – ( أبو الحسن أحمد بن يحيى بن علي بن بحبى بن أبي منصور ) .
6 – ( أبو الحسن الدقيقي الحلواني ) .
7 – ( أبو الحسن بن يونس ) .
8 – ( أبو بكر بن كامل ) .
9 – ( أبو إسحاق – إبراهيم بن حبيب السِّقطي ) .
10 – ( ابن أبي نوبي ) .
11 – ( ابن الحداد ) .
12 – ( أبو مسلم الكجّي ) .
13 – ( أبو الأفرج بن أبي العباس بن المغيرة الثَّلاج ) .
14 – ( أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جعفر الفرغاني ) .
15 – ( أحمد بن كامل بن خَلَفَ بن شجرة ) .
16 – ( سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي ) .
17 – ( أبو شعيب الحرّاني ) .
18 – ( عبد الغفار الخُصيبي ) .
19 –( محمد بن أحمد بن حمدان ) ( أبو عمر النيسابوري ) .
20- ( محمد بن شعيب بن إبراهيم ) .
21 – ( محمد بن عبد الله الشافعي ) .
22 – ( محمد بن علي بن إسماعيل ) – القفال الكبير – .
23 – ( مخلد بن جعفر الباقرجي ) .
24 – ( يوسف بن القاسم بن يوسف بن فارس بن سوّار ) .
25 – ( أحمد بن عبد الله بن الحسين بالجُبني الكبَّائي ) .
26 – ( أ؛/د بن موسى العباس ) .
27- ( عبد الله بن أحمد بن الفرغاني )
28 – ( عبد الواحد بن عمر بن محمد ) ( أبو طاهر البغدادي البزّار ) .
29 – ( محمد بن أحمد بن عمر ) ( أبو بكر الضّرير الرّملي ) .
30 – ( محمد بن محمد بن فيروز ) ( أبو عُبيد الله الكرْجي ) .
وهؤلاء التلامذة الأعلام – على كثرتهم – تنوّعت علومهم فيما أخذوه عن شيخهم وإمامهم الإمام " الطبري " – عليه الرحمة والرضوان – .

(( تفسير الطبري )) :
ذلك هو مقصدنا وغايتنا …
ويعتبر تفسير الإمام " الطبري " – جامع البيان في تأويل آي القرآن – باتفاق وإجماع العلماء ، قدماء ومحدثين – موسوعة علميّة كبرى ، ودائرة معارف متعددة الأغراض ، متنوعة المعارف ؛ لأنه يحتوي على مختلف صنوف العلوم الدينية ، واللغوية ، مما يندر وجوده في تفسير آخر ، ومن أجل كل هذا عدَّ الذروة فر بابه وموضوعه ؛ وقال عنه الكثيرون بأنَّه " أبو التفسير " .
ويقع هذا التفسير العظيم في ثلاثين جزءًا من الحجم الكبير ، يبدأ بمقدمة مُطَوَّلة شرح فيها محتويات الكتاب ، وعرَّف به ؛ واعتمد – رحمه الله – فيه على ما اشتهر من أقوال الصحابة والتابعين ، أمثال " ابن عباس " – رضي الله عنهما – " وسعيد بن جُبير " و " مجاهد بن جبر " و " قتادة بن دعامة السَّدوسي " و " الحسن البصري " و " عكرمة " – مولى " ابن عباس " و " الضَّحاك بن مزاحم " و " عبد الله بن مسعود " و " عبد الرحمن بن يزيد بن أسلم " و " ابن جريح " و " مقاتل بن حيان " وغيرهم من مفسِّري الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم أجمعين – .
وترجع أهمية هذا التفسير إلى أنه :
1 – وفَّى الناحية التاريخية حقها ، وإلى أنه أقدم كتب التفاسير إطلاقًا .
2 – واعتماده الناحية العلمية الموضوعية ، واحتوائه على كثير من العلوم والفنون الدينية .
3 – وإلى كونه – فيما انتهجه – تراثًا حضاريًّا ، وفكرًا مؤصلاً وموردًا رئيسيًّا من موارد العلم .
4 – وإلى اعتماد أكثر الذين كتبوا في التفسير من بعده عليه ، فكان مرجعهم الأول والأخير ، من بعد عصره إلى يومنا هذا .
قال عنه " أبو بكر بن خُزَيمة " :
( نظرت فيه من أوله إلى آخره ، فما أعلم على أديم الأرض أعلم من " ابن جرير " ) 31 .
وقال الإمام " النووي " :
( لم يصنِّف أحدٌ مثله ) 32 .
وقال " أبو حامد الإسفراييني " : ( لو سافر رجلٌ إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير " محمد بن جرير " لم يكن ذلك كثيرًا ) 33 .
وقال الإمام " السُّيوطي " :
( وكتابه – التفسير – أجلُّ التفاسير وأعظمها ، فإنه يتعرَّض لتوجيه الأقوال ، وترجيح بعضها على بعض ، والإعراب ، والاستنباط ، فهو يفوق بذلك على تفاسير الأقدمين ) 34 .
وقال شيخ الإسلام " ابن تيمية " :
( وتفسير " محمد بن جرير الطبري " هو من أجل التفاسير وأعظمها قدرًا ) .
وقال أيضًا :
( وأما التفاسير التي في أيدي الناس ، فأصحها تفسير " محمد بن جرير الطبري " ، فإنه يذكر مقالات الَّلف بالأسانيد الثابتة ، وليس فيه بدعة ، ولا ينقل عن المتَّهمين )35 .
وهناك شهادات أخرى لكثير من العلماء المهتمّين ، ولقد رأينا الاكتفاء بما قدَّمنا ؛ والله الموفق .

أخلاقه وصفاته :
قال عنه تلميذه " عبد العزيز بن محمد " :
( وكان " أبو جعفر " ظريفًا في ظاهره ، نظيفًا في باطنه ، حسن العشرة لمجالسيه ، متفقدًا لأحوال أصحابه ، مهذبًا في جميع أحواله ، جميع الأدب في مأكله وملبسه ، وما يخصه في أحوال نفسه ، منبسطًا مع إخوانه ، حتى ربما داعبهم أحسن مداعبة ، وربما جيء بين يديه بشيء من الفاكهة فيجري في ذلك المعنى ما لا يخرج من العلم والفقه والمسائل ، حتى بكون كأجدِّ جدِّ ، وأحسن علم ) 36 اهـ .
وكان شديد الورع بالغ الزهد ، والحذر من الحرام ، والبعد عن مواطن الشبهة ، وقد دل على ذلك ما جاء على لسانه في كتابه ( آداب النفوس ) .
وقال " ابن كثير " :
( وكان من العبادة والزهادة ، والورع والقيام في الحق لا تأخذه في ذلك لومة لائم ، وكان من كبار الصالحين ) اهـ .
وكان عفيف اللسان أبيَّ النفس ، أنشد فقال :
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي *** واستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي *** ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت ببذل وجهـي *** لكنت إلى العلا سهل الطريق

وكان – رحمه الله – يكره بطر الغنيّ ، والمذلة من الفقير ، ويقول في ذلك :
خُلُقان لا أرضى طريقهما *** بَطْر الغنى ومذلة الفقرِ

فإذا غَنيت فلا تكن بطرًا *** وإذا افتقرت فتُه على الدهر
وكان – رحمه الله – شديد التواضع في غير ذلَّة ولا مذلَّة ، غير متعال بعلمه ، محببًا إلى أصحابه وتلاميذه .

مصادر و المراجع :
معهد الامارات التعليمي www.uae.ii5ii.com
قوقل
وكبيديا الموسوعة الحرة
الكلمة الطيبة

حل درس الامام مالك 2024.

أولاً أناقش :
الاجوبة
1-بالجد و الاجتهاد و الصبر و التحمل
2-رواية الاحاديث و الافتاء
3-تعليم أصول الدين و الفتاوى

ثانياً استنتج :
الأجوبة
1-أمانته في الافتاء و تواضعه و اجتهاده
2-لين الجانب و التواضع و الهيبة و الوقار
3-دقته في الاختيار و نقله للمعلومة الصحيحة عن الثقات
4-الأخذ برأي الصحابة و التقوى

ثالثاً أفكر و اجيب :
الأجوبة
*الصبر-التحري في طلب العلم-التواضع-حب العلم-المثابرة و التأني

رابعاً اكمل :
الاجوبة
من صفاته:التواضع-الصبر-لين الجانب
خدمته للدين:قدم علم الحديث و الفتاوى
من مؤلفاته:كتاب الموطأ

أنشطة الطالب :

النشاط الاول:
الجواب:يدل على ثقتهم بالإمام مالك-غزارة علمه و اجتهاده في الفتوى-مكانته العالية

النشاط الثاني:
الجواب:حب طلب العلم و تعليمه-خشيته من الله تعالى-الصبر و التحمل

النشاط الثالث:
الجواب:وجوب النصيحة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر

النشاط الرابع:
الجواب:
-حب العلم
-الصبر
-التواضع

منقووول للفائدة

تسسلمين اختي عالحل
فميزان حسناتج ان شاء الله
ننتظر تفاعلج ويديدج

هلا المدارس
ما شاء الله عليج حتى بالاجازة نشيطة
يعطيج العافية .
تم التقييم ++

شكرا لمروركم 🙂

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
.
.
يزاج الله خير
تسلمين وما قصرتي
.
.
موفقة

الامام يحيى حميد الدين تقرير , بحث 2024.

السلام عليكم يا هل الدار
جاتكم طالبتنكم طلبه و لا ترودوني بغيت
تقرير عن الامام يحيى حميد الدين
الموضوع مع المقدمة و الخاتمه

س يكفي صفحتين او ثلاث بالكثير ابا بليز كامل و مرتب يعني بس اطبعه و اسلم
تسلمون يالاخوا و لا تطولون عليه

حصلت بعض المعلومات ,, ممكن تساعدك

الإمام يحيى حميد الدين

آخر

كتابين عن سيرته يمكنك تحميله عبر هذا الرابطين

حمل الكتاب :
https://www.4shared.com/file/41137597/2b81faf6/___1.html
https://www.4shared.com/file/41175816/c30ebd70/___2.html

THNKS GALBY

>> تـوهق مايعرف يحمل

سيرة الامام ابن باز . الجزء الاول اماراتي 2024.

هو الإمام الصالح الورع الزاهد أحد الثلة المتقدمين بالعلم الشرعي، ومرجع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، في الفتوى والعلم، وبقية السلف الصالح في لزوم الحق والهدي المستقيم، واتباع السنة الغراء: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، وآل باز – أسرة عريقة في العلم والتجارة والزراعة معروفة بالفضل والأخلاق قال الشيخ: سليمان بن حمدان – رحمه الله – في كتابه حول تراجم الحنابلة : أن أصلهم من المدينة النبوية، وأن أحد أجدادهم انتقل منها إلى الدرعية، ثم انتقلوا منها إلى حوطة بني تميم.
ولد في الرياض عاصمة نجد يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة عام ألف وثلاثمائة وثلاثين من الهجرة النبوية، وترعرع فيها وشب وكبر، ولم يخرج منها إلا ناويا للحج والعمرة. نشأ سماحة الشيخ عبد العزيز في بيئة عطرة بأنفاس العلم والهدى والصلاح، بعيدة كل البعد عن مظاهر الدنيا ومفاتنها، وحضاراتها المزيفة، إذ الرياض كانت في ذلك الوقت بلدة علم وهدى فيها كبار العلماء، وأئمة الدين، من أئمة هذه الدعوة المباركة التي قامت على كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وأعني بها دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – وفي بيئة غلب عليها الأمن والاستقرار وراحة البال، بعد أن استعاد الملك عبد العزيز – رحمه الله – الرياض ووطد فيها الحكم العادل المبني على الشرعة الإسلامية السمحة بعد أن كانت الرياض تعيش في فوضى لا نهاية لها، واضطراب بين حكامها ومحكوميها.
ففي هذه البيئة العلمية نشأ سماحته – حفظه الله – ولا شك ولا ريب أن القرآن العظيم كان ولا يزال – ولله الحمد والمنة – هو النور الذي يضيء حياته، وهو عنوان الفوز والفلاح فبالقرآن الكريم بدأ الشيخ دراسته – كما هي عادة علماء السلف – رحمهم الله – إذ يجعلون القرآن الكريم أول المصادر العلمية – فيحفظونه ويتدبرونه أشد التدبر، ويعون أحكامه وتفاسيره، ومن ثمَّ ينطلقون إلى العلوم الشرعية الأخرى، فحفظ الشيخ القرآن الكريم عن ظهر قلب قبل أن يبدأ مرحلة البلوغ، فوعاه وحفظه تمام الحفظ، وأتقن سوره وآياته أشد الإتقان، ثم بعد حفظه لكتاب الله، ابتدأ سماحته في طلب العلم على يد العلماء بجد وجلد وطول نفس وصبر.
وإن الجدير بالذكر والتنويه في أمر نشأته، أن لوالدته – رحمها الله – أثرا بالغا، ودورا بارزا في اتجاهه للعلم الشرعي وطلبه والمثابرة عليه، فكانت تحثه وتشد من أزره، وتحضه على الاستمرار في طلب العلم والسعي وراءه بكل جد واجتهاد كما ذكر ذلك سماحته في محاضرته النافعة – رحلتي مع الكتاب – وهي رحلة ممتعة ذكر فيها الشيخ في نهاية المحاضرة، وبالخصوص في باب الأسئلة بعض الجوانب المضيئة من حياته – فاستمع إلى تلك المحاضرة غير مأمور -.
ولقد كان سماحة الشيخ / عبد العزيز – حفظه الله – مبصرا في أول حياته، وشاء الله لحكمة بالغة أرادها أن يضعف بصره في عام 1346 هـ إثر مرض أصيب به في عينيه ثم ذهب جميع بصره في عام 1350 هـ، وعمره قريب من العشرين عاما؛ ولكن ذلك لم يثنه عن طلب العلم، أو يقلل من همته وعزيمته بل استمر في طلب العلم جادا مجدا في ذلك، ملازما لصفوة فاضلة من العلماء الربانيين، والفقهاء الصالحين، فاستفاد منهم أشد الاستفادة، وأثّروا عليه في بداية حياته العلمية، بالرأي السديد، والعلم النافع، والحرص على معالي الأمور، والنشأة الفاضلة، والأخلاق الكريمة، والتربية الحميدة، مما كان له أعظم الأثر، وأكبر النفع في استمراره.
على تلك النشأة الصالحة، التي تغمرها العاطفة الدينية الجياشة، وتوثق عراها حسن المعتقد، وسلامة الفطرة، وحسن الخلق، والبعد عن سيئ العقائد والأخلاق المرذولة ومما ينبغي أن يعلم أن سماحة الشيخ عبد العزيز – حفظه الله- قد استفاد من فقده لبصره فوائد عدة نذكر على سبيل المثال منها لا الحصر أربعة أمور: –
الأمر الأول : حسن الثواب، وعظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه في حديث قدسي أن الله تعالى يقول: إذا ابتليت عبدي بفقد حبيبتيه عوضتهما الجنة البخاري ( 5653 ).
الأمر الثاني: قوة الذاكرة، والذكاء المفرط: فالشيخ – رعاه الله – حافظ العصر في علم الحديث فإذا سألته عن حديث من الكتب الستة، أو غيرها كمسند الإمام أحمد والكتب الأخرى تجده في غالب أمره مستحضرا للحديث سندا ومتنا، ومن تكلم فيه، ورجاله وشرحه.
الأمر الثالث: إغفال مباهج الحياة، وفتنة الدنيا وزينتها، فالشيخ – أعانه الله – متزهد فيها أشد الزهد، وتورع عنها، ووجه قلبه إلى الدار الآخرة، وإلى التواضع والتذلل لله سبحانه وتعالى.
الأمر الرابع: استفاد من مركب النقص بالعينين، إذ ألح على نفسه وحطمها بالجد والمثابرة حتى أصبح من العلماء الكبار، المشار إليهم بسعة العلم، وإدراك الفهم، وقوة الاستدلال وقد أبدله الله عن نور عينيه نورا في القلب، وحبا للعلم، وسلوكا للسنة، وسيرا على المحجة، وذكاء في الفؤاد.من أخبار سماحة الشيخ في صباه
من أخباره في صباه أن والده توفي وهو صغير حيث إنه لا يذكر والده.
أما والدته فتوفيت وعمره خمس وعشرون سنة.
ومما يُذْكَر أنه كان في صباه ضعيف البنية، وأنه لم يستطع المشي إلا بعد أن بلغ الثالثة، ذكر ذلك ابنه الشيخ أحمد.
وكان سماحة الشيخ معروفاً بالتقى والمسارعة إلى الخيرات، والمواظبة على الطاعات منذ نعومة أظفاره.
وقد ذكر لي الشيخ سعد بن عبدالمحسن الباز_وهو قريب لسماحة الشيخ ويكبره بعشر سنوات_ذكر أن سماحة الشيخ منذ نعومة أظفاره كان شاباً تقياً سباقاً إلى أفعال الخير، وأن مكانه دائماً في روضة المسجد وعمره ثلاثة عشر عاماً.
وقد ذكر لي سماحة الشيخ رحمه الله فيما كان يذكره من أخبار صباه موقفاً لا ينساه مع شيخه الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ قاضي الرياض آنذاك.
يقول سماحته: كنت في مقتبل عمري، وقد رآني الشيخ صالح رحمه الله في طرف الصف مسبوقاً، فحزن الشيخ صالح، وقال: بعض الناس يسوِّف، ويجلس يأكل ويشرب حتى تفوته الصلاة، وكأنه رحمه الله يعنيني ويُعرِّض بي؛ فخجلت مما كان مني، وتكدرت كثيراً، ولم أنس ذلك الموقف حتى الآن.
ولم يكن الشيخ صالح رحمه الله ليقول ذلك إلا لأنه كان يتوسم ويتفرس في سماحة الشيخ نبوغه المبكر.
ومن الأخبار المعروفة عن سماحة الشيخ في صباه أنه كان معروفاً بالجود والكرم.
وقد ذكر الشيخ سعد بن عبدالمحسن الباز رحمه الله أن سماحة الشيخ عبدالعزيز وهو طالب عند المشايخ- إذا سلم عليه أحد دعاه إلى غدائه، أو عشائه، ولم يكن يحتقر شيئاً يقدمه لضيوفه ويجعل الله في الطعام خيراً كثيراً.
أَلِفَ المروَّة مُذْ نشا فكأنه
سُقي اللَّبانَ بها صبياً مُرْضَعا

ومن أخباره في صباه أنه كان يكتب، ويقرأ ويعلق على الكتب قبل أن يذهب بصره.
وقد قيل ذات مرة لسماحة الشيخ: سمعنا أنك لا تعرف الكتابة.
فأجاب سماحته بقوله: هذا ليس بصحيح؛ فأنا أقرأ وأكتب قبل أن يذهب بصري، ولي تعليقات على بعض الكتب التي قرأتها على المشايخ مثل الآجروميه في النحو، وغيرها.
وإذا أملى سماحة الشيخ عليَّ كتاباً، أو تعليقاً، وكان هناك إشكال في كلمة ما_قال لي: تُكْتَب هكذا، وأشار إلى راحة يده، وهو يَكْتُب بإصبعه؛ ليريني كيفية الكتابة الصحيحة.
وقيل لسماحته ذات مرة: هل صحيح أنك تتمنى أنك رأيت الإبل على ما خلقها الله ؟
فأجاب سماحته بقوله: هذا ليس بصحيح؛ فأنا أتصورها؛ لأن بصري لم يذهب إلا وعمري تسع عشرة سنة. وللشيخ رحمه الله – أبناء أربعة ، وكذلك من البنات ست، فيكون مجموعهم عشرة – أسبغ الله عليهم النعم؛ ومنعهم من شرور النقم -كان سماحة الشيخ رحمه الله يعتني بمظهره بلا إسراف، ولا مخيلة، فهو يعتني بنظافة بدنه، وقص شاربه، ويتعاهد نفسه بالطيب كثيراً، بل كان يستعمله كل يوم، ويدار بخور العود في مجلسه أكثر من مرة، وإلا فلا أقل من أن يدار مرة واحدة.
وكان يلبس مشلحة_بشته_في صَلاته، وزياراته، وذهابه إلى عمله.
وكان ثوبه يعلو كعبه بنحو أربعة أصابع؛ فهو يرى أن نزول الثوب، أو السراويل، أو المشلح أسفل الكعبين منكر محرم سواء كان ذلك للخيلاء أو لغير الخيلاء.
ويقول: إن الإسبال حرام؛ فإن كان للخيلاء فهو أشد تحريماً.
وفي يوم من الأيام لبس سماحته مشلحاً جديداً، وكان ذلك المشلح على خلاف ما كان عليه سماحة الشيخ، حيث كان المشلح نازلاً عن الكعبين، ولم يكن سماحته يعلم بذلك.
فقال له شخص: يا سماحة الشيخ مشلحك هذا نازل عن الكعبين، ولا أدري هل تغير رأيكم في وجوب رفعه ؟
فما كان من سماحة الشيخ إلا أن خلعه ورماه، وقال لي: اذهب به إلى من يرفعه.
وصادف أن كان سماحته في ذلك الوقت في مكة في آخر رمضان، فجاء إلى الرياض وليس عليه مشلح.
وكان يتعاهد لحيته بالحناء، ويرى تغيير الشيب، وحرمةَ تغييره بالسواد.
وكان رحمه الله قليل شعر العارضين، أما الذقن ففيه شعيرات طويلة ملتف بعضها على بعض.
وقيل له ذات مرة: لو سرحتها بمشط ؟
فقال: أخشى أن يسقط منها شيء.
وهو يرى حرمة حلق اللحية أو تقصيرها، وكذا ما نبت على الخدين.
أما ما نبت تحت الذقن، وفي الرقبة فلا يرى مانعاً من حلقه.
إن الإسلام دين كامل، وشرع شامل، جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين من تمسك به أعزه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله، وإن مما أمر به هذا الدين الكريم الكامل، وهذا الشرع العظيم الشامل، " الأمانة " فهي خلق فاضل، وسلوك محمود، حث عليه ودعا إليه الإسلام قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ }
وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} وفي الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ( أخرجه الترمذي ( 1264 ).
وحسنه وأبو داود ( 2 / 260 ) وإسناده حسن وعن أم سلمة – رضي الله عنها – قالت: أن جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – قال مخاطبا النجاشي ملك الحبشة: " أيها الملك كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام… وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار… " ( أخرجه أحمد في المسند ( 1 / 202 ) وصححه الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – ).
فليس من الغريب أن يكون الشيخ: عبد العزيز متصفاً بهذه الصفة الحميدة والخلة الرشيدة، والمنقبة الجليلة، وهي من أبرز صفات من لنا به الأسوة الحسنة، والقدوة الصادقة، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولا أدل على ذلك، من أن العالم الإسلامي بأجمعه قد ائتمنوه ليس فقط على أموالهم وودائعهم وأمانتهم؛ بل على أفكارهم وتوجهاتهم الدينية، فهو مفتي المسلمين، ومرجعهم الأول في هذا العصر، ومما يؤكد ذلك حرص ولاة الأمر، والوجهاء وأعيان البلاد والقضاة وغيرهم، على استشارته في دقائق الأمور وعسيرها، مما يستلزم فكرا وقَّادا، وحجة نيرة، ونزاهة في القصد، وإخلاصا في العمل، وأمانة في الفتوى، ولقد رأيت بأم عيني كثير من هؤلاء، وأولئك، يأتون إليه في منزله ومكتبه لأخذ المشورة الصادقة، والنصح السديد، والتوجيه المفيد، ومما يدل على حبه للأمانة، حرصه الشديد على تذكير الأمة بالأصول النافعة، والكلمات السديدة، في المناسبات العامة: وذلك بكلمة وعظية، وإرشادات دينية، يرى أن القيام بدورها، والتضلع بمسئوليتها أمانة في عنق كل مسلم وهبه الله علما وفقها في الدين، فجزاه الله خيرا، وأعظم له الثواب.

تفرد سماحة الإمام عبدالعزيز رحمه الله بصفات عديدة لا تكاد تجتمع في رجل واحد إلا في القليل النادر، ومن أبرز تلك الصفات ما يلي:
1 – الإخلاص لله – ولا نزكي على الله أحداً – فهو لا يبتغي بعمله حمداً من أحد ولا جزاءً، ولا شكوراً.
2 – التواضع الجم، مع مكانته العالية، ومنزلته العلمية.
3 – الحلم العجيب الذي يصل فيه إلى حد لايصدقه إلا من رآه عليه.
4 – الجلد، والتحمل، والطاقة العجيبة حتى مع كبر سنه.
5 – الأدب المتناهي، والذوق المرهف.
6 – الكرم والسخاء الذي لا يدانيه فيه أحد في زمانه فيما أعلم، وذلك في شتى أنواع الكرم والسخاء، سواء بالمال أو بالوقت، أو الراحة، أو العلم، أو الإحسان، أو الشفاعات، أو العفو، أو الخُلُق، ونحو ذلك.
7 – السكينة العجيبة التي تغشاه، وتغشى مجلسه، ومن يخالطه.
8 – الذاكرة القوية التي تزيد مع تقدمه في السن.
9 – الهمة العالية، والعزيمة القوية التي لا تستصعب شيئاً، ولا يهولها أمر من الأمور.
10 – العدل في الأحكام سواء مع المخالفين، أو الموافقين.
11 – الثبات على المبدأ، وعلى الحق.
12 – سعة الأفق.
13 – بُعْد النظر.
14 – التجدد؛ فهو – دائماً – يتجدد، ويواكب الأحداث، ويحسن التعامل مع المتغيرات.
15 – الثقة العظيمة بالله – جل وعل – .
16 – الزهد بالدنيا، سواء بالمال أو الجاه، أو المنصب، أو الثناء، أو غير ذلك.
17 – الحرص على تطبيق السنة بحذافيرها، فلا يكاد يعلم سنة ثابتة إلا عمل بها.
18 – بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا.
19 – الصبر بأنواعه المتعددة من صبر على الناس، وصبر على المرض، وصبر على تحمل الأعباء إلى غير ذلك.
20 – المراعاة التامة لأدب الحديث، والمجلس، ونحوها من الآداب.
21 – الوفاء المنقطع النظير لمشايخه، وأصدقائه، ومعارفه.
22 – صلة الأرحام.
23 – القيام بحقوق الجيران.
24 – عفة اللسان.
25 – لم أسمعه أو أسمع عنه أنه مدح نفسه، أو انتقص أحداً، أو عاب طعاماً، أو استكثر شيئاً قدمه للناس، أو نهر خادماً.
26 – وكان لا يقبل الخبر إلا من ثقة.
27 – يحسن الظن بالناس.
28 – قليل الكلام، كثير الصمت.
29 – كثير الذكر والدعاء.
30 – لا يرفع صوته بالضحك.
31 – كثير البكاء إذا سمع القرآن، أو قرئ عليه سيرة لأحد العلماء، أو شيء يتعلق بتعظيم القرآن أو السنة.
32 – يقبل الهدية، ويكافئ عليها.
33 – يحب المساكين، ويحنو عليهم، ويتلذذ بالأكل معهم.
34 – يحافظ على الوقت أشد المحافظة.
35 – يشجع على الخير، ويحض عليه.
36 – لا يحسد أحداً على نعمة ساقها الله إليه.
37 – لا يحقد على أحد بل يقابل الإساءة بالإحسان.
38 – معتدل في مأكله ومشربه.
39 – دقيق في المواعيد.
40 – كان متفائلاً، ومحباً للفأل.
هذه نبذة عن بعض أخلاقه،
من الصفات الحميدة، والفضائل الرشيدة، التي تميز بها سماحة الشيخ عبد العزيز – حفظه الله – على غيره من العلماء، صفة الحلم وسعة الصدر، ولا شك بل ولا ريب أن الحلم من أشرف الأخلاق، وأنبل الصفات، وأجمل ما يتصف به ذو العقول الناضجة والأفهام المستنيرة، وهو سبيل إلى كل غاية حميدة، وطريق لاحب إلى كل نهاية سعيدة. ولقد بيَّن رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة الحليم، وما له من أجر وثواب عظيم عند الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج بن عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله الأناة والحلم ( أخرجه البخاري ومسلم ) وبلوغ الحليم لمنزلة محبة الله ورسوله ليس بمستغرب، وذلك لأن الحلم هو سيد الفضائل، وأسّ الآداب، ومنبع الخيرات، ومصدر العقل، ودعامة العز، ومنبع الصبر والعفو.
ولقد من الله تعالى على سماحته – رعاه الله – فجمع له بين أكرم خصلتين، وأعظم خلتين وهما العلم والحلم، فبهما تميز عن غيره، ولذا اتسع صدره، وامتد حلمه، وعذر الناس من أنفسهم، والتمس العذر لأغلاطهم. ولعل من المناسب إيراد ما يدل على حلمه وسعة صدره، وشفعته على الناس، فمن ذلك أنه دخل عليه في مجلس القضاء في الدلم، رجل كثير السباب فسبَّ الشيخ وشتمه، والشيخ لا يرد عليه، وعندما سافر الشيخ / عبد العزيز بن باز إلى الحج توفي هذا الرجل فجهّز للصلاة عليه، في جامع العذار، وكان إمامه آنذاك الشيخ / عبد العزيز بن عثمان بن هليل، فلما علم أنه ذلك الرجل تنحى وامتنع عن الصلاة عليه، وقال: لا أصلي على شخص يشتم الشيخ ابن باز، بل صلوا عليه أنتم؛ فلما عاد الشيخ عبد العزيز من الحج وأخبر بموت ذلك الرجل ترحم عليه، وعندما علم برفض الشيخ ابن هليل الصلاة عليه، قال: إنه مخطئ في ذلك، ثم قال دلوني على قبره فصلى عليه وترحم عليه ودعا له.
ودخل عليه رجل آخر عنده قضية في الصباح الباكر، والشيخ يدرس الطلاب في الجامع – جامع الدلم – فوقف هذا الرجل عليهم، وأخذ ينادي بصوت مرتفع قائلا: قم افصل بين الناس، قم افصل بين الناس، واترك القراءة، فلم يزد الشيخ على أن قال: قم يا عبد الله بن رشيد، وأخبره يأتينا عندما نجلس للقضاء بعد الدرس.
وأخبرته برجل اغتابه سنين عديدة متهما إياه بصفات بذيئة، ونعوت مرذولة وأنه يطلب منه السماح والعفو، فقال: أما حقي فقد تنازلت عنه، وأرجو الله أن يهديه ويثبته على الحق.

لسماحة الشيخ منزل في الرياض، ومنزل في الطائف وهما ملك لسماحته، ومنزل في مكة، وليس ملكاً له، وإنما هو مستأجر .
وسماحته يتنقل بينها بحسب تنقل عمله، وسفره للحج أو العمرة .
أما منزل سماحته في الرياض فيقع في حي (عُلَيْشة) وتقع في الجنوب الغربي من الرياض، ويتكون من خمسة مبان، أو وحدات سكنية بسور واحد .
أما الوحدة الأمامية من جهة الجنوب فتتكون من مجلس، ومكان للطعام، ومكتبة، ومطبخ، ومكان لإعداد القهوة، ودورات مياه، ومكتب البيت .
وما فوق هذه الغرف تابع للمكتب، وسكن للعمال من سائقين وطباخين .
وتحت ذلك دور أرضي يشتمل على مستودعات تابعة للبيوت، وسكن لبعض السائقين، وغرفة كبيرة للضيوف .
وجميع ما في هذه الوحدة خاص بموظفي المكتب، والضيوف، والعمالة .
أما الوحدة الثانية فهي سكن لأم عبدالله زوجة الشيخ الأولى .
أما الوحدة الثالثة فهي سكن لأم أحمد زوجة الشيخ الأخيرة .

أما الوحدة الرابعة فهي سكن لابنه عبدالله .
أما الوحدة الخامسة فهي سكن لابنه أحمد .
وجميع هذه الوحدات في محيط واحد ويجمعها سور واحد – كما مر – .
وبين كل وحدة ووحدة جدار وباب يفصل بعضها عن بعض، ويُدْخِل بعضها في بعض .
فإذا أراد سماحة الشيخ الخروج للعمل خرج من بيت الزوجة التي هو عندها إلى الوحدة الأمامية، التي تشتمل على مجلسه، ومكتب البيت، وإذا قدم من عمله دخل من جهة الوحدة الأمامية نفسها، وإذا انتهى مجلسه دخل الوحدات الداخلية إلى أي من الوحدتين اللتين تسكنهما زوجتاه .
أما مسكنه في الطائف فهو يشتمل على مقدمة المنزل وهي تحتوي على مجالس، ومساكن الموظفين، والضيوف والمطبخ .
أما آخر المنزل فهو خاص بأسرة سماحته، وبينهما باب يدخل منه الشيخ ويخرج .
وهكذا منزله في مكة .
والمقصود من ذكر صفة منزله أن يقف القارئ على متابعة سماحته للأعمال سواء في الدوام، أو في المنزل، ولأجل أن يدرك معنى ما يرد في ثنايا الصفحات إذا قيل دخل مكتب البيت، ثم دخل داخل منزله، ونحو ذلك، فهذا هو وصف منازله الثلاثة خصوصاً في سنواته العشرين الأخيرة .
لعل من أبرز ما تميز به شيخنا – حفظه الله – الزهد في هذه الدنيا، مع توفر أسبابها، وحصول مقاصدها له، فقد انصرف عنها بالكلية، وقدم عليها دار البقاء، لأنه علم أنها دار الفناء، متأسيا بزهد السلف الصالح – رحمهم الله – الذين كانوا من أبعد الناس عن الدنيا ومباهجها وزينتها الفانية، مع قربها منهم، فالشيخ – حفظه الله – مثالا يحتذى به، وعلما يقتدى به، وقدوة تؤتسى في الزهد والورع وإنكار الذات، والهروب من المدائح والثناءات العاطرة، وكم من مرة سمعته في بعض محاضراته، حين يطنب بعض المقدمين في ذكر مناقبه وخصاله الحميدة، وخلاله الرشيدة، يقول: " لقد قصمت ظهر أخيك، وإياكم والتمادح فإنه الذبح، اللهم اجعلني خيرا مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون " بمثل هذه الكلمات النيرة، والتوجيهات الرشيدة نراه يكره المدح والثناء كرها شديدا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على زهد في القلب وعفة في الروح، وطهارة في الجوارح، وخشية للمولى جل وعلا.
وأما عفته وتعففه فهو بحر لا ساحل له، فهو عف اللسان، عفيف النفس طاهر الذيل بعيدا عن المحارم، مجانبا للمآثم، مقبلا على الطاعات، مدبرا عن السيئات ومواطن الزلل – نحسبه كذلك والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا -.
أرسل الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره الكافرون، أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا.
أنزل الله عليه الكتاب تبيانا لكل شيء، فبيّن صلى الله عليه وسلم أهدافه، وقيّد مطلقه، وخصص عامه، بعث صلوات الله وسلامه عليه ليتمم مكارم الأخلاق، فبيّن ذلك أتم بيان بقوله وفعله وتقريره، وإن من أعظم مكارم الأخلاق التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم " الصدق " وهو مطابقة الخبر للواقع، وقيل هو استواء السر والعلانية، والظاهر والباطن، وبأن لا تكذَّب أحوال العبد أعماله، ولا أعماله أحواله.
ولقد بلغ الشيخ عبد العزيز – بيَّض الله وجهه – من الصدق مبلغا عظيما، وغاية سامية ومنزلة رفيعة، فتجد جميع الناس يثقون به وبعلمه، وبفتاواه التي يعرفون أن مصدرها كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – ويتقبلون نصحه لأنهم يعلمون أنه صادر من قلب صادق مبني على الرحمة والشفقة وحب الهداية للخلق والخير لهم، وهذا الأمر – أعني به الثقة المتناهية – إنما نتجت وحصلت له، من جهة معلومة هي صدقه مع خالقه ومولاه، ونزاهته وإخلاصه.

التواضع هو انكسار القلب لله، وخفض جناح الذل والرحمة للخلق، ومنشأ التواضع من معرفة الإنسان قدر عظمة ربه، ومعرفة قدر نفسه، فالشيخ – حفظه الله – قد عرف قدر نفسه، وتواضع لربه أشد التواضع، فهو يعامل الناس معاملة حسنة بلطف ورحمة ورفق ولين جانب، لا يزهو على مخلوق، ولا يتكبر على أحد، ولا ينهر سائلا، ولا يبالي بمظاهر العظمة الكاذبة، ولا يترفع عن مجالسة الفقراء والمساكين، والمشي معهم، ومخاطبتهم باللين، ولا يأنف أبدا من الاستماع لنصيحة من هو دونه، وقد طبق في ذلك كله قول الله: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحدٍ ولا يبغي أحد على أحد أخرجه مسلم ( 2865 ).
ومما يندرج تحت هذا الخلق خلقا: السكينة والوقار، وهما من أبرز صفات الشيخ – حفظه الله – وهما أول ما يواجه به الناس سواء القرباء أو البعداء، جلساءه الأدنين أو زواره العابرين، فإن الناس ليتكبكبون حوله أينما وجد، في المسجد، في المنزل، في المكتب، وإنه ليصغي لكل منهم في إقبال يخيل إليه أنه المختص برعايته، فلا ينصرف عنه حتى ينصرف هو، ومراجعوه من مختلف الطبقات، ومن مختلف الأرجاء، ولكل حاجته وقصده، فيقوم الشيخ – حفظه الله – بتسهيل أمره، وتيسير مطلبه، ولربما ضاق بعضهم ذرعا عليه، بكلمات يرى نفسه فيها مظلوما فما من الشيخ – حفظه الله إلا أن يوجهه للوقار والدعاء له بالهداية والصلاح، إنها والله صور صادقة، بالحق ناطقة، تدل على تواضع جم، وحسن سكينة، وعظيم أناة وحلم، وكبير وقار.
ومما يؤكد تواضعه – حفظه الله – تلبية دعوة طلابه ومحبيه في حفلات الزواج الخاصة بهم، ويحضر حضورا مبكرا، ويطلب من أحد الإخوان قراءة آيات من القرآن الكريم، ثم يقوم بتفسيرها للجميع، هذا دأبه والغالب عليه في حضوره للولائم – رفع الله قدره
الكرم صفة محمودة، ومنقبة جليلة، وأكرم الورى على الإطلاق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أجود بالخير من الريح المرسلة – وخاصة في رمضان -.
والكرم في اصطلاح العلماء وهو التبرع بالمعروف قبل السؤال، والإطعام في المحل، وإكرام السائل مع بذل النائل.
والشيخ عبد العزيز – حفظه الله – كرمه معروف مشهور، وكرمه كرم أصيل لا تكلف فيه ولا تنطع، وقد سماه بعض محبيه حاتم الطائي في هذا العصر، فمائدته لا تخلو من ضيوف أبدا، يلتقي عليها الصغير والكبير، والغريب والقريب، وما أظن طعاما له خلا من عديد الضيفان حتى لكأنه هو القائل:

إذا ما صنعت الزاد فالتمسي له أكيلا فإني لست آكله وحدي
أخا سفر أو جار بيت فإنني أخاف مذمـات الحوادث من بعدي
وهذه الصفة مما انفرد سماحته – حفظه الله – دون غيره من العلماء، فهو كريم وكرمه يتمثل في أمور عدة:
أولا: عطاءه المستمر للفقراء والمحتاجين والمساكين فهو لا يرد طلبا، ولا يمسك شيئا من ماله لا قليلا ولا كثيرا، وربما مر عليه بعض الأشهر يستدين على راتبه، ولربما باع أغراضا مهمة لإنفاق قيمتها في سبيل الله.
ثانيا: يتمثل كرمه في أنه ما يدنو وحده إلى طعامه، ولا يأكل منفردا وحيدا، وإنما إذا حضر طعامه أحضر الناس على طعامه وسفرته، ويحضر العلماء والطلبة والمفكرون والأدباء والعامة وعابري السبيل والفقراء والمساكين، فيحيي الجميع ويرحب بهم أطيب الترحيب، ثم إذا أراد أحدهم أن يستعجل قال: كل باختياره لا ينظر أحد إلى أحد ويقول لمن دعا الله له، جعل الله فيه العافية.
بمثل هذه الأخلاق الرضية، والصفات الحميدة، حصل للشيخ طيب الذكر، وحسن الأثر، لا في الرياض وحدها، ولا في المملكة فحسب، ولا في العالم العربي ولكن في جميع العالم كله، وهناك – ولله الحمد والمنة – إجماع أو شبه إجماع على حبه وعلى أنه البقية الباقية الثابتة على طريق السلف الصالح.
وهذه الصور المشرقة التي سقناها عن كرم الشيخ وجوده تعتبر بمثابة دعوة مفتوحة إلى التنافس في الخير، والتسابق في ميادين الفضيلة والبعد عن الشح والحرص والبخل، وذلك أن الإسلام دين يقوم على التعاون والبر والبذل والإنفاق، ويحذر من الأنانية والإمساك ولذلك رغب صلى الله عليه وسلم في أن تكون النفوس بالعطاء سخية، والأكف بالخير ندية، ووصى أمته بالمسارعة إلى دواعي الإحسان، ووجوه البر وبذل المعروف، وإلى كل خلق نبيل.
إن الشيخ – حفظه الله – يمتاز باعتدال في بنيته، مع المهابة، وهو ليس بالطويل البائن، ولا القصير جدا، بل هو عوان بين ذلك، مستدير الوجه، حنطي اللون، أقنى الأنف، ومن دون ذلك فم متوسط الحجم، ولحية قليلة على العارضين، كثة تحت الذقن، كانت سوداء يغلبها بعض البياض فلما كثر بياضها صبغها بالحناء، وهو ذو بسمة رائعة تراها على أسارير وجهه إن ابتسم؛ وهو عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، ويمتاز بالتوسط في جسمه فهو ليس بضخم الكفين ولا القدمين؛ وأوصافه فيها شبه من أوصاف العلماء السابقين – رحمهم الله -.

إن الفراسة حلية معلومة، وخصلة حميدة لكبار العلماء وأهل الفضل والهدى، والفراسة كما قال عنها الإمام ابن القيم – رحمه الله -. الفراسة الإيمانية سببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرِّق به بين الحق والباطل، والحال والعاطل، والصادق والكاذب، وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيمانا فهو أحدَّ فراسة، وكان أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – أعظم الأمة فراسة، وبعده عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ووقائع فراسته مشهورة، فإنه ما قال لشيء. " أظنه كذا إلا كان كما قال " ويكفي في فراسته موافقته ربه في مواضع عدة.
وفراسة الصحابة – رضي الله عنهم – أصدق الفراسة، وأصل هذا النوع من الفراسة عن الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده، فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ، قال تعالى. { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}
قال بعض السلف. " من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وظاهره باتباع السنة لم تخطئ فراسته ".
والشيخ عبد العزيز – وقاه الله مصارع السوء – ولا نزكي على الله أحدا -، صاحب بصيرة نافذة، وفراسة حادة، يعرف ذلك جيدا من عاشره وخالطه، وأخذ العلم على يديه. ومما يؤكد على فراسته أنه يعرف الرجال وينزلهم منازلهم، فيعرف الجادّ منهم في هدفه ومقصده من الدعاة وطلبة العلم فيكرمهم أشد الإكرام، ويقدمهم على من سواهم، ويخصهم بمزيد من التقدير ويسأل عنهم وعن أحوالهم دائما، وله فراسة في معرفة رؤساء القبائل والتفريق بين صالحهم وطالحهم، وله فراسة أيضا في ما يعرض عليه من المسائل العويصة، والمشكلات العلمية؛ فتجده فيها متأملا متمعنا لها، تقرأ عليه عدة مرات، حتى يفك عقدتها، ويحل مشكلها، وله فراسة أيضا في ما يتعلق بالإجابة عن أسئلة المستفتين، فهو دائما يرى الإيجاز ووضوح العبارة ووصول المقصد إن كان المستفتي عاميا من أهل البادية، وإن كان المستفتي طالب علم حريص على الترجيح في المسألة، أطال النفس في جوابه مع التعليلات وذكر أقوال أهل العلم، وتقديم الأرجح منها، وبيان الصواب بعبارات جامعة مانعة.
جزاه الله خيرا، وأعظم له أجرا.
يتبع ………………..
[/B]

منقول

بآرك الله فيك ؛

موفق ؛

بارك الله فيك ..

ربي يعطيك العافيه ..

بوربوينت الامام مالك بن أنس 2024.

ممكن بويربوينت لادي درس في الكتاب الفصل الثاني

بللللييييييييييييييييييييييييييييييييييييييز

مادة شو

صف كم

ما عندي !!!

محطو في القسم
او فتح مواقع ثانية

خليجية المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت الامااارات خليجية
محطو في القسم
او فتح مواقع ثانية

يلا فالراااااادااااااااااااااار

محطو
هيه محطوط

عااش التنقيعخليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجيةخليجية

مااااااااااااااااااااااعندي

مااااااااااااااااااااااعندي

ماعندي

i dont have

ما عندي سمحيلي